((( ألم وعقاب )))
بسم الله والحمد لله والصلاه والسلام علي رسول الله وعلي اله وصحبه ومن والاه
أما بعد
أحبتي في الله : حديثي معكم في هذه الرساله؛ عن الم وعقاب؛ أستهله قائلة :
لا يكاد امرؤ منا إلا وشعر بهما، إلا من رحم الله ؛ ولا محروم إلا معصوم - على تفصيل- -
ألا وهما : الم وعقاب المعصيه ؛ التي يقع فيها الانسان؛ ثم يفيق منها على ألم يملىء قلبه ؛ وعقاب ينتظره
وآه .. ثم .. آه .. ثم .. آه من المعصيه والمها وعقابها
فالمعصيه كما قال العلامة شمس الدين ابن القيم - رحمه الله تعالى ؛ : أنها تضر ولا بد
ان ضررها في القلب كضرر السموم في الابدان على اختلاف درجاتها في الضرر ؛
وهل في الدنيا والاخره شر وداء ؛ إلا سببه الذنوب والمعاصي
وقد لايؤثر الذنب في الحال ؛ وهذا يغرّ بعض الناس ؛ لأنهم لايرون بعد الذنب ؛ اي تأثير في حياتهم ؛
ولم يعلم المغتر ان الذنب ينقض ولو بعد حين
وقد ذكر الإمام أحمد - رحمه الله تعالى- عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قوله : " اعبد الله كانكم ترونه ؛ وعدوا أنفسكم من الموتى
و
اعلموا أن قليلا يغنيكم خير من كثير يلهيكم ؛
و
اعلموا أن البر لا يبلي ؛ وأن الذنب لا ينسى"
* * * *
وللمعاصي اثار خطيره ليس علي مرتكبها وحده ولكن علي الكون باكمله
فاسمحوا لي أن اذكر لكم بعض منها :
1-
حرمان العلم
فان العلم نور يقذفه الله في القلب؛ والمعصيه تطفئ ذلك النور
ولما جلس الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى- بين يدي شيخه الإمام مالك -رحمه الله تعالى ؛ وقرأ عليه ؛ اعجبه ما رأى من وفور فطنته ؛ وتوقد ذكائه ؛ وكمال فهمه ؛
فقال : اني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا ؛ فلا تطفئه بظلمة المعصية
2-
حرمان الرزق
وفي المسند ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) كما ان تقوي الله مجلبه للرزق؛ فترك التقوي مجلبه للفقر؛
فما استجلب رزقا بمثل ترك المعاصي
3-
وحشه يجدها العاصي في قلبه؛ وبينه وبين الله
لاتوازنها ولا تقارنها لذه اصلا؛ ولو اجتمعت له لذات الدنيا باسرها؛ لن تفي بتلك الوحشه؛
وهذا امر لا يحسّ به إلا لمن في قلبه حياة
4-
ومنها الوحشه التي تحصل بينه وبين الناس؛
ولا سيما أهل الخير منهم
وكلما قويت تلك الوحشه بعد منهم؛ وحرم بركة الانتفاع بهم؛ وتقوي هذه الوحشة حتي تستحكم فتقع بينه وبين امراته وولده وأقاربه؛ وبينه وبين نفسه؛
فتراه مستوحشا من نفسه
وقال بعض السلف
( اني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامراتي )
5-
تعسير أموره عليه
فلا يتوجه لامر؛ الا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه؛
وكيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدوده عنه؛ وطرقها معسره عليه
قال تعالى :
"ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"
الطلاق آية (2؛3)
6-
ظلمة يجدها في قلبه حقيقة
يحس بها ؛ كما يحس بظلمة الليل البهيم اذا ادلهم
فتصير ظلمة المعصيه لقلبه كالظلمه الحسيه لبصره
فان الطاعه نور؛ والمعصيه ظلمه
قال بن عباس - رضي الله عنهما :
"ان للحسنه ضياء في الوجه ؛ ونورا في القلب ؛ وسعة في الرزق؛ وقوة في البدن؛ ومحبة في قلوب الخلق؛ وان للسيئه سوادا في الوجه؛ وظلمة في القلب؛ ووهنا في البدن؛ ونقصا في الرزق؛ وبغضا في قلوب الخلق 11
13-
هوان العاصي علي ربه
وسقوطه من عينه ؛ قال الحسن البصري؛ هانوا عليه فعصوه؛ ولو عزوا عليه لعصمهم؛ وإذا هان العبد علي ربه لم يكرمه احد
قال تعالى
( ومن يهن الله فما له من مكرم )الحج (18)
وان عظمهم الناس في الظاهر؛ لحاجتهم اليهم ؛ وخوفا من شرهم ؛ فهم في قلوبهم احقرشئ واهون
15-
شؤم المعصية
ان غيره من الناس والدواب؛يعود عليهم شؤم ذنبه ؛ فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم
قال عكرمه
دواب الارض وهوامها؛ حتي الخنافس والعقارب؛ يقولوا منعنا القطر بذنوب بني ادم
فلا يكفيه عقاب ذنبه؛حتي يلعنه من لاذنب له
16-
المعصيه تورث الذل؛ و لابد
فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى
قال تعالى :
"من كان يريد العزة فلله العزة جميعا" فاطر(10) اى : يطلبها في طاعة الله ؛ فانه لا يجدها الا في طاعة الله؛ وكان دعاء بعض السلف؛ اللهم اعزني بطاعتك ؛ ولا تذلني بمعصيتك
17-
الذنوب تطبع على القلب؛ اذا تكاثرت
فيكون صاحبها من الغافلين؛ قال الحسن؛ هو الذنب علي الذنب؛ حتي يعمي القلب
18-
الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإنه لعن علي المعاصي فلعن الواشمة والمستوشمة؛ ولعن آكل الربا
19-
الذنوب تحدث الفساد في الارض
فتفسد في المياه؛ والهواء؛ والزرع؛ والثمار؛ والمساكن؛
قال تعالى :
" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس؛ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " الروم(41)
20-
المعاصي تزيل النعم ؛ وتحل النقم
فما زالت من العبد نعمه الا بذنب
كما قال علي ابن ابي طالب : ما نزل بلاء الا بذنب؛ وما رفع الا بتوبه
21-
المعاصي تجعل العاصي دائما في اسر شيطانه
وسجن شهواته ؛ وقيود هواه فهو اسير مسجون مقيد عن سيره الي الله والدار الاخره
* * * *
وما ذكر هو بعض العقوبات في الدنيا
وأما عقوبات الاخرة :
فتختلف بحسب الذنب صغيرة وكبيرة
وما النجاة إذا من تلك المهالك
النجاة يسيره باذن الله ؛ إذا استعان العبد برب البرايا مع إخلاص الدعاء له ؛ ان يحصنه من الوقوع في الخطايا ؛ مع معرفته بمداخل المعاصي ليقوم بسدها
واتقاء شرها ؛ ومداخل المعاصي هي:
(( النظرة ))
فهي رائد الشهوه
وحفظها اصل حفظ الفرج
فمن اطلق بصره أورد نفسه موارد المهلكات
قال النبي - صلى الله عليه وسلم :
" لاتتبع النظره النظره ؛ فإن لك الاولى وليست لك الاخره)
رواه ابو داود
(( الخطرة ))
فشأنها أصعب
فإنها مبدأ الخير والشر
ومنها تتولد الهمم والعزائم
فمن راعي خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه
ومن استهان بالخطرات قادته قهرا للهلاك
(( الفكرة ))
فإن الإنسان إذا لم يشغل نفسه بالتفكر في آلاء الله وكل ما ينفعه من أمور الدين والدنيا صارت أفكاره في الوساوس الشيطانيه
( فنفسك الالم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل )
(( اللفظة ))
يحفظها، بأن لا يخرج لفظه ضائعه
بأن لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزياده في دينه
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار
قال : " الفم والفرج "
رواه الترمذى؛ ابن ماجه؛ وأحمد
(( الخطوة ))
يحفظها ؛ بأن لا ينقل قدمه إلا فيما يرجو ثوابه
فإن لم يكن في خطاه مزيد من الثواب ؛ فالقعود عنها خير له
* * * *
ولكن يا تري هل من الممكن ألا يقع إنسان في معصية البته ؟
يقول رسول الله - صلى لله عليه وسلم :
" كل ابن آدم خطاء؛ وخير الخطائين التوابون "
رواه الإمامان أحمد والترمذى
ولكن الفرق بين المؤمن وغيره :
أن المؤمن إذا وقع في ذنب سارع بالاستغفار والتوبة
وأما غيره فإنه يصرّ على المعصية ويبارز بها الله
وهذا هو الهلاك بعينه
فليسارع كل مذنب بالاستغفار والتوبة قبل فوات الاوان
فالله تعالى يقبل التوبه ما لم تبلغ الروح الحلقوم؛ أو تطلع الشمس من مغربها؛
ولا ييأس أحد من رحمة الله مهما عظمت ذنوبه
فإن الله غفور رحيم؛ يقبل التوبة ويعفوا عن المسيئين
بل ويسميهم المتقين
* * * * *
وخير ما اختم به معكم؛ هذه الآيات العظيمة
"وسارعوا الي مغفرة من ربكم وجنه عرضها السموات والارض اعدت للمتقين*
الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله
يحب المحسنين*والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا
لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا علي ما فعلوا وهم يعلمون
اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها
ونعم اجر العاملين)
آل عمران (133؛134؛135؛136)
والله هو الهادي وهو سبحانه
الموفق الي سواء السبيل
أختكم في الله
أم محمد زينب محمد
[/b]