رقية المعيون بـ(حَبسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابسٌ، وشهابٌ قابسٌ..)
د. عبد الله بن عمر الدميجي
24/10/1424
18/12/2003
نذكِّر الإخوة القراء أن هذه الزاوية (في البدء)؛ افتتحت لتكون إطلالة تواصل مع الإخوة (زوَّار الموقع)، نعرض فيها قضايا نافذة الفتاوى، مع ما يمكن من الكلمات النافعة والفتاوى المختارة، كما نعرض فيها قضايا رسائل الزوار المتعلقة بوضع النافذة بشكل عام.
24/10/1424
18/12/2003
نذكِّر الإخوة القراء أن هذه الزاوية (في البدء)؛ افتتحت لتكون إطلالة تواصل مع الإخوة (زوَّار الموقع)، نعرض فيها قضايا نافذة الفتاوى، مع ما يمكن من الكلمات النافعة والفتاوى المختارة، كما نعرض فيها قضايا رسائل الزوار المتعلقة بوضع النافذة بشكل عام.
وقد وردنا تعقيب من أحد الإخوة على فتوى (ما يقال للعائن لاتقاء عينه؟)نقل فيه قصة أبي عبدالله الساجي، وأنه قال : حبس حابس .... إلى آخر ما ذكر، فعرضنا هذا التعقيب على فضيلة الشيخ المفتي، فتكرَّم بالتعقيب والتوضيح.
التعقيب:
بسم الله الرحمن الرحيم، ذكر في فتوى للدكتور الدميجي إجابة على استفتاء أحد الإخوة حول ما يقال للعائن عند إلقاء عينه ما يلي: "أما ما سمعه السائل: (حبس حابس ...الخ) فهذه خرافة يقولها المستعينون بالجن، وهذا شرك لا يجوز أن يقال، وضرره مؤكد ولا نفع فيه" أ هـ.
فأنقل للشيخ ما يلي: "فصل في الرُّقى التي تَرُدُّ العين: ومن الرُّقى التي ترُدُّ العين ما ذكر عن أبـي عبد الله الساجي، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فَارهة، وكان في الرفقة رجل عائن، فما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبـي عبد الله: احفَظ ناقَتك من العائن، فقال: ليس له إلى ناقتي سبـيل، فأُخبرَ العائنُ بقوله، فتحين غيبة أبـي عبد الله، فجاء إلى رحله، فنظر إلى الناقة، فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبد الله، فأُخبرَ أن العائنَ قد عانها، وهي كما ترى، فقال: دلُّوني عليه، فدُل، فوقف عليه، وقال: بسم الله، حَبسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابسٌ، وشهابٌ قابسٌ، رددتُ عينَ العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، {فارجع البَصَرَ هَل تَرَى من فُطُورٍ. ثم ارجع البَصَرَ كَرتَين يَنقَلب إلَيكَ البَصَرُ خَاسئاً وهُوَ حَسيرٌ} فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقةُ لا بأسَ بها". فهل هذا زلة من الدكتور أم اجتهاد منه في موضعه؟ أرجو التوضيح من أصحاب الفضيلة.
*****
التوضيح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإني أشكر الأخ السائل على استفساره، وحرصه على التثبُّت في أمور دينه، وهذا هو المطلوب من كل مسلم، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، كما قال سعيد بن جبير لحصين بن عبد الرحمن، وكان عليه الرجوع إلى الحق إذا تبين، وسؤال أهل الذكر إذا كان لا يعلم، والتثبُّت مما يقف عليه أو يقال له، خاصة فيما يتعلَّق بعقيدته وإيمانه الذي هو أغلى ما يملك في هذا الوجود .
ثم إن جميع الكلام المذكور في الاستفسار عدة ملاحظات منها:
1. أما بخصوص الرقى التي ترد العين فالصحيح أن ذلك موقوف على ما ورد به الشرع، وهذا ما لم يتوفر في هذه الرقية المذكورة، ونسبتها إلى أحد العلماء إذا لم يذكر دليلها الشرعي فإنه لا يعطيها الصبغة الشرعية، ولا تجوز المتابعة له في ذلك بغير دليل، خاصة وقد بين لنا النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم - الرقية الشرعية لمثل هذه الحالة، فلا يجوز العدول عن بيان النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى كلام غيره مهما كانت منزلته.
2. ثم إن هذا الكلام المذكور ليس دعاءً ولا استعاذة بأسماء الله تعالى وصفاته، وإنما هو من السجع المتكلف الذي هو أقرب إلى سجع الكهان، وليس له معنى ظاهراً يحكم عليه من خلاله، فما معنى حابس ومن هو هذا الحابس؟ وما المقصود بالحجر اليابس؟ وما علاقة الحجر اليابس والشهاب القابس بالرقية من العين ؟
3. ثم إن في العمل بهذه الرقية عدول عما دلنا عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى كلام غير ظاهر المعنى والمراد، وغير معروف المصدر كما تقدم، وهذا لا يجوز.
4. ثم إن في هذا الكلام المسجوع عدة مخالفات شرعية منها:
أ. ما ورد فيه من قوله : "رددت عين العائن عليه، وعلى أقرب الناس إليه"، والسؤال ما ذنب أقرب الناس إليه؟ وقد بين لنا القرآن الكريم أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى" و "وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى".
ب. أن فيه استشهاد بالآية في غير ما سيقت إليه ومن غير مناسبة، وليس البصر المذكور في الآية هو بصر العائن كما هو ظاهر وجه الاستدلال.
5. ثم إن في صحة نسبة هذا الكلام إلى أبي عبد الله السياجي نظراً وذلك من وجوه :
أ. أنه لم يذكر هذا القول بإسناد يمكن أن يحكم عليه من خلاله، ويتثبت من صحته إليه.
ب. أنه يذكر في كتب التواريخ والسير والتراجم من القصص والحكايات ما لا يصح نسبته إلى قائلها، وخاصة فيما يتعلق بالكرامات والأمور الخارقة للعادة، ولا يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هذه الحكايات التي لا زمام لها ولا فطام، ونترك ما ثبت عندنا من قول المعصوم – صلى الله عليه وسلم – الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
ج. أنه لو ثبت ذلك – وهيهات أن يثبت – فلا تجوز لنا متابعته عليه، وإنما المتابعة للمعصوم – صلى الله عليه وسلم – كما ذكر آنفاً.
6. نعم قد روى أبو يعلى في مسنده (9/177) وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (510) والطبراني في الكبير (10/267 رقم (10518) حديثاً مفاده ما روى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فلينادي يا عباد الله احبسوا ، فإن لله حاضراً سيحبسه" فهذا الحديث مع أنه ليس موضوعنا صراحة إلا أنه لا يصح أيضاً؛ لأن فيه معروف بن حسان وهو منكر الحديث كما قال الذهبي في الميزان (4/143)، وأعله الحافظ ابن حجر في الفتوحات الربانية (5/150) بالانقطاع، وفيه سعيد بن أبي عروبة مختلط ومدلس، وقد ضَّعف الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد (10/132) والبوصيري كما في الإتحاف بذيل المطالب العالية (3/239 رقم 3375) ومن المعاصرين الألباني في الضعيفة رقم (655).
وأما دعوى أنه قد تعتبر هذه الرقية شركاً، فهذا على اعتبار أن الحابس من الجن، وأن هذا دعاء له واستعانة من دون الله تعالى، فهذا لا يكون إلا بالجن والاستعانة بالجن في مثل هذا الأمر هو ضرب من ضروب الشرك .
والله أعلم وأحكم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://www.islamtoday.net/questions/...=26&artid=3175