خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 13:49

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود

    الجزء الثاني

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
    أما بعد
    فإن أصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار .
    ثم أما بعد
    فهذه الفوائد والردود التي ذكرها الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة جمعتها في هذا الكتاب حتى يسهل الأستفادة منها للعامة والخاصة وأسميته ( عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود ) , فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعنني على هذا العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يتغمد برحمته الشيخ الألباني , ويسكنه فسيح جناته آمين .
    ملاحظات :
    1- ترقيم الأحاديث هي نفس الترقيم الموجودة في السلسلة لكي يسهل الرجوع إليها.
    2- تبويب المواضيع هي نفس ما بوب لها الشيخ إلا ما لم يبوب لها فقد وضعت لها أبواباً من عندي .
    3- كتابة جميع الفوائد والردود كاملة بدون أي أختصار.
    ملاحظة:
    بناءً على اقتراح بعض الاخوة جزاهم الله خير فقد أورد الاحاديث كاملة بتخريجاتها ، وتعليق الشيخ عليها مع الفوائد والردود.
    هذه الفوائد المذكورة في المجلد الثالث والرابع , ونسأل الله العون والتوفيق في اتمام بقية الأحاديث .

    كتاب العقيدة

    الأئمة من قريش

    1007-(الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم).
    أخرجه البخاري(6/413) ومسلم(6/2) والطيالسي(رقم2380) وأحمد(2/242-243) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً.
    وله عنه طرق أخرى:
    1- فأخرجه مسلم وأحمد(2/319) عن همام بن منبه.
    2- وأحمد(2/395) عن خلاس عنه. ورجاله ثقات لكنه منقطع بينهما.
    3- وأحمد(2/261) من طريق أبي سلمة عنه بلفظ:((الناس تبع لقريش في هذا الأمر، خيارهم تبع لخيارهم، وأشرارهم تبع لشرارهم)).
    وإسناده حسن.
    4- وأخرجه أحمد أيضاً(2/261)عن القاسم عن نافع بن جبير عنه به. رواه عنه ابن أبي ذئب.
    ورجاله ثقات رجال الستة غير القاسم هذا، والظاهر أنه ابن رشد بن عمر، فقد ذكروا في الرواة عنه ابن أبي ذئب، لكنهم ذكروا أيضاً أنه سمع أبا هريرة، وهو هنا يروي عنه بالواسطة فالله أعلم. وقد ذكر الحافظ في التقريب: أنه مجهول.
    وله شاهد، ولفظه:
    ((الناس تبع لقريش في هذا الأمر، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والله لولا أن تتبطر قريش لأخبرتها ما لخيارها عند الله عز وجل)).
    أخرجه أحمد(4/101) من حديث معاوية بن أبي سفيان بإسناد صحيح.
    قلت: وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح على بعض الفرق الضالة قديماً، وبعض المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثاً الذين لا يشترطون في الخليفة أن يكون عربياً قرشياً. وأعجب من ذلك، أن يؤلف أحد المشايخ المدعين للسلفية رسالة في((الدولة الإسلامية)) ذكر في أولها الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة إلا هذا الشرط، متجاهلاً كل هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها، ولما ذكرته بذلك تبسم صارفاً النظر عن هذا الموضوع، ولا أدري أكان ذلك لأنه لا يرى هذا الشرط كالذين أشرنا إليهم آنفاً، أم أنه كان غير مستعد للبحث من الناحية العلمية، وسواء كان هذا أو ذاك، فالواجب على كل مؤلف أن يتجرد للحق في كل ما يكتب، وأن لا يتأثر فيه باتجاه حزبي، أو تيار سياسي ولا يلتزم في ذلك موافقة الجمهور، أو مخالفتهم. والله ولي التوفيق.

    علم الله محيط بكل مكان وهو على العرش

    1046-(ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره).
    أخرجه أبوداود(1/250) قال: قرأت في كتاب عبد الله بن سالم-بحمص- عند آل عمرو بن الحارث الحمصي: عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبدا لله بن معاوية الغاضري مرفوعاً به.
    قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع بين ابني جابر وجبير، ولكن وصله الطبراني في((المعجم))(ص115) والبيهقي في((السنن)(4/95) من طريقين عن عبد الله بن سالم عن محمد بن الوليد الزبيدي: ثنا يحيى بن جابر الطائي أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه أن أباه حدثه به. وزاد:
    ((وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان)).
    قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن سالم وهو الزبيدي، وهو ثقة.
    وأخرجه البخاري في((تاريخه)) من طريق يحيى بن جابر به كما في ترجمة الغاضري من((الإصابة)).
    (فـائدة): قوله صلى الله عليه وسلم ((أن الله معه حيث كان)). قال الإمام محمد بن يحيى الذهلي:
    ((يريد أن علمه محيط بكل مكان، والله على العرش)).
    ذكره الحافظ الذهبي في((العلو)) رقم الترجمة(73) بتحقيقي واختاري.
    وأما قول العامة وكثير من الخاصة: الله موجود في كل مكان، أو في كل الوجود، ويعنون بذاته، فهو ضلال بل هو مأخوذ من القول بوحدة الوجود، الذي يقول به غلاة الصوفية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق ويقول كبيرهم: كل ما تراه بعينك فهو الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

    عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدا

    1110-(يا سارية الجبل يا سارية الجبل).
    رواه أبو بكر بن خلاد في((الفوائد))(1/215/2): حدثنا محمد ابن عثمان بن أبي شيبة: ثنا أحمد بن يونس: ثنا أيوب بن خوط عن عبد الرحمن السراج، عن نافع أن عمر بعث سرية فاستعمل عليهم رجلاً يقال له سارية، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة فقال: فذكره. فوجدوا سارية قد أغار إلي الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة وبينهما مسيرة شهر.
    قلت: وأيوب بن خوط متروك، كما في((التقريب)).
    لكن رواه أبو عبد الرحمن السلمي في((الأربعين الصوفية))(3/2) والبيهقي في((دلائل النبوة))(2/181/1- مخطوطة حلب))من طرق عن ابن وهب: أخبرني يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان: عن نافع به نحوه.
    ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر(7/6/1)إلا أنهما قالا: عن نافع عن ابن عمر أن عمر... وزاد في آخره وكذا البيهقي:
    ((قال ابن عجلان: حدثني إياس بن قرة بنحوه ذلك))، وقال الضياء:
    ((قال الحاكم(يعني أبا عبد الله): هذا غريب الإسناد والمتن لا أحفظ له إسناداً غير هذا)).
    وذكره ابن كثير في ((البداية))(7/131) فقال: (وقال عبد الله بن وهب....)) مثل رواية((الضياء)) ولفظه: فجعل ينادي: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ثلاثاً. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا منادياً: يا سارية الجبل ثلاثاً، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر:إنك كنت تصيح بذلك. ثم قال ابن كثير:
    ((وهذا إسناد جيد حسن)). وهو كما قل، ثم ذكر له طرقاً أخرى وقال:
    ((فهذه طرق يشد بعضها بعضاً)).
    قلت: وفي هذا نظر، فان أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف ابن عمر والواقدي وهما كذابان، ومدار إحداهما على مالك عن نافع به نحوه. قال ابن كثير:
    ((في صحته من حديث مالك نظر)).
    رواه ابن الأثير في((أسد الغابة))(5/65) عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له في خطبته أنه قال: يا سارية بن الحصن الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم فتلفت الناس بعضهم إلي بعض فقال علي: صدق والله ليخرجن ما قال، فلما فرغ من صلاته قال له علي: ما شيء سنح لك في خطبتك؟ قال: وما هو؟ قال: قولك: يا سارية الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم، قال: وهل كان مني ذلك؟ قال: نعم وجميع أهل المسجد قد سمعوه، قال إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم، وإنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا وإن جازوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة حين جازوا الجبل صوتاً يشبه صوت عمر يقول: يا سارية بن محصن الجبل الجبل، قال: فعدنا إليه ففتح الله علينا.
    قلت: وهذا سند واه جداً، فرات بن السائب، قال البخاري: ((منكر الحديث)) وقال الدارقطني وغيره: ((متروك))وقال أحمد((قريب من محمد بن زياد الطحان، يتهم بما به ذلك)).
    فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلا طريق ابن عجلان، وليس فيها إلا منادة عمر((يا سارية الجبل))، وسماع الجيش لندائه، وانتصاره بسببه.
    ومما لا شك فيه، أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعمر، وليس ذلك غريب عنه، فأنه ((محدث)) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ،ولكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش، وأنهم رآهم رأي العين، فاستدلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء، وعلى أمكان إطلاعهم على ما في القلوب من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين، المنفرد بعلم الغيب والإطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه:((عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول)). فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم !! سبحانك هذا بهتان عظيم.
    على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفاً، فهو من الأمور الخارقة للعادة، التي قد يقع من الكافر أيضاً، فليس فجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلاً عن أنه يدل على ولايته، ولذلك يقول العلماء إن الخارق للعادة أن صدر من مسلم فهو كرامة، وألا فهو إستدراج، ويضربون على هذا مثلاً الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء: أمطري، فتمطر، وللأرض: أنبتي نباتك فتنبت، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة.
    ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد(أغسطس)من السنة السادسة من مجلة((المختار)) تحت عنوان((هذا العالم المملوء بالألغاز وراء الحواس الخمس))ص23 قصة((فتاة شابة ذهبت إلي جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها، وبعد معارك مريرة فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع، وأخذت الفتاة تذرع غرفتها في اضطراب، وهي تصيح في أعماقها بلا انقطاع: ((أواه يا أماه...ماذا أفعل؟)) ولكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها؟ وبعد أربعة أسابيع تلقت منها رسالة جاء فيها: ((ماذا حدث؟ لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك تصيحين قائلة: ((أواه يا أماه...ماذا أفعل؟)). وكان تاريخ الرسالة متفقاً مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها)).
    وفي المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ((التخاطر))و((الاستشفاف)) ويعرف باسم((البصيرة الثانية))اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه، التي طالما سمعت من ينكرها من المسلمين لظنه أنها مما لا يعقل ! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلي عمر، بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان إطلاع الأولياء على الغيب، والكل مخطئ. فالقصة صحيحة ثابتة، وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به الجيش المسلمين من الأسر أو الفتك به، ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الإطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام(في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر، الذي ليس معصوماً، فقد يصيب، كما في هذه الحادثة، وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لا بد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال:(( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون). ولقد أحسن من قال:
    إذا رأيت شخصاً قد يطــــير وفوق ماء البحر قد يسير
    ولم يقف على حدود الشرع فانه مستـــدرج وبدعـي
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 13:50

    جواز إطلاق لفظة(المشرك)على أهل الكتاب

    1133-(أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم).
    أخرجه البخاري(6/208)ومسلم(5/75) وأبوداود(2/43) والطحاوي(4/16) والبيهقي(9/207) وأحمد(رقم1935)من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: قلت: فذكر الحديث ثم قال: قال ابن عباس: وسكت عن الثالثة، أو فأنسيتها.
    قلت: وفيه دلالة على جواز إطلاق لفظة ((المشرك)) على أهل الكتاب، فإنهم هم المعنيون بهذا الحديث، كما يدل عليه الحديث السابق، ومثله الحديث الآتي:

    1134-(لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلما).

    الحلف بصفات الله تعالى

    1167-(يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة، فيقول اصبغوه صبغة في الجنة، فيصبغونه فيها صبغة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط أو شيئا تكرهه؟ فيقول لا وعزتك ما رأيت شيئا أكرهه قط، ثم يؤتى بأنعم الناس كان في الدنيا من أهل النار فيقول: اصبغوه فيها صبغة، فيقول يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط، قرة عين قط، فيقول لا وعزتك ما رأيت خيرا قط، ولا قرة عين قط).
    أخرجه أحمد(3/253): ثنا عفان: ثنا حماد : أنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
    قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في((صحيحه))(8/135)عن يزيد بن هارون: أخبرنا حماد بن سلمة به نحوه، و فيه ((لا والله يا رب)) في موضعين.
    ورواه محمد بن إسحاق عن حميد الطويل عن أنس به مختصراً.
    أخرجه ابن ماجه(2/587).
    (فـائدة) في الحديث جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى، ومن أبواب البيهقي في((السنن الكبرى))(10/41)((باب ما جاء في حلف بصفات الله تعالى كالعزة، والقدرة، والجلال، والكبرياء، والعظمة، والكلام، والسمع، ونحو ذلك)).
    ثم ساق تحته أحاديث، وأشار إلي هذا الحديث، واستشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود وغيره، وقال:
    ((فيه دليل على أن الحلف بالقرآن يكون يميناً...)).
    ثم روى بإسناده الصحيح عن التابعي الثقة عمرو بن دينار قال:
    ((أدركت الناس منذ سبعين سنة يقولون: الله الخالق، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله عز وجل)).

    بدع الشيعة وغلوهم في تعظيم أهل البيت وآثارهم

    1171-(قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات).
    أخرجه أحمد(1/85) عن عبد الله بن نجي عن أبيه أنه سار مع علي وكان صاحب مطهرته، فلما حاذي(نينوي) وهو منطلق إلي صفين، فنادى علي: أصبر أبا عبد الله: أصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: وماذا؟ قال:
    ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام ... قال: فقال: هل لك إلي أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا)).
    قلت: وهذا إسناد ضعيف، نجي والد عبد الله لا يدري من هو كما قال الذهبي، ولم يوثقه غير ابن حبان، وابنه أشهر منه، فمن صحح هذا الإسناد فقد وهم.
    والحديث قال الهيثمي(9/187):
    ((رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا)).
    قلت: يعني أن له شواهد تقويه، وهو كذلك.
    1- روى عمارة بن زاذان: حدثنا ثابت عن أنس قال:
    ((أستأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فكان في يوم أم سلمة ... فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين بن علي ... فجعل يتوثب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يتلثمه ويقبله، فقال له الملك: تحبه؟ قال: نعم. قال: أما إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه. فأراه إياه فجاء سهلة، أو تراب أحمر، فأخذته أم سلمة، فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول: أنها كربلاء)).
    أخرجه أحمد(3/242و265) وابن حبان(2241) وأبو نعيم في((الدلائل))(202).
    قلت: ورجاله ثقات غير عمارة هذا قال الحافظ:
    ((صدوق كثير الخطأ)).
    وقال الهيثمي:
    ((رواه أحمد وأبويعلى والبزار والطبراني بأسانيد، وفيها عمارة بن زاذان وثقة جماعة، وفيه ضعف، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح)).
    2- وروى محمد بن مصعب: ثنا الأوزاعي، عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث، أنها دخلت... يوماً إلي رسول صلى الله عليه وسلم فوضعته(تعني الحسين) في حجره، ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان من الدموع، قالت: فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك؟ قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء)).
    أخرجه الحاكم(3/176و177)وقال:
    ((صحيح على شرط الشيخين))!
    ورده الذهبي بقوله:
    ((قلت: بل منقطع ضعيف، فإن شداداً لم يدرك أم الفضل، ومحمد بن مصعب ضعيف)).
    3- وروى عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة- شك عبد الله بن سعيد- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحداهما:
    ((لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. قال: فأخرج تربة حمراء)).
    أخرجه أحمد(6/294): ثنا و كيع قال: حدثني عبد الله بن سعيد.
    قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان سعيد وهو ابن أبي هند سمعه من عائشة أو أم سلمة، ولم أطمئن لذلك، فإنهم لم يذكروا له سماعاً منهما، وبين وفاته ووفاة أم سلمة نحو أربع وخمسين سنة، وبين وفاته ووفاة عائشة نحو ثمان وخمسين. والله أعلم.
    وأخرجه الطبراني عن عائشة نحوه بلفظ:
    ((يا عائشة إن جبريل أخبرني أن ابني حسين مقتول في أرض الطف....)).
    قال الهيثمي(9/188):
    ((رواه الطبراني في((الكبير))و((الأوسط))، وفي إسناد((الكبير)) ابن لهيعة، وفي إسناد((الأوسط)) من لم أعرفه)).
    4- وأخرجه الطبراني أيضاً عن أم سلمة نحوه بلفظ:
    (( إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم ...)). (انظر الاستدراك رقم 161/21)
    قال الهيثمي(9/189):
    ((رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات)). (انظر الاستدراك رقم 161/26).
    5- وعن أبي الطفيل قال:
    ((استأذن ملك القطر أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ...)).
    قلت: فذكره نحو حديث أنس المتقدم. قال الهيثمي(9/190).
    ((رواه الطبراني وإسناده حسن)).
    6- ويروي حجاج بن نصير: ثنا قرة بن خالد: ثنا عامر بن عبد الواحد عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
    ((ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين بن علي يقتل بـ(الطف) )).
    أخرجه الحاكم(3/179) وسكت عليه، وتعقبه الذهبي بقوله:
    ((قلت: حجاج متروك))
    قلت: وبجملة فالحديث المذكور أعلاه والمترجم له، صحيح بمجموع هذه الطرق، وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير، لا سيما وبعضها قد حسنه الهيثمي، والله أعلم.
    (تنبيه) حديث عائشة وعلي عزاهما السيوطي(فتح 1/55و56) لابن سعد في((الطبقات)) ولم أره فيها، فعله في القسم الذي لم يطبع منها، والله أعلم.
    فائدة:ليس في شيء من هذه الأحاديث ما يدل على قداسة كربلاء وفضل السجود على أرضها، وأستحبابها اتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصلاة، كما عليه الشيعة اليوم، ولو كان ذلك مستحباً لكان أحرى به أن يتخذ من أرض المسجدين الشرفين المكي والمدني، ولكنه من بدع الشيعة وغلوهم في تعظيم أهل البيت وآثارهم، ومن عجائبهم أنهم يرون أن العقل من مصادر التشريع عندهم، ولذلك فهم يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، ومع ذلك فإنهم يروون في فضل السجود على أرض كربلاء، من الأحاديث ما يشهد العقل السليم ببطلانه بداهة، فقد وقفت على رسالة لبعضهم وهو المدعو السيد عبد الرضا(!) المرعشي الشهرستاني بعنوان((السجود على التربة الحسينية). ومما جاء فيها(ص15):
    ((وورد أن السجود عليها أفضل لشرفها وقدستها وطهارة من دفن فيها. فقد ورد الحديث عن أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام أن السجود عليها ينور إلي الأرض السابعة. وفي آخر: أنه يخرق الحجب السبعة، وفي آخر: يقبل الله صلاة من يسجد عليها ما لم يقبله من غيرها، وفي[آخر] أن السجود على الطين قبر الحسين ينور الأرضين)).
    ولم يكتف مؤلف الرسالة بتسويدها بمثل هذه النقول المزعومة عن أئمة البيت حتى راح يوهم القراء أنها مروية مثلها في كتبنا نحن أهل السنة، فها هو يقول: ((ص19)):
    ((وليس أحدايث فضل هذه التربة الحسينية وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمة عليهم السلام، إذ أن أمثال هذه الأحاديث شهرة وافرة في أمهات كتب بقية الفرق الإسلامية، عن طريق علمائهم ورواتهم، ومنها ما رواه السيوطي في كتابه((خصائص الكبرى))في((باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين عليه السلام، وروى فيه ما يناهز العشرين حديثاً عن أكابر ثقاتهم كالحاكم والبيهقي وأبي نعيم والطبراني والهيثمي في((المجمع)(9 : 191)وأمثالهم من مشاهير رواتهم)).
    فاعلم أيها المسلم أنه ليس عند السيوطي ولا الهيثمي ولو حديث واحد يدل على فضل التربة الحسينية وقداستها، وكل ما فيها مما اتفقت عليه مفرداتها إنما هو إخباره صلى الله عليه وسلم بقتله فيها، وقد سقت لك آنفاً نخبة منها، فهل ترى فيها ما ادعاه الشيعي في رسالته على السيوطي والهيثمي ؟ !
    اللهم لا، ولكن الشيعة في سبيل تأييد ضلالاتهم وبدعهم، يتعلقون بما هو أوهى من بيت العنكبوت !.
    ولم يقف أمره عند هذا التدليس على القراء، بل تعداه إلي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(ص13):
    ((وأول من اتخذ لوحة من الأرض للسجود عليها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في السنة الثالثة من الهجرة، لما وقعت الحرب الهائلة بين المسلمين وقريش في أحد، وانهدم فيها أعظم ركن للإسلام وهو حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم نساء المسلمين بالنياحة عليه في كل مأتم، واتسع الأمر في تكريمه إلي أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى، ويعملون المسبحات منه كما جاء في كتاب ((الأرض والتربة الحسينية)) وعليه أصحابه، ومنهم الفقيه...)).
    والكتاب المذكور هو من كتب الشيعة، فتأمل أيها القارئ الكريم كيف كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعى أنه اتخذ قرصاً للسجود عليه، ثم لم يسق لدعم دعواه إلا أكذوبة أخرى، وهي أمره صلى الله عليه وسلم النساء بالنياحة على حمزة في كل مأتم، ومع أنه لا ارتباط بين هذا لو صح ، وبين اتخاذ القرص كما هو ظاهر، فإنه لا يصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف وهو قد صح عنه أنه أخذ على النساء في مبايعته إياهن ألا ينحن، كما رواه الشيخان وغيرهما عن أم عطية (انظر كتابنا ((أحكام الجنائز))ص28)، ويبدو لي أنه بنى الأكذوبتين السابقتين على أكذوبة ثالثة وهي قوله في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
    ((واتسع الأمر في تكريمه إلي أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى...))، فهذا كذب على الصحابة رضي الله عنهم وحاشاهم من أن يقارفوا مثل هذه الوثنية، وحسب القارئ دليلاً على افتراء هذا الشيعي على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنه لم يستطع أن يعزو ذلك لمصدر معروف من مصادر المسلمين، سوى كتاب((الأرض والتربة الحسينية))وهو من كتب بعض متأخريهم ولمؤلف مغمور منهم، ولأمر ما لم يجرؤ الشيعي على تسميته والكشف عن هويته حتى لا يفتضح أمره بذكره إياه مصدراً لأكاذبيه !
    ولم يكتف حضرته بما سبق من الكذب على السلف الأول، بل تعداه إلي الكذب إلى من بعدهم، فاسمع إلي تمام كلامه السابق:
    ((ومنهم الفقيه الكبير المتفق عليه مسروق بن الأجدع المتوفى سنة(63) تابعي عظيم من رجال الصحاح الست كان يأخذ في أسفاره لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها( ! )، كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ إمام السنة أبوبكر ابن أبي شيبة في كتابه((المصنف)) في المجلد الثاني في((باب من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرجه بإسنادين أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها)).
    قلت: وفي هذا الكلام عديد من الكذبات:
    الأولى: قوله: ((كان يأخذ في أسفاره)) فإنه بإطلاقه يشمل السفر براً، وهو خلاف الأثر الذي ذكره !
    الثانية: جزمه بأنه كان يفعل ذلك، يعطي أنه ثابت عنه وليس كذلك، بل ضعيف منقطع كما يأتي بيانه.
    الثالثة: قوله:((... بإسنادين)) كذب، وإنما هو إسناد واحد مداره على محمد بن سيرين، اختلف عليه فيه، فرواه ابن أبي شيبة في ((المصنف))(2/43/2) من طريق يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين قال: ((نبئت أن مسروقاً كان يحمل لبنة في السفينة. يعني يسجد عليها)).
    ومن طريق ابن عون عن محمد((أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها)).
    فأنت ترى أن الإسناد الأول من طريق ابن سيرين، والآخر من طريق محمد، وهو ابن سيرين، فهو في الحقيقة إسناد واحد، ولكن يزيد بن إبراهيم قال عنه: ((نبئت))، فأثبت أن ابن سيرين أخذ ذلك بالواسطة ع مسروق، ولم يثبت ذلك ابن عون، وكل منهما ثقة فيما روى،إلا أن يزيد بن إبراهيم قد جاء بزيادة في السند، فيجب أن تقبل كما هو مقرر في((المصطلح))، لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وبناء عليه فالإسناد بذلك إلي مسروق ضعيف لا تقوم به حجة، لأن مداره على راوٍ لم يسم مجهول، فلا يجوز الجزم بنسبة ذلك إلي مسروق رضي الله عنه ورحمه كما صنع الشيعي.
    الرابعة: لقد أدخل الشيعي في هذا الأمر الأثر زيادة ليس لها أصل في ((المصنف)) وهي قوله: ((من تربة المدينة المنورة)) ! فليس لها ذكر في كل الروايتين عنده كما رأيت. فهل تدري لم افتعل الشيعي هذه الزيادة في هذا الأثر؟ لقد تبين له أنه ليس فيه دليل مطلقاً على اتخاذ القرص من الأرض المباركة( المدينة المنورة) للسجود عليه إذا ما تركه على ما رواه ابن أبي شيبة، ولذلك ألحق به هذه الزيادة ليوهم القراء أن مسروقاً رحمه الله اتخذ القرص من المدينة للسجود عليه تبركاً، فإذا ثبت له ذلك ألحق به جواز اتخاذ القرص من أرض كربلاء بجامع اشتراك الأرضين في القداسة !!
    وإذا علمت أن المقيس عليه باطل لا أصل له، وإنما هو من اختلاق الشيعي عرفت أن المقيس باطل أيضاً لأنه كما قيل: وهل يستقيم الظل والعود أعوج ؟
    فتأمل أيها القاريء الكريم مبلغ جرأة الشيعة على الكذب حتى على النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل تأييد ما هم عليه من الضلال، ويتبين لك صدق من وصفهم من الأئمة بقوله: ((أكذب الطوائف الرافضة)) !
    ومن أكاذيبه قوله(ص9):
    ((ورد في صحيح البخاري صحيفة( ! )(331ج1) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض)) !
    وهذا كذب من وجهين:
    الأول: أنه ليس في ((صحيح البخاري)) هذا النص لا عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره من السلف.
    الآخر: أنه إنما ذكره الحافظ ابن حجر في((شرحه على البخاري))(ج1/ ص388- المطبعة البهية) عن عروة فقال:
    ((وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض)).
    قلت: وأكاذيب الشيعة وتدليسهم على الأمة لا يكاد يحصر، وإنما أردت بيان بعضها مما في هذه الرسالة بمناسبة تخريج هذا الحديث على سبيل التمثيل، وإلا فالوقت أعز من أن يضيع في تتبعها.
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 13:51

    الدجال من البشر

    1193-(الدجال أعور، هجان أزهر (( وفي رواية: أقمر )) كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإما هلك الهلك، فإن ربكم تعال ليس بأعور).
    أخرجه ابن حبان في((صحيحه))(1900-موارد) وأحمد(1/240 و 313) وأبو إسحاق الحربي في((غريب الحديث))(5/73/1 و 93/1) وابن منده في((التوحيد))(83/1) من طرق عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً.
    قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
    غريب الحديث.
    (هجان) أي أبيض. وبمعناه (أزهر).
    (أقمر) أي لونه لون الحمار الأقمر، أي الأبيض.
    (أصله) الأصلة بفتح الهمزة والصاد: الأفعى. وقيل هي الحية العظيمة الضخمة القصيرة، والعرب تشبه الرأس الصغير الكثير الحركة برأس الحية. كما في((النهاية)).
    (الهلك) جمع هالك، أي فإن هلك به الناس جاهلون وضلوا، فاعلموا أن الله ليس بأعور.
    والحديث صريح في أن الدجال الأكبر من البشر، له صفات البشر، لا سيما وقد شبه به عبد العزى بن قطن، وكان من الصحابة. فالحديث من الأدلة الكثيرة على بطلان تأويل بعضهم الدجال بأنه ليس بشخص، وإنما هو رمز للحضارة الأوروبية وزخارفها وفتنتها! فالدجال من البشر، وفتنة أكبر من ذلك، كما تضافرت على ذلك الأحاديث الصحيحة، نعوذ بالله منه.

    فضل إتيان لوازم لا إله إلا الله

    1314-(أبشروا، وبشروا الناس؛ من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة).
    أخرجه أحمد(4/411): ثنا بهز ثنا حماد بن سلمة: ثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره).
    فخرجوا يبشرون الناس، فلقيهم عمر رضي الله عنه فبشروه، فردهم. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ردكم؟ )). قالوا: عمر قال: ((لم رددتهم يا عمر؟)) قال: إذاً يتكل الناس يا رسول الله !
    قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وأبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب الأزدي. وحسنه الحافظ(1/200) فقصر، وكأنه أراد طريق مؤمل الآتية.
    ثم أخرجه أحمد(4/402): ثنا مؤمل بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة به وزاد في آخره.
    ((قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
    لكن مؤمل بن إسماعيل فيه ضعف من قبل حفظه، إلا أنه يشهد له حديث أبي هريرة بمثل هذه القصة مطولاً بينه وبين عمر، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلهم)).
    أخرجه مسلم(1/44)من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة.
    وفي قصة أخرى نحو الأولى وقعت بين جابر وعمر، وفي آخرها:
    ((قال: يا رسول الله ! إن الناس قد طعموا وخبثوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(يعني لجابر): اقعد)):
    أخرجه ابن حبان(رقم7) بإسناد صحيح من حديث جابر.
    وفي الباب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو الآتي بعده، وفيه:
    ((قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله ؟ قال: دعهم يعملوا)).
    وقد أخرجه البخاري(1/199-فتح) ومسلم(1/45) وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: يا معاذ ...)) الحديث وفيه:
    ((أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا. وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً)).
    وأخرجه أحمد(5/ 228 و 229 و 230 و 232 و 236)من طرق عن معاذ قال في أحدها: ((أخبركم بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعني أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول:
    ((من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه، أو يقيناً من قلبه لم يدخل النار، أو دخل الجنة. وقال مرة: دخل الجنة، ولم تمسه النار)).
    وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
    وقد ترجم البخاري رحمه الله لحديث معاذ بقوله:
    ((باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا، وقال علي:حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)).
    ثم ساق إسناده بذلك. وزاد آدم بن أبي إياس في ((كاتب العلم))له: ((ودعوا ما ينكرون)). أي ما يشتبه عليهم فهمه. ومثله قول ابن مسعود: ((ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتة)).
    ورواه مسلم(1/9). قال الحافظ:
    ((وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب. ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين، وأن المراد ما يقع من فتن. ونحوه عن حذيفة. وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنبين؛ لأنه اتخذها وسيلة إلي ما كان يعتمد من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير المراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. والله أعلم)).
    هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قل لا إله إلا الله، على أقوال كثيرة، ذكر بعضها المنذري في((الترغيب))(2/238)، وترى سائرها في((الفتح)). والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر، وبه تجتمع الأدلة، ولا تتعارض، أن تحمل على أحوال ثلاثة:
    الأولى: من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات، فالحديث حينئذٍ على ظاهره، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقاً.
    الثانية: أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة، ولكنه ربما تهاون ببعض الواجبات، وارتكب بعض المحرمات، فهذا ممن يدخل في مشيئة الله ويغفر له كما في الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة.
    الثالثة: كالذي قبله، ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن المحارم الله كما في حديث أبي ذر المتفق عليه: ((وإن زنى وإن سرق...)) الحديث، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله، فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار فهو وإن دخلها، فلا يخلد معهم فيها، بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة ولا بد، وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره، ويصيبه قبل ذلك ما أصابه)). وهو حديث صحيح كما سيأتي في تحقيقه إن شاء الله برقم(1932)
    والله تعالى أعلم.

    المسلم لا يستحق مغفرة الله إلا إذا لقى الله عز وجل ولم يشرك به شيئا ً

    1315-( من لقي الله لا يشرك به شيئا، يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان غفر له . قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال دعهم يعملوا).
    أخرجه الإمام أحمد(5/232): ثنا روح: ثنا زهير بن محمد: ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
    قلت: وهذا إسناد صحيح كما كنت ذكرت في تعليقي على((مشكاة المصابيح))(رقم47)، وبيان ذلك أن إسناده كلهم ثقات رجال الشيخين، وزهير بن محمد-وهو أبو المنذر الخرساني- وإن كان ضعفه بعضهم من قبل حفظه، فالراجح فيه التفصيل الذي ذهب إليه كبار أئمتنا، فقال البخاري:
    ((ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح)).
    قلت: وروح الراوي عنه هنا هو ابن عبادة البصري الحافظ، وقال الأثرم عن أحمد:
    ((في رواية الشاميين عن زهير مناكير، أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة؛ عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر)).
    قلت: وابن مهدي بصري، ومثله أبو عامر وهو عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي البصري الحافظ.
    وقال ابن عدي:
    ((ولعل أهل الشام أخطأوا عليه، فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فروايتهم عنه مستقيمة، وأرجو نه لا بأس به)). وقال العلجي:
    ((لا بأس به، وهذه الأحاديث التي يرويها أهل الشام عنه ليست تعجبني)).
    وهذا هو الذي اعتمده الحافظ، فقال في((التقريب)):
    ((رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة؛ فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر، وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه)).
    ولذلك فإن ابن عبد البر غلا حين قال فيه: ((ضعيف عند الجميع))
    فرده عليه الذهبي بقوله:
    ((كلا، بل خرج له(خ و م)مات سنة 162)).
    قلت: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن المسلم لا يستحق مغفرة الله إلا إذا لقى الله عز وجل ولم يشرك به شيئاً، ذلك لأن الشرك أكبر الكبائر كما هو معروف في الأحاديث الصحيحة. ومن هنا يظهر لنا ضلال أولئك الذين يعيشون معنا، ويصلون صلاتنا، ويصومون صيامنا، و.... ولكنهم يواقعون أنواعاً من الشركيات والوثنيات، كالاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين ودعائهم في الشدائد من دون الله، والذبح لهم والنذر لهم، ويظنون أنهم بذلك يقربونهم إلى الله زلفى، هيهات هيهات.(ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار)
    فعلى كل من كان مبتلى بشيء من ذلك من إخواننا المسلمين أن يبادروا فيتوبوا إلى رب العالمين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم النافع المستقى من الكتاب والسنة. وهو مبثوث في كتب علمائنا رحمهم الله تعالى، وبخاصة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، ومن نحا نحوهم، وسار سبيلهم.
    ولا يصدنهم عن ذلك بعض من يوحي إليهم من الموسوسين بأن هذه الشركيات إنما هي قربات وتوسلات، فإن شأنهم في ذلك شأن من أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ممن يستحلون بعض المحرمات بقوله((يسمونها بغير اسمها)).(انظر الحديث المتقدم90 و 415).
    هذه نصيحة أوجهها إلى من يهمه أمر آخرته من إخواننا المسلمين المضللين، قبل أن يأتي يحق فيه قول رب العالمين في بعض عباده الأبعدين: (وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً).

    المهدي من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة

    1529-(لتملأن الأرض جورا وظلماً، فإذا ملئت جورا وظلماً، بعث الله رجلا مني، اسمه اسمي، فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
    أخرجه البزار(ص236-237- زوائد ابن حجر) وابن عدي في((الكامل))(129/1) وأبو نعيم في((أخبار أصبهان))(2/165) عن داود بن المحبر: ثنا أبي المحبر بن قحذم عن أبيه قحذم بن سليمان عن معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا. وقال البزار:
    ((رواه معمر عن هارون عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق عن أبي سعيد، وداود وأبوه ضعيفان)).
    وكذا ضعفهما الهيثمي في((المجمع))(7/314)فقال:
    ((رواه البزار والطبراني في((الكبير))و((الأوسط)) من طريق داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه، وكلاهما ضعيف)).
    كذا قال ! وأما في((زوائد البزار)) فقد تعقب البزار بقوله عقب كلامه الذي نقلته آنفاً:
    ((قلت: بل داود كذاب)).
    وأقول: هو كما قال، ولكن ألا يصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم في قصة شيطان أبي هريرة: ((صدقك وهو كذوب))، فإن هذا الحديث ثابت عنه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة، عن جمع من الصحابة، منها طريق أبي الصديق التي أشار إليها البزار، غاية ما في الأمر أن يكون داود ابن المحبر كذب خطأ أو عمداً في إسناده الحديث إلى والد معاوية بن قرة، فإن المحفوظ أنه من رواية معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري به.
    هكذا أخرجه الحاكم(4/465) من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني: ثنا عمر(وفي ((تلخيص المستدرك)): عمرو) بن عبيد الله العدوي عن معاوية ابن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به أتم منه وقال:
    ((صحيح الإسناد)) !
    قلت: ورده الذهبي بقوله:
    ((قلت: سنده مظلم)).
    وكأنه يشير إلى جهالة العدوي هذا، فإني لم أجد من ترجمه، لا فيمن اسمه (عُمَر)، ولا في (عَمْرو). لكن رواية معمر عن هارون-وهو بن رياب- التي علقها البزار، تدل على أنه قد حفظه عن معاوية، وهذا هو الصواب الذي نقطع به، لأن لمعاوية متابعات كثيرة، بل هو عندي متواتر عن أبي الصديق عن أبي سعيد الخدري، أصحها طريقان عنه:
    الأولى: عوف بن أبي جميلة: ثنا أبو الصديق الناجي عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ:
    ((لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدوانا، ثم يخرج رجل من عترتي، أو من أهل بيتي يملؤها فسطاً وعدلا، كما ملئت ظلماً وعدونا)).
    أخرجه أحمد(3/36) وابن حبان(1880)والحاكم(4/557)وأبو نعيم في((الحلية))(3/101)، وقال الحاكم:
    ((صحيح على شرط الشيخين)). ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأشار إلى تصحيحه أبو نعيم بقوله عقبه:
    ((مشهور من حديث أبي الصديق عن أبي سعيد)).
    فإنه بقوله: ((مشهور)) يشير إلى كثرة الطرق عن أبي الصديق، كما تقدم، وأبو الصديق اسمه بكر بن عمرو، وهو ثقة اتفاقاً محتج به عند الشيخين وجميع المحدثين، فمن ضعف حديثه هذا من المتأخرين، فقد خالف سبيل المؤمنين ؛ بل أقر الحاكم على تصحيحه لهذه الطريق والطريق الآتية، فمن نسب إليه أنه ضعف كل أحاديث المهدي فقد كذب عليه سهواً أو عمدا.
    الثانية: سليمان بن عبيد: ثنا أبو الصديق الناجي به، وبلفظه:
    ((يخرج في أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً يعني حججاً)).
    أخرجه الحاكم(4/557-558)وقال:
    ((صحيح الإسناد)). ووافقه الذهبي وابن خلدون أيضاً فإنه قال عقبه في((المقدمة))(فصل53ص250):
    ((مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له أحد من الستة، لكن ذكره ابن حبان في ((الثقات))، ولم يرد أن أحداً تكلم فيه)).
    قلت: ووثقه ابن معين أيضاً، وقال أبو حاتم:
    ((صدوق)).
    فهو إسناد صحيح كما تقدم عن الحاكم والذهبي وابن خلدون. وبقية الطرق والشواهد قد خرجتها في((الروض النضير))تحت حديث ابن مسعود(647) من طرق عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه. ورواه أصحاب السنن وكذا الطبراني في ((الكبير))أيضاً(10213-10230)، وصححه الترمذي والحاكم وابن حبان(1878)، ولفظه عند أبي داود((لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني، أو من أهل بيتي، ويواطئ اسمه أسمى واسم أبي، يملأ الأرض...))الحديث وممن صححه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في((منهاج السنة))(4/211):
    ((إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره)).
    وكذا في((المنتقى من منهاج الاعتدال)) للذهبي(ص534).
    قلت: فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث قد صححوا أحاديث خروج المهدي، ومعهم أضعافهم من المتقدمين والمتأخرين أذكر أسماء من تيسير لي منهم:
    1-أبو داود في((السنن))بسكوته على أحاديث المهدي.
    2-العقيلي.
    3-ابن العربي في((عارضة الأحوذي)).
    4-القرطبي كما في((أخبار المهدي)) للسيوطي.
    5-الطيبي كما في((مرقاة المفاتيح)) للشيخ القارئ.
    6-ابن القيم الجوزية في((المنار المنيف))، خلافاً لمن كذب عليه.
    7-الحافظ ابن حجر في((فتح الباري)).
    8-أبو الحسن الآُبري في((مناقب الشافعي)) كما في((فتح الباري)).
    9-الشيخ علي القارئ في((المرقاة)).
    10-السيوطي في((العرف الوردي)).
    11-العلامة المباركفوري في((تحفة الأحوذي)).
    وغيرهم كثير وكثير جدا.
    بعد هذا كله أليس من العجيب حقاً قول الشيخ الغزالي في((مشكلاته)) التي صدرت عنه حديثاً(ص139):
    ((من محفوظاتي وأنا طالب أنه لم يرد في المهدي حديث صريح، وما ورد صريحاً فليس بصحيح)) !
    فمن هم الذين لقنوك هذا النفي وحفظوك إياه وأنت طالب؟ أليسوا هم علماء الكلام الذين لا علم عندهم بالحديث، ورجاله، وإلا فكيف يتفق ذلك مع شهادة علماء الحديث بإثبات ما نفوه؟ ! أليس في ذلك ما يحملك على أن تعيد النظر فيما حُفظته طالباً، لا سيما فيما يتعلق بالسنة والحديث تصحيحاً وتضعيفاً، وما بني على ذلك من الأحكام والآراء، ذلك خير من أن تشكك المسلمين في الأحاديث التي صححها العلماء لمجرد كونك لُقنته طالباً، ومن غير أهل الاختصاص والعلم ؟ !
    واعلم يا أخي المسلم أن كثيراً من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع، فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لا تقوم إلا بخروج المهدي ! وهذه خرافة وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة، وبخاصة الصوفية منهم، وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقاً، بل هي كلها لا تخرج عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات بارزة أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم والعمل به لتجديد الدين، فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه وترك الاستعداد والعمل لإقامة حكم الله في الأرض، بل العكس هو الصواب، فإن المهدي لن يكون أعظم سعياً من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ظل ثلاثاً وعشرين عاماً وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام ، وإقامة دولته فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعاً وأحزاباً ، وعلماءهم- إلا القليل منهم- اتخذهم الناس رؤوساً ! لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد، وتحت راية واحدة، وهذا بلا شك يحتاج إلى زمن مديد الله أعلم به، فالشرع والعقل معاً يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين، حتى إذا خرج المهدي، لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج فقد قاموا هم بواجبهم، والله يقول: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله).
    ومنهم- وفيهم بعض الخاصة- من علم أن ما حكيناه عن العامة أنه خرافة، ولكنه توهم أنها لازمة لعقيدة خروج المهدي فبادر إلى إنكارها، على حد قول من قال (وداوني بالتي كانت هي الداء)! وما مثلهم إلا كمثل المعتزلة الذين أنكروا القدر لما رأوا أن طائفة من المسلمين استلزموا منه الجبر !! فهم بذلك أبطلوا ما يجب اعتقاده، وما استطاعوا أن يقضوا على الجبر!
    وطائفة منهم رأوا أن عقيدة المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالاً سيئاً، فادعاها كثير من المغرضين، أو المهبولين، وجرت من جراء ذلك فتن مظلمة، كان من آخرها فتنة مهدي(جهيمان) السعودي في الحرم المكي، فرأو أن قطع دابر هذه الفتن، إنما يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة ! وإلى ذلك يشير الشيخ الغزالي عقب كلامه السابق !
    وما مثل هؤلاء إلا كمثل من ينكر عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان التي تواتر ذكرها في الأحاديث الصحيحة، لأن بعض الدجاجلة ادعاها، مثل ميرزا غلام أحمد القادياني، وقد أنكرها بعضهم فعلاً صراحة، كالشيخ شلتوت، وأكاد أقطع أن كل من أنكر عقيدة المهدي ينكرها أيضاً، وبعضهم يظهر ذلك من فلتات لسانه، وإن كان لا يبين. وما مثل هؤلاء المنكرين جميعاً عندي إلا كما لو أنكر رجل ألوهية الله عز وجل بدعوى أنه ادعاها بعض الفراعنة ! (فهل من مدكر).
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 13:55

    الخلافة في قريش ما أطاعوا الله

    1552-(أما بعد يا معشر قُريش ! فإنكم أهلُ هذا الأمر ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يُلحى هذا القضيب-لقضيب في يده).
    أخرجه أحمد(1/458): ثنا يعقوب: ثنا أبي عن صالح: قال ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن مسعود قال:
    ((بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريب من ثمانين رجلاً من قريش، ليس فيهم إلا قرشي، لا والله ما رأيت صفيحة وجوه رجال قط أحسن من وجوههم يومئذ، فذكروا النساء، فتحدثوا فيهن، فتحدث معهم، حتى أحببت أن يسكت، قال: ثم أتيته فتشهد، ثم قالك(فذكره)، ثم لحى قضيبه، فإذا هو أبيض يصلد)).
    قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
    وقال الهيثمي في((مجمع الزوائد))(5/192):
    ((رواه أحمد وأبويعلى والطبراني في((الأوسط))ورجال أحمد رجال الصحيح، ورجال أبي يعلى ثقات)).
    ورواه القاسم بن الحارث عن عبيد الله فقال: عن أبي مسعود الأنصاري.
    أخرجه أحمد(4/118و5/274و274-275)وابن أبي عاصم في((السنة))(1118و1119-بتحقيقي).
    والقاسم هذا مجهول كما بينته في((تخريج السنة))فقوله: ((أبي مسعود))مكان ((ابن مسعود))، وهم منه لا يلتفت إليه.
    (يلحى): أي يقشر.
    وهذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد استمرت الخلافة في قريش عدة قرون، ثم دالت دولتهم، بعصيانهم لربهم، وإتباعهم لأهوائهم، فسلط الله عليهم من الأعاجم من أخذ الحكم من أيديهم، وذل المسلمون من بعدهم إلا ما شاء الله. ولذلك فعلى المسلمين إذا كانوا صادقين في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية أن يتوبوا إلى ربهم، ويرجعوا إلى دينهم، ويتبعوا أحكام شريعتهم، ومن ذلك أن الخلافة في قريش بالشروط المعروفة في كتب الحديث والفقه، ولا يحكموا آراءهم وأهواءهم، وما وجدوا عليه أباءهم وأجدادهم، وإلا فسيظلون محكومين من غيرهم، وصدق الله إذ قال:( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). والعاقبة للمتقين.

    الميثاق الرباني

    1623-( أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بـ ( نعمان ) _ يعني عرفة _ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين . أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ).
    أخرجه أحمد(1/272)وابن جرير في((التفسير))(15338)وابن أبي عاصم في((السنة))(17/1)والحاكم(2/544)والبيهقي في((الأسماء والصفات))(ص326-327)كلهم من طريق الحسين بن محمد المروذي: ثنا جرير بن حازم عن كُلْثُوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم:
    ((صحيح الإسناد)). ووافقه الذهبي.
    قلت: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله وسائرهم من رجال الشيخين.
    وتابعه وهب بن جرير: ثنا أبي به دون ذكر(نعمان) وقال أيضاً: ((صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر)).ووافقه الذهبي أيضاً. وأما ابن كثير فتعقبه بقوله في((التفسير))(2/262)):
    ((هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فوقفه. وكذا رواه إسماعيل بن عُلَية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم بن جبر عن أبيه به، وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعلى بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فهذا أكثر وأثبت. والله أعلم)).
    قلت: هو كما قال رحمه الله تعالى، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعاً، وذلك لأن الموقوف في حكم المرفوع، لسببين:
    الأول: أنه في تفسير القرآن، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع، ولذلك اشترط الحاكم في كتابه((المستدرك))أن يخرِج فيه التفاسير عن الصحابة كما ذكر ذلك فيه(1/55).
    الآخر: أن له شواهد مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جمع من الصحابة، وهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو، وأبو هريرة، وأبو أمامة، وهشام بن حكيم أو عبد الرحمن ابن قتادة السلمي على خلاف عنهما-ومعاوية بن أبي سفيان، وأبو الدرداء، وأبو موسى، وهي وإن كان غالبهما لا تخلوا أسانيدها من مقال، فإن بعضها يقوي بعضاً، بل قال الشيخ صالح المقبلي في((الأبحاث المسددة)): (ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والرويات في ذلك))، ولا سيما وقد تلقاها أو تلقي ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على أنفسهم؛ السلف الصالح من الصحابة والتابعين دون اختلاف بينهم، منهم عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وناس من الصحابة، وأبي بن كعب وسلمان الفارسي، ومحمد بن كعب، والضحاك بن مزاحم، والحسن البصري، وقتادة، وفاطمة بنت الحسين، وأبو جعفر الباقر وغيرهم، وقد أخرج هذه الآثار الموقوفة وتلك الأحاديث المرفوعة الحافظ السيوطي في((الدر المنثور))(3/141-145)، وأخرج بعضها الشوكاني في((فتح القدير))(2/251-252)، ومن قبله الحافظ ابن كثير في((تفسيره))(2/261-264)، وخرجت أنا حديث عمر في((الضعيفة))(3070)وصححته لغيره في((تخريج شرح الطحاوية)(266)، وحديث أبي هريرة في تخريج السنة لابن أبي عاصم(204و205-بتحقيقي)، وصححته أيضاً هناك(ص267)، وفي الباب عن أبي الدرداء مرفوعاً، وقد سبق برقم(49)، وعن أنس، وسبق برقم(172)وهو متفق عليه، فهو أصحها وفيه:
    ((إن الله تعالى يقول للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً ؟ فيقول: نعم. فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيتْ إلا أن تشرك بي)).
    إذا عرفت هذا فمن العجيب قول الحافظ ابن كثير عقب الأحاديث والآثار التي سبقت الإشارة إلى أنه أخرجها:
    ((فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه،وميز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو، وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم)).
    قلت: وليس الأمر كما نفى، بل الإشهاد وارد في كثير من تلك الأحاديث:
    الأول: حديث أنس هذا، ففيه كما رأيت قول الله تعالى: ((قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً)). قال الحافظ ابن حجر في((فتح الباري))(6/284):
    ((فيه إشارة إلى قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم) الآية)).
    قلت: ولفظ حديث ابن عمرو الذي أعله ابن كثير بالوقف إنما هو: أخذ من ظهره....))، فأي فرق بينه وبين لفظ حديث أنس الصحيح ؟!
    الثاني: حديث عمر بلفظ: ((ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية...)).
    الثالث: حديث أبي هريرة الصحيح: ((.... مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة....)).
    الرابع: حديث هشام بن حكيم: ((إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم....)).
    الخامس: حديث أبي أمامة: ((لما خلق الله الخلق وقضى القضية، أخذ أهل اليمين بيمينه، وأهل الشمال بشماله، فقال:...ألست بربكم، قالوا: بلى ....)).
    ففي ذلك رد على قول ابن القيم أيضاً في كتاب ((الروح))(ص161)بعد أن سرد طائفة من الأحاديث المتقدمة:
    ((وأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم له بالربوبية وشهادتهم على أنفسهم بالعبودية- فمن قاله من السلف فإنما هو بناء منه على فهم الآية، والآية لم تدل على هذا بل دلت على خلافه)).
    وقد أفاض جداً في تفسير الآية وتأويلها تأويلاً ينافي ظاهرها بل ويعطل دلالتها أشبه ما يكون بصنيع المعطلة لآيات وأحاديث الصفات حين يتأولونها، وهذا خلاف مذهب ابن القيم رحمه الله الذي تعلمناه منه ومن شيخه ابن تيمية، فلا أدري لماذا خرج عنه هنا لا سيما وقد نقل(ص163)عن الأنباري أنه قال:
    ((مذهب أهل الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وصلب أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم كما جعل للجبل عقلا حين خوطب، وكما فعل ذلك للبعير لما سجد، والنخلة حتى سمعت وانقادت حين دُعِيَت)).
    كما نقل أيضاً عن إسحاق بن راهويه:
    ((وأجمع أهل العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، وأنه استنطقهم وأشهدهم)).
    قلت: وفي كلام ابن الأنباري إشارة لطيفة إلى طريقة الجمع بين الآية والحديث وهو قوله: ((إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده)).
    وإليه ذهب الفخر الرازي في((تفسيره))(4/323)، وأيده العلامة ملاَ على القاريء في((مرقاة المفاتيح))(1/140-141)وقال عقب كلام الفخر:
    ((قال بعض المحققين: إن بني آدم من ظهره، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لا يزال إلى يوم القيامة هم الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منهم الميثاق الأزلي ليعرف منه أن النسل المخرج فيما لا يزال من أصلاب بنيه هو المخرج في الأزل من صلبه، وأخذ منهم الميثاق الأول، وهو المقالي الأزلي، كما أخذ منهم فيما لا يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الثاني، وهو الحالي الإنزالي. والحاصل أن الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي، وثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد، كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم الأمة ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقاً آخر أزلياً فقال(ما) قال من مسح ظهر آدم في الأزل وإخراج ذريته وأخذه الميثاق عليهم اهـ.
    وبهذا يزول كثير من الإشكالات، فتأمل فيها حق التأمل)).
    وجملة القول أن الحديث صحيح، بل هو متواتر المعنى كما سبق، وأنه لا تعارض بينه وبين آية أخذ الميثاق، فالواجب ضمه إليها، وأخذ الحقيقة من مجموعهما، وقد تجلت لك إن شاء الله مما نقلته لك من كلام العلماء، وبذلك ننجو من مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين:
    الأولى: رد الحديث بزعم معارضته للآية.
    والأخرى: تأويلها تأويلاً يبطل معناها، أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة والمعتزلة. كيف لا وهم أنفسهم الذين أنكروا حقيقة الأخذ والإشهاد والقول المذكور فيها بدعوى أنها خرجت مخرج التمثيل ! وقد عز علي كثيراً أن يتبعهم في ذلك مثل ابن القيم وابن كثير، خلافاَ للمعهود منهم من الرد على المبتدعة ما هو دون ذلك من التأويل. والعصمة لله وحده.
    ثم إنه ليلوح لي أننا وإن كنا نتذكر جميعاً ذلك الميثاق الرباني وقد بين العلماء سبب ذلك-فإن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي تشهد فعلاً بأن الله هو الرب وحده لا شريك له، إنما هي أثر ذلك الميثاق، وكأن الحسن البصري رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى عن الأسود بن سريع مرفوعاً:
    ((ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة...))الحديث، قال الحسن عقبه: ((ولقد قال الله ذلك في كتابه: (وإذ أخذ ربك...)الآية)).
    أخرجه ابن جرير(15353)، ويؤيده أن الحسن من القائلين بأخذ الميثاق الوارد في الأحاديث، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعليه فلا يصح أن يقال: إن الحسن البصري مع الخلف القائلين بأن المراد بالإشهاد المذكور في الآية إنما هو فطرهم على التوحيد، كما صنع ابن كثير. والله أعلم.

    أشرف حديث في صفة الأولياء

    1640-( إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته).
    أخرجه البخاري(4/231) وأبو نعيم في((الحلية))(1/4) والبغوي في((شرح السنة))(1/142/2) وأبو القاسم المهرواني في((الفوائد المنتخبة الصحاح)) (2/3/1) وابن الحمامي الصوفي في((منتخب من مسموعاته)) (171/1) وصححه ثلاثتهم، ورزق الله الحنبلي في((أحاديث من مسموعاته))(1/2-2/1) ويوسف بن الحسن النابلسي في ((الأحاديث الستة العراقية))(ق26/1) والبيهقي في((الزهد))(ق83/2) وفي((الأسماء والصفات)) ص(491) من طريق خالد بن مخلد: حدثنا سليمان بن بلال: حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
    قلت: وهذا إسناد ضعيف، وهو من الأسانيد القليلة التي انتقدها العلماء على البخاري رحمه الله تعالى، فقال الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد هذا وهو القطواني بعد أن ذكر اختلاف العلماء في توثيقه وتضعيفه وساق له أحاديث تفرد بها هذا منها:
    ((فهذا حديث غريب جداً، ولولا هيبة((الجامع الصحيح)) (!) لعددته في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد. ولا أخرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في((مسند أحمد)) وقد اختلف في عطاء، فقيل: هو ابن أبي رباح، والصحيح أنه عطاء بن يسار)).
    ونقل كلامه هذا بشيء من الاختصار الحافظ في((الفتح)) ((11/292-293)، ثم قال:
    ((قلت: ليس هو في((مسند أحمد)) جزماً، وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد-فيه مقال أيضاً. وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها، ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً.
    1-منها عن عائشة أخرجه أحمد في((المسند))(6/256) وفي((الزهد)) وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في((الحلية)) والبيهقي في((الزهد)) من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها. وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد به. وقد قال البخاري: إن منكر الحديث.
    لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة وقال:
    ((لم يروه عن عروة إلا يعقوب وعبد الواحد)).
    2-ومنها عن أبي أمامة. أخرجه الطبراني والبيهقي في((الزهد)) بسند ضعيف.
    3-ومنها عن علي عند الإسماعيلي في ((مسند علي)).
    4- وعن ابن عباس. أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف.
    5- وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني. وفي سنده ضعف أيضاً.
    6-وعن حذيفة. أخرجه الطبراني مختصراً. وسنده حسن غريب.
    7-وعن معاذ بن جبل. أخرجه ابن ماجه وأبو نعيم في((الحلية)) مختصراً وسنده ضعيف أيضاً.
    8-وعن وهب بن منبه مقطوعاً. أخرجه أحمد في((الزهد)) وأبو نعيم في((الحلية))، وفيه تعقب على ابن حبان حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة:
    (لا يعرف لهذا الحديث إلا طريقان- يعني غير حديث الباب- وهما هشام الكناني عن أنس، وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة، وكلاهما لا يصح) )).
    هذا كله كلام الحافظ. وقد أطال النفس فيه. وحق له ذلك، فإن حديثاً يخرجه الإمام البخاري في((المسند الصحيح)) ليس من السهل الطعن في صحته لمجرد ضعف في إسناده، لاحتمال أن يكون له شواهد تأخذ بعضده وتقويه .. فهل هذا الحديث كذلك؟
    لقد ساق الحافظ هذه الشواهد الثمان، وجزم بأنه يدل مجموعها على أن له أصلاً.
    ولما كان من شروط الشواهد أن لا يشتد ضعفها وإلا لم يتقو الحديث بها كما قرره العلماء في((علم مصطلح الحديث))، وكان من الواجب أيضاً أن تكون شهادتهما كاملة، وإلا كانت قاصرة، لذلك كله كان لا بد لي من إمعان النظر في هذه الشواهد أو ما أمكن منها من الناحيتين اللتين أشرت إليهما: قوة الشهادة وكمالها أو العكس؛ وتحرير القول في ذلك، فأقول:
    1- ذكر الحافظ لحديث عائشة طريقين أشار إلى أحدهما ضعيف جداً. لأن من قال فيه البخاري: منكر الحديث. فهو عنده في أدنى درجات الضعف. كما هو معلوم، وسكت عن الطريق الأخرى فوجب بيان حالهان ونص متنها، فأقول:
    أخرجه الطبراني في((الأوسط)) (15/16-زوائده): حدثنا هارون بن كامل: ثنا سعيد بن أبي مريم: ثنا إبراهيم بن سويد المدني: حدثني أبو حزرة يعقوب بن مجاهد: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بتمامه مثله إلا أنه قال:
    ((إن دعاني أجبيته)) بدل ((إن استعاذني لأعيذنه)) وقال:
    ((لم يروه عن أبي حزرة إلا إبراهيم. ولا عن عروة إلا أبو حزرة وعبد الواحد بن ميمون)).
    قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معرفون مترجمون في((التهذيب)) غير هارون بن كامل وهو المصري كما في((معجم الطبراني الصغير)) ص(232) ولم أجد له ترجمة، فلولاه الإسناد جيداً. لكن الظاهر من كلام الطبراني السابق أنه لم يتفرد به.
    فإنه ذكر التفرد لإبراهيم شيخ شيخه.
    والحديث أورده الهيثمي(10/269) بطرقه الأول ثم قال:
    ((رواه البزار واللفظ له أحمد و الطبراني في((الأوسط)) وفيه عبد الواحد بن قيس وقد وثقه غير واحد. وضعفه غيرهم. وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. ورجال الطبراني في((الأوسط)) رجال((الصحيح)) غير شيخه هارون بن كامل)) !
    قلت: يعقوب بن مجاهد وإبراهيم بن سويد ليسا من رجال((الصحيح)) وإنما أخرج لهما البخاري في((الأدب المفرد)).
    ثم إن قوله: ((وفيه عبد الواحد بن قيس)) يخالف فول الحافظ المتقدم أنه عبد الواحد بن ميمون. ولا أدري هل منشؤه من اختلاف الاجتهاد في تحديد المراد من عبد الواحد الذي لم ينسب فيما وقفت عليه من المصادر، أم أنه وقع منسوباً عند البزار؟ فقد رأيت الحديث في((المسند)) (6/257) و((الحلية)) (1/5) و((الزهد)) للبيهقي (83/2) من طرق عن عبد الواحد مولى عروة عن عروة به.
    ثم تبين لي أن الاختلاف سببه اختلاف الاجتهاد. وذلك لأن كلاً من عبد الواحد ابن ميمون، وعبد الواحد بن قيس روى عن عروة.
    فمال كل من الحافظين إلى ما مال إليه. لكن الراجح ما ذهب إليه الحافظ ابن حجرن لأن الذين رووه عن عبد الواحد لم يذكروا في الرواة عن ابن قيس وإنما عن ابن ميمون. وفي ترجمته ذكر ابن عدي(305/1) هذا الحديث وكذلك صنع الذهبي في ((الميزان)) والحافظ في ((اللسان))، فقول الهيثمي أنه ابن قيس مردود. ولو كان هو صاحب هذا الحديث لكان شاهداً لا بأس به. فإنه أحسن حالاً من ابن ميمون. فقد قال الحافظ فيه:
    ((صدوق الأول له أوهام ومراسيل)).
    وأما الأول فمتروك.
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 13:56

    ثم رأيت ما يشهد لمارجحته. فقد أخرجه أبو نعيم في ((الأربعين الصوفية)) (ق60/1) وأبو سعد النيسابوري في ((الأربعين)) (ق52/1-2) وقال:
    ((حديث غريب ... وقد صح معنى هذا الحديث من حديث عطاء عن أبي هريرة)) ، وابن النجار في ((الذيل)) (10/183/2) عن عبد الواحد بن ميمون عن عروة بن فنسبه إلى ميمون.
    وجملة القول في حديث عائشة هذا أنه لا بأس به في الشواهد من الطريق الأخرى إن لم يكن لذاته حسنا.
    2- ثم ذكر حديث أبي أمامة وضعفه، وهو عند البيهقي من طريق ابن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه. وكذلك رواه السلمي في ((الأربعين الصوفية)) (9/1).
    وهذا الإسناد يضعفه ابن حبان جداً، ويقول في مثله إنه من وضع أحد هؤلاء الثلاثة الذين دون أبي أمامة.
    لكن أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) (ق11/1- نسخة الشيخ السفرجلاني) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد به نحوه.
    وعثمان هذا قال الحافظ في ((التقريب)):
    ((ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني)).
    3- حديث علي لم أقف الآن على إسناده.
    4- وأما حديث ابن عابس، فقد ضعفه الحافظ كما تقدم، وبين علته الهيثمي فقال (10/270):
    ((رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم)).
    قلت: وإسناده أسوأ من ذلكن وفي متنه زيادة منكرة، وكذلك أوردته في ((الضعيفة)) (5396).
    5- وأما حديث أنس فلم يعزه الهيثمي إلا للطبراني في ((الأوسط)) مختصراً جداً بلفظ:
    (( ... من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)). وقال:
    ((وفيه عمر بن سعيد أبو حفص الدمشقي وهو ضعيف)).
    وقد وجدته من طريق أخرى بأتم منه، ويرويه الحسن بن يحيى قال: حدثنا صدقة ابن عبد الله عن هشام الكناني عن أنس به نحو حديث الترجمة، وزاد:
    ((وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة، فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك. وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ...)) الحديث.
    أخرجه محمد بن سليمان الربعي في ((جزء من حديثه)) (ق216/2) والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (ص121).
    قلت: وإسناده ضعيف، مسلسل بالعلل:
    الأولى: هشام الكناني لم أعرفه، وقد ذكره ابن حبان في كلامه الذي سبق نقله عنه بواسطة الحافظ ابن حجر، فالمفروض أن يورده ابن حبان في ((ثقات التابعين)) ولكنه لم يفعل، وإنما ذكر فيهم هشام بن زيد بن أنس البصري يروي عن أنس، وهو من رجال الشيخين، فلعله هو.
    الثانية: صدقة بن عبد الله، وهو أبو معاوية السمين-ضعيف.
    الثالثة: الحسن بن يحيى وهو الخشني، وهو صدوق كثير الغلط كما في ((التقريب)).
    6- وحديث حذيفة لم أقف على سنده أيضاً. ولم أره في ((مجمع الهيثمي))
    7- وحديث معاذ مع ضعف إسناده فهو شاهد مختصر ليس فيه إلا قوله:
    ((من عادى وليا فقد بارز الله بالمحاربة)).
    وهو مخرج في ((الضعيفة)) (1850).
    وحديث وهب بن منبه، أخرجه أبو نعيم(4/32) من طريق إبراهيم بن الحكمك حدثني أبي: حدثني وهب بن منبه قال:
    (( إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: إن الله تعالى يقول:
    ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبضِ روح المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته ولا بد له منه)).
    قلت: وإبراهيم هذا ضعيف، ولو صح عن وهب فلا يصلح للشهادة، لأنه صريح في كونه من الإسرائيليات التي أمرنا بأن لا نصدق بها، ولا نكذبها.
    ونحوه ما روى أبو الفضل المقري الرازي في((أحاديث في ذم الكلام)) (204/1) عن محمد بن كثير الصنعاني عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: ((قال الله ... )) فذكر الحديث بنحوه معضلاً موقوفاً.
    ولقد فات الحافظ رحمه الله تعالى حديث ميمونة مرفوعاً به بتمامه مثل حديث الطبراني عن عائشة.
    أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) (ق334/1) و أبوبكر الكلاباذي في ((مفتاح المعاني)) (13/1 رقم 15) عن يوسف بن خالد السمتيك ثنا عمر بن إسحاق أنه سمع عطاء بن يسار يحدث عنها.
    لكن هذا إسناد ضعيف جداً؛ لأن السمتي هذا قال الحافظ:
    ((تركوه، وكذبه ابن معين)).
    فلا يصلح للشهادة أصلاً. وقد قال الهيثمي:
    ((رواه أبو يعلى وفيه يوسف خالد السمتي وهو كذاب)).
    وخلاصة القول: إن أكثر هذه الشواهد لا تصلح لتقوية الحديث بها، إما لشدة ضعف إسناده، وإما لاختصارها، اللهم إلا حديث عائشة، وحديث أنس بطريقيه؛ فإنهما إذا ضما إلى إسناد حديث أبي هريرة اعتضد الحديث بمجموعها وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء الله تعالىن وقد صححه من سبق ذكره من العلماء.
    ( تنبيه) جاء في كتاب ((مبارق الأزهار شرح مشارق الأنوار)) (في باب الحادي عشر في كلمات القدسية) (2/338) أن هذا الحديث أخرجه البخاري عن أنس وأبي هريرة بلفظ:
    (( من أهان لي (ويروى من عادى لي) ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت في شيء أنا فاعله، ما ترددت في قبض نفس عبد المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولابد له منه، وما تقرب إلى عبدي المؤمن بمثل الزهد في الدنيا، ولا تعبد لي بمثل أداء ما افترضته عليه)).
    قلت: فهذا خطأ فاحش من وجوه:
    الأول: أن البخاري لم يخرجه من حديث أنس أصلاً.
    الثاني: أنه ليس في شيء من طرق الحديث التي وقفت عليها ذكر للزهد.
    الثالث: أنه ليس في حديث أبي هريرة وأنس قوله: ((ولابد له منه)).
    الرابع: أنه مخالف لسياق البخاري ولفظه كما هو ظاهر.
    ونحو ذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية أورد الحديث في عدة أماكن من ((مجموع الفتاوى)) (5/511و10/58و11/75-76و17/133-134) من رواية البخاري بزيادة (( فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي)) ولم أر هذه الزيادة عند البخاري ولا عند غيره ممن ذكرنا من المخرجين، وقد ذكرها الحافظ في أثناء شرحه للحديث نقلاً عن الطوفي ولم يعزها لأحد.
    ثم إن لشيخ الإسلام جواباً قيماً على سؤال حول التردد المذكور في هذا الحديث، أنقله هنا بشيء من الاختصار لعزته وأهميته، قال رحمه الله تعالى في ((المجموع)) (18/129-131):
    (( هذا حديث شريف، وهو أشرف حديث روى في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة وقالوا: إن الله لا يوصف بالتردد، فإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة التردد !
    والتحقيق: أن كلام رسوله حق وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس، وأجهلهم وأسوئهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة، والاعتقادات الفاسدة. ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور ( فإنه ) لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء، ثم هذا باطل (على إطلاقه) فإن الواحد يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشيء الواحد، الذي يُحب من وجه ويُكره من وجه، كما قيل:
    الشيب كره وكره أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب.
    وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه. بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من الباب، وفي (( الصحيح)):
    (( حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره)) وقال تعالى: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) الآية.
    ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث، فإنه قال: (( لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )) فإن العبد الذي حاله صار محبوباً للحق محباً له، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق. فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث ما يحبه محبوبه، ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه قد قضى بالموت. فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مراداً من وجه مكروهاً من وجه وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده. وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته)).
    وقال في مكان آخر (10/ 58-59):
    (( فبين سبحانه أنه يتردد، لأن التردد تعارض إرادتين، فهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت، فهو يكرهه كما قال : (( وأنا أكره مساءته )) وهو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت، فسمى ذلك ترددا. ثم بين أنه لا بد من وقوع ذلك )).

    الرد على القول بعصمة آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم

    1904-(الشاهد يرى ما لا يرى الغائب).
    أخرجه أحمد(1/83) وعنه الضياء في ((المختارة))(1/248) والبخاري في((التاريخ))(1/1/177) عن يحيى بن سعيد عن سفيان، ثنا محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي رضي الله عنه قال:
    قلت: يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالسكة المحماة، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: فذكره.
    وخالفه أبو نعيم فقال: نا سفيان به، إلا أنه زاد: ((عن أبيه عن علي)).
    أخرجه الضياء(1/233) وقال:
    ((رواه إسحاق بن راهويه في((مسنده)) عن أبي نعيم)).
    لكن أخرجه أبو نعيم في((الحلية))(7/92): حدثنا سليمان بن أحمد (هو الطبراني): ثنا علي بن عبد العزيز: ثنا أبو نعيم: ثنا سفيان به دون الزيادة، ولذلك قال أبو نعيم عقبه:
    ((رواه عصام بن يزيد: جبر، فوصله)).سم أسنده من طريين عن محمد بن يحيى بن منده: ثنا محمد بن عصام بن يزيد عن أبيه عن سفيان عن محمد بن عمر بن علي عمن حدثه عن علي قال:
    ((بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن نسيب لأم إبراهيم شيء، فدفع إلى السيف، فقال: اذهب فاقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو فوق نخلة، فلما رآني عرف، ووقع، ألقي ثوبه، فإذا هو أجب، فكففت عنه، فقال: أحسنت)). وقال:
    ((جوده محمد بن إسحاق وسماه)).
    ثم ساق هنا مختصراً وفي((3/177/178) بتمامه من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال:
    ((أُكِثَر على مارية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم في قبطي-ابن عم لها- كان يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: خذ هذا السيف فانطلق إليه، فإن وجدته عندها فاقتله. فقلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أرسلتني به، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: (فذكره)، فأقبلت متوشحا السيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما أقبلت نحوه عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقى فيهان ثم رمى بنفسه على قفاه، وشَفَرَ برجليه، فإذا هو أجب أمسَح، ما له ما للرجال، قليل ولا كثير، فأغمدت سيفي، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت)). وقال:
    ((هذا غريب لا يعرف مسنداً بهذا السياق إلا من حديث محمد بن إسحاق)).
    قلت: ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في((التاريخ)) وأبو عبد الله بن منده في(معرفة الصحابة))(42/531) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق))(1/232/1) والضياء في((المختارة))(1/247) وصرح البخاري وابن منده بتحديث ابن إسحاق، فزالت شبهة تدليسه، وسائر رجاله ثقات، فهو إسناد متصل جيد.
    وروى الخطيب في((التاريخ))(3/64) من هذا الوجه حديث الترجمة فقط دون القصة.
    وقد وجدت له شاهداً، يرويه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وعقيل عن الزهري عن أنس مرفوعاً به.
    أخرجه القضاعي في((مسند الشهاب))(9/2) من طريق الطبراني.
    وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد.
    والقصة وحدها دون الحديث لها طريق أخرى عند مسلم(8/119) وأحمد(3/281) من طريق ثابت عن أنس نحوه.
    واستدركه الحاكم(4/39) على مسلم فوهم، كما وهم بعض المعلقين على((المقاصد الحسنة)) في جزمه بأن حديث الترجمة من حديث أنس عند مسلم .
    وأخرجها الحاكم من حديث عائشة أيضاً، وفيه أبو معاذ سليمان بن الأرقم الأنصاري وهو ضعيف جداً، وسيأتي تخريجه وبيان ما فيه من الزيادات المنكرة برقم(4964) من الكتاب الآخر.
    قلت: و الحديث نص صريح في أن أهل البيت رضي الله عنهم يجوز فيهم ما يجوز في غيرهم من المعاصي، إلا من عصم الله تعالى، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في قصة الإفك:
    ((يا عائشة ! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنتِ بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ..)).
    أخرجه مسلم.
    ففيهما رد قاطع على من ابتدع القول بعصمة زوجاته صلى الله عليه وسلم محتجاً بمثل قوله تعالى فيهن: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) جاهلاً أو متجاهلاً أن الإرادة في الآية ليست الإرادة الكونية التي تستلزم وقوع المراد، وإنما هي الإرادة الشرعية المتضمنة للمحبة والرضا، إلا لكانت الآية حجة للشيعة في استدلالهم بها على عصمة أئمة أهل البيت وعلى رأسهم علي رضي الله عنه، وهذا مما غفل عنه ذلك المبتدع، مع أنه يدعي أنه سلفي !
    ولذلك قال الشيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الشيعي الرافضي(2/117).
    ((وأما آية التطهير فليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم، وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهاب الرجس عنهم ... ومما يبين أن هذا مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه؛ ما ثبت في((الصحيح))أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الكساء على فاطمة وعلي وحسن وحسين ثم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)).
    رواه مسلم. ففيه دليل على أنه لم يخبر بوقوع ذلك؛ فإنه لو كان وقع لكان يثني على الله بوقوعه، ويشكره على ذلكن لا يقتصر على مجرد الدعاء)).

    الصورةُ الرأس

    1921-(الصورةُ الرأس، فإذا قطِعَ الرأس، فلا صورة).
    عزاه السيوطي في((الجامع الصغير)) للإسماعيلي في((معجمه))، وبيض له المناوي، فلم يتكلم على إسناده بشيء، وقد وقفت على سنده على ظهر الورقة الأولى من الجزء الحادي عشر من((الضعفاء)) للعقيلي، بخط بعض المحدثين، أخرجه من طريق عدي بن الفضل وابن عُلَية جميعاً عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرفوعاً، ومن طريق عبد الوهاب عن أيوب به موقوفاً عليه.
    قلت: وابن عُلَية واسمه إسماعيل؛ أحفظ من عبد الوهاب وهو ابن عبد المجيد الثقفي، فروايته المرفوعة أرجح، لا سيما ومعه المقرون به عدي بن الفضل على ضعفه، فإذا كان السند إليهما صحيحاً، فالسند صحيح، ولم يسقه الكاتب المشار إليه. ولكن يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:
    ((أتاني جبريل . . .)) الحديث، وفيه:
    ((فمر برأس التمثال الذي في البيت يُقطعْ فيصير كهيئة الشجرة . . .))، فهذا صريح في أن قطع رأس الصورة، أي التمثال المجسم، يجعله كلا صورة .
    قلت: وهذا في المجسم كما قلنا، وأما في الصورة المطبوعة على الورق أو المطرزة على القماش، فلا يكفي رسم خط على العنق ليظهر كأنه مقطوع عن الجسد، بل لابد من الإطاحة بالرأس . وبذلك تتغير معالم الصورة، وتصير كما قال عليه الصلاة والسلام: ((كهيئة الشجرة)).
    فاحفظ هذان ولا تغتر بما جاء في بعض كتب الفقه ومن اتخذها أصلاً من المتأخرين. راجع ((آداب الزفاف)) (ص103-104-الطبعة الثالثة).

    إثبات العدوى

    1978-(إنا قد بايعناك فارجع).
    هو من حديث الشريد بن سويد قال:
    كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.
    أخرجه مسلم(7/37) والنسائي(2/184) وابن ماجه(2/364) و الطيالسي(رقم1270) وأحمد(4/389-390) عن يعلى بن عطاء عن عمرو بن الشريد عن أبيه به.
    وأخرجه الطبراني في((معجم الكبير))(7247) من طريق شريك عن يعلى بن عطاء بلفظ:
    أن مجذوماً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فأتيته فذكرت له، فقال:
    ((ائته فأعلمه أني قد بايعته فليرجع)).
    قلت: وفي الحديث إثبات العدوى والاحتراز منها، فلا منافاة بينه وبين حديث((لا عدوى)) لأن المراد به نفي ما كانت الجاهلية تعتقده أن العاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى وقدره، فهذا هو المنفي، ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله ومشيئته، وهذا ما أثبته حديث الترجمة، وأرشد فيه إلى الابتعاد عما قد يحصل الضرر منه بقدر الله وفعله.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 13:57

    كتاب الصـلاة

    التوقيت للوتر، كالتوقيت للصلوات الخمس

    1712-(إنما الوتر بالليل ).
    أخرجه الطبراني في((المعجم الكبير))(رقم891)عن خلد بن أبي كريمة: نا معاوية بن قرة عن الأغر المزني:
    (( أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، فقال: ( فذكره ) . قال يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، قال: فأوتر)).
    قلت: وهذا إسناد حسن على الأقل في الشواهد، خالد بن أبي كريمة قال الحافظ:
    ((صدوق يخطىء)).
    وسائر رجاله ثقات، غير شيخ الطبراني محمد بن عمرو بن خالد الحراني، فلم أجد له ترجمة. لكن يشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم:
    (( أوتروا قبل أن تصبحوا )).
    أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري، وهو مخرج في((الإرواء))(421).
    وهذا التوقيت للوتر، كالتوقيت للصلوات الخمس، إنما هو لغير النائم وكذا الناسي، فإنه يصلي الوتر إذا لم يستيقظ له في الوقت، يصليه متى استيقظ، ولو بعد الفجر، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم للرجل في هذا الحديث: ((فأوتر)) . بعد أن قال له: (( إنما الوتر بالليل)) . وفي ذلك حديث صريح فانظره في ((المشكاة))( 1268)و((الإرواء))( 422).

    شرعية الصلاة بعد الوتر

    1993-( إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له).
    أخرجه الدارمي(1/374) وابن خزيمة في((صحيحه) (2/159/1103) وابن حبان(683) من طرق عن ابن وهب: حدثني معاوية بن صالح عن شريح بن عبيد عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان قال:
    ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: )) فذكره، وليس عند الدارمي هذه الجملة المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم قال الحديث في السفر، ولذلك عقب على الحديث بقوله:
    ((ويقال: ((هذا السفر))، وأنا أقول: السهر)) !
    وبناءً عليه وقع الحديث عنده بلفظ: ((هذا السهر)). ويرده أمران:
    الأول: ما ذكرته من مناسبة ورود الحديث في السفر.
    والآخر: أن ابن وهب قد تابعه عبد الله بن صالح: ثنا معاوية بن صالح به مناسبة ولفظاً.
    أخرجه الدارقطني(ص177) والطبراني رفي((الكبير))(1410).
    وعبد الله بن صالح من شيوخ البخاري، فهو حجة عند المتابعة.
    فدل ذلك كله على أن المحفوظ في الحديث((السفر)) وليس((السهر)) كما قال الدارمي.
    والحديث استدل به الإمام ابن خزيمة على((أن الصلاة بعد الوتر مباح لجميع من يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب وفضيلة، لا أمر إيجاب وفريضة)).
    وهذه فائدة هامة، استفدناها من هذا الحديث، وقد كنا من قبل مترددين في التوفيق بين صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين وبين قوله: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً))، وقلنا في التعليق على((صفة الصلاة)) (ص123-السادسة):
    ((والأحوط تركهما اتباعاً للأمر. والله أعلم)).
    وقد تبين لنا الآن من هذا الحديث أن الركعتين بعد الوتر ليستا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، لأمره صلى الله عليه وسلم بهما أمته أمراً عاماً، فكأن المقصود بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وتراً، أن لا يهمل الإيتار بركعة، فلا ينافيه صلاة ركعتين بعدهما، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره. والله أعلم.


    كتاب الزكاة

    فضل القرض الحسن وأنه يعدل التصدق بنصفه

    1553-(إن السلف يجري مجرى شَطْرِ الصدقة).
    أخرجه أحمد(1/412) وأبو يعلى(3/1298-مصورة المكتب)من طريق حماد بن سلمة: أخبرنا عطاء بن السائب عن ابن أذنان قال:
    ((أسلفت علقمة ألفي درهم، فلما خرج عطاؤه قلت له:اقضيني، قال: أخرني إلى قابل، فأتيت عليه فأخذتها، قال: فأتيته بعد، قال: بَرحْتَ بي وقد منعتني، فقلت: نعم، هو عملك، قال: وما شأني، قلت: إنك حدثتني عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره)، قال: نعم فهو كذلكن قال: فخذ الآن)).
    قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن ابن أذنان لم يوثقه غير ابن حبان، وقد اختلف في اسمه والراجح أنه سليم كما ذهب غليه المحقق أحمد شاكر رحمه الله تعالى، ويأتي التصريح بذلك قريباً في بعض الطرق.
    وعطاء بن السائب كان اختلط.
    لكن للحديث طريق أخرى، فقال الطبراني في((المعجم الكبير))(رقم9180): حدثنا علي بن عبد العزيز: نا ابونعيم: نا دلهم بن صالح: حدثني حميد بن عبد الله الثقفي أن علقمة بن قيس استقرض من عبد الله ألف درهم ... الحديث نحوه ولم يرفع آخره، ولفظه:
    ((قال عبد الله: لأن أقرض مالاً مرتين أحب إلي من أن أتصدق به مرة)).
    ودلهم هذا ضعيف.
    وحميد بن عبد الله الثقفي، أورده ابن أبي حاتم(1/2/224)لهذا الإسناد، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلا.
    والجملة الأخيرة منه قد رويت من طريقين آخرين عن ابن مسعود مرفوعاً، فهو بمجموع ذلك صحيح. والله أعلم. راجع((تخريج الترغيب))(2/34).
    وتابعه على الجملة الأخيرة منه قيس بن رومي عن سليم بن أذنان به مرفوعاً بلفظ:
    ((من أقرض ورِقاً مرتين كان كعدل صدقةٍ مرةً)).
    أخرجه الخرائطي في((مكارم الأخلاق))(ص19) وابن شاهين في((الترغيب والترهيب))(314/1) والبيهقي في((السنن))(5/353).
    وله طريق أخرى عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً بلفظ:
    ((من أقرض مرتين كان له مثلُ أجر أحدهما لو تصدق به)).
    أخرجه ابن حبان(1155) والخرائطي والهيثم بن كليب في((مسنده))(53/2-54/1) والطبراني في((المعجم الكبير))(3/68/1) وابن عدي(212/2)من طريق أبي حريز أن إبراهيم حدثه عنه.
    قلت: وهذا سند لا بأس به المتابعات، رجاله ثقات، غير أبي حريز واسمه عبد الله بن الحسين الأزدي، قال الذهبي:
    ((فيه شيء)). وقال الحافظ:
    ((صدوق يخطىء)).
    (السَلَفُ): القرض الذي لا منفعة للمقرض فيه.
    قلت: ومع هذه الفضيلة البالغة للقرض الحسن، فإنه يكاد أن يزول من بيوع المسلمين، لغلبة الجشع والتكالب على الدنيا على الكثيرين أو الأكثرين منهم، فإنك لا تكاد نجد فيهم من يقرضك شيئاً إلا مقابل فائدة إلا نادراً، فإنك قليلاً ما يتيسر لك تاجر يبيعك الحاجة بثمن واحد نقداً أو نسيئة، بل جمهورهم يطلبون منك زيادة في بيع النسيئة، وهو المعروف اليوم ببيع التقسيط، مع كونها ربا في صريح قوله صلى الله عليه وسلم:
    ((من باع بيعتين في بيعة فله أوكَسُهما أو الربا)).
    وقد فسره جماعة من السلف بأن المراد به بيع النسيئة، ومنه بيع التقسيط، كما سيأتي بيانه عند تخريج الحديث برقم(2326).


    كتاب الصيام

    من الطب النبوي

    1830-(خصاء أمتي الصيام).
    رواه أحمد(2/173) وابن عدي(111/2) والبغوي في((شرح السنة))(3/1/2) عن ابن لهيعة: حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص.
    أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتأذن لي أن أختصي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: فذكره، وزاد: ((والقيام)).
    قلت: وهذا إسناد ضعيف، لسواء حفظ ابن لهيعة، وقد رويت أحاديث بمعنى حديثه هذا دون ذكر القيام.
    فروى ابن سعد(3/394) بسند جيد عن ابن شهاب:
    أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ((أليس لك في أسوة حسنة؟ فأنا آتي النساء، وآكل اللحم، وأصوم وأفطر، إن خصاء أمتي الصيام، وليس من أمتي من خصى أو اختصى)).
    وأخرج الحسين المروزي في((زوائد الزهد))(1106)كم طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن سعد بن مسعود قال: قال عثمان بن مظعون ... فذكره نحوه دون قوله: ((وليس من أمتي ... )).
    لكن أخرجه ابن المبارك نفسه في((الزهد))(845) من طريق رشدين بن سعد قال: حدثني ابن أنعم به أتم منه.
    وعبد الرحمن بن أنعم ضعيف لسوء حفظه، ومثله رشدين.
    ثم أخرج المروزي(1107) وأحمد(3/378و382-383) من طريق رجل عن جابر بن عبد الله قال:
    جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتأذن لي في الخصاء ؟ فقال:
    ((صُمْ، وسل الله من فضله)).
    وإسناده صحيح لولا الرجل الذي لم يسم.
    وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، دون ذكر القيام فإنه منكر. والله أعلم.
    ويشهد له الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود مرفوعاً:
    ((يا مشعر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
    وهو مخرج في((صحيح أبي داود))(1785)، وروي من حديث عثمان، وهو مخرج في التعليق على((الأحاديث المختارة)(رقم-356-بتحقيقي).
    وفي الحديث توجيه نبوي كريم، لمعالجة الشبق وعرامة الشهوة في الشباب الذين لا يجدون زواجاً، ألا وهو الصيام، فلا يجوز لهم أن يتعاطوا العادة السرية(الاستمناء باليد).لأنه قاعدة من قيل لهم: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)، ولأن الاستنماء في ذاته ليس من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله في القرآن الكريم:(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).
    قالت عائشة رضي الله عنها في تفسيرها:
    ((فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا)).
    أخرجه الحاكم(2/393) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 13:58

    كتاب المرأة والنكاح وما يتعلق به و تربية الأولاد

    الضرب بالدف معصية في غير النكاح والعيد

    1609-(إن الشيطان ليفرق منك يا عمر ).
    أخرجه أحمد(5/353)والترمذي(4/316) وابن حبان(2186)مختصراً من طريق الحسين بن واقد: حدثني عن عبد الله بن بريدة عن أبيه:
    ((أن أمَةً سوداء أتت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ورَجَعَ من بعض مغازيه، فقالت: إني كنتُ نذرتُ: إن ردك الله صالحاً أن أضرب عندك بالدف! قال:
    (( إن كنتِ فعلتِ فافعلي، وإن كنتِ لم تفعلي فلا تفعلي)). فَضَرَبَتْ، فدخل أبو بكر وهي تَضْرِبُ، ودخل غيره وهي تَضْرِبُ، ثم دخل عمر، قال: فجعلتْ دُفها خلفها وهي مُقنعة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فذكره ) وزاد: (( أنا جالس ههنا، ودخل هؤلاء، فلما أن دَخَلْتَ فَعلَتْ ما فعلَتْ)).
    قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وفي الحسين كلام لا يضر.
    وقد يشكل هذا الحديث على بعض الناس، لأن الضرب بالدف معصية في غير النكاح والعيد، والمعصية لا يجوز نذرها ولا الوفاء بها . والذي يبدو لي في ذلك أن نذرها لما كان فرحاً منها بقدومه صلى الله عليه وسلم صالحا سالما منتصرا، اغتفر لها السبب الذي نذرته لإظهار فرحها، خصوصية له صلى الله عليه وسلم دون الناس جميعا، فلا يؤخذ منه جواز الدف في الأفراح كلها، لأنه ليس هناك من يفرح به كالفرح به صلى الله عليه وسلم، ولمنافاة ذلك لعموم الأدلة المحرمة للمعازف والدفوف وغيرها، إلا ما استثني كما ذكرنا آنفا .

    هذا الحديث دلالته ليس على عمومه، بل قد دخله التخصيص في بعض أجرائه

    1865-(الذهب والحرير حلال لإناث أمتي، حرام على ذُكورها).
    رواه سمويه في((الفوائد))(35/1): حدثنا سعيد بن سليمان: ثنا عباد: ثنا سعيد بن أبي عروبة: حدثني ثابت بن زيد بن ثابت بن زيد بن أرقم قال: حدثتني عمتي أنيسه بنت زيد بن أرقم عن أبيها زيد بن أرقم مرفوعاً.
    ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي في((شرح المعاني))(2/245) والطبراني في((الكبير))(5125) و العقيلي في((الضعفاء))(ص62) وقال:
    ((وهذا يروى بغير هذا الإسناد بأسانيد صالحة)).
    قلت: ورجاله ثقات غير أنيسة بنت زيد بن أرقم، فلم أعرفها.
    وثابت بن زيد بن ثابت، روى العقيلي عن عبد الله بن أحمد قال:
    ((سألت أبي عنه ؟ فقال: روى عنه ابن أبي عروبة، وحدثنا عنه معتمر، له أحاديث مناكير، قلت: تحدث عنه ؟ قال: نعم، فقلت: أهو ضعيف ؟ قال: أنا أحدث عنه)).
    وقال ابن حبان:
    ((الغالب على حديثه الوهم، لا يحتج به إذا انفرد)).
    وبه أعله الهيثمي في((مجمع الزوائد))(5/143).
    والحديث صحيح؛ لأن له شواهد يتقوى بها، كما أشار إلى ذلك العقيلي في كلامه السابق، وقد خرجتها في ((إرواء الغليل))(277) و (( غاية المرام في تخريج الحلال والحرام))(78).
    وهو من حيث دلالته ليس على عمومه، بل قد دخله التخصيص في بعض أجرائه، فالذهب بالنسبة للنساء حلال، إلا أواني الذهب والفضة، فهن يشتركن مع الرجال في التحريم اتفاقاً، وكذلك الذهب المحلق على الراجح عندنا، عملاً بالأدلة الخاصة المحرمة، ودعوى أنها منسوخة مما لا ينهض عليه دليل، كما هو مبين في كتابي((آداب الزفاف في السنة المطهرة))، ومن نقل عني خلاف هذا فقد افترى.
    وكذلك الذهب و الحرير محرم على الرجال، إلا لحاجة؛ لحديث عرفجة بن سعد الذي اتخذ أنفاً من ذهب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد الرحمن بن عوف الذي اتخذ قميصاً من حرير، بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك.

    عمرة الحائض

    1984-(طوافُكِ بالبيت، وبين الصفا والمروة يكفيكِ لحجك وعمرَتك).
    أخرجه مسلم(4/34) وأبو داود(1897) عن عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء- وقال مسلم: عن مجاهد-عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: فذكره. لفظ عطاء، ولفظ مجاهد:
    أنها حاضت بـ(سَرِف)، فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ((يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك)).
    ثم أخرج مسلم وأحمد(6/124) من طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عائشة:
    ((أنها أهلت بِعُمرة، فقدمت ولم تَطُفْ بالبيت حتى حاضت، فَنَسكَتْ المناسك كلها، وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر:
    ((يَسَعُكِ طوافُكِ لحجكِ وعمرتك)).
    فأبت، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج)).
    قلت: فالعمرة بعد الحج إنما هي للحائض التي تتمكن من الإتيان بعمرة الحج بين يدي الحج، لأنها حاضت، كما علمت من قصة عائشة هذه، فمثلها من النساء إذا أهلت بعمرة الحج كما فعلت هي رضي الله عنها، ثم حال بينها وبين إتمامها الحيض، فهذه يشرع لها العمرة بعد الحج، فما يفعله اليوم جماهير الحجاج من تهافتهم على العمرة بعد الحج، مما لا نراه مشروعاً، لأن أحداً من الصحابة الذين حجوا معه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها. بل إنني أرى أن هذا من تشبه الرجال بالنساء، بل بالحيض منهن ! ولذلك جريت على تسمية هذه العمرة بـ(عمرة الحائض) بياناً للحقيقة.

    كتاب التاريخ والسيرة وفضائل الصحابة

    هذا هو شأن كثير من قصاص زماننا

    1681-(إن بني إسرائيل لما هلكوا قَصُوا)]
    أخرجه الطبراني في((المعجم الكبير))(رقم-3705) وأبو نعيم في((الحلية))(4/362) عن أبي أحمد الزبير: نا سفيان عن الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي الهذيل عن خباب عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو نعيم:
    ((غريب من حديث الأجلح والثوري، تفرد به أبو أحمد)).
    قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير الأجلح وهو ابن عبد الله بن حجية، وهو صدوق كما قال الذهبي في((الضعفاء)) والحافظ في((التقريب))، ولا عيب فيه سوى أنه شيعي، ولكن ذلك لا يضر في الرواية لأن العمدة فيها إنما هو الصدق كما حرره الحافظ في((شرح النخبة)).
    وقال الهيثمي في((المجمع))(1/189):
    ((رواه الطبراني في((الكبير))ورجاله موثقون، واختلف في الأجلح الكندي، والأكثر على توثيقه)).
    والحديث أورده عبد الحق الإشبيلي في((الأحكام))(ق8/1)وقال:
    ((رواه البزار من حديث شريك-هو عبد الله-عن أبي سنان عن أبي-لعله عن ابن أبي-هذيل عن خباب مرفوعاً. وقال: هذا إسناد حسن. كذا قال، وليس مما يحتج به)).
    قلت: وذلك لضعف شريك بن عبد الله القاضي، ولكن الطريق الأولى تشهد له وتقويه. ولم يورده الهيثمي في((كشف الأستار عن زوائد البزار))فلعله في غير((المسند))له.
    (قصوا)قال في((النهاية)):
    وفي رواية: ((لما هلكوا قصوا))أي اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس، لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص)).
    وأقول: ومن الممكن أن يقال: إن سبب هلاكهم اهتمام وعاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه والعلم النافع الذي يعرف بدينهم فيحملهم ذلك على العمل الصالح، لما فعلوا ذلك هلكوا. وهذا هو شأن كثير من قصاص زماننا الذين جل كلامهم في وعظهم حول الإسرائيليات والرقائق والصوفيات. نسأل الله العافية.

    حديث العترة وبعض طرقه

    1761-(يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي).
    أخرجه الترمذي(2/308) والطبراني(2680)عن زيد بن الحسن الأنماطي عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال:
    ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطبن فسمعته يقول: ))فذكره، وقال:
    ((حديث حسن غريب من هذا الوجه، وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم )).
    قلت: قال أبو حاتم: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في((الثقات)). وقال الحافظ:((ضعيف))
    قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهداً من حديث زيد بن أرقم قال:
    ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى(خُما))بين مكة والمدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال:
    أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور(من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ظل))، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به-فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:-وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)).
    أخرجه مسلم(7/122-123)والطحاوي في((مشكل الآثار))(4/368)وأحمد(4/366-367)وابن أبي عاصم في((السنة))(1550و1551)والطبراني(5026)من طريق يزيد بن حيان التميمي عنه.
    ثم أخرج أحمد(4/371)والطبراني(5040)والطحاوي من طريق علي بن ربيعة قال:
    ((لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني تارك فيكم الثقلين(كتاب الله وعترتي)؟ قال: نعم)).
    وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح.
    وله طرق أخرى عند الطبراني(4969-4971و4980-4982و5040)وبعضها عند الحاكم(3/109و148و533). وصحح هو والذهبي بعضها.
    وشاهد آخر من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً:
    (( (إني أوشك أن أدعى فأجيب، و) إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)).
    أخرجه أحمد(3/14و17و26و59) وابن أبي عاصم(1553و1555) والطبراني(2678-2679)والديلمي(2/1/45).
    وهو إسناد حسن في الشواهد.
    وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني(ص529)والحاكم(1/93)والخطيب في((الفقيه والمتفقه))(56/1).
    وابن عباس عند الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
    وعمرو بن عوف عند ابن عبد البر في((جامع بيان العلم))(2/24و110)، وهي وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف؛ فبعضها يقوي بعضاً، وخيرها حديث ابن عباس.
    ثم وجدت له شاهداً قوياً من حديث علي مرفوعاً به.
    أخرجه الطحاوي في((مشكل الآثار))(2/307)من طريق أبي عامر العقدي: ثنا يزيد بن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي مرفوعاً بلفظ:
    ((....كتاب الله بأيديكم، وأهل بيتي)).
    ورجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه، وغالب الظن أنه محرف على الطابع أو الناسخ. والله أعلم.
    ثم خطر في البال أنه لعله انقلب على أحدهم، وأن الصواب كثير بن زيد، ثم تأكدت من ذلك بعد أن رجعت إلى كتب الرجال، فوجدتهم ذكروه في شيوخ عامر العقدي، وفي الرواة عن محمد بن عمر بن علي، فالحمد لله على توفيقه.
    ثم ازددت تأكداً حين رأيته على الصواب عند ابن أبي عاصم(1558).
    وشاهد آخر يرويه شريك عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت مرفوعاً به.
    أخرجه أحمد(5/181-189)وابن أبي عاصم(1598-1549)والطبراني في((الكبير))(4921-4923).
    وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، وقال الهيثمي في((المجمع))(1/170):
    الطبراني في((الكبير))ورجاله ثقات))!
    وقال في موضع آخر(9/163):
    ((رواه أحمد، وإسناد جيد))!
    بعد تخريج هذا الحديث بزمن بعيد، كتب علي أن أهاجر من دمشق إلى عمان، ثم أن أسافر منها إلى الإمارات العربية؛ أوائل سنة (1402) هجرية، فلقيت في(قطر) بعض الأساتذة والدكاترة الطيبين، فأهدى علي أحدهم رسالة له مطبوعة في تضعيف هذا الحديث، فلما قرأتها تبين لي أنه حديث عهد بهذه الصناعة، وذلك من ناحيتين ذكرتهما له:
    الأولى: أنه أقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة، ولذلك قصر تقصيراً فاحشاً في تحقيق الكلام عليه، وفاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة فضلاً عن الشواهد والمتابعات، كما يبدو لكل ناظر يقابل تخريجه بما خرجته هنا.
    الثانية: أنه لم يلتفت على أقوال المصححين للحديث من العلماء، ولا إلى قاعدتهم التي ذكروها في((مصطلح الحديث)): أن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق، فوقع في هذا الخطاء الفادح من التضعيف الحديث الصحيح.
    وكان قد نمى إلي قبل الالتقاء به واطلاعي على رسالته أن أحد الدكاترة في(الكويت)يضعف هذا الحديث، وتأكدت من ذلك حين جاءني خطاب من أحد الإخوة هناك، يستدرك علي إيرادي الحديث في((صحيح الجامع الصغير))بالأرقام(2453و2454و2745و7754)لأن الدكتور المشار إليه قد ضعفه، وأن هذا استغراب مني تصحيحه ! ويرجو الأخ المشار إليه أن أعيد النظر في تحقيق هذا الحديثين وقد فعلت ذلك احتياطاً، فلعله يجد فيه ما يدله على خطأ الدكتور، وخطئه هو في استرواحه واعتماده عليه، وعدم تنبهه للفرق بين ناشيء في هذا العلم، ومتمكن فيه، وهي غفلة أصابت كثيراً من الناس الذين يتبعون كل من كتب في هذا المجال، وليست له قدم راسخة فيه. والله المستعان.
    واعلم أيها القارئ الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، ويلهجون بذلك كثيراً، حنى يتوهم بعض أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعاً واهمون في ذلك، وبيانه من وجهين:
    الأولى: أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: ((عِترتي)) أكثر مما يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة، بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة فيه هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك موضحاً في بعض طرقه كحديث الترجمة: ((وعِترتي أهل بيتي)) وأهل بيته في الأصل هم نساؤه صلى الله عليه وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعاً، كما هو صريح قوله تعالى في(الأحزاب): (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهركم تطهيرا) بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: (يا نساءَ النبي لَستُن كأحدٍ من النساءِ إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا)، وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصاراً لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الأية، ودخول علي وأهله فيها، كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره، وكذلك حديث((العترة)) قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله. ولذلك قال التوربشتي-كما في((المرقاة))(5/600):
    ((عترة الرجل: أهل بيته ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم((العترة))على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أهل بيتي)) ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه)).
    الوجه الآخر: أن المقصود من ((أهل البيت)) إنما هم العلماء الصالحون منهم، والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: (( (العترة) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم؛ الذين هم على دينه، وكذلك التمسك بأمره)).
    وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفاً. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله:
    ((أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح أن يكون مقابلاً لكتاب الله سبحانه كما قال( ويعلمهم الكتاب والحكمة) )).
    قلت: ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة).
    فتبين أن المراد بـ(أهل البيت) المتمسكين بسنته صلى الله عليه وسلم، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد(الثقلين) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن، وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في((النهاية)):
    ((سماهما(ثقلين)؛ لأن الآخذ بهما( يعني الكتاب والسنة) والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس(ثَقَلَ)، فسماهما(ثقلين) لقدرهما وتفخيماً لشأنهما)).
    قلت:والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين...)). قال الشيخ القارئ(1/199):
    ((فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، أما لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها)).
    إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث((الموطأ)) بلفظ:
    ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما؛ كتاب الله وسنة رسوله)). وهو في ((المشكاة))(186).
    وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ. والله المستعان.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 14:00

    فضل أبي عبيدة والحجة بخبر الآحاد

    1964-(هذا أمين هذه الأمة. يعني أبا عبيدة).
    أخرجه مسلم(1297) والحاكم(3/267) وأحمد(3/125) وأبو يعلى(2/831) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس:
    ((أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام. قال: فأخذ بيد أبي عبيدة، فقال ... )) فذكره، والسياق لمسلم، ولفظ الحاكم:
    ((يعلمنا القرآن)). وقال:
    ((صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بذكر القرآن)).
    قلت: وفي الحديث فائدة هامة، وهي أن خبر الآحاد حجة في العقائد، كما هو حجة في الأحاكم، لأننا نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث أبا عبيدة إلى أهل اليمن ليعلمهم الأحكام فقط، بل والعقائد أيضا ً، فلو كان خبر الآحاد لا يفيد العلم الشرعي في العقيدة، ولا تقوم به الحجة فيها، لكان إرسال أبي عبيدة وحده إليهم ليعلمهم، أشبه شيء بالبعث. وهذا مما يتنزه الشارع عنه.فثبت يقيناً إفادته العلم. وهو المقصود، ولي في هذه المسألة الهامة رسالتان معروفتان مطبوعتان مراراً، فليراجعهما من أراد التفصيل فيها.

    كتاب المستقبل و أشراط الساعة

    ظلالات القاديانية

    1683-(إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالاً كذاباً).
    أخرجه أحمد(2/117-118)عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عمر أنه كان عنده رجل من أهل الكوفة، فجعل يحدثه عن المختار فقال ابن عمر:
    ((إن كان كما تقول فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم...))فذكره.
    قلت: وهذا إسناد ضعيف، يوسف بن مهران هذا لين الحديث لم يروِ عنه غير علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف.
    لكن له طريق أخرى عند أحمد أيضاً(2/104)من طريق عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال:
    ((سأل رجل ابن عمر-وأنا عنده-عن متعة النساء، فغضب وقال: والله ما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زنائين ولا مسافحين، ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    ((ليكونن قبل المسيح الدجال كذابون ثلاثون، أو أكثر)).
    ورجاله ثقات غير عبد الرحمن هذا فقال ابن أبي حاتم(2/2/293)عن أبي زرعة:
    ((لا أعرفه إلا في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليكونن ....))فذكره.
    ولهذا قال الحسيني: ((فيه جهالة)). وأقره الحافظ في((التعجيل)).
    وجاء في((اللسان)):
    ((عبد الرحمن بن نعيم بن قرش. كان في عصر الدارقطني. وقال في((المؤتلف والمختلف)): إن له أحاديث غرائب انتهى. وقال: قال: سألت أبا زرعة عنه فقال: كوفي لا أعرفه إلا في حديث واحد عن ابن عمر. روى عنه طلحة بن مصرف)).
    قلت: وهذا خلط فاحش بين ترجمتين؛ فإن قول أبي زرعة هذا إنما هو في عبد الرحمن الأعراجي صاحب هذا الحديث، وتابعي كما ترى، فأين هو ممن كان في عصر الدارقطني. ويغلب على الظن أن في النسخة سقطاً بين قوله: انتهى.وقوله: ((وقال))، ثم لينظر من الفاعل في((وقال: قال)) ؟
    لكن الحديث بمجموع الطريقين حسن، وهو صحيح بشواهد الكثيرة من حديث أبي هريرة، وجابر بن سمرة، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    1- أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق وألفاظ أقربها إلى حديث الترجمة رواية خِلاس عنه مرفوعاً بلفظ:
    ((بَيْنَ يَدَي الساعةِ قريبٌ من ثلاثين دجالين كذابين، كلُهم يقول: أنا نبي، أنا نبي!)).
    أخرجه أحمد(2/429)بسند صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري(2/406و4/380)ومسلم(8/189) والترمذي(2/34)وأحمد أيضاً(2/236-237و313و530)من طرق أخرى عنه بلفظ:
    ((لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله)). وقال الترمذي:
    ((حديث حسن صحيح)).
    2-وأما حديث جابر بن سمرة، فيرويه سماك عنه مرفوعاً بلفظ:
    ((أن بين يدي الساعة كذابين(فاحذروهم) )).
    أخرجه مسلم وأحمد(5/86-90و92و94-96و100و101و106و107).
    3-وأما حديث ثوبان، فيرويه أبو أسماء الرحبي عنه مرفوعاً في حديث((إن الله زوى لي الأرض....))وفيه:
    ((...وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي)).
    أخرجه أبو داود(4252)وابن ماجه(3952) وأحمد(5/278)بسند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في((صحيحه))(8/171)بدون هذه الزيادة وغيرها مما في طريق الأولين، وكذلك أخرجه الترمذي(2/27)وقال:
    ((حسن صحيح)).
    واعلم أن من هؤلاء الدجالين الذين ادعوا النبوة ميراز غلام أحمد القادياني الهندي، الذي ادعى في عهد استعمار البريطانيين للهند أنه المهدي المنتظر، ثم أنه عيسى عليه السلام، ثم ادعى أخيراًً النبوة، واتبعه كثير ممن لا علم عنده بالكتاب والسنة، وقد التقيت مع بعض مبشريهم من الهنود والسوريين، وجرت بيني وبينهم مناظرات كثيرة كانت إحداها تحريرية، دعوتهم فيها إلى مناظرتهم في اعتقادهم أنه يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنبياء كثيرون ! منهم ميراز أحمد القادياني. فبدأوا بالمراوغة في أول جوابهم، يريدون بذلك صرف النظر عن المناظرة في اعتقادهم المذكور، فأبيت وأصررت على ذلك، فانهزموا شر هزيمة، وعلم الذين حضروها أنهم قوم مبطلون.
    ولهم عقائد أخرى كثيرة باطلة، خالفوا فيها إجماع الأمة يقيناً، منها نفيهم البعث الجسماني، وأن النعيم والجحيم للروح دون الجسد، وأن العذاب بالنسبة للكفار منقطع. وينكرون وجود الجن، ويزعمون أن الجن المذكورين في القرآن هم طائفة من البشر ! ويتأولون نصوص القرآن المعارضة لعقائدهم تأويلاً منكراً على نمط تأويل الباطنية والقرامطة، ولذلك كان الإنكليز يؤيدونه ويساعدونه على المسلمين، وكان هو يقول: حرام على المسلمين أن يحاربوا الإنكليز ! إلى غير ذلك من إفكه وأضاليله. وقد ألفت كتب كثيرة في الرد عليه، وبيان خروجه عن جماعة المسلمين، فليراجعها من شاء الوقوف حقيقة أمرهم.

    الرؤيا الصالحة جزء من النبوة

    1869-(الرؤيا الصالحة جزء من خمسةٍ وعشرين جزءاً من النبوة).
    أخرجه الخطيب في((التاريخ))(5/189) من طريقين عن حمزة بن محمد بن العباس: حدثنا أحمد بن الوليد: حدثنا أبو أحمد الزبيري: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أحمد بن الوليد وهو ابن أبي الوليد أبو بكر الفحام وحمزة بن محمد بن العباس وكلاهما ثقة، كما صرح بذلك الخطيب في ترجمتهما(5/188و8/183).
    والحديث عزاه السيوطي لابن النجار فقط !
    واعلم أنه لا منافاة بين قوله في هذا الحديث: إن الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين، وفي الحديث التالي: ((جزء من ستة وأربعين))، وفي حديث ابن عمر: ((جزء من سبعين)) رواه مسلم(7/54) وغيره، فإن هذا الاختلاف راجح إلى الرائي فكلما كان صالحاً كانت النسبة أعلى، وقيل غير ذلك، فراجع((شرح مسلم)) للإمام النووي.


    كتاب المعاملات والآداب والحقوق العامة

    حكم(الباروكة)

    1008-(أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زوراً).
    أخرجه أحمد من حديث معاوية بإسناد السابق عنه. وله شواهد كثيرة في((الصحيحين)) وغيرهما.
    وإذا كان هذا حكم المرأة التي تدخل في شعرها من شعر غيرها، فما حكم المرأة التي تضع على رأسها قلنسوة من شعر مستعار، وهي التي تعرف اليوم بـ(الباروكة) ، وبالتالي ما حكم من يفتي بإباحة ذلك لها مطلقاً أو مقيداً تقليداً لبعض المذاهب، وغير مبال بمخالفة الأحاديث الصحيحة، وقد هـداه الله إلي القول بوجوب الأخذ بها، ولو كانت مخالفة لمذهبه بله المذاهب الأخرى. أسأل الله تعالى أن يزيدنا هـدى على هـد، ويرزقنا العلم والتقوى.


    السنة السنة أيها المسلمون

    1404-(إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده فليمط ما رابه منها وليطعمها، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل، حتى يلعق يده، فإن الرجل لا يدري في أي طعامه يبارك له، فإن الشيطان يرصد الناس _ أو الإنسان _ على كل شيء، حتى عند مطعمه أو طعامه، ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها، فإن في آخر الطعام البركة).
    أخرجه ابن حبان(1343) والبيهقي في((شعب الإيمان)(2/187/2) من طريقين عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر- وقال البيهقي: أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث-أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
    وتابعه ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير عن جابر به.
    أخرجه أحمد(3/393).
    والحديث في((صحيح مسلم))(6/114) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر به دون قوله: ((فإن الشيطان يرصد...)) و لهذا تعمدت إخراجه من طريق ابن حبان والبيهقي، ولما في رواية الثاني منهما من تصريح أبي الزبير بالتحديث، فتصل السند وزالت شبهة العنعنة الواردة في رواية((مسلم)).
    على أن هذا قد شد من عضدها بأن ساق الحديث من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به نحوه.
    (يرصد) أي يرقب. جاء في ((المصباح)):
    ((الرصد: طريق، والجمع(أرصاد) مثل: سبب وأسباب. ورصدته رصداً، من باب قتل: قعدت له الطريق، والفاعل: راصد ، وربما جمع على(رصد) مثل خادم وخدم. و(الرصيدي) نسبته إلي الرصد، وهو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئاً من أموالهم ظلماً وعدواناً)).
    قلت: ومن المؤسف حقاً أن ترى كثيراً من المسلمين اليوم وبخاصة أولئك الذين تأثروا بالعادات الغربية والتقاليد الأوروبية- قد تمكن الشيطان من سلبه قسماً من أموالهم ليس عدواناً بل بمحض اختيارهم، وما ذاك إلا لجهلهم بالسنة، أو إهمالاً منهم إياها، ألست تراهم يتفرقون في طعامهم على موائدهم، وكل واحد منهم يأكل لوحده- دون ضرورة- في صحن خاص، لا يشاركه فيه على الأقل جاره بالجنب، خلافاً للحديث السابق(664).
    وكذلك إذا سقطت اللقمة من أحدهم، فإنه يترفع عن أن يتناولها ويميط الأذى عنها ويأكلها، وقد يوجد فيهم من المتعالمين والمتفلسفين من لا يجيز ذلك يزعم أنها تلوثت بالجراثيم والميكروبات ضربا منه في صدر الحديث إذ يقول صلى الله عليه وسلم:
    ((فليمط ما رابه منها، وليطعمها، ولا يدعها للشيطان)).
    ثم إنهم لا يلعقون أصابعهم، بل إن الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق وإخلالاً بآداب الطعام، ولذلك اتخذوا في موائدهم مناديل من ورق الخفيف الناشف المعروف بـ(كلينكس)، فلا يكاد أحدهم يجد شيئاً من الزهومة في أصابعه، بل وعلى شفتيه إلا بادر إلى مسح ذلك المنديل. خلافاً لنص الحديث.
    وأما لعق الصحفة، أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع، فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان، وينسبون فاعله إلى البخل أو الشراهة في الطعام، ولا عجب في ذلك من الذين لم يسمعوا بهذا الحديث فهم جاهلون، وإنما العجب من الذين يسايرونهم ويداهنونهم، وهم به عالمون.
    ثم تجدهم جميعاً قد أجمعوا على الشكوى من ارتفاع البركة من رواتبهم وأرزاقهم، مهما كان موسعاً فيها عليهم، ولا يدرون أن السبب في ذلك إنما هو إعراضهم عن إتباع سنة نبيهم، وتقليدهم لأعداء دينهم، في أساليب حياتهم ومعاشهم.
    فالسنة السنة أيها المسلمون (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)).

    وجوب رفع الإزار على ما فوق الكعبين

    1568-(إن كنت عبد الله فارفع إزارك).
    أخرجه أحمد(2/141): ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي: ثنا أيوب عن زيد ابن أسلم عن ابن عمر قال:
    ((دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي إزار يَتَقَعْقَعُ، فقال: من هذا ؟ قلت: عبد الله ابن عمر، قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك، فرفعت إزاري إلى نصف الساقين، فلم تزل إزرته حتى مات)).
    ثم أخرجه(2/147): ثنا عبد الرازق :أنا معمر عن زيد بن أسلم به.
    قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
    وقال الهيثمي(5/123):
    ((رواه أحمد والطبراني في((الأوسط)) بإسنادين، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح)).
    كذا قال، وحقه أن يقول: ورجال إسناديه رجال الصحيح ، فإن الطفاوي في الإسناد الأول من رجال البخاري! وسائره وكذا جميع رجال الإسناد الثاني رجال الشيخين.
    قلت: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه يجب على المسلم أن لا يطيل إزاره إلى ما دون الكعبين، بل يرفعه إلى ما فوقهما، ولو كان لا يقصد الخيلاء، ففيه رد واضح على بعض المشايخ الذين يطيلون ذيول جُبَبهم حتى تكاد أن تمس الأرض، ويزعمون أنهم لا يفعلون ذلك خُيلاء! فَهَلا تركوه اتباعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر، أم هم أصفى قلباً من ابن عمر ؟!

    أدب توديع الجيش

    1605-(كان إذا ودع الجيش قال: أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم).
    أخرجه المحاملي في((الدعاء))(ق30/2): حدثنا العباس بن محمد: حدثنا يحيى بن إسحاق: نا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي مرفوعاً به.
    قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال مسلم غير العباس بن محمد وأبي جعفر الخطمي-واسمه عمير بن يزيد- وهما ثقتان مترجمان في((التهذيب)).
    وعبد الله بن يزيد الخطمي صحابي صغير، له في((مسند أحمد))(4/307) حديثان.
    وقد تقدم هذا الحديث برقم(15) من مصدرين آخرين أبي داود وابن السني، فقدر أن أعيده هنا بهذا المصدر الجديد لعزته وندرته، كما تقدم له هناك بعض الشواهد(14و16).
    هذا، وإن مما يؤسف له حقاً أن ترى هذا الأدب النبوي الكريم، قد صار مما لا أثر له ولا عين عند قواد جيوش زماننا، فإنهم يودعون الجيوش على أنغام الآلات الموسيقية، التي يرى بعض الدعاة الإسلاميين اليوم أنه لا شيء فيها، تقليداً منهم لظاهرية ابن حزم التي قد يسخرون منها عندما تخالف آراءهم- ولا أقول: أهواءهم، ولا يتبعون أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم الموافقة للأحاديث الصحيحة الصريحة في تحريم المعازف، تيسيراً على الناس بزعمهم! فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام، وقلة من يعمل بأحكامه في هذا الزمان، ويشكك فيها بالخلاف الواقع في الكثير منها، ليأخذ منها ما يشتهي، دون أن يحكم فيه قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)، فكأن هذه الأية منسوخة عندهم. والله المستعان.

    النهي عن لباس الكفار

    1704-(إن هذه من ثيابِ الكفارِ فلا تلبسها).
    رواه مسلم(6/144)وأحمد(2/162و207و211)وابن سعد(4/265)من طرق عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث أن ابن معدان أخبره أن جبير بن نفير أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبيه معصفرين فقال: فذكره.
    ومن أسانيد أحمد: ثنا يحيى عن هشام الدستوائي به.
    ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم(4/190)إلا أنه لم يذكر جبير بن نفير في إسناده، وقال:
    ((صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه))! ووافقه الذهبي، وقد وهما في استدراكه على مسلم.
    وتابعه عند-أعني مسلماً-على بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير به.
    وأخرجه من طريق طاووس عن ابن عمرو قال:
    ((رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: أأمك أمرتك بهذا؟! قلت: أغسلهما؟ قال: بل أحرقهما)).
    وأخرجه الحاكم أيضاً من طريق أخرى عن ابن عمرو ونحوه، وزاد في آخره: ((ففعلت)). وقال:
    ((صحيح الإسناد)).
    قلت: وإنما هو حسن فقط.
    وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يلبس لباس الكفار وأن يتزيا بزيهم، والأحاديث في ذلك كثيرة، كنت قد جمعت منها قسماً طيباً مما ورد في مختلف ابواب الشريعة، وأودعتها في كتابي((حجاب المرأة المسلمة))، فراجعها فإنها مهمة، خاصة وأنه قد شاع في كثير من البلاد الإسلامية التشبه بالكفار في البستهم وعاداتهم، حتى فرض شيء من ذلك على الجنود في كل أوجل البلاد الإسلامية، فألبسوهم القبعة، حتى لم يعد أكثر الناس يشعر بأن في ذلك أدنى مخالفة للشريعة الإسلامية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    من أدب الإسقاء البدء بالأيمن

    1771-(الأيمنُ فالأيمن. وفي طريق: الأيمنون، الأيمنون، ألا فيمنوا).
    ورد من حديث أنس، وسهل بن سعد.
    1-أما حديث أنس، فيرويه البخاري(2/75و130و4/35) ومسلم(6/112-113)وأبوعوانة في ((صحيحه)) (8/148-149) وكذا مالك (2/926/17)وعنه أبوداود(3726)وكذا الترمذي(1/345)وصححه الدارمي(2/118)وابن ماجه(3425) والطيالسي(2094)وأحمد(3/110و113و197و231و239)وابن سعد(7/20)والدولابي(2/19)من طرق عنه:
    ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن شماله أبو بكر، فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: )) فذكره، واللفظ للبخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عنه.
    وفي رواية للشيخين وأحمد من طريق أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن قال: سمعت أنساً يقول:
    ((أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه فاستسقى، فحلبنا شاة لنا، ثم شبته من ماء بئرنا هذه، فأعطيته، وأبو بكر عن يساره، وعمر تجاهه، وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ قال عمر: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابي فضله، ثم قال: )) فذكره باللفظ الآخر، والسياق للبخاري: قال أنس: فهي سنة، فهي سنة، فهي سنة.
    2-وأما حديث سهل بن سعد الساعدي نحوه دون قوله: ((الأيمن...)).
    أخرجه مالك(رقم18) والبخاري(2/75و100و138و4/36) ومسلم(6/113) وأحمد(5/233و338) والطبراني (5780و 5890و5948و5989و6007) من طريق أبي حازم عنه وفي رواية للبخاري(4/39) والطبراني(5792) من هذا الوجه عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:
    ((اسقنا يا سهل ! )).
    وفي الحديث أن بدء الساقي بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لأنه صلى الله عليه وسلم كان طلب السقيا، فلا يصح الاستدلال به على أن السنة البدء بكبير القوم مطلقاً كما هو الشائع اليوم، كيف وهو صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، بل أعطى الأعرابي الذي كان عن يمينه دون أبي بكر الذي كان عن يساره، ثم بين ذلك بقوله: ((الأيمن فالأيمن)).
    ولعلي شرحت هذا في مكان آخر من هذا الكتاب أو غيره.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 14:01

    من عادات الجاهلية

    1799-(ثلاث لن تزال في أمتي: التفاخر في الأحساب، والنياحة، والأنواء).
    أخرجه أبو يعلى(3/975) والضياء(156/2) عن زكريا بن يحيى بن عمارة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره).
    قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات رجال البخاري، وفي زكريا كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إن شاء الله، وقال الحافظ:
    ((صدوق يخطئ)).
    وللحديث شاهد من حديث أبي مالك الأشعري وأبي هريرة، وقد مضى تخريجهما(733و734) بلفظ: ((أربع في أمتي....)).
    وقد جاء عن أبي هريرة بلفظ: ((ثلاث....))، وهو الآتي بعد حديث.
    (الأنواء)ك جمع نوء، وهو النجم إذا سقط في المغرب مع الفجر، ومع طلوع آخر يقابله في المشرق. والمراد الاستسقاء بها كما يأتي في الحديث المشار إليه، أي طلب السقيا. قال في((النهاية)):
    ((إنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء. لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى، وأراد بقوله: ((مطرنا بنوء كذا)): في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز، أي أن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات)).

    تحريم كل مسكر

    1814-( حرم الله الخمر، وكل مسكر حرام).
    رواه النسائي(2/333)والطبراني في((المعجم الكبير))(13225) وابن عساكر(17/56/2) عن شبيب بن عبد الملك قال: حدثني مقاتل بن حيان عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
    قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، غير شبيب بن عبد الملك وهو ثقة. وقد توبع من جمع عن نافع به نحوه عند مسلم(6/100) وغيره، وهو مخرج في((الإرواء))(2431) وغيره.
    والحديث من الأدلة الكثيرة لقاطعة على تحريم كل مسكر، سواء كان متخذاً من العنب أو التمر أو الذرة أو غيرها، وسواء في ذلك قليله أو كثيره، وأن التفريق بين خمر وخمر، والقليل منه والكثير باطل، خلافاً لما ذهب إليه بعض غليه بعض من تقدم. واغتر به بعض المعاصرين في مجلة ((العربي)) الكويتية منذ سنين ثم رد عليه بعض مشايخ الشام، فما أحسن الرد، منعه منه تعصبه للمذهب، عفا الله عنا وعنه بمنه وكرمه. والعصمة لله وحده.

    كتاب من فضائل القرآن والأدعية والأذكار والرقى

    تحريف الصوفية الراقصة

    1317-( سبق المفردون . قالوا: يا رسول الله ومن (المفردون) قال: الذين يهترون في ذكر الله عز وجل)
    أخرجه أحمد(2/323) والحاكم(1/495 – 496) ومن طريقه البيهقي في(شعب الإيمان)(1/314 – هندية) عن أبي عامر العقدي: ثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
    وقال الحاكم: ((صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)). ووافقه الذهبي.
    وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن ابن يعقوب هذا إنما أخرج له البخاري في((جزء القراءة) ولم يحتج به في((صحيحه)) وهو ثقة. وسائر رواته رجال الشيخين.
    وأبو عامر العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي البصري.
    وعلي بن المبارك، قد تكلم فيه بعضهم فيما رواه خاصة عن يحيى بن أبي كثير، وذلك لأنه كان له عنه كتابان، أحدهما سماع منه، والآخر مرسل عنه. ولكن المحققين من الحفاظ قد وضعوا قاعدة في تمييز أحد الكتابين عن الآخر، فقال أبوداود لعباس العنبري:
    ((كيف يعرف كتاب الإرسال ؟ قال: الذي عند وكيع عنه عن عكرمة من كتاب الإرسال، وكان الناس يكتبون كتاب السماع)).
    وقال ابن عمار عن يحيى بن سعيد:
    ((أما ما روينا نحن عنه فمما سمع، وأما ما روى الكوفيون عنه فمن الكتاب الذي لم يسمعه)).
    وهذا هو الذي اعتمده الحافظ، فقال في((التقريب)):
    ((كان له عن يحيى بن أبي كثير كتابان، أحدهما سماع، والآخر إرسال، فحديث الكوفيين عنه فيه شيء)).
    على أن ابن عدي قد أطلق الثقة في روايته عن يحيى فقال في((الكامل))(ق192/1)بعد أن ساق له بعض الأحاديث:
    ((ولعلي بن المبارك غير هذا، وهو ثبت عن يحيى بن أبي كثير، ومقدم في يحيى، وهو عندي لا بأس به)).
    إذا عرفت هذا، فقد خالفه عمر بن راشد إسناداً ومتناً، فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به إلا أنه قال:
    ((المستهتر في ذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم، فيأتون يوم القيامة خفافاً)).
    أخرجه البيهقي والترمذي(2/279) وقال:
    ((حديث حسن غريب)).
    وأقول: بل هو منكر ضعيف، فان عمر بن راشد وهو أبو حفص اليمامي مع أنه ضعيف اتفاقاً، فقد خالف علي بن المبارك سنداً ومتناً كما ذكرنا.
    أما السند، فذكر أبا سلمة مكان عبد الرحمن بن يعقوب.
    وأما المتن، فانه أسقط منه تفسير( المفردون) وزاد قوله:
    ((يضع الذكر...)).
    فلا جرم أن قال أحمد وغيره:
    ((حدث عن يحيى وغيره بأحاديث مناكير)).
    ولذلك قال البيهقي عقبه:
    ((والإسناد الأول أصح)).
    وللحديث طريق أخرى، ويرويه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال:
    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: (جمدان)، فقال:
    ((سيروا هذا حمدان، سبق المفردون)). قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيراً والذكرات)).
    رواه مسلم(8/63) والبيهقي(1/313 – 314).
    غريب الحديث:
    1-(المفردون): أي المنفردون. قال ابن الأثير:
    ((يقال: فرد برأيه، وأفرد، وفرد، استفرد، بمعنى انفرد به)).
    قال النووي رحمه الله:
    ((وقد فسرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ(الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)، وتقديره: و الذاكراته، فحذفت الهاء كما حذفت في القرآن لمناسبة رؤوس الآي؛ ولأنه مفعول يجوز حذفه. وهذا التفسير هو مراد الحديث)).
    2- (يهترون): أي يولعون. قال ابن الأثير:
    ((يقال: (اهتر فلان بكذا واستهتر فهو مهتر به ومستهتر) أي مولع به لا يتحدث بغيره، ولا يفعل غيره)).
    (تنبيه): كان من دواعي تخريج هذا الحديث أنه وقعت هذه اللفظة في(الشعب) هكذا(يهتـزون) بالزاي، بحيث تقرأ(يهتـزون)، فبادرت إلى تخريجه وضبط هذه اللفظة منه، خشية أن يبادر بعض الصوفية الراقصة، إلى الإستدلال به على جواز ما يفعلونه في ذكرهم من الرقص والاهتزاز يميناً ويساراً، جاهلين أو متجاهلين أنه لفظ محرف. وقد يساعدهم على ذلك ما جاء في((شرح مسلم)) للنووي: ((وجاء في رواية: ((هم الذين اهتزوا في ذكر الله )). أي لهجوا به)) وكذلك.. جاء في حاشية((مسلم- استانبول)) نقلاً عن النووي :
    على أنه لو صح لكان معناه: يفرحون ويرتاحون بذكر لله تبارك وتعالى كما يؤخذ من مادة(هزز) من ((النهاية)) فهو حينئذ على قوله صلى الله عليه وسلم: ((أرحنا بها يا بلال ))أي بالصلاة. وهو قريب من النعنى الذي قاله النووي. والله أعلم.
    وبهذه المناسبة لا بد من التذكير نصحاً للأمة، بأن ما يذكره بعض المتصوفة، عن علي رضي الله عنه أنه قال وهو يصف صحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
    ((كانوا إذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح)).
    فاعلم أن هذا لا يصح عنه رضي الله عنه، فقد أخرجه أبو نعيم في ((الحلية))(1/76) من طريق محمد بن يزيد أبي هشام: ثنا المحاربي عن مالك بن مغول عن رجل من(جعفي) عن السدي عن أبي أراكة عن علي.
    قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم.
    1- أبو أراكة، لم أعرفه، ولا وجدت أحداً ذكره، وإنما ذكر الدولابي في((الكنى)) (أبو أراك) وهو من هذه الطبقة، وساق له أثراً عن عبد الله بن عمرو، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً كعادته.
    2- الرجل الجعفي لم يسم كما ترى فهو مجهول.
    3- محمد بن يزيد قال البخاري: ((رأيتهم مجمعين على ضعفه)).

    الحض على الإكثار من الاستغفار

    1963-( لولا أنكم تُذنبون لَخَلَقَ الله خلقاً يُذنبون فيغفر لهم).
    أخرجه مسلم(8/94) والترمذي(2/270) وأحمد(5/414) من طريق محمد بن قيس- قاص بن عبد العزيز- عن أبي صرمة عن أبي أيوب أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي:
    ((حديث حسن غريب)).
    قلت: وإنما لم يصححه الترمذي- والله أعلم- مع ثقة رجاله لأن فيه انقطاعاً بين أبي صرمة وهو صحابي اسمه مالك بن قيس- وبين محمد بن قيس ولم يسمع منه. قال الحافظ في ترجمته من ((القريب)):
    ((ثقة من السادسة، وحديثه عن الصحابة مرسل)).
    لكن قد تابعه عند مسلم محمد بن كعب القرظي، وقد روي عن جمع من الصحابة وقد سبق بلفظ:
    ((لو أنكم لم تكن لكم ذنوب))(رقم968). وذكرنا له هناك بعض الشواهد(969-970)، وأشرت إلى هذا الحديث.
    وتقدم له شاهدان من حديث أبي هريرة(1950). وحديث أنيس بن مالك(1951). وفي كل منهما زيادة هامة بلفظ:
    ((فيستغفرون الله، فيغفر لهم)).
    وذلك لأنه ليس المقصود من هذه الأحاديث- بداهة- الحض على الإكثار من الذنوب والمعاصي، ولا الإخبار فقط بأن الله غفور رحيم، وإنما الحض على الإكثار من الاستغفار، ليغفر الله له ذنوبه، فهذا هو المقصود بالذات من هذه الأحاديث، وإن اختصر ذلك منه بعض الرواة. والله أعلم.


    كتاب الجنة والنار

    خلود الكفار في النار وعدم فنائها بمن فيها

    1551-( أما أهل النار الذين هم أهلها ( وفي رواية: الذين لا يريد الله عز وجل إخراجهم ) فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ( يريد الله عز وجل إخراجهم ) فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل).
    أخرجه مسلم(1/118) وأبوعوانة(1/186) والدارمي(2/331-332) وابن ماجه(2/582-583) وأحمد(3/11و78-79) والطبري في((التفسير))(1/552/797) من طريق سعيد بن أبي سمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به.
    وتابعه أبوسعيد الجريري عن أبي نضرة به. والرواية الثانية مع الزيادة له.
    أخرجه أحمد(3/20) وعبد بن حميد في((منتخب من المسند))(ق95/2).
    وتابعه أيضاً سليمان التيمي عنه.
    أخرجه أبو عوانة وعبد بن حميد.
    وتابعه عثمان بن غياث وعوف عن أبي نضرة به نحوه. وزاد عثمان:
    ((فيحرقون فيكونون فحماً)).
    أخرجه أحمد(3/25و90)بإسناد صحيح.
    وله عنده(3/90)طريق أخرى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
    ((سيخرج ناس من النار قد احترقوا وكانوا مثل الحمم، ثم لا يزال أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتون نبات القثاء في السيل)).
    وخالفه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن أبا سعيد أخبره به.
    وابن لهيعة سيء الحفظ، والأول أصح، وهو على شرط مسلم.
    (ضبائر): جمع(ضبارة): جماعة الناس.
    وفي الحديث دليل صريح على خلود الكفار في النار، وعدم فنائها بمن فيها، خلافاً لقول بعضهم،لأنه لو فنيت بمن فيها لماتوا واستراحوا، وهذا خلاف الحديث، ولم ينتبه لهذا ولا غيره من نصوص الكتاب والسنة المؤيدة له؛ من ذهب من أفاضل علمائنا إلى القول بفنائها، وقد رده الإمام الصنعاني رداً علمياً متيناً في كتابه((رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار))، وقد حققته، وخرجت أحاديثه، وقدمت له بمقدمة ضافية نافعة، وهو تحت الطبع، وسيكون في أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى.

    كتاب التوبة والمواعظ والرقانق

    تفسير أحتجاج موسى على أدم

    1702-(إن موسى قال: يارب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم، فقال: أنت أبونا آدم؟ فقال: له آدم نعم، فقال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه، وعلمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا لك، قال: نعم، قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة، فقال: آدم ومن أنت؟ قال أنا موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب، ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال: نعم، قال: فما تلومني في شيء سبق من الله تعالى فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى).
    أخرجه أبو داود(4702) وعنه البيهقي في((الأسماء والصفات))(ص193)وابن خزيمة في((التوحيد))(ص94)من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره.
    قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هشام بن سعد وهو صدوق له أوهام، وقد حسنه ابن تيمية في أول رسالته في((القدر)).
    والحديث في((الصحيحين)) وغيرهما من حديث أبي هريرة مختصراً.
    قوله: (فحج آدم موسى)أي غلبه بالحجة.
    واعلم أن العلماء قد اختلفوا في توجيه ذلك، وأحسن ما وفقت عليه ما أفادة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ إنما هو موسى لامه على ما فعل لأجل ما حصل لذريته من المصيبة بسبب أكله من الشجرة، لا لأجل حق الله في الذنب، فإن آدم كان قد تاب من الذنب، وموسى عليه السلام يعلم أن بعد التوبة والمغفرة لا يبقى ملام على الذنب، ولهذا قال: ((فما حملك على أن أخْرجتنا ونفسك من الجنة؟))، لم يقل: لماذا خالفت الأمر؟ والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس أو بغير أفعالهم بالتسليم للقدر وشهود الربوبية...فراجع كلامه في ذلك فإنه مهم جداً في الرسالة المذكورة، وفي((كتاب القدر)) من ((الفتاوى))المجلد الثامن، وكلام غيره في((مرقاة المفاتيح))(1/123-124).

    تفسير(وكل إنسان ألزمناه طائره).

    1907-(طائر كل إنسان في عنقه).
    أخرجه أحمد(3/342و349و360) من طرقٍ عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال ابن لهيعة: يعني الطيرة.
    قلت: وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة، وعنعنة أبي الزبير.
    لكنه قد توبع، فأخرجه ابن جرير في((التفسير))(15/39) من طريق قتادة عن جابر بن عبد الله به مرفوعاً بلفظ:
    ((لا عدوى، ولا طيرة، (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) )).
    قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، لكن قتادة لم يسمع من جابر، وروايته عنه صحيفة، قال أحمد: ((قريء عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها)).
    ولعل أحد الإسنادين يتقوى بالآخر، والحديث صحيح على كل حال، فإنه مقتبس من قوله تعالى في سورة (الإسراء): (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونُخْرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا).
    قال ابن جرير:
    (( يقول تعالى ذكره: وكل إنسان ألزمناه ما قُضِيِ له أنه عامله، وهو صائر إليه من شقاء أو سعادة يعمله في عنقه لا يفارقه، وإنما قوله: (ألزمناه طائره) مَثَلٌ لِما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها، فأعلمهم جل ثناؤه أن كل إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه، نحسا كان ذلك الذي ألزمه من وشقاء يورده سعيراً، أو كان سعداً يورده جنات عدن )).

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 14:03

    حشر البهائم والاقتصاص لبعضها من بعض

    1967-(يقتص الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذرة من الذرة).
    أخرجه أحمد(2/363): حدثنا عبد الصمد: حدثنا حماد عن واصل عن يحيى بن عقيل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
    قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
    وواصل هو مولى أبي عيينة.
    وحماد هو ابن سلمة البصري.
    وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث البصري.
    والحديث قال الهيثمي في((مجمع الزوائد))(10/352) تبعاً للمنذري في((الترغيب))(4/201):
    ((رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح)).
    قلت: وأصله في((الصحيح)) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ:
    ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)).
    أخرجه مسلم(7/18-19). والترمذي(4/292بشرح التحفة) وأحمد(2/235و301و411) من طرق عنه به. وقال الترمذي:
    ((حديث حسن صحيح)).
    وفي لفظ لأحمد:
    ((حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة؛ تنطحها)).
    وإسناده صحيح أيضاً على شرط مسلم.
    وله طريق أخرى، فقال ابن لهيعة: عن دراج أبي السمح عن أبي حجيرة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
    ((ألا والذي نفسي بيده لَيَخْتَصِمَن كل شيء يوم القيامة، حتى الشاتان فيما انتطحتا)).
    أخرجه أحمد(2/290) بإسناد قال المنذري: ((حسن)).
    قلت: ولعله يعني لغيره، فإن ابن لهيعة سيء الحفظ، وكذلك دراج أبو السمح.
    ورواه الطبراني في((الأوسط)) بنحوه، قال الهيثمي:
    ((وفيه جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف)).
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في(( البعث)) عن أبي هريرة أيضاً قال:
    (( يحشر الخلائق كلهم يوم القيامة، والبهائم والدواب والطير، وكل شيء، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني تراباً، فلذلك حين يقول الكافر: (يا ليتني كنت تراباً) )) :
    أورده السيوطي في((الدر المنثور))(6/310) ولم يتكلم على إسناده كما هي عادته، وهو عند ابن جرير(30/17) قوي كما سبق قريباً، وموضع الشاهد منه صحيح قطعاً عنه مرفوعاً للطرق السابقة، ولشواهده الآتية:
    الأول: عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً مثل حديث أبي هريرة من الطريق الأخرى.
    أخرجه أحمد أيضاً (3/29) عن ابن لهيعة أيضاً: ثنا دراج عن أبي الهيثم عنه.
    وقد عرفت حال ابن لهيعة وشيخه آنفاً.
    الثاني: عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً، وشاتان تقترنان، فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله! قال:
    ((عجبت لها، والذي نفسي بيده، ليقادن لها يوم القيامة)).
    أخرجه أحمد(5/173) عن ليث عن عبد الرحمن بن ثروان عن الهزيل بن شرحبيل عنه. وهذا إسناد جيد في الشواهد والمتابعات، رجاله ثقات رجال(( الصحيح)) غير ليث، وهو ابن أبي سليم، ضعيف لاختلاطه، ولكنه قد توبع، فرواه منذر الثوري عن أشياخ له (وفي رواية لهم) عن أبي ذر مختصراً وفيه:
    ((يا أباذر! هل تدري فيم تنتطحان؟ قال: لا، قال: لكن الله يدري، وسيقضي بينهما)).
    أخرجه أحمد أيضاً(5/162).
    قلت: وهذا إسناد صحيح عندي، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير الأشياخ الذين لم يسموا، وهم جمع من التابعين، يغتفر الجهل بحالهم لاجتماعهم على رواية هذا الحديث، ولا يخدج في ذلك قوله في الرواية الأولى: ((أشياخ له)) فإنه لا منافاة بين الروايتين، لأن الأقل يدخل في الأكثر، وزيادة الثقة مقبولة، وقد خفيت هذه الرواية الأخرى على الهيثمي، فقال عقب الرواية المطولة والمختصرة:
    ((رواه كله أحمد والبزار بالرواية الأولى، وكذلك الطبراني في((المعجم الأوسط)) وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس (!) وبقية رجال أحمد رجال الصحيح غير شيخه ابن أبي عائشة وهو ثقة، ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح، وفيها راوٍ لم يسم)) !
    الثالث: عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    ((إن الجماء لَتَقْتَصُ من القرناء يوم القيامة)).
    أخرجه أحمد(1/72) عن حجاج بن نُصَيْر: ثنا شعبة عن العوام بن مراجم- من بني قيس بن ثعلبة- عن أبي عثمان النهدي عنه.
    قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، غير حجاج بن نصير وهو ضعيف كما في(( التقريب)).
    الرابع: عن عبد الله بن أبي أوفى مرفوعاً بلفظ:
    ((إنه ليبلغ من عدل الله يوم القيامة حتى يقتص للجماء من ذات القرن)).
    أخرجه الطبراني في((الأوسط))(9582) عن علي بن سنان: نا بشر بن أبي أوفى، وقال:
    ((لم يروه عن عطاء إلا عبد الله بن عمران، ولا عنه إلا بشر بن محمد، تفرد به على بن سنان)).
    قال الهيثمي:
    ((رواه الطبراني في((الأوسط)) وفيه من لم أعرفهم، وعطاء بن السائب اختلط)).
    الخامس: عن ثوبان مرفوعاً نحو الحديث الذي قبله.
    أخرجه الطبراني في((الكبير))(1421)، وفيه زيد بن ربيعة، وقد ضعفه جماعة، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، بقية رجاله ثقات.
    ( فائدة) قال النووي في ((شرح مسلم)) تحت حديث الترجمة:
    ((هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة، إعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة. وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت)، وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع، وجب حمله على ظاهره. قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازة والعقاب والثواب. وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف عليها، بل هو قصاص مقابلة، و(الجلحاء) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها. والله أعلم)).
    وذكر نحوه ابن الملك في((مبارق الأزهار))(2/293) مختصراً. ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاريء في((المرقاة))(4/761) أنه قال:
    ((فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يسأل عما يفعل، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع، بل يقتص حق المظلوم من الظالم)). قال القاريء:
    ((وهو وجه حسن، وتوجيه مستحسن، إلا أن التعبير عن الحكمة بـ(الغرض) وقع في غير موضعه. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوى والضعيف؟ )).
    قلت: ومن المؤسف أن ترد كل هذه الأحاديث من بعض علماء الكلام بمجرد الرأي، وأعجب منه أن يجنح إليه الألوسي! فقال بعد أن ساق الحديث عن أبي هريرة من رواية مسلم ومن رواية أحمد بلفظ الترجمة عند تفسيره آية (وإذا الوحوش حشرت) في تفسيره ((روح المعاني))(9/306):
    ((ومال حجة الإسلام الغزالي وجماعة إلى أنه لا يحشر غير الثقلين؛ لعدم كونه مكلفاً ولا أهلاً لكرامة بوجه، وليس في هذا الباب نص كتاب أو سنة معول عليها يدل على حشر غيرهما من الوحوش، وخبر مسلم والترمذي وإن كان صحيحاً، لكنه لم يخرج مخرج التفسير للآية ، ويجوز أن يكون كناية عن العدل التام. وإلى هذا القول أميل، ولا أجزم بخطاء القائلين بالأول، لأن لهم ما يصلح مستنداً في الجملة. والله تعالى أعلم)).
    قلت: كذا قال- عفا الله عنا وعنه-وهو منه غريب جداً لأنه على خلاف ما نعرفه عنه في كتابه المذكور، من سلوك الجادة في تفسير آيات الكتاب على نهج السلف، دون تأويل أو تعطيل، فما الذي حمله هنا على أن يفسر الحديث على خلاف ما يدل عليه ظاهره، وأن يحمله على أنه كناية عن العدل التام، أليس هذا تكذيباً للحديث المصرح بأنه يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء، فيقول هو تبعاً لعلماء الكلام: إنه كناية ! ... أي لا يقاد للشاة الجماء. وهذا كله يقال لو وقفنا بالنظر عند رواية مسلم المذكور، أما إذا انتقلنا به إلى الروايات الأخرى كحديث الترجمة، وحديث أبي ذر وغيره قاطعة في أن القصاص المذكور هو حقيقة وليس كناية، ورحم الله الإمام النووي، فقد أشار بقول السابق: ((وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره)).
    قلت: أشار بهذا إلى رد التأويل المذكور، وبمثل هذا التأويل أنكر الفلاسفة، وكثير من علماء الكلام كالمعتزلة وغيرهم رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وعلوه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة، ومجيئه تعالى يوم القيامة. وغير ذلك من آيات الصفات وأحاديثها.
    وبالجملة، فالقول بحشر البهائم والاقتصاص لبعضها من بعض هو الصواب الذي لا يجوز غيره، فلا جرم أن ذهب إليه الجمهور كما ذكر الألوسي نفسه في مكان آخر من((تفسيره))(9/281)، وبه جزم الشوكاني في تفسير آية ((التكوير)) من تفسيره((فتح القدير))، فقال((/377):
    ((الوحوش ما توحش من دواب البر، ومعنى(حشرت) بعثت، حتى يقتص بعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء)).
    وقد اغتر بكلمة الألوسي المتقدمة، النافية لحشر الوحوش؛ محرر((باب الفتاوى)) في مجلة الوعي الإسلامي السنة الثانية، العدد89ص107، فنقلها عنه، مرتضياً لها معتمداً عليها، وذلك من شؤم التقليد، وقلة التحقيق. والله المستعان، وهو ولي التوفيق.

    تم وبحمد الله الجزء الثاني من سلسلة عون الودود لتيسير ما في السلسلة الصحيحة من الفوئد والردود وهي تحتوي على جميع ما ذكره الشيخ الالباني رحمه الله من فوائد في المجلد الثالث من السلسلة الصحيحة

    المصدر السابق
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس - صفحة 3 Empty رد: عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود من المجلد الاول الى السادس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 14:05

    عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود



    الجزء الثالث


    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.


    أما بعد

    فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
    ثم أما بعد

    فهذه الفوائد والردود التي ذكرها الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة جمعتها في هذا الكتاب حتى يسهل الأستفادة منها للعامة والخاصة وأسميته (عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود) , فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعنني على هذا العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يتغمد برحمته الشيخ الألباني , ويسكنه فسيح جناته آمين.

    ملاحظات

    1- ترقيم الأحاديث هي نفس الترقيم الموجودة في السلسلة لكي يسهل الرجوع إليها.
    2- تبويب المواضيع هي نفس ما بوب لها الشيخ إلا ما لم يبوب لها فقد وضعت لها أبواباً من عندي.
    3- كتابة جميع الفوائد والردود كاملة بدون أي أختصار إلا ماكان يتعلق بالموضيع الحديثة فلم اكتبها.
    هذه الفوائد المذكورة في المجلد الخامس والسادس من سلسلة الأحاديث الصحيحة , ونسأل الله العون والتوفيق في اتمام بقية الأحاديث.


    كتاب العقيدة


    عاقبة الابتداع والغلو في الدين

    2005- (إن قوما يقرءون القرآن , لا يجاوز تراقيهم , يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).
    أخرجه الدارمي (1/68-69) , و بحشل في "تاريخ واسط" (ص198- تحقيق عواد) من طريقين عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال : حدثني أبي قال : حدثني أبي قال : " كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة , فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد , فجاءنا أبو موسى الأشعري , فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا : لا , فجلس معنا حتى خرج , فلما خرج قمنا إليه جميعا , فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! إنى رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته , و لم أر و الحمد لله إلا خيرا , قال : فما هو؟ فقال : إن عشت فستراه , قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا , ينتظرون الصلاة , في كل حلقة رجل , و في أيديهم حصى , فيقول : كبروا مائة , فيكبرون مائة , فيقول هللوا مائة , فيهللون مائة , و يقول سبحوا مائة , فيسبحون مائة , قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك , قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم , و ضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى و مضينا معه , حتى أتى حلقة من تلك الحلق , فوقف عليهم , فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ! حصى نعد به التكبير و التهليل و التسبيح , قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء , و يحكم يا أمة محمد ! ما أسرع هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون , و هذه ثيابه لم تبل , و آنيته لم تكسر , والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد , أو مفتتحوا باب ضلالة؟ ! قالوا والله : يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير , قال : و كم من مريد للخير لن يصيبه , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : (فذكر الحديث) , وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ! ثم تولى عنهم , فقال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج " .قلت : و السياق للدارمي و هو أتم , إلا أنه ليس عنده في متن الحديث : " يمرقون ... من الرمية " . و هذا إسناد صحيح , إلا أن قوله : " عمر بن يحيى " أظنه خطأ من النساخ , و الصواب : " عمرو بن يحيى " , و هو عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة ابن الحارث الهمداني. كذا ساقه ابن أبي حاتم في كتابه " الجرح و التعديل " (3/1/269) , و ذكر في الرواة عنه جمعا من الثقات منهم ابن عيينة , و روى عن ابن معين أنه قال فيه : "صالح" . و هكذا ذكره على الصواب في الرواة عن أبيه , فقال (4/2/176) : "يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني , و يقال : الكندي . روى عن أبيه روى عنه شعبة و الثوري و المسعودي و قيس بن الربيع و ابنه عمرو بن يحيى" . و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا , و يكفي في تعديله رواية شعبة عنه , فإنه كان ينتقي الرجال الذين كانوا يروي عنهم , كما هو مذكور في ترجمته , و لا يبعد أن يكون في " الثقات " لابن حبان , فقد أورده العجلي في "ثقاته" و قال : " كوفي ثقة " . و أما عمرو بن سلمة , فثقة مترجم في "التهذيب" بتوثيق ابن سعد , و ابن حبان (5/172) , و فاته أن العجلي قال في "ثقاته" (364/1263) : "كوفي تابعي ثقة" . و قد كنت ذكرت في "الرد على الشيخ الحبشي" (ص 45) أن تابعي هذه القصة هو عمارة بن أبي حسن المازني , و هو خطأ لا ضرورة لبيان سببه , فليصحح هناك . و للحديث طريق أخرى عن ابن مسعود في "المسند" (1/404) , و فيه الزيادة , و إسنادها جيد , و قد جاءت أيضا في حديث جمع من الصحابة خرجها مسلم في "صحيحه" (3/109-117).
    و إنما عنيت بتخريجه من هذا الوجه لقصة ابن مسعود مع أصحاب الحلقات , فإن فيها عبرة لأصحاب الطرق و حلقات الذكر على خلاف السنة , فإن هؤلاء إذا أنكر عليهم منكر ما هم فيه اتهموه بإنكار الذكر من أصله ! و هذا كفر لا يقع فيه مسلم في الدنيا , و إنما المنكر ما ألصق به من الهيئات و التجمعات التي لم تكون مشروعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم , و إلا فما الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه على أصحاب تلك الحلقات؟ ليس هو إلا هذا التجمع في يوم معين , و الذكر بعدد لم يرد , و إنما يحصره الشيخ صاحب الحلقة , و يأمرهم به من عند نفسه , و كأنه مشرع عن الله تعالى ! (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله). زد على ذلك أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعلا و قولا إنما هي التسبيح بالأنامل , كما هو مبين في "الرد على الحبشي" , و في غيره.
    و من الفوائد التي تؤخذ من الحديث و القصة , أن العبرة ليست بكثرة العبادة و إنما بكونها على السنة , بعيدة عن البدعة , و قد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله أيضا : "اقتصاد في سنة , خير من اجتهاد في بدعة" .و منها : أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة , ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات صاروا بعد من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب؟ فهل من معتبر؟!


    الحلف بغير الله شرك لفظي او قلبي

    2042- (كل يمين يحلف بها دون الله شرك).
    أخرجه البغوي في "الجعديات" (2332) و الحاكم في "المستدرك" (1/18) عن شريك بن عبد الله عن الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة عن ابن عمر , قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره.
    و قال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم" , و أقره الذهبي.
    (فائدة) : قال أبو جعفر الطحاوي : " لم يرد به الشرك الذي يخرج من الإسلام حتى يكون به صاحبه خارجا عن الإسلام , و لكنه أراد أنه لا ينبغي أن يحلف بغير الله تعالى لأن من حلف بغير الله تعالى , فقد جعل ما حلف به محلوفا به كما جعل الله تعالى محلوفا به , و بذلك جعل من حلف به أو ما حلف به شريكا فيما يحلف به و ذلك أعظم , فجعله مشركا بذلك شركا غير الشرك الذي يكون به كافرا بالله تعالى خارجا عن الإسلام ".
    يعني - و الله أعلم - أنه شرك لفظي , و ليس شركا اعتقاديا , و الأول تحريمه من باب سد الذرائع , و الآخر محرم لذاته . و هو كلام وجيه متين , و لكن ينبغي أن يستثني منه من يحلف بولي لأن الحالف يخشى إذا حنث في حلفه به أن يصاب بمصيبة , و لا يخشى مثل ذلك إذا حلف بالله كاذبا , فإن بعض الجهلة الذين لم يعرفوا حقيقة التوحيد بعد إذا أنكر حقا لرجل عليه و طلب أن يحلف بالله فعل , و هو يعلم أنه كاذب في يمينه , فإذا طلب منه أن يحلف بالولي الفلاني امتنع و اعترف بالذي عليه , و صدق الله العظيم : (و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون).


    من الكبائر التعرب بعد الهجرة ونحوه التغرب

    2244- (اجتنبوا الكبائر السبع , فسكت الناس فلم يتكلم أحد , فقال : ألا تسألوني عنهن؟ الشرك بالله و قتل النفس و الفرار من الزحف و أكل مال اليتيم و أكل الربا و قذف المحصنة و التعرب بعد الهجرة).
    (التعرب بعد الهجرة) , قال ابن الأثير في "النهاية" : " هو أن يعود إلى البادية , و يقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا . و كان من رجع بعد الهجرة إلى
    موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد " . قلت : و نحوه : (التغرب) : السفر إلى بلاد الغرب و الكفر , من البلاد الإسلامية إلا لضرورة و قد سمى بعضهم بـ(الهجرة) ! و هو من القلب للحقائق الشرعية الذي ابتلينا به في هذا العصر , فإن (الهجرة) إنما تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام . و الله هو المستعان.


    وجوب الوفاء بالنذر المباح

    2261- (إن كنت نذرت فاضربي , و إلا فلا).
    أخرجه الترمذي (3691) و ابن حبان (4371-الإحسان) و البيهقي (10/ 77) و أحمد (5/353) من طريق الحسين بن واقد قال : حدثني عبد الله بن بريدة قال : سمعت بريدة يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه , فلما انصرف , جاءت جارية سوداء , فقالت : يا رسول الله ! إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف و أتغنى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. (فذكره) , فجعلت تضرب , فدخل أبو بكر و هي تضرب , ثم دخل علي و هي تضرب , ثم دخل عثمان و هي تضرب , ثم دخل عمر , فألقت الدف تحت استها , ثم قعدت عليه ,
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ! إني كنت جالسا و هي تضرب , فدخل أبو بكر و هي تضرب , ثم دخل علي و هي تضرب , ثم دخل عثمان و هي تضرب , فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف" . و قال الترمذي : "حديث حسن صحيح" .
    قلت : و إسناده جيد رجاله ثقات رجال مسلم و في الحسين كلام لا يضر قال الحافظ في "التقريب" : "صدوق له أوهام" . و لحديث الترجمة شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم , فقالت : يا رسول الله ! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف , قال : "أوفي بنذرك".
    (تنبيه) : جاء عقب حديث بريدة في "موارد الظمآن" (493-494/2015) زيادة : "و قالت : أشرق البدر علينا , من ثنيات الوداع , وجـب الشكر علينا , ما دعا لله داع , و ذكر محققه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله تعالى في الحاشية أن هذه الزيادة من الهامش , و بخط يخالف خط الأصل . و كم كنت أتمنى على الشيخ رحمه الله أن لا يطبعها في آخر الحديث , و أن يدعها حيث وجدها : "في الهامش" و أن يكتفي بالتنبيه عليها في التعليق , خشية أن يغتر بها بعض من لا علم عنده , فإنها زيادة باطلة , لم ترد في شيء من المصادر المتقدمة و منها "الإحسان" الذي هو "صحيح ابن حبان" مرتبا على الأبواب الفقهية , بل ليس لها أصل في شيء من الأحاديث الأخرى , على شهرتها عند كثير من العامة و أشباههم من الخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل بذلك من النساء و الصبيان حين دخل المدينة في هجرته من مكة , و لا يصح ذلك كما كنت بينته في "الضعيفة" (2/63/598) , و نبهت عليه في الرد على المنتصر الكتاني (ص48) و استندت في ذلك على الحا


    المصدر السابق

      الوقت/التاريخ الآن هو 26.11.24 5:34