المشاهد والقبور الصحيح منها والمكذوب، وخطورة التعلق بها
الشيخ الامين الحاج محمد
أولاً: ما صح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام
ثانياً: المشاهد المكذوبة المنسوبة لبعض الأنبياء والرسل عليهم السلام
ثالثاً: المشاهد المكذوبة المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين وغيرهم
النهي والتحذير من بناء المشاهد والقباب على القبور
ما يستفاد من مجموع هذه الأحاديث والآثار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الناصح الأمين، ورضي الله عن آله وصحابته الغر الميامين، وبعد..
على الرغم من أن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نهى وحذر أمته من التعلق بالقبور، وسدَّ كل الذرائع المؤدية إلى ذلك، ما فتئت طائفة من المسلمين كبيرة متعلقة بذلك، ومتخذة لما حذرهم رسولهم عن اتخاذه من الوسائط والعلائق التي هي أوهى من خيط العنكبوت، مع سبق الإصرار والعزم، والمضي قدماً فيه، رادِّين للأحاديث والأوامر الصريحة.
وليت قومي اكتفوا بما صح من مشاهد وما علم من مقابر، بل اخترعوا مشاهد موهومة ومقابر مزعومة، ومراقد مكذوبة، وبالغوا في تعظيمها، واجتهدوا في تكريمها، ولا يزال الشيطان يزين لهم هذا الباطل، ويؤكده لهم، ويشجعهم ويحثهم على العكوف عليه.
المشاهد والقبور التي يتعلق بها قطاع كبير من المسلمين لبعض الأنبياء والرسل، والعلماء، والصالحين، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو كذب، ومنها ما هو مختلف فيه.
وقد نبه شيخ الإسلام ومفتي الأنام أحمد بن عبد الحليم الإمام الشهير بابن تيمية إلى أهم المشاهد التي يتعلق بها الناس قديماً وحديثاً، وبين الصحيح منها والمكذوب، والمختلف فيها، وإليك خلاصة ما ذكره[1] ابن تيمية ومثل به:
أولاً: ما صح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام
لم يصح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام سوى قبرين، هما:
1. قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وهو منقول بالتواتر، ولم يشك فيه أحد.
2. وقبر الخليل إبراهيم عليه السلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (القبر المتفق عليه هو قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقبر الخليل فيه نزاع، لكن الصحيح الذي عليه الجمهور أنه قبره).
وقال في موضع آخر من الكتاب: (وأما قبر الخليل عليه السلام قالت العلماء على أنه حق، لكن كان مسدوداً بمنزلة حجرة النبي، ولم يكن عليه مسجد، ولا يصلي أحد هناك، بل المسلمون لما فتحوا البلاد على عهد عمر بن الخطاب بنوا لهم مسجداً يصلون فيه في تلك القرية، منفصلاً عن موقع الدير، ولكن بعد ذلك نقبت حائط المقبرة كما هو الآن النقب الظاهر فيه، فيقال: إن النصارى لما استولوا على البلاد نقبوه وجعلوه كنيسة، ثم لما فتحه المسلمون لم يكن المتولي لأمره عالماً بالسنة حتى يسده، ويتخذ المسجد في مكان آخر، فاتخذ ذلك مسجداً، وكان أهل العلم والدين العالمون بالسنة لا يصلون هناك).
ثانياً: المشاهد المكذوبة المنسوبة لبعض الأنبياء والرسل عليهم السلام
كل مشهد أوقبر أضيف لنبي من الأنبياء سوى نبينا محمد وأبينا إبراهيم عليهما السلام فهو كذب محض، لعدم قيام الدليل على ذلك، مثل المشاهد المضافة إلى كل من نوح، وهود، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ويونس، وإلياس، واليسع، وشعيب، وموسى، وزكريا، ويحيى عليهم السلام، وإليك بعض توضيح ذلك:
1. القبر المضاف إلى هود عليه السلام بجامع دمشق، هو قبر معاوية، لأن هود بعث باليمن وهاجر إلى مكة ولم يذهب إلى الشام، وقيل إنه مات بمكة، وقيل باليمن.
2. كان بحـران مسجـد يقـال له مسجـد إبراهيـم يظن الجهـال أنه إبراهيم الخليـل، وإنما هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عباس، الذي كانت دعوة الخلافة العباسية له، فحبس هناك حتى مات وأوصى بالخلافة إلى أخيه أبي جعفر المنصور.
3. المسجد الذي كان بجانب عُرَنَة – الذي بني في موضعه مسجد عرفة – الذي يقال له مسجد إبراهيم، فإن بعض الناس يظن أنه إبراهيم الخليل، وإنما هو من ولد العباس، والمسجد إنما بني في دولة بني العباس، علامة على الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم عرفة.
4. القبر المنسوب إلى نوح عليه السلام ببعلبك كذب قطعاً.
5. القبران المنسوبان لزكريا ويحيى عليهما السلام بالمسجد الأموي بدمشق كذب محض أيضاً.
ثالثاً: المشاهد المكذوبة المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين وغيرهم
هناك العديد من القبور التي بنيت عليها مشاهد – قباب ونحوها – المنسوبة لبعض الصحابة والتابعين، وغيرهم، لا تصح نسبة هذه القبور لمن نسبت إليهم، وإليك نماذج من ذلك:
1. المشهد المنسوب لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه والذي تؤلهه الشيعة بالنجف هو قبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يعدد المشاهد المختلقة: (وكذلك قبر علي رضي الله عنه الذي بباطنة النجف بالكوفة، فإن المعروف عند أهل العلم أنه دفن بقصر الإمارة بالكوفة كما دفن معاوية بقصر الإمارة بالشام، ودفن عمرو – بن العاص – بقصر الإمارة بمصر، خوفاً عليهم من الخوارج أن ينبشوا قبورهم، فإن الخوارج تحالفوا على قتلهم، فقتل عبد الرحمن بن ملجم علياً وهو خارج إلى صلاة الفجر بمسجد الكوفة باتفاق الناس، ومعاوية ضربه الذي أراد قتله على إليته فعولج من ذلك وعاش، وعمرو بن العاص استخلف على الصلاة رجلاً اسمه خارجة، فضربه الخارجي فظنه عمراً، وقال: أردت عمراً وأراد الله خارجة).
لقد خذل الله الرافضة بعبادة رجل من ألد أعدائهم، المغيرة، وهم يحسبون أنه علي الذي يرفعونه هو وبعض آل بيته إلى درجة الألوهية.
2. مشهد رأس الحسين رضي الله عنه بالقاهرة
هذا المشهد الذي أصبح صنماً يعبد من دون الله ويطاف حوله كما يطاف بالكعبة المشرفة ينسب زوراً وبهتاناً للإمام البطل الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما، ويؤكد العلماء الأثبات والمؤرخون الثقات أن رأس الحسين رضي الله عنه بالمدينة بالبقيع، وأن جسده الطاهر بالمدينة بكربلاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكذلك مشهد الرأس الذي بالقاهرة، فإن المصنفين في مقتل الحسين اتفقوا على أن الرأس لم يعرف، وأهل المعرفة بالنقل يعلمون أن هذا أيضاً كذب، وأصله – أي المشهد الذي بالقاهرة – أنه نقل من مشهد بعسقلان، وذاك المشهد بني قبل هذا بنحو من ستين سنة، في أواخر المائة الخامسة، وهذا بني في أثناء المائة السادسة، بعد مقتل الحسين بنحو من خمسمائة عام، والقاهرة بنيت بعد مقتل الحسين بنحو من ثلاثمائة عام، وهذا المشهد بني بعد بناء القاهرة بنحو مائتي عام.