قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري(3/227)
51- باب : من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد ، فأراد به الله عز وجل
وقال الزهري : اخبرني أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم (( عرضت علي النار وأنا اصلي)) .
431 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك عن زيد بن اسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عباس ، قال : انخسفت الشمس ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : (( أريت النار ، فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع )) .
حديث ابن عباس هذا قد خرجه بطوله في ((أبواب صلاة الكسوف)) وخرج فيها - أيضا- معناه من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- .
وأما حديث أنس الذي علقه فهو قطعة من حديث طويل ، فيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر عند الزوال ، ثم صعد المنبر فذكر الساعة ، ثم قال : ((من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل)) . وفي آخره : قال : ((عرضت علي الجنة والنار - آنفا - في عرض هذا الحائط ، فلم أر كالخير والشر)) .
وقد خرجه البخاري بتمامه في ((باب : وقت الصلاة عند الزوال)) ، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - ، وخرج بعضه في ((كتاب : العلم)) فيما سبق .
وخرجه - أيضا - بمعناه من حديث قتادة ، عن أنس في ((كتاب : الفتن)) .
وليس في حديث الزهري وقتادة عن أنس أن عرض الجنة والنار عليه كان في الصلاة .
وخرج - أيضا - في ((باب : رفع البصر إلى الإمام في الصلاة)) من حديث فليح : ثنا هلال بن علي ، عن أنس ، قال : صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رقي المنبر ، فأشار بيده قبل قبلة المسجد ، ثم قال : ((لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين في قبلة هذا الجدار ، فلم أر كاليوم في الخير والشر)) - ثلاثا .
وخرج مسلم من حديث عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن جابر ، قال : انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر صلاته وخطبته بعد الصلاة ، وانه قال فيها : ((ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه ، لقد جيء بالنار ، وذلك حين رأيتموني تأخرت ؛ مخافة أن يصيبني من لفحها)) - وذكر الحديث .
ومقصود البخاري بهذا الباب : أن من صلى لله عز وجل ، وكان بين يديه شيء من جنس ما عبد من دون الله كنار وتنور وغير ذلك ، فإن صلاته صحيحة ، وظاهر كلامه أنه لا يكره ذلك - أيضا.
واستدل بعرض النار على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته ، وفي هذا الاستدلال نظر .
قال الإسماعيلي : ليس ما أراه الله من النار حتى أطلعها بمنزلة نار يتوجه المرء إليها وهي معبودة لقوم ، ولا حكم ما أري ليخبرهم بما رآه كحكم من وضع الشيء بين يديه أو رآه قائما موضوعا فجعله أمام مصلاه وقبلته . انتهى .
فأشار إلى الفرق من وجوه :
منها : أن من كره الصلاة إلى نار أو تنور ، فإنما كره أن يتعمد المصلي ذلك ، وعرض النار على النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك .
ومنها : أن المكروه استقبال نار الدنيا ؛ لأنها هي التي عبدت من دون الله عز وجل ، فأما نار جهنم فهي دار عقاب الكفار ، فليست كنار الدنيا .
ومنها : أن ما أري النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الغيب لا يتعلق به أحكام أمور الدنيا .
ومن هنا قيل : إن جبريل لما شق قلب النبي صلى الله عليه وسلم وغسله في طست من ذهب لم يجر على ذلك حكم استعمال أواني الذهب في الدنيا .
وقد كره أكثر العلماء الصلاة إلى النار ، منهم : ابن سيرين ، كره الصلاة إلى تنور ، وقال : هو بيت نار .
وقال سفيان : يكره أن يوضع السراج في قبلة المسجد .
وقال إسحاق : السراج لا بأس به ، والكانون أكرهه - : نقله عنه حرب .
وقال مهنا : سألت أحمد عن السراج والقنديل يكون في قبلة المسجد ؟ قال : أكرهه
وأكره كل شيء ؛ حتى كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئا حتى المصحف .
وكان ابن عمر يكره أن يكون بينه وبين القبلة شيء .
ونقل الفرج بن الصباح البرزاطي عن أحمد ، قال : إذا كان التنور في قبلة لا يصلى إليه ؛ كان ابن سيرين يكره أن يصلي إلى التنور .
ووجه الكراهة : أن فيه تشبها بعباد النار في الصورة الظاهرة ، فكره ذلك ، وإن كان المصلي يصلي لله ، كما كرهت الصلاة في وقت طلوع الشمس وغروبها لمشابهة سجود المصلي فيه سجود عباد الشمس لها في الصورة ، وكما تكره الصلاة إلى صنم والى صورة مصورة .
قال أحمد في رواية الميموني : لا تصل إلى صورة منصوبة في وجهك .
وقد سبق ذكر كراهة الصلاة إلى الصور .
وأما استثناء إسحاق من ذلك السراج ، فقد أشار حرب إلى الاستدلال له بما خرجه من طريق أسباط ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حصير - وبين يديه مصباح - قال : فجاءت الفأرة ، فأخذت الفتيلة : فألقتها على الحصير ، وأحرقت منه قدر الدرهم ، فقال رسول الله r : ((إن الفويسقة لتضرم على أهل البيت)) .
وقد خرجه أبو داود ، وليس عنده ذكر الصلاة على الحصير ، ولا أن بين يديه مصباحا .
ولو وضع بين يدي المصلي في صلاته نار لم تبطل صلاته ، ويزيلها عنه بحسب القدرة .
وفي ((صحيح مسلم)) عن أبي الدرداء قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأم ، فسمعناه يقول : ((أعوذ بالله منك)) . ثم قال : ((ألعنك بلعنة الله)) - ثلاثا - وبسط يديه كأنه تناول شيئا ، فلما فرغ من الصلاة قلنا يا رسول الله ، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك . قال : ((إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ؛ ليجعله في وجهي فقلت : أعوذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة . فلم يستأخر - ثلاث مرات - ، ثم أردت آخذه ، والله ؛ لو لا دعوة أخينا سليمان u لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة)) .
وخرج الإمام أحمد من حديث سماك بن حرب ، سمع جابر بن سمرة يقول : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ، فجعل يهوي بيده فسأله القوم حين انصرف ، فقال : ((إن الشيطان كان يلقي علي شرر النار ؛ ليفتنني عن الصلاة ، فتناولته ، فلو أخذته ما انفلت مني حتى يناط إلى سارية من سواري المسجد ينظر إليه ولدان أهل المدينة)) .
__________________
عبدالرحمن بن عمر الفقيه
gamdi11@gmail.com
والنقل
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=16078#post16078
gamdi11@gmail.com
والنقل
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=16078#post16078