خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أضرار الترف على الفرد والمجتمع- دراسة في ضوء السنن الكونية والآيات القرآنية

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية أضرار الترف على الفرد والمجتمع- دراسة في ضوء السنن الكونية والآيات القرآنية

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 29.04.09 11:02

    أضرار الترف على الفرد والمجتمع- دراسة في ضوء السنن الكونية والآيات القرآنية
    فاصل

    إن المتأمل في واقع مجتمعنا ليصاب بوجل شديد جراء طغيان الرفاهية والتنعم عليه، وقد علم من السنن الكونية أن الترف سبب لفساد الأمم ومن ثم هزيمتها وسقوطها، بل وأشد من ذلك من الركون إلى الدنيا ورغبتها عن الآخرة. ومع أن الترفه هو التوسع في النعمة كما في المفردات للراغب؛ إلا أنه لم يرد في القرآن إلا في مورد الذم والاقتران بالكفر والعصيان وإليك البيان:

    1- اتباع الملاذ والترف في النعم يؤدي إلى التمرد على الشرع وحملته من الرسل الكرام، قال تعالى: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين) .


    2- صار حرص تلك الفئة المترفة على ملاذها وترفها وخوفها من فقدان تلك الملاذ باتباع الرسل والالتزام بالشرع وصفا مقارنا لكفرهم وتكذيبهم وكأنه نتيجة للترف والركون إلى الدنيا، قال تعالى: ( قال الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا...) .


    3- ولشدة ذلك الارتباط بين الترف والكفر استعيض عن ذكر الكافرين بذكر المترفين في قوله تعالى: ( وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون) ، وقوله تعالى: ( وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة...) .


    4- ثم بعد ذلك ما النتيجة؟ إنه العذاب الأليم الذي ينسيهم ترفهم ونعيمهم كما قال تعالى: ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) . والمعنى: أمرنا مترفيها بالاستقامة على الشرع فخالفوا بالفسق فحق عليهم العذاب، وبعد ذلك يحصل الندم ولات حين مندم كما قال تعالى: ( حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون) .


    5- وفي بداية وصف أصحاب الشمال في سورة الواقعة نجد أن صفة الترف قبل كل الصفات المذكورة، وكأنها سبب لما بعدها من كفر وتكذيب، قال تعالى: (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) .


    6- ويقرعهم الله سبحانه إذا أحسوا بالعذاب وحاولوا الهروب منه بالركض ولكن إلى أين؟ لا مفر لهم من جزاء عملهم. فيذكرهم سبحانه بتفرقهم وتقديمهم شهواتهم على الشرع، قال تعالى: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون) .

    ولقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم خطورة التنعم والترفه خصوصا بعد أن اتسعت موارد الدولة وكثر المال بسبب الفتوحات, فكانوا يتعاهدون بعضهم بالنصح، ففي صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنه – وكان أميرا على العراق – يقول له: يا عتبة أطفم الناس في رحالهم مما تأكل في رحلك فإنه ليس من كدِّ أبيك ولا كد أمك ولا كدك، وإياكم والتنعم وزي أهل العجم .


    وكانت قضية خوفه على المسلمين من الوقوع في الرفاهية تشغله كثيرا رضي الله عنه فقد أخرج أحمد عن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب قال:" اتزروا وارتدوا وانتعلوا والبسوا الخفاف والسراويلات والقوا الركب، وانزوا نزواً، وعليكم بالمعدية، وارموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم،..." .

    وورد عنه أنه قال : اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم.

    وفي مسند أبي عوانة وغيره بسند صحيح كما في الفروع: أما بعد فاتزروا وارتدوا وألقوا الخفاف والسراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل وإياكم والتنعم وزي الأعاجم وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب وتمعددوا واخشوشنوا واخلولقوا واقطعوا الركب وارموا الأغراض .

    وقد امتثل الصحابة لهذه الوصية العمرية المذكرة بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يتقوا الدنيا ويحذروا الانغماس فيها، فقد ثبت عن عبدالله بن بريدة وعبدالله بن شقيق أنهما قالا: رحل صحابي إلى صحابي آخر في مصر – وهو فضالة بن عبيد – فقال الصحابي: لم آتك زائرا إنما جئتك أسألك عن حديث سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم لعله عندك علم عنه، ثم قال: ما لي أراك شعثا وأنت أمير الأرض؟ فقال فضالة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه. فقال له: فما لي لا أرى عليك حذاء؟ ...) .


    بل صار ترك الترفه وصفا ملازما لأهل السنة، فقد قال الحسن البصري رحمه الله: "سننكم والله بين الغالي والجافي ، وإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما يأتي لم يذهبوا مع أهل الترف في ترفهم ولا مع أهل البدع في بدعهم بل حافظوا على الحق حتى لقوا ربهم فكذلك فكونوا رحمكم الله " .بل إن السلف كانوا ينهون عن مجالسة المترفين خوفا من العدوى، قال المروذي: سمعت أبا عبدالله - أحمد بن حنبل – وذكر قوما من المترفين فقال: الدنو منهم فتنة والجلوس معهم فتنة .

    ثم ليعلم أن النصوص المحذرة من الترف لم تأت من فراغ وإنما حُذر المؤمنون منه لما فيه من مفاسد، ومن هذه المفاسد:


    1- أن الترف والتنعم مؤد إلى التنافس على جمع الدنيا فتحصل الخصومة المؤدية إلى التفرق والقتال. وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمها أبناء الملوك – أبناء فارس والروم – سُلط شرارها على خيارها) .


    2- أن أهل العبادة والصلاح بعيدون عن التنعم والترف، والوقوع فيهما بعدٌ عن طريق أهل الخير. ولذلك لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: ( إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين) .


    3- أن الترفه والتنعم من أسباب قسوة القلب ونسيان الآخرة ولذا فأهل التنعم هم شرار هذه الأمة، وقد روى البيهقي في الشعب عن فاطمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم...) .


    4- أن العبد مسؤول عن طريق الحصول على التنعم وعن شكره بعد ذلك، قال تعالى: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) . وأما أول سؤال من النعيم فهو السؤال عن نعمة الصحة والماء البارد، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد) .


    5- أن الأمة المترفة أسرع الى الفناء والهزيمة من غيرها، وقد قال ابن خلدون في الفصل الثامن عشر من مقدمته: فصل في أن من عوائق الملك الترف وانغماس القبيل في النعيم، قال: وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فضلا عن الملك، فإن عوارض الترف والغرق في النعيم كاسر من سَورة العصبية التي بها التغلب، وإذا انقرضت العصبية قصر القبيل عن المدافعة والحماية فضلا عن المطالبة والتهمتهم الأمم سواهم" .

    ومن الترف المستشري في المجتمع الإكثار من المطعومات كما ونوعا، وقد ذكر بعض أطباء المسلمين أن الله تعالى جمع الطب في نصف آية وهي قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . وقد روى البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم قال قال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة) . وروى أيضا بصيغة الجزم قال قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأك اثنتان سرف أو مخيلة".


    والسرف المذموم في الأكل والشرب نوعان : التخليط والتنويع في الطعام والإكثار منه والسمنة الناتجة عنهما.


    فأما التخليط والتنويع في الطعام فقد ورد ذمه بصيغ شتى، فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من أقوام همهم بطونهم وشهواتهم فيكثرون من التنويع في الأطعمة والأشربة فقد روى الطبراني وغيره عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام، فألائك شرار أمتي) . وعن فاطمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام) .


    فالتخليط في الطعام مذموم شرعا وطبا، قال البيهقي: وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اشترى من اللحم المهزول، وجعل عليه سمنا، فرفع عمر يده وقال: والله ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر، فقال ابن عمر: اطعم يا أمير المؤمنين فوالله لا يجتمعان عندي أبدا إلا فعلت ذلك .

    ولو لم يكن في التخليط في الأطعمة إلا مشابهة أهل الدنيا من الكفار الذين قال الله فيهم: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) .

    قال الحافظ ابن كثير:" وقد تورع أمير المؤمنين عمربن الخطاب عن كثير من المطاعم والمشارب خشية أن تشمله هذه الآية وأن يدخل فيها".


    • ومما ورد عنه في ذلك أنه رأى جابرا ومعه لحم معلق في يده فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: اشتهيت لحما فاشتريته. فقال عمر: أوكلما اشتهيت اشتريت يا جابر؟ ما تخاف هذه الآية: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا..) .


    • ودخل رضي الله عنه على بنته حفصة رضي الله عنها فقدمت إليه مرقا باردا وصبت عليه زيتا فقال: أدمان في إناء واحد؟ لا آكله حتى ألقى الله عز وجل .

    • وقال الأشعث بن قيس لما طلب منه أن يلين اللحم بالزيت: أدمان في أدم؟ كلا، إني لقيت صاحبيَّ وصحبتهما فأخاف إن خالفتهما أن يخالف بي عنهما ولا أنزل معهما حيث ينزلان .


    ولما قدم وفد البصرة ومعهم أميرهم أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أطعمهم عمر رضي الله عنه من طعامه، فرأى كراهتهم فقال: أيها القوم إني والله لقد أرى كراهيتكم طعامي وإني والله لو شئت لكنت أطيبكم طعاما، ثم قال: ولكني سمعت الله جل ثناؤه عير قوما بأمر فعلوه فقال : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها..) .
    أسأل الله تعالى أن يلحقنا بسلفنا في الهدي والسمت وأن يقينا شر أنفسنا.


    والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    ============
    أهم المراجع
    o أخبار عمر للطنطاوي
    o الآداب الشرعية
    o الأدب المفرد تحقيق الألباني
    o اقتضاء الصراط المستقيم تحقيق الدكتور ناصر العقل
    o الترغيب والترهيب تحقيق محي الدين مستو وزملائه
    o السلسلة الصحيحة للألباني
    o صحيح الجامع للألباني
    o كتاب الكسب – محمد بن الحسن الشيباني- تحقيق عبدالفتاح أبوغدة- نشر: مكتب المطبوعات الإسلامية-الطبعة الأولى.
    o شرح منظومة الآداب للسفاريني- مؤسسة قرطبة
    o العمدة في إعداد العدة لعبدالقادر عبدالعزيز

    والنقل
    لطفــــــاً .. من هنـــــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.11.24 7:50