أولويات في طلب العلم
الحمد لله رب العالمين ،وصلى الله وسلم على رسوله محمد وآله وصحبه وسلم
أما بعد :
فإني أعرف بعض طلبة العلم لهم همة عجيبة في اقتناء الكتب ، وجمعها ، وقراءة مقدماتها ، وبعض المباحث فيها ، ومضى عليهم وقت طويل وهم على هذه الصفة ؛ لأن المطابع لا تفتر وهم لا يفترون ! وهذا ـ من حيث الجملة ـ عمل طيب يتعرف الطالب من خلاله على كتب العلماء ، ويجد أحيانا في بعض ثنايا هذه الكتب فرائد الفوائد، وبعض العجائب !
لكن المشكلة تكمن في كون العمر قصير ، والعلم كثير ، ويكون هذا على حسابها ، فلو سألت أحدهم : هل قرأت صحيح البخاري ، أو صحيح مسلم ؟ فضلا عن بقية السنن ؛ لكان الجواب : محزنا! مع أنك تجده قد جمع عدة صور لمخطوطات في الأجزاء والأمالي والمشيخات ! فضلا عن المطبوعات ، بل لو سألته : هل قرأت المحرر والبلوغ ورياض الصالحين؟ لكان الجواب مشابها للذي قبله .
وهكذا تجده قد جمع معظم التفاسير، وهو لم يقرأ تفسير ابن كثير كاملا بل ولا حتى مختصرا له.
ومثله في الفقه قد جمع معظم كتب أصحاب المذاهب، المطولة والمختصرة ولم يحفظ أو يقرأ أو يدرس شيئا منها.
وقل مثل ذلك في العقيدة ، واللغة بفروعها، والتاريخ وباقي العلوم .
وهذا كله مخالف لطريقة السلف والخلف في العلم وتحصيله
والعجيب أن هذا الأمر ليس وليد الساعة بل قد شكا منه الخطيب البغدادي فقال رحمه الله ـ الكفاية 141ـ :
وأكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على أرادتهم كتب الغريب دون المشهور وسماع المنكر دون المعروف ، والاشتغال بما وقع فيه السهو ،والخطأ من روايات المجروحين ، والضعفاء حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا والثابت مصدوفا عنه مطرحا ، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ، ومحلهم ونقصان علمهم بالتمييز ، وزهدهم في تعلمه وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والأعلام من أسلافنا الماضين.
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله معلقا على كلام الخطيب ـ شرح العلل 1/409ـ
وهذا الذي ذكره الخطيب حق ، ونجد كثيرا ممن ينتسب للحديث لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها ، ويعتني بالأجزاء الغريبة وبمثل مسند البزار ومعاجم الطبراني أو أفراد الدارقطني وهي مجمع الغرائب والمناكير.
فالله الله يا أخواني
بالحرص على الأصول واتباع طريقة العلماء في العلم والتحصيل وضبط الأصول ، وكما قيل:
إذا لم تكن حافظا واعيا فجمعك للكتب لا ينفع
وأخيرا
أنصح نفسي وإخواني بقراءة الكتب المؤلفة لتوجيه طالب العلم وحثه : مثل كتاب الخطيب الجامع وتذكرة ابن جماعة ، وجامع بيان العلم لابن عبد البر
وأخيرا حلية طالب العلم لبكر أبو زيد ، وكتاب العلم لابن عثيمين. ففيها نفع عظيم ، ومنهج قويم ، لمن كان له قلب سليم .
والله الموفق وصلى الله على الخليل محمد وآله وسلم .
صدقت والله أخي الكريم ، وبارك الله فيك
ولقد سمعت الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - في شرحه لكتاب الفتن من صحيح البخاري - إن لم تخنّي الذاكرة - يشير إلى هذا المعنى ، وضرب مثلاً على أن جمع الكتب ليس دليلاً على الفقه والعلم بأن الشيخ عبدالرحمن البابطين - رحمه الله - كان يطلق عليه لقب "مفتي الديار النجديّة" ، وكان دأبه في التفقه في الدين هو القراءة من كتاب الروْض المربع للبهوتي ، فكلمّا انتهى من قراءته وشرحه وبيان عباراته أعاده مرّة أخرى على طلاّبه وهكذا ..
رحم الله الجميع . وجزاك الله خيرًا .
من هذا الباب
ما سمعته من الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه الله قال :
كانوا يقولون : ( صاحب الكتاب خيرٌ من صاحب الكتب )
ووضّح لي مرادهم بهذه العبارة وهو
أن العالم الذي يتخصص في كتاب من أمهات كتب العلم ويكرس حياته في إتقانه واستيعاب شروحه وفي تدريسه للناس يكون أنفع للناس ممن وزع جهده على كتب كثيرة فلم يتقن أحدها الإتقان الكامل ، أو كما قال رحمه الله .
قلت :
وهذا شيء مجرب فالكتاب الذي تشرحه عدة مرات لطلابك يكون إتقانك له وتمكنك من شرحه ومن الإجابة على استشكالات الطلاب في غوامض عباراته بل معرفتك بالاستشكالات وإجابتك عنها قبل أن تسأل ، في المرة الثانية أعظم من الأولى والثالثة أعظم من الثانية وهكذا
وقد رأينا كبار أهل العلم يتخصصون غالبا في مجموعة كتب كلما انتهوا من شرحها بدؤوا في شرحها من جديد ، وعندما تتبع درسا في شرح كتاب لأحد العلماء الكبار يقال لك هذا الكتاب يشرحه الشيخ للمرة الثالثة أو للمرة الرابعة وهكذا
فعلى سبيل المثال لما حضرنا على سماحة الشيخ ابن باز شرح إغاثة اللهفان قيل لنا هذه هي المرة الرابعة التي يشرح فيها الشيخ إغاثة اللهفان ، وهي المرة الخامسة التي يقرأ فيها نفس القارئ الشيخ الحمين نفس الكتاب فقد قرأه مرة على العلامة ابن إبراهيم وأربع مرات على تلميذه ابن باز ،
وشيخنا السيد الغباشي عندما كان يشرح لنا كتاب الإيمان الكبير لشيخ الإسلام قال لنا بعض قدماء طلابه هذه هي المرة الثامنة التي يشرح فيها كتاب الإيمان الكبير ، فلذا كان إتقانه له أشد
أيضاً فمما يساوي إعادة شرح الكتاب إعادة شرح كتاب مماثل مسائله لا تخرج عن مسائل الأول أو كتاب مختصر عن الأول
والله أعلم
جزاكم الله خيرا
وقد قرات في مقدمة السيوطي لكتابه تدريب الراوي ذكر شيخه العلامة محي الدين الكافيجي
فقال المعلق الاستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف:منسوب الى الكافية لابن الحاجب ؛ وذلك لكثرة قراءتها و إقرائها.
ومثل هذا الاختصاص بشيخ واحد من اوعية العلم لمدة طويلة اكثر فائدة من كثرة التنقل
ولعل كثيرا من السلف كانوا يمارسون هذا التخصص يعرف ذلك بمعرفة مدارس العلم عصر الصحابة ثم تلاميذهم ...وهكذا
ومما يشبه هذا ان يتخصص الطالب مدة طويلة في قراءة كتب عالم متقدم واقرائها كان يختص بمدرسة ابن القيم او مدرسة ابن رجب وغيرهم من المكثرين او في فن واحد كمدرسة ابن هشام...
والله اعلم
والنقل
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=48413