المسالك والحلول لوثنية القبور
الداء والدواء
الشيخ / د .
عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
الداء والدواء
الشيخ / د .
عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على الـمبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلا يخفى أنَّ الغلو في القبورِ بشتى صورهِ وأنواعهِ قد عمّ وطم في غالبِ البلاد، وتلبَّس بهذه المظاهر الـشـركـية وطرائقها الكثيرُ من الناس، وصارت هذهِ القبورُ مزارات، و(مشاعر) يقصُدها الناس، ويشدُّون إليهـا الرحال من سائر الأمصار؛ وسدنةُ هذه الأضرحةِ وعلماءُ الضلالةِ يزيّنون الشركَ للعامةِ بشتى أنواع الدعاوى والشبهـات، ويأكلون أموالَ الناسِ بالباطـل، ويصدون عن سبيل الله تعالى.
إنَّ على المنتسبين للعلمِ والدعوةِ واجـباً كبيراً تجاهَ هذا التيارُ الوثني، وفي هذه المقالةِ نُوردُ بعض المسالكِ الرئيسةِ التي تُسهم في حلِّ وعلاجِ انحرافات القبوريين وشبهاتهم.
أ- المسلكُ الدعوي: ويتمثلُ هذا المسلكُ من خلال عدة أمور:
1-أن يُعنى العلماءُ والدعاةُ بتقريرِ التوحـيد، في تلكَ المجتمعاتِ المولعةِ بتعظيمِ القبورِ والغلو فيها، وأنَّ يجتهدوا في تجليةِ مفهومِ التوحيد، من خلالِ القصصِ القرآني، وضربِ الأمثال، وضرورةَ تعلقُ القلب بالله ـ سبحانه وتعالى ـ وأنَّ اللهَ عزَّ وجل هو المتفردُ بالنفعِ والضُر، والخلقِ والتدبير، ومن ثَمَّ فهو المألوه المعبود، الذي تألههُ القلوبُ محـبةً وإجلالاً، وخشيةً ورجاءاً.
وأن يضمّن هذا التقريرُ بيانَ عجزِ المخلوقين وضعفهم، وأنَّهم لا يملكون لأنفسهم -فضلاً عن غيرهم- نفعاً ولا موتاً، ولا حياةً ولا نشوراً.
وأن يـسعى إلى تحبيبِ هذا التوحيدِ إلى الناس، من خلالِ الحديثِ عن فضائلِ التوحيد، وبيانِ ثمراتهِ وآثاره، وأخـبـارِ الأنبياء ـ عليهم السلام ـ والصالحين الذين حققوا التوحيد، كما ينبغي الاهتمامُ بإظهارِ أثرُ التوحيد على الحياةِ العامة.
2- أن تُربى الأمة عموماً، وهذه المجتمعات المعظمةِ للقبورِ خصوصاً، على أهميةِ التسليمِ لنصوصِ الكتابِ والسنةِ والتحاكم إليها، وانشراحُ الصدرِ لها.
يقولُ سبحانه : (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُـؤْمِـنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء: 65].
وإذا كان طواغيتُ هذا العصرِ يفرضونَ على الناسِ احترامَ الشرعيةِ الدولية، والإذعانَ والتسليمِ لقراراتِ الأممِ المتحدة؛ فإنَّ علينا ـ معشرَ الدعاة إلى الله ـ أن ندعو المسلمين إلى ما أوجبهُ اللهُ عليهم، من التسليمِ والانقيادِ لنصوصِ الوحيين، وعدمِ معارضتها بأيِّ نوعٍ من المعارضات، سواءً أكان تقليداً، أو معقولاً، أو ذوقاً، أو سياسةً أو غيره؛ فالإيمانُ مبنيٌ على التسليمِ للهِ ـ تعالى ـ والإذعان لشرعه [1].
يقولُ أبو الزناد ـ رحمه الله ـ : ( إنَّ السننَ لا تُخاصم ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي، ولو فعلَ الناسُ ذلكَ لم يمضِ يومٌ إلا انتقلوا من دينٍ إلى دين، ولكنهُ ينبغي للسننِ أن تُلزَم ويُتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه )[2].
3- أن يدعى الناسَ إلى الالتزامِ بالشرعِ، والعملَ بالسنةِ؛ فإنَّ إظهارَ السُننِ والتمسكُ بها يستلزمُ زوالَ البدعِ واندثارها، وكذا العكس، فإنَّهُ ما ظهرت بدعةٌ إلا رُفع مثلها من السنةِ، والنفوسُ إن لم تـشتغل بسنةٍ وتوحيد؛ فإنَّها ستشتغلُ ببدعةٍ وشرك؛ فالنفوسُ خُلقت لتعملَ لا لتترك[3].
وقد تتثاقلُ النفوسُ تجاهَ الالتزامِ بالأحكام الشرعية، وتنشطُ تجاهَ ما أحدثتهُ من بدعٍ ومحدثات، ومن ثَمَّ يتعينُ على دُعاةِ الإصلاحِ أن يأخذوا على أيدي هؤلاءِ، ويذكّروهم بفضلِ التمسكِ بالشرائع، وأنَّ هذه الشرائعُ غذاءٌ وروح، وقرةُ عينٍ وسرورُ قلب [4].
يقولُ أبو الوفاء ابن عقيل: متحدثاً عن تلك النفوسِ المتثاقلةِ تجاهَ الشرائع:
(لما صعبت التكاليفُ على الجُهَّال والطغام، عدلوا عن أوضاعِ الشرع إلى تعظيمِ أوضاعٍ وضعوها لأنفسهم، فسهُلت عليهم؛ إذ لم يدخُلوا بها تحت أمرِ غيرهم، قال: وهم كفارٌ عندي بهذهِ الأوضاع، مثلُ: تعظيمِ القبورِ، وإكراماً بما نهى الشرع عنه، من إيقادِ النيران وتقبيلها، وخطابِ الموتى بالألواح، وكتبِ الرقاعِ فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا...)[5].
4- دعوةَ المخاطبين إلى تدبرِ آياتِ القرآن الحكيم، وحثهم على التأملِ والتفكـرِ في معاني القرآن، كما قال سبحانه ـ : (( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)) [ص: 29].
وقال ـ عز وجل: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)) [النساء: 82] .
وإن من أعظمِ أسـبابِ الضلالِ واستفحالِ الشرك: الإعراضُ عن تدبرِ آياتِ القرآن، والاقتصارُ على مجردِ قراءتهِ دون فهمٍ أو فقه.
فإذا نظرنا ـ مثلاً ـ إلى مسألةِ إفرادَ الله ـ عز وجل ـ بالدعاءِ والاستغاثة، فإنَّها من أوضحِ الواضحاتِ في كتابِ الله، فقد تحدثَ عنها القرآنُ في ثلاثمائةَ موضع[6].
ومع ذلك فما أكثرَ الذين يتلون هذه الآياتِ بألسنتهم، وينقُضونها بأفعالهم وأحوالهم.
يقول العلاّمةُ حسين بن مهدي النعمي ـ رحمهُ الله ـ (ت/1187هـ) متحدثاً عن ضلال القبوريين :
( لا جرمَ لمَّا كان ملاكُ أمرِ الجميعِ، وحاصلُ مبلغهم وغايتهم، هو التلاوةُ دون الفقه والتدبر والإتباع، خفيٌّ عليهم ذلك، وعموا وصموا عنه، وأنّى لهم ذلك؟ وقد منعهم سادتهم وكبراؤُهم من أهليهم، وممن يقومُ عليهم ويسوسهم، وقالوا: كتابُ الله حجرٌ محجور، لا يُستفادُ منه، ولا يُقتبسُ من أنوارهِ، ولا يُنال ما فيه من العلم والدين.
فـلـعمرُ اللهِ للخيرِ أضاعوا، وللشرِ أذاعوا، وإلاَّ فلولا ذلك لكانت هذه المسألةُ [ إفـرادُ الله بالدعاء] من أظهرِ الظواهر، لما أنَّ العناية في كتابِ الله بشأنها أتم وأكمل، والقصدُ إلـيها بالتكريرِ والتقريرِ والبيان في كتاب الله أكثر وأشمل) [7].
ويقولُ الشيخُ العلاّمةَ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله في هذا المقام ـ:
(فمن تدبرَ عرفَ أحوالَ الخلقَ، وما وقعوا فيه من الشركِ العظيم، الذي بعث اللهُُ أنبياءَه ورسلهُ بالنهي عنه، والوعيدُ على فعلهِ، والثوابُ على تركه، وقد هلك من هلك بإعراضهِ عن القرآن، وجهلهِ بما أمرَ اللهُ به ونهى عنه)[8].
وعلينا أن نتواصى بتطهيرِ القلوبِ وتزكيتها، لكي يحصلَ الانتفاعُ بمواعظِ القرآن وأحكامه.