من طرف أبوعبدالملك النوبي الأثري 24.06.09 11:53
إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فتقص
بقلم الشيخ سليم الهلالي
الاختيارات العلمية للإمام الألباني
1- إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فتقص:
قال -رحمه الله-: «السنة التي جرى عليها السلف من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فيقص؛ فإن إعفاءِها مطلقًا هو من قبيل ما سماه الإمام الشاطبي بـ (البدع الإضافية)»([1]).
«... فقص اللحية -كما تفعل بعض الجماعات([2])- هو كحلقها من حيث التشبه، والسنة التي جرى عليها السلف من الصحابة وغيرهم إعفاؤها إلا ما زاد على القبضة فتحصل الزيادة»([3]).
«واعلم أن الأخذ من اللحية ما زاد على القبضة ثابت عن ابن عمر وأبي هريرة -وهما من رواة حديث الإعفاء- وعن غيرهما من السلف ومنهم الإمام أحمد، دون مخالف لهم»([4]).
«واعلم أنه لم يثبت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ من اللحية، لا قولاً، كهذا، ولا فعلاً كالحديث المتقدم برقم (288).
نعم ثبت ذلك عن بعض السلف، وإليك المتيسر منها:
1- عن مروان بن سالم المقفع قال:
«رأيت ابن عمر يقبض على لحيته؛ فيقطع ما زاد على الكف»([5]).
رواه أبو داود وغيره بسند حسن؛ كما بينته في «الإرواء» (920)، و«صحيح أبي داود» (2041).
2- عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج، لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئًا حتى يحج.
وفي رواية: أن عبد الله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه.
أخرجه مالك في «الموطأ» (1/353).
وروى الخلال في «الترجل» (ص11-المصورة) بسند صحيح عن مجاهد قال: رأيت ابن عمر قبض على لحيته يوم النحر، ثم قال للحجام: خذ ما تحت القبضة.
قال الباجي في «شرح الموطأ» (3/32):
«يريد أنه كان يقص منها مع حلق رأسه، وقد استحب ذلك مالك -رحمه الله-؛ لأن الأخذ منها على وجه لا يغير الخلقة من الجمال، والاستئصال لهما مثلة».
3- عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {وليقضوا تفثهم}.
«التفث: حلق الرأس، وأخذ الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظفار، والأخذ من العارضين، (وفي رواية: اللحية)، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة».
رواه ابن أبي شيبة (4/85) وابن جرير في «التفسير» (17/109) بسند صحيح.
4- عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: {ثم ليقضوا تفثهم}، فذكر نحوه بتقديم وتأخير، وفيه:
«وأخذ من الشاربين واللحية».
رواه ابن جرير أيضًا، وإسناده صحيح، أو حسن على الأقل.
5- عن مجاهد مثله بلفظ:
«وقص الشارب ... وقص اللحية».
رواه ابن جرير بسند صحيح أيضًا.
6- عن المحاربي (وهو عبد الرحمن بن محمد) قال: سمعت رجلاً يسأل ابن جريج عن قوله: {ثم ليقضوا تفثهم}، قال: «الأخذ من اللحية ومن الشارب ...».
رواه ابن جرير بسند صحيح أيضًا.
7- في «الموطأ» أيضًا أنه بلغه:
أن سالم بن عبد الله كان إذا أراد أن يحرم، دعا بالجملين، فقص شاربه وأخذ من لحيته قبل أن يركب، وقبل أن يهل محرمًا.
8- عن أبي هلال قال: حدثنا شيخ -أظنه من أهل المدينة- قال: رأيت أبا هريرة يحفي عارضيه: يأخذ منهما. قال: ورأيته أصفر اللحية.
رواه ابن سعد في «الطبقات» (4/334).
قلت: والشيخ المدني هذا أراه عثمان بن عبيد الله، فإن ابن سعد روى بعده أحاديث بسنده الصحيح عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبيد الله قال:
رأيت أبا هريرة يصفِّر لحيته ونحن في الكتاب.
وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه (3/1/156)، فقال:
«عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع مولى سعيد بن العاص المديني، ويقال: مولى سعد بن أبي وقاص، رأى أبا هريرة وأبا قتادة وابن عمر وأبا أسيد يصفرون لحاهم. روى عنه ابن أبي ذئب».
فهو هذا، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» (3/177)، فالسند عندي حسن. والله أعلم.
قلت: وفي هذه الآثار الصحيحة ما يدل على أن قص اللحية، أو الأخذ منها كان أمراً معروفًا عند السلف، خلافًا لظن بعض إخواننا من أهل الحديث الذين يتشددون في الأخذ منها، متمسكين بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «وأعفوا اللحى»، غير منتبهين لما فهموه من العموم أنه غير مراد لعدم جريان عمل السلف عليه، وفيهم من روى العموم المذكور، وهم عبد الله بن عمر، وحديثه في «الصحيحين»، وأبو هريرة، وحديثه عند مسلم، وهما مخرجان في «جلباب المرأة المسلمة» (ص 185-187/طبعة المكتبة الإسلامية)، وابن عباس، وحديثه في «مجمع الزوائد» (5/169).
ومما لا شك فيه أن راوي الحديث أعرف بالمراد منه من الذين لم يسمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأحرص على اتباعه منهم، وهذا على فرض أن المراد بـ (الإعفاء) التوفير والتكثير؛ كما هو مشهور، لكن قال الباجي في «شرح الموطأ» (7/266) نقلاً عن القاضي أبي الوليد: «ويحتمل عندي أن يريد أن تعفى اللحى من الإحفاء؛ لأن كثرتها أيضاً ليس بمأمور بتركه.
وقد روى ابن القاسم عن مالك: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية و شذ.
قيل لمالك: فإذا طالت جداً?
قال: أرى أن يؤخذ منها و تقص.
وروي عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة أنهما كانا يأخذان من اللحية ما فضل عن القبضة».
قلت: أخرجه عنهما الخلال في «الترجل» (ص 11- مصورة) بإسنادين صحيحين, وروى عن الإمام أحمد أنه سئل عن الأخذ من اللحية? قال: كان ابن عمر يأخذ منها ما زاد على القبضة, وكأنه ذهب إليه.
قال حرب: قلت له: ما الإعفاء? قال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: كان هذا عنده الإعفاء.
قلت: ومن المعلوم أن الراوي أدرى بمرويه من غيره, ولا سيما إذا كان حريصاً على السنة كابن عمر, و هو يرى نبيه صلى الله عليه وسلم -الآمر بالإعفاء- ليلاً نهاراً. فتأمل.
ثم روى الخلال من طريق إسحاق قال: «سألت أحمد عن الرجل يأخذ من عارضيه? قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة.
قلت: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «احفوا الشوارب, وأعفوا اللحى»?
قال: يأخذ من طولها ومن تحت حلقه.
ورأيت أبا عبد الله يأخذ من طولها ومن تحت حلقه».
قلت: لقد توسعت قليلاً بذكر هذه النصوص عن بعض السلف والأئمة; لعزتها, ولظن الكثير من الناس أنها مخالفة لعموم: «وأعفوا اللحى», ولم يتنبهوا لقاعدة أن الفرد من أفراد العموم إذا لم يجر العمل به, دليل على أنه غير مراد منه.
وما أكثر البدع التي يسميها الإمام الشاطبي بـ (البدع الإضافية) إلا من هذا القبيل, ومع ذلك فهي عند أهل العلم مردودة؛ لأنها لم تكن من عمل السلف, وهم أتقى وأعلم من الخلف, فيرجى الانتباه لهذا فإن الأمر دقيق ومهم([6]).
يتبع