من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 04.08.09 8:45
عرف الجرجاني العرف بقوله
( " العرف ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول ، وتلقّته الطبايع بالقبول " .
و قال بعضهم
( " هي الامر الذي يتقرر بالنفوس ويكون مقبولاً عند ذوي الطباع السليمة بتكراره المرة بعد المرة ثم قال : والعرف بمعنى العادة " ) .
و أورد بعضهم أن الاعراف تتفاوت وتختلف باختلاف الازمنة والامكنة
فهل تختلف العقول والطباع السليمة معها أم ماذا ؟ .
هذا اللازم يلزم إذا كانت الأعراف متناقضة أو متضادة
فهنا يلزم أن يكون ما تتقبله الطباع يتناقض
أما إذا كان من قبيل اختلاف التنوع لا من قبيل اختلاف التضاد فلا يلزم .
و ينقسم العرف إلى :
عرف عام و هو العرف الذي يشترك فيه غالبية الناس .
و عرف خاص وهو العرف الذي يصدر عنه فئة من الناس تجمعهم وحدة من زمان معين أو مكان كذلك أو مهنة خاصة أو فن ،
كالاعراف التي تسود في بلد أو قطر خاص ، أو تسود بين أرباب مهنة خاصة أو علم أو فن ;
ويدخل في هذا القسم كثير من عوالم استعمال الالفاظ وإعطائها طابعاً خاصاً له تميزه عند أهل ذلك العرف ، وقسم من المعاملات التي يتميزون بها عن غيرهم من أهل الاعراف الاخر .
فالعرف العام يلزم عموم الناس و العرف الخاص يلزم فقط أصحاب العرف الخاص و لا يلزم عموم الناس .
و ينقسم كذلك إلى :
عرف قولي و هو العرف الذي ينقل معاني الألفاظ اللغوية إلى معاني عرفية
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله
( فالحقيقة العرفية هي ما صار اللفظ دالاً فيها على المعنى بالعرف لا باللغة، وذلك المعنى يكون تارة أعم من اللغوي وتارة أخص وتارة يكون مباينًا له لكن بينهما علاقة استعمل لأجلها.
فالأول مثل لفظ الرقبة و الرأس ونحوهما كان يستعمل في العضو المخصوص ثم صار يستعمل في جميع البدن.
والثاني مثل لفظ الدابة ونحوها كان يستعمل في كل ما دب ثم صار يستعمل في عرف بعض الناس في ذوات الأربع وفي عرف بعض الناس في الفرس وفي عرف بعضهم في الحمار ) .
و عرف عملي
و هي تعارف الناس على عمل معين دون التلفظ كبيع المعاطاة
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله
( القول الثالث: أنها تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل. فكل ما عده الناس بيعًا وإجارة فهو بيع وإجارة؛ وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال، انعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه بينهم، من الصيغ والأفعال، وليس لذلك حد مستمر، لا في شرع، ولا في لغة، بل يتنوع بتنوع اصطلاح الناس، كما تتنوع لغاتهم.
فإن لفظ البيع والإجارة في لغة العرب، ليس هو اللفظ الذي في لغة الفرس، أو الروم، أو الترك، أو البربر، أو الحبشة، بل قد تختلف أنواع اللغة الواحدة، ولا يجب على الناس التزام نوع معين من الاصطلاحات في المعاملات، ولا يحرم عليهم التعاقد بغير ما يتعاقد به غيرهم، إذا كان ما تعاقدوا به دالًا على مقصودهم، وإن كان قد يستحب بعض الصفات، وهذا هو الغالب على أصول مالك. وظاهر مذهب أحمد.
ولهذا يصح في ظاهر مذهبه بيع المعاطاة مطلقًا، وإن كان قد وجد اللفظ من أحدهما، والفعل من الآخر؛ بأن يقول: خذ هذا لله، فيأخذه. أو يقول: أعطني خبزًا بدرهم فيعطيه. أو لم يوجد لفظ من أحدهما؛ بأن يضع الثمن، ويقبض جرزة البقل، أو الحلواء، أو غير ذلك، كما يتعامل به غالب الناس. أو يضع المتاع ليوضع له بدله، فإذا وضع البدل الذي يرضي به أخذه، كما يجلبه التجار على عادة بعض أهل المشرق.
فكل ما عده الناس بيعًا فهو بيع. وكذلك في الهبة مثل الهدية. ومثل تجهيز الزوجة بمال يحمل معها إلى بيت زوجها، إذا كانت العادة جارية بأنه عطية لا عارية. وكذلك الإجارات؛ مثل ركوب سفينة الملاح المكاري، وركوب دابة الجمّال، أو الحمّار، أو البغّال المكاري على الوجه المعتاد أنه إجارة، ومثل الدخول إلى حمام الحمّامي؛ يدخلها الناس بالأجرة، ومثل دفع الثوب إلى غسّال، أو خيّاط، يعمل بالأجر، أو دفع الطعام إلى طباخ، أو شوّاي للآخر، سواء شوي اللحم مشروحًا أو غير مشروح ..... )
و ينقسم من حيث الصحة و الفساد إلى :
عرف صحيح و مدار استعماله فيما لم يجعل الشارع له حدا
قال شيخ الإسلام بن تيمية
وإذا كان فائدة الحد بيان مسمى الاسم، والتسمية أمر لغوي وضعي، رجع في ذلك إلى قصد ذلك المسمى ولغته؛ ولهذا يقول الفقهاء: من الأسماء ما يعرف حده بالشرع، ومنها ما يعرف حده بالعرف.) .
و قال
( فإن ما أمر اللّه به، منه ما هو محدود بالشرع، كالصلوات الخمس، وطواف الأسبوع بالبيت، ومنه ما يرجع في قدره إلى اجتهاد المأمور، فيزيده وينقصه بحسب المصلحة التي يحبها اللّه.
فمن هذا ما اتفق عليه الناس، ومنه ما تنازعوا فيه، كتنازع الفقهاء فيما يجب للزوجات من النفقات: هل هي مقدرة بالشرع؟
أم يرجع فيها إلى العرف، فتختلف في قدرها وصفتها باختلاف أحوال الناس؟
وجمهور الفقهاء على القول الثاني، وهو الصواب لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند:
(خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، وقال أيضًا في خطبته المعروفة: (للنساء كسوتهن ونفقتهن بالمعروف).
وكذلك تنازعوا ـ أيضًا ـ فيما يجب من الكفارات: هل هو مقدر بالشرع أو بالعرف؟ ) .
و قال
( ومما ينبغي أن يعلم: أن القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى أقوال أهل اللغة؛ فإنه قد عرف تفسيره وما أريد بذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم؛ ولهذا قال الفقهاء:(الأسماء ثلاثة أنواع) نوع يعرف حَدّه بالشرع كالصلاة والزكاة، ونوع يعرف حده باللغة كالشمس والقمر، ونوع يعرف حده بالعرف كلفظ القبض، ولفظ المعروف في قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]. ) .
و قال رحمه الله
( وكذلك في سائر الكفارات، إذا أعطاه مما يقتات به مع أدمه، فهو أفضل من أن يعطيه حبًا مجردًا إذا لم يكن عادتهم أن يطحنوا بأيديهم، ويخبزوا بأيديهم، والواجب في ذلك كله ما ذكره الله تعالى بقوله: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} الآية [المائدة: 89] ، فأمر الله تعالى بإطعام المساكين من أوسط ما يطعم الناس أهليهم.
وقد تنازع العلماء في ذلك، هل ذلك مقدر بالشرع، أو يرجع فيه إلى العرف، وكذلك تنازعوا في النفقة؛ نفقة الزوجة. والراجح في هذا كله أن يرجع فيه إلى العرف، فيطعم كل قوم مما يطعمون أهليهم، ... )
و قال رحمه الله
( والأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وتارة باللغة؛ كالشمس والقمر والبر والبحر، وتارة بالعرف كالقبض والتفريق.
وكذلك العقود كالبيع والإجارة والنكاح والهبة، وغير ذلك، فما تواطأ الناس على شرط، وتعاقدوا، فهذا شرط عند أهل العرف .... ) .
و قال رحمه الله ( وذلك أن الله ذكر البيع والإجارة والعطية مطلقا في كتابه، ليس لها حد في اللغة ولا الشرع فيرجع فيها إلى العرف. )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
( واعلم أن من لم يحكم دلالات اللفظ ويعلم أن ظهور المعنى من اللفظ تارة يكون بالوضع اللغوى أو العرفى أو الشرعى
إما فى الألفاظ المفردة وإما فى المركبة وتارة بما اقترن باللفظ المفرد من التركيب الذى تتغير به دلالته فى نفسه وتارة بما اقترن به من القرائن اللفظية التى تجعله مجازا وتارة بما يدل عليه حال المتكلم والمخاطب والمتكلم فيه .. ) .
فوظيفة العرف في الشرع هي بيان حد بعض الأحكام الشرعية التي لم يجعل لها الشارع حدا
كنفقة الزوجه و القبض و الكفارات و حد السفر الذي يجوز فيه القصر و غيرها .
لذا متى ما جاء العرف بمخالفة الشرع كان عرفا فاسدا
كما نرى اليوم من تعارف بعض الشعوب على خروج المرأة متبرجة او خروجها للعمل من غير حاجة أو تعاملهم بالربا... و كل هذه مخالفات منها ما هو كفر مخرج من الملة و منها ما دون ذلك .
فالعرف لو كان صحيحا لا يأتي بتشريع جديد و إنما هو مبين لمراد الشارع سكت عن بيانه الشارع
وإحاله بيانه لما يراه الناس من مصلحة لهم فيه من دون الدخول في المحرم .
و العرف الفاسد هو الذي قال الله تعالي عنه
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}
(116) سورة الأنعام
فهذا العرف هو الذي خالف الشرع .
و من شروط العرف
أن
مطردا أن يكون عرفا مستمرا متبعا .
و أن
يكون عاما غالبا أي لا يكون خاصا لفرد معين أما ما كان خاصا لقوم معينين فليزم هؤلاء القوم فقط و لا يلزم عموم الناس .
أن
لا يكون مخالفا للشرع .
و الله أعلم .
المصدر السابق