ما رجحه الإمام الشوكاني في نيل الأوطار ثم تراجع عنه في كتبه الأخرى
1- نجاسة المني:
قال رحمه الله في نيل الأوطار (1/90- دار الوفاء): ((فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور الواردة وهذا خلاصة ما في المسألة من الأدلة من جانب الجميع))ا.هـ.
وذكر المباركفوريُ صاحبُ تحفة الأحوذي (1/375) كلامَه ثم قال: قلت كلام الشوكاني هذا حسن ٌجيدٌ ا.هـ
**وقال في وبل الغمام (1/177): وقد أوردت في شرح المنتقى حجج المختلفين ورجحت هناك ما رجحت ،وظهر لي الآن أن القيام في مقام المنع هو الذي يدين عند الله.ا.هـ وقال في السيل الجرار(1/34) بعد ذكره لقاعدة استصحاب البراءة الأصلية وأصالة الطهارة: ...وتعرف أيضاً عدم انتهاض ما استدل به القائلون بنجاسة منيِّ الآدمى.ا.هـ
2- إدراك المأموم للإمام وهو راكع هل تحسب له هذه الركعة؟.
قال رحمه الله في نيل الأوطار (1/90- دار الوفاء): ((فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور الواردة وهذا خلاصة ما في المسألة من الأدلة من جانب الجميع))ا.هـ.
وذكر المباركفوريُ صاحبُ تحفة الأحوذي (1/375) كلامَه ثم قال: قلت كلام الشوكاني هذا حسن ٌجيدٌ ا.هـ
**وقال في وبل الغمام (1/177): وقد أوردت في شرح المنتقى حجج المختلفين ورجحت هناك ما رجحت ،وظهر لي الآن أن القيام في مقام المنع هو الذي يدين عند الله.ا.هـ وقال في السيل الجرار(1/34) بعد ذكره لقاعدة استصحاب البراءة الأصلية وأصالة الطهارة: ...وتعرف أيضاً عدم انتهاض ما استدل به القائلون بنجاسة منيِّ الآدمى.ا.هـ
2- إدراك المأموم للإمام وهو راكع هل تحسب له هذه الركعة؟.
رجح في النيل (2/67-70):عدم الاعتداد بتلك الركعة وقال(1/68): ((وقد بحثت في هذه المسالة وأحطتها في جميع بحثي فقهاً وحديثاً فلم أحصل منها على غير ما ذكرت يعني من عدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط ))ا.هـ
ولكن نقل عنه صاحب عون المعبود أن له فتوى بخلاف ذلك والظاهر من نقل صاحب العون أنه يجعل الفتوى متاخرة عن كامه في النيل.
قال صاحب العون(3/110-112):
وأنت رأيت كلام العلامة الشوكاني في نيل الأوطار أنه رجح مذهب من يقول بعدم اعتداد الركعة بإدراك الركوع من غير قراءة الفاتحة وبسط الكلام فيه وأجاب عن أدلة الجمهور القائلين بإدراك الركعة بمجرد الدخول في الركوع مع الإمام , وحقق العلامة الشوكاني في الفتح الرباني في فتاوى الشوكاني خلاف ذلك ورجح مذهب الجمهور وهذه عبارته من غير تلخيص ولا اختصار :
ما قول علماء الإسلام رضي الله عنهم في قراءة أم القرآن , هل يجب على من لحق إمامه في الركوع أن يأتي بركعة عقب سلام الإمام لأنه قد فاته القيام والقراءة على ما اقتضاه مفهوم حديث الصحيحين " فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " وفي رواية " فاقضوها " وكما وافقه زيادة الطبراني في حديث أبي بكرة بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم له " زادك الله حرصا ولا تعد " زاد الطبراني " صل ما أدركت واقض ما سبقك " انتهى .
وكما في مصنف ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : لا أجده على حالة إلا كنت عليها وقضيت ما سبقني فوجده قد سبقه يعني النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الصلاة أو قال ببعض ركعة , فوافقه فيما هو فيه , وأتى بركعة بعد السلام فقال صلى الله عليه وسلم " إن معاذا قد سن لكم فهكذا فاصنعوا " أو يكون مدركا للركعة وإن لم يمكنه قراءة الفاتحة بمقتضى ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك ركعة مع الإمام قبل أن يقيم صلبه فقد أدركها " وترجم له ابن خزيمة باب ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركا للركعة , ولما أخرجه الدارقطني " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة "
وإن كان الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال : طرقه كلها ضعاف عند جميع الحفاظ
وقال ابن تيمية : روي مسندا من طرق كلها ضعاف , والصحيح أنه مرسل , وقد قواه ابن الهمام في فتح القدير بكثرة طرقه
وذكر الفقيه صالح المقبلي في الأبحاث المسددة بحثا زاد السائل ترددا , فافضلوا بما يطمئن به الخاطر , جزاكم الله خيرا عن المسلمين أفضل الجزاء .
الجواب لبقية الحفاظ القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى بقوله : قد تقرر بالأدلة الصحيحة أن الفاتحة واجبة في كل ركعة على كل مصل إمام ومأموم ومنفرد , أما الإمام والمنفرد فظاهر , وأما المأموم فلما صح من طرق من نهيه عن القراءة خلف الإمام إلا بفاتحة الكتاب , وأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها , ولما ورد في الأحاديث المسيء صلاته من قوله صلى الله عليه وسلم : ثم كذلك في كل ركعاتك فافعل بعد أن علمه القراءة لفاتحة الكتاب .
والحاصل أن الأدلة المصرحة بأن لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وإن كان ظاهرها أنها تكفي المرة الواحدة في جملة الصلاة فقد دلت الأدلة على وجوبها في كل ركعة دلالة واضحة ظاهرة بينة .
إذا تقرر لك هذا فاعلم أنه قد ثبت أن من أدرك الإمام على حاله فليصنع كما يصنع الإمام , فمن وصل والإمام في آخر القيام فليدخل معه فإذا ركع بعد تكبير المؤتم فقد ورد الأمر بمتابعته له بقوله : وإذا ركع فاركعوا , كما في حديث " إنما جعل الإمام ليؤتم به " وهو حديث صحيح , فلو توقف المؤتم عن الركوع بعد ركوع الإمام وأخذ يقرأ فاتحة الكتاب لكان مخالفا لهذا الأمر , فقد تقرر أنه يدخل مع الإمام وتقرر أنه يتابعه ويركع بركوعه ثم ثبت بحديث " من أدرك مع الإمام ركعة قبل أن يقيم صلبه فقد أدركها " أن هذا الداخل مع الإمام الذي لم يتمكن من قراءة الفاتحة قد أدرك الركعة بمجرد إدراكه له راكعا .
فعرفت بهذا أن مثل هذه الحالة مخصصة من عموم إيجاب قراءة الفاتحة في كل ركعة , وأنه لا وجه لما قيل أنه يقرأ بفاتحة الكتاب ويلحق الإمام راكعا , وأن المراد الإدراك الكامل وهو لا يكون إلا مع إدراك الفاتحة , فإن هذا يؤدي إلى إهمال حديث إدراك الإمام قبل أن يقيم صلبه , فإن ظاهره بل صريحه أن المؤتم إذا وصل والإمام راكع وكبر وركع قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد صار مدركا لتلك الركعة وإن لم يقرأ حرفا من حروف الفاتحة
فهذا الأمر الأول مما يقع فيه من عرضت له الشكوك لأنه إذا وصل والإمام راكع أو في آخر القيام ثم أخذ يقرأ ويريد أن يلحق الإمام الذي قد صار راكعا فقد حاول ما لا يمكن الوفاء به في غالب الحالات , فمن هذه الحيثية صار مهملا لحديث إدراك الإمام قبل أن يقيم صلبه .
الأمر الثاني أنه صار مخالفا لأحاديث الاقتداء بالإمام وإيجاب الركوع بركوعه والاعتدال باعتداله وبيان ذلك أنه وصل حال ركوع الإمام أو بعد ركوعه ثم أخذ يقرأ الفاتحة من أولها إلى آخرها ومن كان هكذا فهو مخالف لإمامه لم يركع بركوعه وقد يفوته أن يعتدل باعتداله , وامتثال الأمر بمتابعة الإمام واجب ومخالفته حرام .
الأمر الثالث أن قوله صلى الله عليه وسلم " من أدرك الإمام على حالة فليصنع كما يصنع الإمام , يدل على لزوم الكون مع الإمام على الحالة التي أدركه عليها وأنه يصنع مثل صنعه , ومعلوم أنه لا يحصل الوفاء بذلك إلا إذا ركع بركوعه واعتدل باعتداله , فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع إمامه , فخالف الأمر الذي يجب امتثاله وتحرم مخالفته .
وإذا اتضح لك ما في إيجاب قراءة الفاتحة على المؤتم المدرك لإمامه حال الركوع أو بعده من المفاسد التي حدثت بسبب وقوعه في مخالفة ثلاث سنن صحاح كما ذكرنا , تقرر لك أن الحق ما قدمنا لك من أن تلك الحالة التي وقعت للمؤتم وهي إدراك إمامه مشارفا للركوع أو ركعا أو بعد الركوع مخصصة من أدلة إيجاب قراءة الفاتحة على كل مصل .
ومما يؤيد ما ذكرنا الحديث الوارد " من أدرك الإمام ساجدا فليسجد معه ولا يعد ذلك شيئا " فإن هذا يدل على أن من أدركه راكعا يعتد بتلك الركعة , وهذا الحديث ينبغي أن يجعل لاحقا بتلك الثلاثة الأمور التي ذكرناها فيكون رابعا لها في الاستدلال به على المطلوب , وفي كون من لم يدخل مع الإمام ويعتد بذلك يصدق عليه أنه قد خالف ما يدل عليه هذا الحديث . وفي هذا المقدار الذي ذكرنا كفاية , فاشدد بذلك ودع عنك ما قد وقع في هذا المبحث من الخبط والخلط والتردد والتشكك والوسوسة . والله سبحانه وتعالى أعلم . انتهى كلام الشوكاني بلفظه وحروفه من الفتح الرباني .
قال شيخنا العلامة حسين بن محسن الأنصاري : وقد كتب في هذه في فتاواه أربعة سؤالات , وقد أجاب عنها , وهذا آخرها , وهو الذي ارتضاه كما تراه , واسم الفتاوى الفتح الرباني في فتاوى الإمام محمد بن علي الشوكاني سماه بذلك ولده العلامة شيخنا أحمد بن محمد بن علي الشوكاني حرره الفقير إلى الله تعالى حسين بن محسن الخزرجي السعدي . انتهى . وقد أطال الكلام في غاية المقصود , وهذا ملتقط منه , والله أعلم .
__________________