- بسم الله الرحمن الرحيم
- أهل الحديث .....حفظة الدين والسنـــة
- إن الله تعالى أنزل الوحي وتكفل بحفظه ، وهيأ الأسباب لذلك قال تعالى
- ("َإنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر :
- 9]وروى أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله
- عليه وسلم قال ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها
- دينها ) وحفظة الدين ومجددوه هم العلماء الربانيون والذين أثنى الله تعالى
- عليهم في كتابه قال تعالى " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
- الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" [فاطر : 28].
- روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى
- الله عليه وسلم يقول ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ،
- ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، فإذا لم يبق عالم ، اتخذ الناس رؤوسا
- جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ).
- وروى البخاري أيضا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه
- وسلم (يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له ، هل بلغت؟ فيقول نعم يارب ، فتسأل
- أمته هل بلغكم ؟ فيقولون : ماجاءنا من نذير ، فيقول : من شهودك ؟ فيقول
- محمد وأمته ، فيجاء بكم فتشهدون ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "
- وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى
- النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" [البقرة : 143] قال
- ابن حجر رحمه الله : والوسط العدل وهم أهل السنة والجماعة وهم أهل العلم
- الشرعي .
- ويقول أبو مسلم الخولاني سيد التابعين (ت62) مثل العلماء في الأرض كمثل
- النجوم في السماء ، إذا بدت لهم اهتدوا وإذا خفيت عليهم تحيروا . وقال أبو
- قلابه عبد الله بن زيد الجرمي : مَـثل العلماء مِـثل النجوم والأعلام
- يهتدي بها الناس .فإذا توارت ترددوا في الحيرة .
- وإن أوفر الناس حظا بهذا الشرف هم أهل الحديث وأهل العلم من أهل السنة . والنصوص وآثار السلف تدل على ذلك .
- روى البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام . باب قول النبي صلى الله عليه
- وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون ) وهم أهل العلم .
- ثم ذكر بسنده إلى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا
- تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) وبسنده إلى
- حميد قال سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطب قال : سمعت النبي صلى الله عليه
- وسلم يقول : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم ويعطي
- الله ، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر
- الله )
- وقد جاء في تفسير هذه الطائفة عن كثير من أئمة السلف بأنهم أهل الحديث .
- مثل الإمام عبد الله بن المبارك والإمام يزيد بن هارون الواسطي ، والإمام
- علي بن المديني ، والإمام أحمد بن حنبل والإمام أحمد بن سنان الواسطي
- والإمام محمد بن عيسى الترمذي ، وغيرهم .
- وهذا الحديث جاء بألفاظ مغايره ، مما يوضح أن أهل الحديث هم حفظة الدين
- والسنة ، فجاء بلفظ ( ظاهرين على الحق ) وبلفظ ( حتى يأتي أمر الله وهم
- ظاهرون ) وبلفظ ( قائمة بأمر الله ) وبلفظ ( قوامة على أمر الله ) وبلفظ (
- منصورين ) وبلفظ ( يقاتلون على الحق ) وبلفظ ( ظاهرين على من ناوأهم )
- وبلفظ ( قاهرين لعدوهم ) وبلفظ ( عزيزة إلى يوم القيامة )
- يقول الإمام أبو عبد الله ابن بطة العكبري في الإبانة تعليقا على هذا
- الحديث وأمثاله : ( جعلنا الله وإياكم بكتاب الله عاملين ، وبسنة نبينا
- صلى الله عليه وسلم متمسكين ، وللأئمة والخلفاء الراشدين المهديين متبعين
- ، ولآثار سلفنا وعلمائنا مقتفين ، وبهدي شيوخنا الصالحين رحمة الله عليهم
- أجمعين مهتدين ، فإن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه جعل في كل زمان فترة من
- الرسل ، ودروسا للأثر ، ثم هو تعالى بلطفه بعباده ورفقه بأهل عنايته ومن
- سبقت له الرحمة في كتابه ، لا يُـخلي كل زمان من بقايا من أهل العلم حملة
- الحجة ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويذودونهم عن الردى ، ويصبرون منهم على
- الأذى ، ويحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بعون الله أهل العمى ، وبسنة
- رسول الله أهل الجهالة والغباء ) ثم ساق من الأحاديث ما يبرهن على ذلك ،
- مثل ما رواه بسنده إلى قيس بن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى
- الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الدين عزيزة إلى يوم
- القيامة )
- وقد سئل سماحة الإمام العلامة المحدث عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه
- الله تعالى عبر البرنامج الإذاعي نور على الدرب السؤال الآتي ( كثرت
- الطوائف والفرق التي تزعم أنها هي الطائفة المنصورة ، واشتبه على كثير من
- الناس الأمر ، فماذا نفعل خاصة أن هناك فرقا تنتسب للإسلام كالصوفية
- والسلفية ونحو ذلك من الفرق ، فكيف نميز بارك الله فيكم ؟ فأجاب رحمه الله
- تعالى فقال ( ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" افترقت
- اليهود على إحدى وسبعين فرقة يعني كلها في النار إلا واحدة ، وهم أتباع
- موسى وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة- والمعنى أن كلها في النار
- إلا واحدة ، وهم التابعون لعيسى عليه السلام – قال :وستفترق هذه الأمة –
- يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام – على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار
- إلا واحدة " قيل يا رسول الله ، من هي الفرقة الناجية ؟ قال الجماعة وفي
- لفظ " ما أنا عليه وأصحابي ". هذه هي الفرقة الناجية ، الذين اجتمعوا على
- الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستقاموا عليه ، وساروا
- على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ونهج أصحابه ، وهم أهل السنة والجماعة
- ، وهم أهل الحديث الشريف السلفيون ، الذين تابعوا السلف الصالح ، وساروا
- على نهجهم في العمل بالقرآن والسنة ، وكلُ فرقة تخالفهم فهي متوعّـدة ٌ
- بالنار . فعليك أيتها السائلة أن تنظري في كل فرقة تدعي أنها فرقة ناجية ،
- فتنظري أعمالها ، فإن كانت أعمالها مطابقة للشرع فهي من الفرقة الناجية ،
- وإلا فلا .
- والمقصود أن الميزان هو القرآن العظيم والسنة المطهرة في حق كل فرقة ، فمن
- كانت أعمالها وأقوالها تسير على كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم
- فهذه داخلة في الفرقة الناجية ، ومن كانت بخلاف ذلك كالجهمية والمعتزلة
- والرافضة والمرجئة وغير ذلك ، وغالب الصوفية الذين يبتدعون في الدين مالم
- يأذن به الله ، هؤلاء كلهم داخلون في الفرق التي توعدها الرسول صلى الله
- عليه وسلم بالنار حتى يتوبوا مما يخالف الشرع .
- وكل فرقة عندها شئ يخالف الشرع المطهر فعليها أن تتوب منه ، وترجع إلى
- الصواب وإلى الحق الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبهذا تنجو
- من الوعيد ، أما إذا بقيت على البدع التي أحدثتها في الدين ، ولم تستقم
- على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنها داخلة في الفرق المتوعدة ،
- وليست كلها كافرة ، إنما هي متوعدة بالنار ، فقد يكون فيها من هو كافر
- لفعله شيئا من الكفر ، وقد يكون فيها من هو ليس بكافر ولكنه متوعد بالنار
- ، بسبب ابتداعه في الدين ، وشرعهِ في الدين مالم يأذن به الله سبحانه
- وتعالى ) ا.هـ.
- وقال الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي رحمه الله
- (ت418) : ( فلم نجد في كتاب الله وسنة رسوله وآثار صحابته ، إلا الحث على
- الاتباع ، وذم التكلف والاختراع ، فمن اقتصر على هذه الآثار كان من
- المتبعين ، وكان أولاهم بهذا الاسم ، وأحقهم بهذا الوسم ،و أخصهم بهذا
- الرسم ، أصحاب الحديث لاختصاصهم برسول الله ، واتباعهم لقوله ، وطول
- ملازمتهم له ، وتحملهم علمه ، وحفظهم أنفاسه وأفعاله ، فأخذوا الإسلام عنه
- مباشرة ، وشرائعه مشاهدة ، وأحكامه معاينة ، من غير واسطة ولا سفير بينهم
- وبينه واصلة ، فجاولوها عيانا ، وحفظوا عنه شفاها ، وتلقفوه من فيه رطبا ،
- وتلقوه من لسانه عذبا ، واعتقدوا جميع ذلك حقا ، وأخلصوا بذلك من قلوبهم
- يقينا ، فهذا دين أخذوا أوله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة ، لم
- يشبه لبس ولا شبهة ، ثم نقلها العدول عن العدول من غير تحامل ولا ميل ، ثم
- الكافة عن الكافة ، والصافة عن الصافة والجماعة عن الجماعة .
- فهؤلاء الذين تعهدت بنقلهم الشريعة ، وانحفظت بهم أصول السنة ، فوجبت لهم
- بذلك المنة على جميع الأمة ، والدعوة لهم من الله بالمغفرة . فهم حملة
- علمه ، ونقلة دينه ، وسفرته بينه وبين أمته ، وأمناؤه في تبليغ الوحي عنه
- ، فحري أن يكونوا أولى الناس به في حياته ووفاته ) (1/20)
- وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405) في كتابه " معرفة علوم
- الحديث"( حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا ابراهيم بن مرزوق البصري
- بمصر ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال سمعت أبي يحدث عن
- النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يزال ناس من أمتي منصورين لا يضرهم من
- خذلهم حتى تقول الساعة ) ثم قال سمعت أبا عبد الله محمد بن علي بن عبد
- الحميد الأدمي بمكة يقول سمعت موسى بن هارون يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول
- – وسئل عن معنى هذا الحديث فقال :" إن لم يكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب
- الحديث فلا أدري من هم ؟" قال أبو عبد الله : وفي مثل هذا قيل : من أمّر
- السنة في نفسه قولا وفعلا ، نطق بالحق. فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير
- هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم
- أصحاب الحديث ، ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا
- آثار السلف من الماضين ، ودمغوا أهل البدع من المخالفين بسنن رسول الله
- صلى الله عليه وعلى آله أجمعين ، من قوم آثروا قطع المفاوز والقفار على
- التنعم في الدمن والأوطار، وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة العلم
- والأخبار " ثم ساق باسناده إلى حفص بن غياث أنه قيل له : ألا تنظر إلى
- أصحاب الحديث وما هم فيه ؟ فقال : هم خير أهل الدنيا " وإلى أبي بكر بن
- عياش أنه قال : " إني لأرجو أن يكون أصحاب الحديث خير الناس "
- ثم قال الحاكم :" ولقد صدقا جميعا أن أصحاب الحديث خير الناس ، وكيف
- لايكونون كذلك ، وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم ، وجعلوا غذاءهم الكتابة
- ، وسمرهم المعارضة ، واسترواحهم المذاكرة ، وخلوقهم المداد . فعقولهم
- بلذاذة السنة غامرة ، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة ، وتعلم السنن
- سرورهم ، ومجالس العلم حبورهم ، وأهل السنة قاطبة اخوانهم ، وأهل الإلحاد
- والبدع بأسرها أعداؤهم )
- وقال الإمام أبو بكر الخطيب البغدادي رحمه الله ( ت463) في كتابه شرف
- أصحاب الحديث : ( وقد جعل الله أهله أركان الشريعة ، وهدم بهم كل بدعة
- شنيعة ، فهم أمناء الله في خليقته ، والواسطة بين النبي وأمته ،
- والمجتهدون في حفظ ملته ، أنوارهم زاهرة ، وفضائلهم سايرة ، وآياتهم باهرة
- ، ومذاهبهم ظاهرة ، وحججهم قاهرة ، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه
- وتستحسن رأيا تعكف عليه سوى أصحاب الحديث ، فإن الكتاب عدتهم ، والسنة
- حجتهم ، والرسول فئتهم ، وإليه نسبتهم ، لا يعرجون على الأهواء ، ولا
- يلتفتون إلى الآراء ، يقبل منهم ما رووا عن الرسول ، وهم المأمونون عليه
- العدول ، حفظة الدين وخزنته ، وأوعية العلم وحملته ) ثم ذكر بإسناده إلى
- علي بن المديني – معلقا على حديث – لاتزال طائفة – قال ( هم أهل الحديث ،
- والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ، ويذبون عن العلم ، ولولاهم لم نجد عند
- المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئا من السنن ) ا.هـ.
- إن أهل العلم من أهل الحديث والسنة ، هم الذين اصطفاهم الله تعالى لحفظ
- دينه وسنة نبيه ، وشرفهم بهذا ولا يزال رب العالمين يغرس منهم غرسا ،
- يستعملهم في طاعته ونصرة دينه
- فنسأل الله تعالى أن يجعل لنا من ذلك أعظم النصيب ، وأن يجعلنا ممن أراد
- بهم خيرا فوفقهم للفقه في الدين وسلك بهم مسلك أهل الحديث . وصلى الله
- وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصبحه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
- وكتبه
- عبد الله بن صلفيق الظفيري
أهل الحديث.doc (40.0 كيلوبايت, |