عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود
الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد
فهذه الفوائد والردود التي ذكرها الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة جمعتها في هذا الكتاب حتى يسهل الأستفادة منها للعامة والخاصة وأسميته ( عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود ) , فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعنني على هذا العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يتغمد برحمته الشيخ الألباني , ويسكنه فسيح جناته آمين .
ملاحظات :
1- ترقيم الأحاديث هي نفس الترقيم الموجودة في السلسلة لكي يسهل الرجوع إليها.
2- تبويب المواضيع هي نفس ما بوب لها الشيخ إلا ما لم يبوب لها فقد وضعت لها أبواباً من عندي .
3- كتابة جميع الفوائد والردود كاملة بدون أي أختصار.
ملاحظة:
بناءً على اقتراح بعض الاخوة جزاهم الله خير فقد أورد الاحاديث كاملة بتخريجاتها ، وتعليق الشيخ عليها مع الفوائد والردود.
هذه الفوائد المذكورة في المجلد الثالث والرابع , ونسأل الله العون والتوفيق في اتمام بقية الأحاديث .
كتاب العقيدة
الأئمة من قريش
الأئمة من قريش
1007-(الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم).
أخرجه البخاري(6/413) ومسلم(6/2) والطيالسي(رقم2380) وأحمد(2/242-243) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً.
وله عنه طرق أخرى:
1- فأخرجه مسلم وأحمد(2/319) عن همام بن منبه.
2- وأحمد(2/395) عن خلاس عنه. ورجاله ثقات لكنه منقطع بينهما.
3- وأحمد(2/261) من طريق أبي سلمة عنه بلفظ:((الناس تبع لقريش في هذا الأمر، خيارهم تبع لخيارهم، وأشرارهم تبع لشرارهم)).
وإسناده حسن.
4- وأخرجه أحمد أيضاً(2/261)عن القاسم عن نافع بن جبير عنه به. رواه عنه ابن أبي ذئب.
ورجاله ثقات رجال الستة غير القاسم هذا، والظاهر أنه ابن رشد بن عمر، فقد ذكروا في الرواة عنه ابن أبي ذئب، لكنهم ذكروا أيضاً أنه سمع أبا هريرة، وهو هنا يروي عنه بالواسطة فالله أعلم. وقد ذكر الحافظ في التقريب: أنه مجهول.
وله شاهد، ولفظه:
((الناس تبع لقريش في هذا الأمر، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والله لولا أن تتبطر قريش لأخبرتها ما لخيارها عند الله عز وجل)).
أخرجه أحمد(4/101) من حديث معاوية بن أبي سفيان بإسناد صحيح.
قلت: وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح على بعض الفرق الضالة قديماً، وبعض المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثاً الذين لا يشترطون في الخليفة أن يكون عربياً قرشياً. وأعجب من ذلك، أن يؤلف أحد المشايخ المدعين للسلفية رسالة في((الدولة الإسلامية)) ذكر في أولها الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة إلا هذا الشرط، متجاهلاً كل هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها، ولما ذكرته بذلك تبسم صارفاً النظر عن هذا الموضوع، ولا أدري أكان ذلك لأنه لا يرى هذا الشرط كالذين أشرنا إليهم آنفاً، أم أنه كان غير مستعد للبحث من الناحية العلمية، وسواء كان هذا أو ذاك، فالواجب على كل مؤلف أن يتجرد للحق في كل ما يكتب، وأن لا يتأثر فيه باتجاه حزبي، أو تيار سياسي ولا يلتزم في ذلك موافقة الجمهور، أو مخالفتهم. والله ولي التوفيق.
علم الله محيط بكل مكان وهو على العرش
1046-(ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره).
أخرجه أبوداود(1/250) قال: قرأت في كتاب عبد الله بن سالم-بحمص- عند آل عمرو بن الحارث الحمصي: عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبدا لله بن معاوية الغاضري مرفوعاً به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع بين ابني جابر وجبير، ولكن وصله الطبراني في((المعجم))(ص115) والبيهقي في((السنن)(4/95) من طريقين عن عبد الله بن سالم عن محمد بن الوليد الزبيدي: ثنا يحيى بن جابر الطائي أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه أن أباه حدثه به. وزاد:
((وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان)).
قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن سالم وهو الزبيدي، وهو ثقة.
وأخرجه البخاري في((تاريخه)) من طريق يحيى بن جابر به كما في ترجمة الغاضري من((الإصابة)).
(فـائدة): قوله صلى الله عليه وسلم ((أن الله معه حيث كان)). قال الإمام محمد بن يحيى الذهلي:
((يريد أن علمه محيط بكل مكان، والله على العرش)).
ذكره الحافظ الذهبي في((العلو)) رقم الترجمة(73) بتحقيقي واختاري.
وأما قول العامة وكثير من الخاصة: الله موجود في كل مكان، أو في كل الوجود، ويعنون بذاته، فهو ضلال بل هو مأخوذ من القول بوحدة الوجود، الذي يقول به غلاة الصوفية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق ويقول كبيرهم: كل ما تراه بعينك فهو الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدا
1110-(يا سارية الجبل يا سارية الجبل).
رواه أبو بكر بن خلاد في((الفوائد))(1/215/2): حدثنا محمد ابن عثمان بن أبي شيبة: ثنا أحمد بن يونس: ثنا أيوب بن خوط عن عبد الرحمن السراج، عن نافع أن عمر بعث سرية فاستعمل عليهم رجلاً يقال له سارية، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة فقال: فذكره. فوجدوا سارية قد أغار إلي الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة وبينهما مسيرة شهر.
قلت: وأيوب بن خوط متروك، كما في((التقريب)).
لكن رواه أبو عبد الرحمن السلمي في((الأربعين الصوفية))(3/2) والبيهقي في((دلائل النبوة))(2/181/1- مخطوطة حلب))من طرق عن ابن وهب: أخبرني يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان: عن نافع به نحوه.
ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر(7/6/1)إلا أنهما قالا: عن نافع عن ابن عمر أن عمر... وزاد في آخره وكذا البيهقي:
((قال ابن عجلان: حدثني إياس بن قرة بنحوه ذلك))، وقال الضياء:
((قال الحاكم(يعني أبا عبد الله): هذا غريب الإسناد والمتن لا أحفظ له إسناداً غير هذا)).
وذكره ابن كثير في ((البداية))(7/131) فقال: (وقال عبد الله بن وهب....)) مثل رواية((الضياء)) ولفظه: فجعل ينادي: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ثلاثاً. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا منادياً: يا سارية الجبل ثلاثاً، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر:إنك كنت تصيح بذلك. ثم قال ابن كثير:
((وهذا إسناد جيد حسن)). وهو كما قل، ثم ذكر له طرقاً أخرى وقال:
((فهذه طرق يشد بعضها بعضاً)).
قلت: وفي هذا نظر، فان أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف ابن عمر والواقدي وهما كذابان، ومدار إحداهما على مالك عن نافع به نحوه. قال ابن كثير:
((في صحته من حديث مالك نظر)).
رواه ابن الأثير في((أسد الغابة))(5/65) عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له في خطبته أنه قال: يا سارية بن الحصن الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم فتلفت الناس بعضهم إلي بعض فقال علي: صدق والله ليخرجن ما قال، فلما فرغ من صلاته قال له علي: ما شيء سنح لك في خطبتك؟ قال: وما هو؟ قال: قولك: يا سارية الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم، قال: وهل كان مني ذلك؟ قال: نعم وجميع أهل المسجد قد سمعوه، قال إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم، وإنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا وإن جازوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة حين جازوا الجبل صوتاً يشبه صوت عمر يقول: يا سارية بن محصن الجبل الجبل، قال: فعدنا إليه ففتح الله علينا.
قلت: وهذا سند واه جداً، فرات بن السائب، قال البخاري: ((منكر الحديث)) وقال الدارقطني وغيره: ((متروك))وقال أحمد((قريب من محمد بن زياد الطحان، يتهم بما به ذلك)).
فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلا طريق ابن عجلان، وليس فيها إلا منادة عمر((يا سارية الجبل))، وسماع الجيش لندائه، وانتصاره بسببه.
ومما لا شك فيه، أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعمر، وليس ذلك غريب عنه، فأنه ((محدث)) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ،ولكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش، وأنهم رآهم رأي العين، فاستدلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء، وعلى أمكان إطلاعهم على ما في القلوب من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين، المنفرد بعلم الغيب والإطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه:((عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول)). فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم !! سبحانك هذا بهتان عظيم.
على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفاً، فهو من الأمور الخارقة للعادة، التي قد يقع من الكافر أيضاً، فليس فجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلاً عن أنه يدل على ولايته، ولذلك يقول العلماء إن الخارق للعادة أن صدر من مسلم فهو كرامة، وألا فهو إستدراج، ويضربون على هذا مثلاً الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء: أمطري، فتمطر، وللأرض: أنبتي نباتك فتنبت، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد(أغسطس)من السنة السادسة من مجلة((المختار)) تحت عنوان((هذا العالم المملوء بالألغاز وراء الحواس الخمس))ص23 قصة((فتاة شابة ذهبت إلي جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها، وبعد معارك مريرة فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع، وأخذت الفتاة تذرع غرفتها في اضطراب، وهي تصيح في أعماقها بلا انقطاع: ((أواه يا أماه...ماذا أفعل؟)) ولكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها؟ وبعد أربعة أسابيع تلقت منها رسالة جاء فيها: ((ماذا حدث؟ لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك تصيحين قائلة: ((أواه يا أماه...ماذا أفعل؟)). وكان تاريخ الرسالة متفقاً مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها)).
وفي المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ((التخاطر))و((الاستشفاف)) ويعرف باسم((البصيرة الثانية))اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه، التي طالما سمعت من ينكرها من المسلمين لظنه أنها مما لا يعقل ! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلي عمر، بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان إطلاع الأولياء على الغيب، والكل مخطئ. فالقصة صحيحة ثابتة، وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به الجيش المسلمين من الأسر أو الفتك به، ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الإطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام(في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر، الذي ليس معصوماً، فقد يصيب، كما في هذه الحادثة، وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لا بد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال:(( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون). ولقد أحسن من قال:
إذا رأيت شخصاً قد يطــــير وفوق ماء البحر قد يسير
ولم يقف على حدود الشرع فانه مستـــدرج وبدعـي