العلاقة بين التشيع والتصوف
عادل الزعيري
19 - 5 - 2009
عاش الرعيل الأول من رجال هذه الأمة العظيمة وسلفها الصالح قلبًا واحدًا عاضين على دينهم بالنواجذ, باذلين في سبيل طاعة الله ورسوله الغالي والنفيس, عاشوا حول إمام الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم أمة واحدة وكلمة واحدة.
ثم بدأت الفرق والأحزاب في الظهور بين المسلمين, وكان أول ما ظهر في هذه الأمة من هذه الفرق فرقتان, تشيَّع لكل منها جماعة من أهل القبلة وهما: فرقة الخوارج, وفرقة الشيعة, وقد استمر الشيعة في غلوهم, فتظاهروا بحب آل البيت وبدأوا يوجهون سهام كفرهم لهذا الدين, فطعنوا في الصحابة طعنًا عظيمًا.
وبين أيدينا كتاب بعنوان (العلاقة بين التشيع والتصوف) والتي أعده الدكتور (فلاح بن إسماعيل بن أحمد) وهي في الأصل رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه من كلية الدعوة وأصول الدين من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية, ويتناول الكتاب فرق الشيعة والصوفية, ونشأة كل منهما وأثرهما في التاريخ الإسلامي, والعلاقة بينهما.
وتحتوي الرسالة على ثلاثة أبواب, جاءت كالتالي:
الباب الأول: ويتكون من فصلين, (الفصل الأول) يتحدث عن معاني الشيعة: فهي تعني في اللغة: أنصار الرجل وأتباعه, وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة, والجماعة شيع وأشياع.
وقد ورد ذكر لفظ الشيعة في القرآن في مواضع كثيرة, فمنها قول اللهتعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 51], فالمعنى يدور حول المشايعة والمطاوعة والاتفاق في الرأي أو الملة بين شخص وآخر أو بين جماعة وأخرى، فيكون بعضهم يتبع بعضًا ويناصره ويعاونه؛ للاتفاق والتشابه الفكري أو الديني الذي يربط بينهم في غالب أمرهم وحالهم.
وقد ورد اسم الشيعة في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في قصة الدجال، وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ... ثم يسلط الله المسلمين عليه, فيقتلونه, ويقتلون شيعته حتى أن اليهودي ليختبئ ...) [رواه الإمام أحمد (5477), وإسناده صحيح], ومعنى الشيع في هذه الأحاديث الفرق التي يجتمع أفرادها على رأي أو أمر, وغالبًا ما يتبع بعضهم بعضًا, ويناصر بعضهم بعضًا.
فالحاصل أن الشيعة في اللغة وفي النصوص الشرعية معناها يدور حول المتابعة والمناصرة والتحزب حول ملة أو مذهب, أو حول شخص معين, يُتخذ كأمام ويتبعه الأفراد في الأمر والنهي والنصرة.
أما الشيعة في الاصطلاح فهي ما ذكره أبو الحسن الأشعري في قوله: (وإنما قيل لهم الشيعة؛ لأنهم شايعوا عليًا رضوان الله عليه, ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
(وفي الفصل الثاني) وهو بعنوان تاريخ الشيعة والتشيع (نشأة التشيع وتطوره): تحدث الدكتور عن حياة المسلمين، وكيف أنهم عاشوا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرفوا اختلافًا يؤدي إلى الفرقة فيما بينهم, عاشوا في أمان وسلام حتى أواخر عهد عثمان رضي الله عنه حيث كثرت الفتن وانتشر أهل الفساد.
وقد أوضح لنا أن دعاة الفتنة كانوا من أهل النفاق والكفر، والذي تولى كبر هذه الفتنة هو عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تستر بالإسلام، وكان ينشر أفكاره الخبيثة لإشاعة الفساد العقائدي, واستطاع استمالة عدد كبير من العامة معه بالشعارات التي روجها بينهم من مثل حب آل البيت, وقد ذهب بهم إلى المدينة, ثم حاصر الخليفة ـ عثمان رضي الله عنه ـ في داره, ثم قتله.
وأورد المؤلف أنه قد بلغ كذب الشيعة غايته في عهد أبي عبد الله جعفر بن محمد وهو الإمام السادس المعصوم عندهم فإنهم أكثروا من الوضع عليه ونسبة المؤلفات المنحرفة إليه حتى انحرف المذهب الشيعي تمامًا وانفصل عن الإسلام السني في العقائد والعبادات.
الباب الثاني: وهو يتكون أيضًا من فصلين, أما (الفصل الأول) فيتحدث عن معاني التصوف, وأورد فيه المؤلف قول ابن خلدون؛ توضيحًا لمعناه: "أصل التصوف العكوف على العبادة, والانقطاع إلى الله تعالى, والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها, والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه, والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة".
أما (الفصل الثاني) فيتحدث عن نشأة التصوف وكيف أن التصوف نشأ وترعرع في صفوف طائفة من المتعبدين والمتزهدين الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا, واتصفوا بشيء من الغفلة أو السذاجة أحيانًا، مع بعض الجهل بالسنن والآثار.
وقد فتح هؤلاء في الإسلام مدخلًا عظيمًا، ولجت منه طائفة من أهل البدع والأهواء الذين تستروا بإصلاح ظواهرهم, وشدة العناية بها, مع إخفاء حقيقة مقاصدهم, وأهدافهم وراء شعارات مزخرفة بزخارف القول والفعل.
وقد بين المؤلف أن ثمة خلاف بين العلماء والمؤرخين حول مبدأ نشأة التصوف، ولعل سبب هذا الاختلاف أن الصوفية في مبدئهم كانوا أفرادًا وأوزاعًا يتتشرون هنا وهناك في أطراف البلاد الإسلامية لا تربطهم رابطة.
وأما عن تطور التصوف, فهذا ما بينته الرسالة, فأوضحت لنا أن التصوف مر بمراحل تطور عديدة من حيث مظاهر الغلو والانحراف في أمور كثيرة بدءًا بالسلوكيات والأخلاقيات, وانتهاءً بالأصول والعقائد؛ وذلك لأن التصوف والمتصوفة لم يكن لهم ضوابط سلوكية, ولا قواعد أصولية ومنهجية يلتزمونها في مذهبهم, وكان في بداية أمره عبارة عن استحسانات في السلوك, وزيادات في بعض الطاعات التزمها بعض الزهاد والعباد, ولم يلتزموا بما جاء به الشرع من الطاعات والأذكار, وذلك إما جهلًا منهم بالسنن والآثار, أو استحسانًا لتلك الأحوال؛ لأنها في ظاهرها ما هي إلا مجاهدات وأحوال تقبلها النفوس, وهذه المراحل هي:
المرحلة الأولى: كان الصوفية فيها يتميزون بالزهد والتقشف ومخالفة المألوفات, وترك كثير من المباحات, والتوسع في المطاعم والملابس والمساكن, والبعد عن الناس ومخالطتهم؛ تجنبًا للانغماس في الشهوات والملذات, وآثروا الخلوات ومفارقة الأوطان.
وقد وقع متصوفة المرحلة الأولى في أمور أخرى كثيرة منها:
ما هو في باب العقائد: فقد أسسوا مبدأ الجرأة على الله تعالى, فيقول أحدهم: "إذا كانت لك حاجة إلى الله فأقسم عليه بي".
كذلك في باب العبادات: فقد زعموا لأنفسم, وشيوخهم أورادًا, وصلوات لا يطيقها البشر, فيزعمون أن أحد أئمتهم كان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة.
بالإضافة إلى الآداب والأخلاق: فقد زعموا لأنفسهم وشيوخهم ما زعموه من الكرامات والخوارق, فزعموا أنهم يلتقون بالملائكة، وأن الحور تترامى لهم وتكلمهم إلى غير ذلك.
وأما المرحلة الثانية: ففي هذه المرحلة ابتلي الإسلام بحركة الترجمة التي عنيت بترجمة علوم الفلسفة اليونانية.
ومن انحرافات هذه المرحلة:
في باب العقائد: ما أحدثه بعض مشايخهم من هذيان وأسماه بعلم الفناء والبقاء.
في باب العبادات: فقد قرروا العزلة, وترك الجماعة والانقطاع في الخلوات والكهوف.
في باب الأخلاق والآداب: مجدوا التبتل, وترك سنة النكاح، وتوسعوا في باب المنامات ورؤية الحوريَّات, وحصول الكرامات والخوارق.
وأما عن المرحلة الثالثة: نضج فيها التصوف بظهور المؤلفات الكثيرة التي حددت منهجه في التلقي والتفكير والتعلم, بأنهم يتلقون عقائدهم وشرائعهم عن الله مباشرة, تعالى الله عن ذلك.
الباب الثالث: وهو أهم باب حوته الرسالة, وفيه يذكر المؤلف العلاقة بين التشيع والتصوف، ويتكون من فصلين:
(الفصل الأول) تحدث فيه المؤلف عن أوائل الصوفية, وكان منهم:
أبو هاشم الكوفي المتوفى: ذكرته المصادر الشيعية, بأنه مخترع التصوف, ويتهمونه بأنواع الكفر والزندقة, وأما سبب اختيارهم لأبي هاشم هذا, واتهامه بأنوع الزندقة؛ فلأنه لم يكن شيعيًا, بل كان سنيًا متعصبًا.
ومنهم أيضًا: جابر بن حيان الكوفي: هو من أعلام التشيع, فالشيعة تعظمه وتفتخر به كشخصية علمية شيعية, رغم اشتهاره أيضًا بالتصوف, وتصنيفه في علوم التصوف.
وأما عن عبد الكريم الصوفي، فقيل عنه أنه كان رأسًا في التشيع ورأسًا في التصوف, وكان على رأس جماعة شيعية صوفية.
واستفاض المؤلف بعد ذلك في ذكر بعض أعلام الصوفية، والذين كانت لهم علاقة بالشيعة والتشيع ومنهم:
شقيق بن إبراهيم البلخي: وقيل عنه أنه كان معروف بالتصوف بين كل فريق, وكان من تلامذة الإمام موسى بن جعفر الكاظم, وكان جامعًا للعلوم الرسمية الشرعية.
ومنهم أيضًا: طيفور بن عيسى البسطامي: وقيل عنه أنه كان الشيخ العارف الموصوف بتمامية المعرفة وكثرة الرياضة والكرامات الظاهرة.
ثم يأتي الحديث عن بعض الأسماء الذين تزعم الشيعة أنهم من أئمتهم وهم من الشيعة براء ومنهم:
أبو الحسن علي بن أبي طالب, علي بن الحسين بن علي, محمد بن علي بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم, بالإضافة إلى جعفر بن محمد الباقر, الملقب بالصادق.
عادل الزعيري
19 - 5 - 2009
عاش الرعيل الأول من رجال هذه الأمة العظيمة وسلفها الصالح قلبًا واحدًا عاضين على دينهم بالنواجذ, باذلين في سبيل طاعة الله ورسوله الغالي والنفيس, عاشوا حول إمام الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم أمة واحدة وكلمة واحدة.
ثم بدأت الفرق والأحزاب في الظهور بين المسلمين, وكان أول ما ظهر في هذه الأمة من هذه الفرق فرقتان, تشيَّع لكل منها جماعة من أهل القبلة وهما: فرقة الخوارج, وفرقة الشيعة, وقد استمر الشيعة في غلوهم, فتظاهروا بحب آل البيت وبدأوا يوجهون سهام كفرهم لهذا الدين, فطعنوا في الصحابة طعنًا عظيمًا.
وبين أيدينا كتاب بعنوان (العلاقة بين التشيع والتصوف) والتي أعده الدكتور (فلاح بن إسماعيل بن أحمد) وهي في الأصل رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه من كلية الدعوة وأصول الدين من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية, ويتناول الكتاب فرق الشيعة والصوفية, ونشأة كل منهما وأثرهما في التاريخ الإسلامي, والعلاقة بينهما.
وتحتوي الرسالة على ثلاثة أبواب, جاءت كالتالي:
الباب الأول: ويتكون من فصلين, (الفصل الأول) يتحدث عن معاني الشيعة: فهي تعني في اللغة: أنصار الرجل وأتباعه, وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة, والجماعة شيع وأشياع.
وقد ورد ذكر لفظ الشيعة في القرآن في مواضع كثيرة, فمنها قول اللهتعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 51], فالمعنى يدور حول المشايعة والمطاوعة والاتفاق في الرأي أو الملة بين شخص وآخر أو بين جماعة وأخرى، فيكون بعضهم يتبع بعضًا ويناصره ويعاونه؛ للاتفاق والتشابه الفكري أو الديني الذي يربط بينهم في غالب أمرهم وحالهم.
وقد ورد اسم الشيعة في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في قصة الدجال، وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ... ثم يسلط الله المسلمين عليه, فيقتلونه, ويقتلون شيعته حتى أن اليهودي ليختبئ ...) [رواه الإمام أحمد (5477), وإسناده صحيح], ومعنى الشيع في هذه الأحاديث الفرق التي يجتمع أفرادها على رأي أو أمر, وغالبًا ما يتبع بعضهم بعضًا, ويناصر بعضهم بعضًا.
فالحاصل أن الشيعة في اللغة وفي النصوص الشرعية معناها يدور حول المتابعة والمناصرة والتحزب حول ملة أو مذهب, أو حول شخص معين, يُتخذ كأمام ويتبعه الأفراد في الأمر والنهي والنصرة.
أما الشيعة في الاصطلاح فهي ما ذكره أبو الحسن الأشعري في قوله: (وإنما قيل لهم الشيعة؛ لأنهم شايعوا عليًا رضوان الله عليه, ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
(وفي الفصل الثاني) وهو بعنوان تاريخ الشيعة والتشيع (نشأة التشيع وتطوره): تحدث الدكتور عن حياة المسلمين، وكيف أنهم عاشوا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرفوا اختلافًا يؤدي إلى الفرقة فيما بينهم, عاشوا في أمان وسلام حتى أواخر عهد عثمان رضي الله عنه حيث كثرت الفتن وانتشر أهل الفساد.
وقد أوضح لنا أن دعاة الفتنة كانوا من أهل النفاق والكفر، والذي تولى كبر هذه الفتنة هو عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تستر بالإسلام، وكان ينشر أفكاره الخبيثة لإشاعة الفساد العقائدي, واستطاع استمالة عدد كبير من العامة معه بالشعارات التي روجها بينهم من مثل حب آل البيت, وقد ذهب بهم إلى المدينة, ثم حاصر الخليفة ـ عثمان رضي الله عنه ـ في داره, ثم قتله.
وأورد المؤلف أنه قد بلغ كذب الشيعة غايته في عهد أبي عبد الله جعفر بن محمد وهو الإمام السادس المعصوم عندهم فإنهم أكثروا من الوضع عليه ونسبة المؤلفات المنحرفة إليه حتى انحرف المذهب الشيعي تمامًا وانفصل عن الإسلام السني في العقائد والعبادات.
الباب الثاني: وهو يتكون أيضًا من فصلين, أما (الفصل الأول) فيتحدث عن معاني التصوف, وأورد فيه المؤلف قول ابن خلدون؛ توضيحًا لمعناه: "أصل التصوف العكوف على العبادة, والانقطاع إلى الله تعالى, والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها, والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه, والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة".
أما (الفصل الثاني) فيتحدث عن نشأة التصوف وكيف أن التصوف نشأ وترعرع في صفوف طائفة من المتعبدين والمتزهدين الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا, واتصفوا بشيء من الغفلة أو السذاجة أحيانًا، مع بعض الجهل بالسنن والآثار.
وقد فتح هؤلاء في الإسلام مدخلًا عظيمًا، ولجت منه طائفة من أهل البدع والأهواء الذين تستروا بإصلاح ظواهرهم, وشدة العناية بها, مع إخفاء حقيقة مقاصدهم, وأهدافهم وراء شعارات مزخرفة بزخارف القول والفعل.
وقد بين المؤلف أن ثمة خلاف بين العلماء والمؤرخين حول مبدأ نشأة التصوف، ولعل سبب هذا الاختلاف أن الصوفية في مبدئهم كانوا أفرادًا وأوزاعًا يتتشرون هنا وهناك في أطراف البلاد الإسلامية لا تربطهم رابطة.
وأما عن تطور التصوف, فهذا ما بينته الرسالة, فأوضحت لنا أن التصوف مر بمراحل تطور عديدة من حيث مظاهر الغلو والانحراف في أمور كثيرة بدءًا بالسلوكيات والأخلاقيات, وانتهاءً بالأصول والعقائد؛ وذلك لأن التصوف والمتصوفة لم يكن لهم ضوابط سلوكية, ولا قواعد أصولية ومنهجية يلتزمونها في مذهبهم, وكان في بداية أمره عبارة عن استحسانات في السلوك, وزيادات في بعض الطاعات التزمها بعض الزهاد والعباد, ولم يلتزموا بما جاء به الشرع من الطاعات والأذكار, وذلك إما جهلًا منهم بالسنن والآثار, أو استحسانًا لتلك الأحوال؛ لأنها في ظاهرها ما هي إلا مجاهدات وأحوال تقبلها النفوس, وهذه المراحل هي:
المرحلة الأولى: كان الصوفية فيها يتميزون بالزهد والتقشف ومخالفة المألوفات, وترك كثير من المباحات, والتوسع في المطاعم والملابس والمساكن, والبعد عن الناس ومخالطتهم؛ تجنبًا للانغماس في الشهوات والملذات, وآثروا الخلوات ومفارقة الأوطان.
وقد وقع متصوفة المرحلة الأولى في أمور أخرى كثيرة منها:
ما هو في باب العقائد: فقد أسسوا مبدأ الجرأة على الله تعالى, فيقول أحدهم: "إذا كانت لك حاجة إلى الله فأقسم عليه بي".
كذلك في باب العبادات: فقد زعموا لأنفسم, وشيوخهم أورادًا, وصلوات لا يطيقها البشر, فيزعمون أن أحد أئمتهم كان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة.
بالإضافة إلى الآداب والأخلاق: فقد زعموا لأنفسهم وشيوخهم ما زعموه من الكرامات والخوارق, فزعموا أنهم يلتقون بالملائكة، وأن الحور تترامى لهم وتكلمهم إلى غير ذلك.
وأما المرحلة الثانية: ففي هذه المرحلة ابتلي الإسلام بحركة الترجمة التي عنيت بترجمة علوم الفلسفة اليونانية.
ومن انحرافات هذه المرحلة:
في باب العقائد: ما أحدثه بعض مشايخهم من هذيان وأسماه بعلم الفناء والبقاء.
في باب العبادات: فقد قرروا العزلة, وترك الجماعة والانقطاع في الخلوات والكهوف.
في باب الأخلاق والآداب: مجدوا التبتل, وترك سنة النكاح، وتوسعوا في باب المنامات ورؤية الحوريَّات, وحصول الكرامات والخوارق.
وأما عن المرحلة الثالثة: نضج فيها التصوف بظهور المؤلفات الكثيرة التي حددت منهجه في التلقي والتفكير والتعلم, بأنهم يتلقون عقائدهم وشرائعهم عن الله مباشرة, تعالى الله عن ذلك.
الباب الثالث: وهو أهم باب حوته الرسالة, وفيه يذكر المؤلف العلاقة بين التشيع والتصوف، ويتكون من فصلين:
(الفصل الأول) تحدث فيه المؤلف عن أوائل الصوفية, وكان منهم:
أبو هاشم الكوفي المتوفى: ذكرته المصادر الشيعية, بأنه مخترع التصوف, ويتهمونه بأنواع الكفر والزندقة, وأما سبب اختيارهم لأبي هاشم هذا, واتهامه بأنوع الزندقة؛ فلأنه لم يكن شيعيًا, بل كان سنيًا متعصبًا.
ومنهم أيضًا: جابر بن حيان الكوفي: هو من أعلام التشيع, فالشيعة تعظمه وتفتخر به كشخصية علمية شيعية, رغم اشتهاره أيضًا بالتصوف, وتصنيفه في علوم التصوف.
وأما عن عبد الكريم الصوفي، فقيل عنه أنه كان رأسًا في التشيع ورأسًا في التصوف, وكان على رأس جماعة شيعية صوفية.
واستفاض المؤلف بعد ذلك في ذكر بعض أعلام الصوفية، والذين كانت لهم علاقة بالشيعة والتشيع ومنهم:
شقيق بن إبراهيم البلخي: وقيل عنه أنه كان معروف بالتصوف بين كل فريق, وكان من تلامذة الإمام موسى بن جعفر الكاظم, وكان جامعًا للعلوم الرسمية الشرعية.
ومنهم أيضًا: طيفور بن عيسى البسطامي: وقيل عنه أنه كان الشيخ العارف الموصوف بتمامية المعرفة وكثرة الرياضة والكرامات الظاهرة.
ثم يأتي الحديث عن بعض الأسماء الذين تزعم الشيعة أنهم من أئمتهم وهم من الشيعة براء ومنهم:
أبو الحسن علي بن أبي طالب, علي بن الحسين بن علي, محمد بن علي بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم, بالإضافة إلى جعفر بن محمد الباقر, الملقب بالصادق.