خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك العالم المجاهد - رحمه الله تعالى .

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك العالم المجاهد - رحمه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 16.07.09 6:53

    [b]من أعلام أهل السنة والجماعة
    عبد الله بن المبارك العالم المجاهد
    - رحمه الله تعالى
    د . محمد بن مطر الزهراني
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
    فان الله اصطفى من خلقه أنبياء ورسلاً ، وجعل خاتمهم أفضلهم ، وإمامهم محمداً -صلى الله عليه وسلم- ، وجعل رسالته خاتمة الرسالات ، ودينه ناسخاً لما قبله .
    ثم اختار لصحبته صفوة الخلق بعد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، وقد كانوا - بفضل الله - جديرين بذلك الاختيار ، فحملوا الرسالة من بعده -صلى الله عليه وسلم- وكانوا أمناء على أدائها على الوجه الأكمل ، وكانوا المجتمع الأنموذج والتطبيق الفعلي لمبادئ تلك الرسالة ، ووسيلتهم في ذلك :
    1- السلوك العملي الذي هو تطبيق لمبادئ الرسالة .
    2- وتعليم الناس دين الله .
    3- والجهاد لإعلاء كلمة الله .
    4- والصبر على الأذى والمشاق في سبيل الله ..
    فتخرج على أيدي هؤلاء الأئمة الأعلام تلاميذ نجباء كانوا على حمل الرسالة من بعد أشياخهم أمناء ، وهكذا خرّج كل جيل جيلاً بعده يحمل الرسالة ويؤدي الأمانة ، وهذا من حفظ الله لهذا الدين الذي ختم به الأديان .
    وكان من يهتدي بهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته من بعده ويسلك منهجهم في كل صغيرة وكبيرة يعرفون بأهل السنة والجماعة ، ومن هؤلاء أهل الحديث المشتغلون بالسنة النبوية وخدمتها قولاً وعملاً ، ومن خالف منهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام عرفوا بأصحاب الأهواء أو (المبتدعة ) ، وكان على رأس هؤلاء الخوارج والروافض والجهمية والقدرية والمرجئة والمعتزلة وغيرهم من تلك الطوائف المنحرفة عن ذلك المنهج القويم .
    وكلمة أهل الحديث أصبحت علماً - في القرون الثلاثة المفضلة - على من اتصف بهذه الصفات :
    1- الاشتغال بخدمة السنة النبوية سنداً ومتناً ، حيث ظهر على أيديهم علم الرجال ، وعلم مصطلح الحديث الذي امتازت به الأمة الإسلامية عن غيرها من
    الأمم .
    2- الالتزام بالكتاب والسنة قولا وعملاً ، عقيدة وعبادة معاملات وسلوكاً ، سياسة واجتماعاً مع فهمها الفهم الصحيح على نهج رسول الله -صلى الله عليه
    وسلم- وصحابته الكرام .
    3- عدم تأويل آيات وأحاديث الصفات ، أو صرفها عن ظاهرها بغير دليل .
    4- عدم تحكيم العقل والهوى في النصوص بدون دليل صحيح ، كما فعل المبتدعة من جهمية ومعتزلة وغيرهم ممن انحرف عن منهج أهل السنة والجماعة .
    5- فضح أهل البدع والأهواء وبيان ضلالهم وانحرافهم وتحذير الأمة منهم ومن ضلالاتهم ، كل ذلك نصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
    6- الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله وأن يكون الدين كله لله ، وذلك بالسنان والبيان ، كما فعل سلفهم الصالح من الصحابة رض عنهم .
    وقد وصف الحافظ ابن حبان في مقدمة صحيحه أهل الحديث ، فقال :
    ( ... ثم اختار طائفة لصفوته ، وهداهم للزوم طاعته ، من اتباع سبل الأبرار ، في لزوم السنن والآثار ، فزين قلوبهم بالإيمان ، وأنطق ألسنتهم بالبيان ، من كشف أعلام دينه وأتباع سنن نبيه بالدُّؤوب في الرحل والأسفار ، وفراق الأهل والأوطان في جمع السنن ورفض الأهواء ، والتفقه فيها بترك الآراء ، فتجرد القوم للحديث وطلبوه ، ورحلوا فيه وكتبوه ، وسألوا عنه وأحكموه ، وذاكروا به ونشروه ، وتفقهوا فيه وأصلوه ، وفرعوا عليه وبذلوه ... ) [1] .
    وسأعرض تحت هذا العنوان ( من أعلام السنة والجماعة ) نماذج من أولئك الأئمة الأعلام مبينا حسب الإمكان جهودهم العلمية والعملية في خدمة هذا الدين وتعلمه وتعليمه للناس ، لعل شباب الإسلام اليوم يجدون في الاقتداء بهؤلاء الأئمة ويحذون حذوهم فيحيون منهج أهل السنة والجماعة بين الناس ويكونون الأنموذج العملي لمبادئ تلك الرسالة كما كان أسلافهم من أهل القرون المفضلة .
    وأول ما أبداً به من هؤلاء الأعلام إمام أهال السنة في خراسان في زمانه ، وقدوة المتقين في وقته ، العالم الرباني المجاهد : عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن التركي الأب ، الخوارزمي الأم ، ولد سنة ثماني عشرة بعد المائة وتوفي سنة إحدى وثمانين ومائة [2] .
    قال الإمام الذهبي : ( ... الإمام شيخ الإسلام عالم زمانه وأمير الأتقياء في وقته ، طلب العلم وهو ابن عشرين سنة ، سمع من هشام بن عروة ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وسليمان الأعمش ، وسليمان التيمي ، وحميد الطويل ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وموسى بن عقبة ، ومعمر بن راشد ، وابن جريج ، ومالك بن أنس ، والثوري ، وشعبة ، وخلق كثير .
    وروى عنه داود العطار وابن عيينة ، وأبو إسحاق الفزاري ، ومعتمر بن سليمان ، ويحيى بن القطان وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الله وهب ، وعبد
    الرزاق الصنعاني وخلق غيرهم ) [3] .
    مكانته العلمية :
    قال الخطيب البغدادي : كان ابن المبارك من الربانيين في العلم الموصوفين بالحفظ ومن المذكورين بالزهد .
    وقال عبد الرحمن بن المهدي : ما رأيت أعلم بالحديث من سفيان الثوري ، ولا أحسن عقلاً من مالك ، ولا أقشف من شعبة ، ولا أنصح لهذه الأمة من عبد الله بن المبارك .
    وقال الأسود بن سالم : كان ابن المبارك إماماً يقتدي به ، وكان من أثبت الناس في السنة إذا رأيت رجلا يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام .
    وقال سفيان بن عيينة : نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضل إلا بصحبتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وغزوهم معه .
    وقال العباس بن مصعب : جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة . والسخاء والتجارة .
    وقال أحمد بن حنبل : لم يكن أحد في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه [4] .
    هذه شهادات أئمة عدول تبين لنا تلك المكانة العالية التي كان يحتلها هذا الإمام المجاهد ، والعالم الرباني بين علماء الأمة ، هذه المكانة لم يكن ينالها ابن المبارك لو أنه آثر أن يعيش كما يعيش غيره من الناس على هامش الحياة آثر الدعة والراحة على الجد والجهاد والتضحية والبذل ..
    بل كان همه رحمه الله وشغله الشاغل نصرة هذا الدين وإعلاء كلمة الله ، فكان يبذل في سبيل ذلك نفسه وماله وعلمه وصحته ووقته رحمه الله ورضي عنه .
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك العالم المجاهد - رحمه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 16.07.09 6:53

    جهوده في خدمة منهج أهل السنة والجماعة :
    تلقى الإمام ابن المبارك هذا المنهج الصافي عن شيوخه من التابعين وهم تلقوه عن الصحابة رضوان الله عليهم ، فبذل رحمه الله في سبيل تأصيل ونشر منهج أهل السنة والجماعة كل غال ونفيس لديه ولقد كانت حياته كلها خدمة لهذا المنهج ، وتطبيقا عمليا لمبادئ منهج أهل السنة والجماعة ، وقد عبر عن ذلك الأسود بن سالم فيما رواه الخطيب بإسناده إليه قال : كان ابن المبارك إماماً يقتدى به ، وكان من أثبت الناس في السنة ، إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام [5] .
    هكذا كان ابن المبارك ، وهكذا كان السلف الصالح كل حياتهم وحركاتهم وسكناتهم لدينهم الذي يدينون به لله لا مجال لغير ذلك في حياتهم كلها وليس في
    حياتهم مجال لازدواج الشخصية .
    وهذه نماذج من تلك الجهود التي قام بها ابن المبارك في سبيل تأصيل هذا المنهج والدعوة إليه :
    أولا : في مجال العقيدة :
    كان لابن المبارك رحمه الله موقف من أهل البدع والأهواء ، وهو موقف المؤمن الواعي لما يدور حوله وما يحاك من الدس والتشويه والتحريف لعقيدة هذه
    الأمة عقيدة أهل السنة والجماعة ، لذلك نجده يوصى أحد تلاميذه فيقول : ليكن مجلسك مع المساكين وإياك أن تجلس مع صاحب بدعة [6] .
    وهذه بعض مواقفه :
    - روى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب الرد على الجهمية بإسناده إلى ابن المبارك أن رجلا قال له : يا أبا عبد الرحمن قد خفت الله تعالى من كثرة ما
    أدعو على الجهمية ، قال : لا تخف فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء [7] .
    - وأخرج الذهبي بإسناده إلى على بن الحسن بن شقيق قال : سمعت ابن المبارك يقول : إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية [7] .
    -وعنه أيضاً قال : قلت لعبد الله بن المبارك : كيف يعرف ربنا عز وجل قال : في السماء على العرش ، قلت له : إن الجهمية تقول هذا قال : لا نقول كما تقول الجهمية : هو معنا هاهنا .. [8] .
    قال الذهبي - معقبا - قلت : الجهمية يقولون : إن الباري في كل مكان ، والسلف يقولون : إن علم الباري في كل مكان ، ويحتجون بقوله تعالى : ] وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [ [الحد يد : 4] ، يعني بالعلم ، ويقولون : إنه على عرشه استوى، كما نطق به القرآن والسنة .
    وقال الأوزاعي وهو إمام وقته : كنا -والتابعون متوافرون- نقول : إن الله تعالى فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت به السنة من صفات وأحاديثها كما جاءت من غير تأويل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تكييف ، فإن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات المقدسة ، وقد علم المسلمون أن ذات الباري موجودة حقيقة ، لا مثل لها ، وكذلك صفاته تعالى موجودة ، لا مثل لها [8] .
    وأخرج أبو نعيم في الحلية بإسناده إلى عمار بن عبد الجبار قال : سمعت ابن المبارك يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : الجهمية كفار ، والقدرية كفار ، فقلت لابن المبارك : فما رأيك ؟ قال : رأيي رأي سفيان [9] .
    - وفي كتاب السنة للإمام أحمد عن إبراهيم بن شماس قال : سمعت ابن المبارك يقول : الإيمان قول وعمل ، الإيمان يتفاضل [10] ..
    - وفي كتاب الصلاة لابن القيم عن يحيى بن معين قال : قيل لعبد الله بن المبارك : إن هؤلاء يقولون : من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان ، فقال ابن المبارك لا نقول نحن ما يقول هؤلاء ، من ترك الصلاة متعمداً من غير علة حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر [11] .
    - وقوله هذا والذي قبله وما سيأتي هو رد على المرجئة القائلين : لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة .
    روى أبو عثمان الصابوني عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي - ابن راهويه - قال : قدم ابن المبارك الري فقام إليه رجل من العباد - الظن أنه يذهب مذهب الخوارج - فقال له : يا أبا عبد الرحمن ما تقول فيمن يزني ويسرق ويشرب الخمر ، قال : لا أخرجه من الإيمان . فقال : يا أبا عبد الرحمن على كبر السن صرت مرجئيا ، قال : لا تقبلنا المرجئة ، المرجئة تقول : حسناتنا مقبولة وسيئاتنا مغفورة، ولو علمت أني قبلت منى حسنة لشهدت أنى في الجنة [12] .
    هذا هو موقف عبد الله بن المبارك من أصحاب البدع والأهواء المنحرفة إنه موقف العالم المجاهد العارف لدينه ، والناقد البصير لتلك المبادئ الهدامة التي يدعو إليها أصحاب الأهواء ، والمتيقظ لخطر تلك العقائد الدخيلة على الإسلام والمسلمين ، والتي أدخلها عليهم أعداء الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من اليهود والنصارى والمجوس والصابئة ، وما تؤدي إليه من فساد في الاعتقاد ، وفساد في الدين ، وفساد في الأخلاق .
    إنه يتبرأ من عقائد الرافضة والخوارج والجهمية والمعتزلة والقدرية والفلاسفة ، ويبين فساد مقالاتهم ومذاهبهم ، وفيما نقلناه من النصوص عنه يصرح ببطلان هذه العقائد المنحرفة .
    ثم هو في أثناء ذلك لا يغفل عن بيان منهج أهل السنة والجماعة في الإيمان بالله بأسمائه وصفاته التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، والوقوف عند نصوص الكتاب والسنة والتسليم لهما ، وعدم تقديم العقل عليهما أو تحكيمه فيهما ، وفي احترام الصحابة والترضي عنهم وعدم الخوض فيما جرى بينهم ، وكان يحذر من الرواية عمن يسبهم رضى الله عنهم ، روى ذلك الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن على بن شقيق قال . سمعت ابن المبارك يقول على رؤوس الناس : دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف [13] .
    ________________________
    (1) 1/84-85 من مقدمة صحيح ابن حبان ، ط مؤسسة الرسالة .
    (2) سير أعلام النبلاء 8/336 ، الطبعة الأولى .
    (3) تاريخ بغداد 10 /152- 153 طبعة المكتبة السلفية بالمدينة .
    (4) انظر تاريخ بغداد 10 /156 -163 سير أعلام النبلاء 8 /336 - 346 ، هذا وهناك أقوال كثيرة في الثناء وبيان مكانته آثرت الاقتصار هنا على أهمها وأجمعها .
    (5) تاريخ بغداد 10/167 -168 المكتبة السلفية بالمدينة .
    (6) سير أعلام النبلاء 8 / 353 ، ط الأولى .
    (7) سير أعلام النبلاء 8 / 353 -356 ، ط مكة المكرمة .
    (8) سير أعلام النبلاء 8 / 355 -356 ، ط مكة المكرمة .
    (9) حلية الأولياء 7 /28 .
    (10) كتاب السنة 1 /5 7 ، ط السلفية بمكة سنة 1349 هـ .
    (11) كتاب الصلاة 63 ط المكتب الإسلامي .
    (12) عقيدة أصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني / 70 .
    (13) مقدمة صحيح مسلم 1/ 16 ، وعمرو بن ثابت هو ابن أبي المقدام ضعيف رمي بالرفض مات سنة 172 هـ (التقريب / 257) ط الباكستانية .
    والنقل
    http://www.alsoufia.com/articles.aspx?id=1651&selected_id=-1652&page_size=5&links=true&gate_id=

    [/b]
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك العالم المجاهد - رحمه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 16.07.09 6:55

    ثانياً : جهاده :
    كانت حياة ابن المبارك كلها جهاداً في سبيل الله بنفسه وماله وعلمه . فكان - رحمه الله - يرابط في الثغور كثيراً ، وكان يحج عاماً ويغزو عاماً ، وما نزل بلداً في رحلته لطلب العلم ثم سمع منادي الجهاد إلا تجهز وخرج للغزو .
    وكان - رحمه الله - يدعو إلى الجهاد ويحث الناس عليه لنصرة دين الله وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمة الله هي العليا .
    كما كان ينعي على النساك القاعدين عن الجهاد كسلهم وخمولهم وسوء فهمهم لمعنى العبادة ، فهو يقول :
    أيها الناسك الذي لبس الصو ف وأضحى يُعد في العباد
    الزم الثغر والتعبد فيه ليس بغداد مسكن الزهاد
    إن بغداد للملوك مَحَل مناخ للقارئ الصياد [1]
    وها هو يراسل الفضيل بن عياض من ثغر من الثغور :
    يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعبُ
    من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضبُ
    أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ
    ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
    لقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
    لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب
    هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب
    فلما قرأه الفضيل ذرفت عيناه ثم قال : صدق أبو عبد الرحمن ونصح [2] .
    وكان ابن المبارك فارساً شجاعاً ذا خبرة في فنون القتال والمبارزة مع حرصه أن لا يُرى موقعه من القتال ، كل ذلك ورعاً وحسبة لله (سبحانه وتعالى) .
    روى الخطيب البغدادي بإسناده إلى عبدة بن سليمان المروزي قال : كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم ، فصادفنا العدو ، فلما التقى الصفان
    خرج رجل من العدو فدعا إلى البِرَاز ، فخرج إليه رجل فقتله ثم آخر فقتله ، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه ابن المبارك ، فطارده ساعة فطعنه فقتله ، فازدحم إليه الناس فكنت فيمن ازدحم إليه ، فإذا هو يلثّم وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته ، فإذا هو عبد الله بن المبارك ، فقال : وأنت - يا أبا عمرو ! - ممن يشنع علينا ! [3] .
    وأخرج الذهبي بإسناده إلى محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الله بن سنان قال : كنت مع ابن المبارك ومعمر بن سليمان - بطرسوس - فصاح الناس : النفير ، النفير ؛ فخرج ابن المبارك والناس ، فلما اصطف الجمعان ، خرج علج رومي فطلب البراز فخرج إليه رجل فشد العلج عليه فقتله ... حتى قتل ستة من المسلمين ، وجعل يتبختر بين الصفين يطلب المبارزة ، ولا يخرج إليه أحد ، فالتفت إلى ابن المبارك ، فقال : يا فلان إن قُتلت فافعل كذا وكذا ، ثم حرك دابته وبرز للعلج فعالج معه ساعة ، فقتل العلج ، وطلب المبارزة ، فبرز له علج آخر فقتله ، حتى قتل ستة علوج وطلب المبارزة ، فكأنهم كاعوا - أي جبنوا - عنه ، فضرب دابته وطرد بين الصفين ، ثم غاب ، فلم نشعر بشيء ، فإذا أنا به في الموضع الذي كان ، فقال لي : يا عبد الله ! لئن حدثت بهذا أحداً وأنا حي ... فذكر كلمة ... ! ! [4] .
    قال صاحب مفتاح السعادة : كان ابن المبارك يقضي جل وقته في الجهاد في سبيل الله ، وكان يقاتل ويبلي بلاءً حسناً ، فإذا جاء وقت القسمة غاب ، فقيل له في ذلك ، فقال : يعرفني الذي أقاتل له [5] .
    هكذا تكون النية في الجهاد ، إنه لأجل إعلاء كلمة الله وابتغاء مرضاته - سبحانه وتعالى - لا لمنصب ولا لجاه ولا لمال ، إنما يكون الجهاد لنشر دين الله
    بين الناس ، وإقامة العدل في الأرض بتحكيم الكتاب والسنة ، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، لا لمجرد تسلُّم السلطة لذاتها ، ولا من أجل تغلب حزب على حزب أو فئة على فئة .
    ثالثاً : في مجال العلم :
    تلقى ابن المبارك العلم على مشايخ بلده ثم رحل في طلب العلم على غيرهم كعادة الأئمة من السلف الصالح في طلب العلم [6] .
    وكانت سنه آنذاك عشرين سنة عند رحلته ، وأخذ العلم عمن أدرك من التابعين ومن بعدهم ، وأكثر من الترحال والتطواف إلى أن مات في طلب العلم
    والغزو ، قال الذهبي : روى العباس بن مصعب في تاريخه عن إبراهيم بن إسحاق عن ابن المبارك قال : حملت العلم عن أربعة آلاف شيخ ، فرويت عن ألف منهم .. [7]
    قال الذهبى : وحدث عنه خلق لا يحصون من أهل الأقاليم ، فإنه من صباه ما فتر عن السفر .. [7] .
    وقال الحافظ ابن معين : كانت كتب ابن المبارك التي حدث بها نحواً من عشرين - أو واحد وعشرين ألف حديث [7] .
    وقد كان لابن المبارك جهود ومشاركات في خدمة منهج أهل السنة والجماعة من خلال مجال العلم والتعلم ، ويمكن إيجاز تلك الجهود والمشاركات فيما يلي :
    1- منهج التعلم والتعليم .
    2 - علوم الحديث .
    3- مؤلفاته .
    أولاً : منهج التعلم والتعليم :
    لسلفنا الصالح منهج في تعلم العلم ، إذ لم يكن عندهم فوضى علمية كما نشاهدها في عالمنا اليوم ضاربة أطنابها .
    وهذا المنهج يقوم على أسس ومبادئ ثابتة ، ومن لم يسلكها يكون تعلمه ناقصاً قاصراً وربما كان علمه عليه لا له ، وهذه بلية كثير من طلبة العلم اليوم ، نسأل الله العافية .
    وهذا الإمام العالم الرباني عبد الله بن المبارك - رحمه الله - أحد مؤسسي ذلك المنهج وواضعي مبادئه الثابتة يوضح لنا ذلك المنهج قولاً وعملاً [8] .
    - قال ابن المبارك : طلبت الأدب ثلاثين سنة ، وطلبت العلم عشرين سنة ، وكانوا يطلبون الأدب ثم العلم [9] .
    -قيل له بالشام : إلى كم تطلب العلم ؟ فقال : أرجو أن تروني فيه إلى أن أموت ، أليس يقال له - طالب العلم - يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في الماء ، أفلهذا مترك ؟ [10] .
    وقال أيضاً : طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا [11] .
    - قال أبو صالح الفرّاء : سألت ابن المبارك عن كتابة العلم فقال : لولا الكتابة ما حفظنا [12] .
    - وقال نعيم بن حماد : سمعت ابن المبارك يقول : عجبت لمن لم يطلب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة [13] .
    - قال شقيق البلخي : قيل لابن المبارك : إذا أنت صليت لِمَ لا تجلس معنا ؟
    قال : أجلس مع الصحابة والتابعين أنظر إلى كتبهم وآثارهم ، فما أصنع معكم ؟ ؛ أنتم تغتابون الناس [14] .
    وقال ابن المبارك : إن أول العلم النية ثم الاستماع ثم الفهم ثم العمل ثم الحفظ ثم النشر [15] .
    هذه أوجز وأدق عبارة تضمنت الأسس ، والمبادئ الأساسية الثابتة لمنهج التعلم والتعليم عند السلف ، وهى نفسها عبارة الإمام سفيان الثوري - أمير المؤمنين
    في الحديث - حيث قال - وهو يوجه تلاميذه - : تعلموا هذا العلم ، فإذا تعلمتموه فتحفظوه ، فإذا حفظتموه فاعملوا به ، فإذا عملتم به فانشروه [16] .
    ولا غرو فابن المبارك والثوري ، كلاهما تلقيا هذا المنهج عن السلف الصالح ، والسلف تلقوه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي بُعث معلماً للخير ومتمماً لمكارم الأخلاق ، وكل منهج للتعلم يخالف ذلك المنهج فهو منهج خاطئ .
    - قال ابن المبارك : كاد الأدب يكون ثلثي العلم [17] .
    ومر من قبل قوله : ( طلبت الأدب ثلاثين سنة ، والعلم عشرين سنة ، وكانوا يطلبون الأدب ، ثم العلم ) .
    وهذه ركيزة من ركائز التعلم الأساسية عند السلف وهى البدء بالأدب أولاً ثم العلم ثانياً ، وهذا معنى قول الحسن البصري وابن سيرين والشافعي : ( كانوا يتعلمون الهَدي أولاً ثم العلم ) [18] .
    أما نحن اليوم فأحسننا حالاً الذين يعكسون هذا المبدأ ، أي أنهم بعد أن يفرغوا من طلب العلم يبدأون بطلب الأدب ، والغالبية العظمى لا يعرفون أدب الطلب ولا أدب العلم والتعلم ، فضلاً عن أدب الخلاف ، وأدب الفتوى وطرق الاستنباط والاستدلال ، فقد دُفن أصحاب ذلك الأدب وذلك المنهج منذ قرون خلت (رحمهم الله وأجزل لهم الثواب) .
    - وعن محبوب بن الحسن قال : سمعت ابن المبارك يقول : من بخل بالعلم ابتلُي بثلاث : إما موت يُذهب علمه ، وإما يُنسى ، وإما يلزم السلطان فيذهب
    علمه [19] .
    ________________________
    (1) تاريخ بغداد ، 1/21 ، ط السلفية بالمدينة النبوية .
    (2) تاريخ بغداد ، 1/21 ، ط السلفية بالمدينة النبوية .
    (3) المصدر السابق ، 1/167 ، ط السلفية بالمدينة المنورة .
    (4) سير أعلام النبلاء 8/361 ، ط السلفية بالمدينة المنورة .
    (5) مفتاح السعادة لطَاش كُبْرِي زاده ، 2/248 ، ط الأولى بالقاهرة .
    (6) - قال يحيى بن معين : أربعة لا تؤنس منهم رشداً حارس الدرب ومنادي القاضي وابن المحدث ، ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث ، معرفة علوم الحديث للحاكم ، ص9 .
    (7) تذكرة الحفاظ ، 1/275-276 .
    (8) كتب في بيان منهج التعلم عند السلف كتب كثيرة من أجودها وأجمعها كتاب ( تذكرة السامع والمتكلم ) ، لابن جماعة وهو مهم في هذا الباب .
    (9) غاية النهاية في طبقات القُراء لابن الأثير ، 1/446 .
    (10) صفة الصفوة ، 4/120 ، وفيات الأعيان ، 3/34 .
    (11) سير أعلام النبلاء ، 8/352 .
    (12) المصدر السابق ، 8/353 .
    (13) المصدر السابق ، 8/353 .
    (14) المصدر السابق ، 8/353 .
    (15) مفتاح السعادة لطاش كُبري زاده ، 2/248 ، الديباج المذهب 1/408 .
    (16) التبصرة والتذكرة للعراقي ، 2/200 .
    (17) صفة الصفوة لابن الجوزي ، 4/120 .
    (18) تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة ، 2 ، ط بيروت .
    (19) سير أعلام النبلاء ، 8/352-353 ، ط أولى .
    والنقل
    http://www.alsoufia.com/articles.aspx?id=1651&selected_id=-1653&page_size=5&links=true&gate_id=
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك العالم المجاهد - رحمه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 16.07.09 6:58

    جهوده في علوم الحديث :
    يعتبر ابن المبارك أحد الجهابذة النقاد المعتد بقولهم في الجرح والتعديل . وله اجتهادات في علوم الحديث ومعرفة في عالم الرجال والعلل .
    وقد عبر عن ذلك الخليفة هارون الرشيد عندما أتي بأحد الزنادقة ليقتله ، فقال الزنديق : أين أنت من ألف حديث وضعتها ؟ فقال الرشيد : فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها ويخرجانها حرفاً حرفاً [1] .
    وهذه جملة من أخباره وآرائه في هذا المجال :
    - قال الحافظ علي بن المديني : انتهى العلم إلى رجلين : إلى ابن المبارك ثم من بعده إلى يحيى بن معين [2] .
    - وقال فضالة النسائي : كنت أجالسهم بالكوفة ، فإذا تشاجروا في الحديث قالوا : مروا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله - يعنون ابن المبارك - [3] .
    - وقال علي بن المديني أيضاً : ابن المبارك أوسع علماً من ابن مهدي ويحيى بن آدم [4] .
    - وقال الإمام أحمد : لم يكن أحد في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه [5] .
    - وقال ابن المبارك -رحمه الله- : في صحيح الحديث شغل عن سقيمه [6] .
    - قال عبدان بن عثمان : سمعت ابن المبارك يقول : الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء [7] .
    - وعنه أيضاً قال : الذي يطلب دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سُلم [8] .
    - وقال ابن المبارك : ليكن الذي تعتمدون عليه هذا الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث [9] .
    - وقال أيضاً : إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ ، وإذا غلبت المساوئ على المحاسن لم تذكر المحاسن [9] .
    - وسئل عبد الله بن المبارك عمن نأخذ ؟ قال : من طلب العلم لله وكان في إسناده أشد ، قد تلقى الرجل ثقة وهو يحدث عن غير ثقة ، وتلقى الرجل غير ثقة وهو يحدث عن ثقة ، ولكن ينبغي أن يكون ثقة عن ثقة [10] .
    ما أحوجنا اليوم نحن طلبة العلم إلى هذه الوصية وهذا التوجيه الكريم من الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك ، إنه يرسم منهجاً يجب أن يلتزم به طلبة العلم طول حياتهم .
    إن آفة الأخبار رواتها ، وما أقل الثقات في رواة الأخبار في عصرنا وأخص بالذكر طلبة العلم فهم قدرة الأمة وهم المخاطبون بوصية ابن المبارك ، والمفترض
    فيهم التوثق ، ودقة الفهم وتمحيص الأخبار والنظر فيمن يرويها : في دينه وعقله وضبطه وعدله ، في سيرته واتجاهه الذي يسير عليه في حياته ، لكن الواقع خلاف ذلك ، إذ أن مجتمع طلبة العلم اليوم أصبح في الغالب مرتعاً خصباً للإشاعات والأراجيف التي لا أساس لها من الصحة -وآفتها من مروجيها بينهم- ولا سيما تلك الإشاعات التي تتعلق بسمعة أحدهم ، فإنها تنتشر بينهم انتشار النار في الهشيم أو أسرع .
    وكان الأولى بطلبة العلم وعلى وجه أخص من يزعمون أنهم دعاة إلى الخير أن يلتزموا منهج المحدثين في التثبت في الرواية والتمحيص للأخبار والنظر في أحوال الرجال ، فإن ذلك هو الموافق لمنهج الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح ، وهذا المنهج هو منقبة للأمة الإسلامية ، وميزة لها عن سائر الأمم .
    ثالثاً : مؤلفاته :
    قال الإمام الذهبي : دَوَّن ابن المبارك العلم في الأبواب والفقه وفي الغزو ، والزهد ، والرقائق وغير ذلك [11] .
    وهذه جريدة أسماء مؤلفات ابن المبارك التي وقفت عليها فيما اطلعت عليه من المصادر :
    1 - تفسير القرآن .
    2 - السنن في الفقه .
    3 - كتاب التاريخ .
    4 -كتاب الزهد ، طبع باسم : كتاب الزهد والرقائق بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي .
    5 - كتاب البر والصلة .
    6 - رقاع الفتاوى .
    7 - الرقائق .
    8 - الجهاد ، طبع بتحقيق الدكتور نزيه حماد [12] .
    9 - الأربعين في الحديث .
    رابعاً : في مجال الإنفاق في سبيل الله :
    كما كان ابن المبارك جواداً بنفسه في سبيل الله كان أيضاً كريماً جواداً بماله منفقاً في سبيل الله . ولا غرو فقد ورث ذلك من القدوة الحسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي وصفه ابن عباس -كما في الحديث الصحيح - بأنه كان أجود من الريح المرسلة ، وأجود ما يكون في رمضان .
    وهذه نبذة من أخباره -رحمه الله- في هذا المجال :
    - قال الحسن بن شقيق : كان ابن المبارك ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم ، وإنه قال مرة للفضيل بن عياض : لولاك وأصحابك ما اتجرت [13] .
    - وقال علي بن الفضيل بن عياض : سمعت أبي وهو يقول لابن المبارك .
    أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة ، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام ، كيف ذا ؟
    فقال ابن المبارك : يا أبا علي إنما أفعل ذا لأصون به وجهي وأكرم به عرضي أستعين به على طاعة ربي ، ولا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به ، فقال له الفضيل : يا ابن المبارك ما أحسن ذا إذا تمّ ذا [13] .
    - وبإسناد الخطيب أيضاً إلى حبان بن موسى المروزي قال : عوتب ابن المبارك فيما يفرق من الأموال في البلدان ، ولا يفعل في أهل بلده ، قال : انني اعرف مكان قوم لهم فضل وصدق طلبوا الحديث فأحسنوا الطلبة للحديث ، وقد احتاجوا فإن تركناهم ضاع علمهم ، وإن أعنَّاهم بثوا علمهم لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ، ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم [13] .
    هكذا يكون الفهم الصحيح لوظيفة المال في الحياة الدنيا ، إنه لصون الوجه والعرض إعانة طلبة العلم والصالحين والاستعانة به على مرضاة الرب ، هذا هو فهم سلفنا الصالح لوظيفة المال ، فهل يقتدي بهم أرباب الأموال من أثرياء المسلمين اليوم ، فينفقون أموالهم في وجهها الصحيح .
    إن الإمام ابن المبارك يرسم لنا بسيرته العملية في ماله منهجاً بيناً واضحاً .
    إن هذا المنهج ليبين لأرباب الأموال الطريقة الصحيحة لتوزيع صدقاتهم وأموالهم التي ينفقونها في سبيل الله ، في هذا المنهج يبدأ بالإنفاق على من نفعه لدينه ولأمته أكبر ، أولئك هم طلبة العلم العاملون بعلمهم المشتغلون بنشر العلم لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - عن طلب الرزق .
    إنه من المؤلم حقاً أن نرى أموالاً كثيرة - تعد بالملايين - تنفق سنوياً من قبل أثرياء المسلمين ثم لا تؤدي هذه الأموال الأثر المطلوب من إنفاقها ، إنها تنفق دون تخطيط ودون هدف من إنفاقها سوى إرادة أصحابها أداء الحق الشرعي في أموالهم وكفى .
    إن أموال اليهود تنفق لتخدم عقيدتهم وهدفهم الذي يسعون من أجل تحقيقه .
    وأموال الرافضة تنفق لنشر العقيدة الرافضية بين أهل السنة في جميع أنحاء العالم الإسلامي . وأموال النصارى قد أدت دوراً مهماً في تنصير أبناء المسلمين في أفريقيا وآسيا ، أما أموال أثرياء المسلمين فغالبيتها العظمى تنفق ولا تؤدي دوراً مهماً لأنها تنفق بدون وعي وبدون تخطيط ، وغالبها يوضع في غير محله .
    إن أعداداً كثيرة من خريجي الجامعات العربية والإسلامية من أبناء المسلمين في أفريقيا وآسيا بحاجة ملحة إلى من ينفق عليهم ليتفرغوا للدعوة إلى الله ونشر العقيدة الصحيحة بين المسلمين وغيرهم في تلك الديار المقفرة من الدعاة إلا من النزر اليسير ، إنهم بحاجة إلى عشرات من أمثال عبد الله بن المبارك ليتفقدوا أحوالهم ويعينوهم على بث العلم لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لشدة حاجة الأمة إلى علمهم لاسيما وهي تصارع الشرك والخرافة والتنصير والمبادئ الهدامة من علمانية وقاديانية وبهائية ورافضة وباطنية وغيرها .
    - عن محمد بن عيسى قال : كان ابن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس ، وكان ينزل الرقة في خان فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه ويسمع منه الحديث ، قال فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب ، وكان مستعجلاً فخرج في النفير ، فلما قفل من غزوته ورجع الرقة سأل عن الشاب ، فقالوا : إنه محبوس لدين ركبه ، فقال عبد الله : وكم مبلغ الدين ؛ فقالوا : عشرة آلاف درهم ، فلم يزل يستقصي حتى دُل على صاحب المال فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه أن لا يخبر أحداً مادام عبد الله حياً ، وقال : إذا أصبحت فاخرج الرجل من الحبس وأدلج عبد الله ، فأخرج الفتى من الحبس وقيل له عبد الله بن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك وقد خرج ، فخرج الفتى في إثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة ، فقال : يا فتى إن كنت لم أرك في الخان ؟ قال : نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوساً بدين ، قال : كيف كان سبب خلاصك ، قال : جاء رجل فقضى ديني ولم أعلم به حتى خرجت من الحبس ، فقال له عبد الله : يا فتى احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك ، فلم يخبر ذلك الرجل أحداً حتى مات عبد الله [14] .
    وهذه منقبة أخرى لهذا العالم المجاهد عبد الله بن المبارك - وما أكثر مناقبه - وهي تفقده لأحوال تلاميذه وقضاؤه حاجاتهم ، وهذه حال كثير من أئمة السلف - يرحمهم الله- ، مع تلاميذهم [15] ، وقدوتهم في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يتفقد أحوال أصحابه فيقضي حاجاتهم ويعين فقيرهم ويعود مريضهم ... ويعينهم جميعاً على نوائب الحق ، فهل من مشايخنا وعلمائنا اليوم من يفعل ذلك مع تلاميذه ؟ ؟ [16] .
    كم تخرج على أيديهم في الجامعات الإسلامية من أبناء أفريقيا وآسيا وغيرها ؟
    فهل سألوا عنهم بعد تخرجهم ، هل عرفوا شيئاً من أخبارهم ؟ ! !
    إنهم يعانون في بلادهم من الفقر والفاقة ومن اضطهاد طواغيت بلادهم ، كما يعانون من هجوم أعدائهم من مبشرين وقاديانيين ورافضة وعلمانيين ، ولقد شاهدت ذلك بأم عيني أثناء زياراتي لغرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا ، إنهم يحتاجون إلى مديد المساعدة بالمال والنصح والتوجيه والكتب العلمية النافعة ، وهم بحاجة إلى بناء مدارس لأبنائهم ليحفظوا عليهم دينهم وعقيدتهم وليحموهم من مدارس المبشرين والعلمانيين والباطنيين .
    من غرر كلامه وشعره :
    لقد كان ابن المبارك شاعراً وأديباً كما كان إماماً في الفقه والحديث والتفسير واللغة وغيرها من الفنون ، وكان والده يحفزه على حفظ الشعر وهو صغير ويكافئه على حفظ القصيدة بدرهم ، وكان ابن المبارك شاعراً مجيداً صادق اللهجة فلذلك كان لشعره وقع في النفوس ، لا سيما أنه كان مليئاً بالحكم والمواعظ والنصح .
    قال الدكتور نزيه حماد : (وشعر ابن المبارك ليس بالقليل ، غير أنه منثور في بطون مدونات العلم وكتب التراجم وأسفار التاريخ والأدب ، ويحتاج لمن ينقب عنه في مظانه ، ويعرف الناس بيواقيته ودرره ونفيس مكنوناته ، وإنه لمهم حقاً باعتباره يمثل نموذجاً رفيعاً رائعاً من شعر الزهاد الأوائل والمجاهدين الحكماء من السلف الصالح ، فصاحبه قد قضى عمره في الجهاد والرباط والعلم والزهد ، فجاء شعره مرآة صادقة لتلك النفس الإنسانية السامية التي ارتقت في مدارج الكمال وعلت في مراتب الفضيلة ومقامات الإيمان والإحسان . وقد وصف الإمام الذهبي
    في سير أعلام النبلاء موهبته الشعرية الصادقة بقوله : كان ابن المبارك –رحمه الله- شاعراً محسناً قوالاً بالحق) . اهـ [17] .
    ومن شعره ما يلى : قال الذهبي : قال أحمد بن جميل المروزي : قيل لابن المبارك إن إسماعيل بن علية قد ولي القضاء فكتب إليه :
    يا جاعل العلم له بازياً يصطاد أموال المساكين
    احتلت للدنيا ولذاتها بحيلة تذهب بالدين
    فصرت مجنوناً بها بعدما كنت دواءً للمجانين
    أين رواياتك في سردها عن ابن عون وابن سيرين
    أين رواياتك فيما مضى في ترك أبواب السلاطين
    إن قلت أُكرهت فماذا كذا زل حمار العلم في الطين
    لاتبع الدين بدنيا كما يفعل ضلال الرهابين [18]
    وعن سلام الخواص قال : أنشدني ابن المبارك :
    رأيت الذنوب تميت القلوب ويورثك الذل إدمانها
    وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
    وهل بدل الدين إلا الملوك وأحبار سوء ، ورهبانها
    وباعوا النفوس فلم يربحوا ولم تغل في البيع أثمانها
    لقد رتع القوم في جيفة يبين لذي العقل إنتانها [19]
    وأنشد أبو بكر الآجري لابن المبارك :
    اغتنم ركعتين زُلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحاً
    وإذا ما هممت بالنطق بالبا طل فاجعل مكانه تسبيحاً
    فاغتنام السكوت أفضل من خو ض وإن كنت بالكلام فصيحاً [20]
    وقال ابن المبارك يمدح حماد بن زيد مع التحذير من المبتدعة :
    أيها الطالب علماً إئت حماد بن زيد
    فاستفد علماً وحلماً ثم قيده بقيد
    لا كثور وكجهم وكعمرو بن عبيد [21]
    وقال يمدح الإمام مالك إمام دار الهجرة :
    يأبى الجواب فما يراجع هيبة فالسائلون نواكس الأذقان
    هدي الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان [22]
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك العالم المجاهد - رحمه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 16.07.09 7:00

    وهذه نماذج من كلامه :
    * قال ابن المبارك : إن البصراء لا يأمنون من أربع :
    - ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع فيه الرب -عز وجل- .
    - وعمر قد بقي لا يدري ما فيه من الهلكة .
    - وضلالة قد زينت يراها هدى .
    - وزيغ قلب ساعة ، فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر .
    - وفضل قد أعطي العبد لعله مكر واستدراج [23] .
    وقال أبو وهيب المروزي : سألت ابن المبارك : ما الكبر ؟ قال : أن تزدري الناس ، فسألته عن العجب ؟ فقال : أن ترى أن عندك شيئاً ليس عند غيرك ، ولا أعلم في المصلين شيئاً شراً من العجب [23] .
    قال حبيب الجلاب : سألت ابن المبارك : ما خير ما أعطي الإنسان ؟ قال : غريزة عقل ، قلت : فإن لم يكن ؟ قال : حسن أدب ، قلت : فإن لم يكن ؟ قال : أخ شقيق يستشيره ، قلت : فإن لم يكن ؟ قال : صمت طويل ، قلت : فإن لم يكن ؟ قال : موت عاجل [24] .
    مكانة ابن المبارك واهتمامه بإخوانه العلماء :
    - قال أبو أسامة : كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس [25] .
    - وعن أشعث بن شعبة المصيصي قال : قدم هارون الرشيد الرقة ، فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك ، وتقطعت النعال ، وارتفعت الغبرة ، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين الرشيد من برج من قصر الخشب ، فلما رأت الناس قالت . ما هذا ؟ قالوا : عالم من أهل خرسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك ، فقالت : هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان [26] .
    - أخرج الخطيب البغدادي بإسناده إلى الحمادين [27] قالا : كان عبد الله بن المبارك يتجر في البز ، وكان يقول لولا خمسة ما اتجرت ، فقيل له من الخمسة يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال : سفيان الثوري وسفيان بن عيينة والفضيل بن عياض ومحمد بن السماك وإسماعيل بن علية . قالا : وكان يخرج فيتجر إلى خراسان فكلما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج والباقي يصل به إخوانه الخمسة ، قالا : وقدم سنة ، فقيل له قد ولي ابن علية القضاء ، فلم يأته ولم يصله بالصرة التي كان يصله بها في كل سنة فبلغ ابن علية أن ابن المبارك قدم فركب إليه فتنكس على
    رأسه ، فلم يرفع به عبد الله رأساً ولم يكلمه فانصرف ، فلما كان من غد كتب إليه رقعة : بسم الله الرحمن الرحيم ، أسعدك الله بطاعته ، وتولاك بحفظه ، وحاطك بحياطته قد كنت منتظراً لبرك وصلتك أتبرك بها وجئت أمس فلم تكلمني ورأيتك واجداً علي ، فأي شيء رأيت مني حتى أعتذر إليك منه ؟ فلما وردت الرقعة على عبد الله بن المبارك دعا بالدواة والقرطاس ، وقال :
    يأبى هذا الرجل إلا أن نقشر له العصا ، ثم كتب إليه : رقعة : بسم الله الرحمن الرحيم
    يا جاعل العلم له بازياً يصطاد أموال المساكين
    إلى آخر الأبيات وقد سبق ذكرها كاملة في الكلام عن شعره ، فلما وقف ابن علية على هذه الأبيات قام من مجلس القضاء ، فوطئ بساط هارون الرشيد وقال : يا أمير المؤمنين ، ألله الله ، ارحم شيبتي ، فإني لا أصبر للخطأ ، فقال له هارون :
    لعل هذا المجنون أغرى عليك ؟ فقال : الله الله أنقذني أنقذك الله ، فأعفاه من القضاء ، فلما اتصل بعبد الله وجه إليه بالصرة [28]
    [*] ..
    دروس وعبر
    ونختم هذا البحث ببعض الدروس والعبر من تلك السيرة العطرة لهذا الإمام المجاهد والعالم الرباني -رحمه الله ورضي عنه- :
    أولاً : إن العالم المسلم يجب أن يعيش لدينه وأمته ونشر العقيدة الصحيحة بين الأمة وأن يبذل في سبيل ذلك كل ما يستطيعه من نفس ونفيس وغال وثمين ، وهذا ما عبر به عبد الرحمن بن مهدي عندما وصف ابن المبارك بأنه كان أنصح علماء الأمة للأمة .
    ثانياً : الفهم الصحيح للزهد هو ترك ما بأيدي الناس والرغبة فيما عند الله ، وأن طلب المال لصون العرض والاستعانة على طاعة الرب وإعانة طلبة العلم والصالحين لا ينافي الزهد .
    وهذا الفهم جسده الإمام ابن المبارك في حياته العملية وفي قوله عندما عاتبه الفضيل بن عياض على أمره لهم بالزهد والتقلل مع اشتغاله بالتجارة فقال : إنما أفعل ذا لأصون به وجهي وأكرم به عرضي وأستعين به على طاعة ربي ، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به ، فقال الفضيل : ما أحسن ذا إن تم ذا .
    ومن ذلك نفهم أن زهد الصوفية الداعي إلى الكسل والخمول وتعطيل الحياة ليس صحيحاً ، بل هو خلاف فهم السلف الصالح للزهد وخلاف ما أراده الشارع من المؤمنين .
    ثالثاً : إن مهمة العالم المسلم ليست منحصرة في تعليم الناس العلم وتلقينهم الأحكام ، وتحفيظهم المتون بل إن مهمته أوسع من ذلك ، إنه القدوة العملية لمن يربيهم ويعلمهم الفهم الصحيح لطلب العلم والعمل به ، والفهم الصحيح لوظيفة المال في الحياة الدنيا ، والمعنى السليم للزهد .
    فهو إلى جانب تعليمهم يتفقد أحوالهم وينفق عليهم ويوجههم توجيهاً عملياً فلا يعلمهم أحكام الجهاد وهو قاعد متخلف مع القاعدين ، ولا يعلمهم سُبل الانفاق وهو مقتر بخيل أو فقير عاطل ، ولا يعلمهم التواضع وسعة الأفق وهو متكبر غليظ القلب ضيق الأفق .
    رابعاً : تلك المكانة التي كان يحتلها علماؤنا من السلف الصالح بين الأمة ، إنها مكانة عالية مكانها القلوب والأرواح ، مكانة لا يبلغها أرباب المال والجاه المتسلطون على الأمة بالقوة والقهر والذين غالباً ما تكون محبتهم مصحوبة بالرياء والمداهنة ، وأصدق تعبير عن هذه المكانة لأئمتنا من السلف الصالح أمران :
    الأول : ما قاتله أم ولد لهارون الرشيد عندما رأت بأم عينها مكانة الإمام عبد الله بن المبارك في قلوب ونفوس الأمة ، فانطلق لسانها معبراً عن تلك المكانة : ..
    هذا والله الملك لا ملك هارون الرشيد الذي لا يجمع الناس إلى بشرط وأعوان أو ترغيب وترهيب ...
    هذه المكانة لم يكن لينالها علماؤنا لو أن أعمالهم كانت تناقض أقوالهم أو كانوا يؤثرون الدعة والراحة على التعب والنصب أو كانوا يؤثرون أنفسهم بالرفاه والعافية عن باقي الأمة .
    خامساً : إن لسلفنا الصالح منهجاً في طلب العلم يتدرج فيه حتى يبلغ درجة الاجتهاد ولا يتجاوز الطالب مرحلة من تلك المراحل إلى التي تليها حتى يتقن المرحلة السابقة وقد أوجز ابن المبارك المبادئ الأساسية لهذا المنهج فقال : أول العلم النية ثم الاستماع ثم الفهم ثم العمل ثم الحفظ ثم النشر . وقال : كانوا يطلبون الأدب ثم العلم .
    سادساً : العناية بالنابغين والأذكياء من طلبة العلم والعمل على تفرغهم لطلب العلم وتعليمه للأمة ومساعدتهم بما يحتاجون من المال وغيره .
    هذا ما فعله ابن المبارك مع النابغين من طلبة العلم في عصره ومن قبله فعله شيخه أبو حنيفة -رحمه الله- مع بعض تلاميذه النابهين .
    هذا ما يسر الله لي أن أكتبه عن ابن المبارك وأسأله -سبحانه- أن يرزقنا
    العلم النافع وأن ينفعنا بما علمنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
    ________________________
    (1) تذكر الحفاظ 1 / 273 .
    (2) تاريخ بغداد 10 / 164 .
    (3) سير أعلام النبلاء 8 / 357 .
    (4) تاريخ بغداد 10 / 164 .
    (5) سير أعلام النبلاء 8 / 351 .
    (6) المصدر السابق 8 / 357 .
    (7) مقدمة صحيح مسلم 1 / 15 .
    (8) الكفاية للخطيب البغدادي / 292 .
    (9) سير أعلام النبلاء 8 / 352 - 353 .
    (10) تذكرة الحفاظ 1/ 277 .
    (11) تذكرة الحفاظ 1 / 275 .
    (12) قدم له الدكتور نزيه بمقدمة عن حياة ابن المبارك جيدة ، وقد استفدت منها في هذا البحث
    كثيراً، فجزاه الله عني خيراً .
    (13) تاريخ بغداد 10 / 159 - 160 ، ط السلفية بالمدينة النبوية .
    (14) تاريخ بغداد 10 / 159 .
    (15) انظر ما كتبه ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم ، الباب الثاني ، الفصل الثالث ، وخاصة
    النوع الثالث عشر منه .
    (16) لا يفوتني أن أنوه هنا بجهود سماحة شيخنا الفاضل عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله
    وبارك فيما بقي من عمره ، فهو من بقية السلف الصالح ، له جهود طيبة في هذا المجال ، رأينا
    آثارها في أفريقيا حيث يرعى كثيراً من خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية بإعانتهم من ماله
    الخاص ، ومما يجمعه من المحسنين ، أسأل الله له دوام التوفيق إلى كل ما فيه خير الإسلام
    والمسلمين.
    (17) مقدمة كتاب الجهاد لابن المبارك / 25 .
    (18) تاريخ بغداد 6 / 236 ، سير أعلام النبلاء 8 / 363 - 364 وسأذكر فيما بعد قصة هذه
    الأبيات.
    (19) جامع بيان العلم وفضله 1 / 165 .
    (20) سير أعلام النبلاء 8 / 368 .
    (21) تاريخ بغداد 6 / 29 ، جامع بيان العلم وفضله 1 / 127 .
    (22) العقد الفريد 2 / 221 .
    (23) سير أعلام النبلاء 8 / 359 ، وهي هكذا في السير وغيره " خمس " ، وليس أربع .
    (24) المصدر السابق 8 / 352 .
    (25) تاريخ بغداد 10 / 156 ، سير أعلام النبلاء 8 / 340 .
    (26) تاريخ بغداد 10 / 156 ، سير أعلام النبلاء 8/ 340 .
    (27) حماد بن زيد بن درهم ، وحماد بن سلمة بن دينار إمامان مشهوران .
    (28) تاريخ بغداد 6/ 245 - 236 .
    (*) هذه النصوص وأمثالها في فرار أئمة السلف من تولي القضاء والتحريض على تركه محمولة
    على أمرين : أ - علمهم بوجود من يقوم به ب - تركه ورعاً وحيطة لدينهم أما إذا ترتب على ذلك
    خلو القضاء ممن يقوم به أو تسلط الكفرة أو الفجرة علية فتفسد مصالح الناس وتعطل أحكام الشريعة
    فلا ، ولا يفهم من ذلك أنهم يحرصون على اعتزال المجتمع والحياة كما يفعل دراويش الصوفية
    وخوارج هذا العصر .
    والنقل
    http://www.alsoufia.com/articles.aspx?id=1651&selected_id=-1654&page_size=5&links=true&gate_id=

      الوقت/التاريخ الآن هو 23.11.24 9:45