قال سفيان الثوري رحمه الله:
"البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها"
شرح السنة، للبغوي، 1/216.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ومعنى قولهم: إن البدعة لا يتاب منها:
أن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله ولا رسوله قد زين له سوء عمله فرآه حسناً
فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً؛
لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه، وبأنه ترك حسناً مأمور به أمر إيجاب أو استحباب؛ ليتوب ويفعله، فما دام يرى فعله حسناً وهو سيء في نفس الأمر؛ فإنه لا يتوب"
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 10/9.
ثم قال - رحمه الله تعالى : :
"ولكن التوبة ممكنة وواقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق،
كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين، وطوائف أهل البدع والضلال"
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 10/9-10.
وقال رحمه الله :
ومن قال: إنه لا يقبل توبة مبتدع مطلقاً فقد غلط غلطاً منكراً"
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 11/685.
فقد فسر شيخ الإسلام حديث حجب التوبة عن صاحب البدعة بكلامه هذا تفسيراً واضحاً ولله الحمد،
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة“أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، 8/62، برقم 4713 [مجمع البحرين في زوائد المعجمين. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله رجال الصحيح، غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة، 10/189، وصحح إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/154، برقم 1620، وذكر طرقه الأخرى.
وقد وضح المعنى لهذا الحديث في كلام ابن تيمية رحمه الله آنفاً، ولا شك أن النصوص يفسر بعضها بعضاً، والله عز وجل بيّن لعباده أنه يقبل توبة التائبين إذا أقلعوا عن جرائمهم، وندموا وعزموا على أن لا يعودوا، وردوا الحقوق إلى أهلها إن وجدت فقال سبحانه بعد أن ذكر المشركين والقتلة، والزناة وتوعدهم بالإهانة:
{إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}
[الفرقان: 70]،
وقال عز وجل:
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}
[طه: 82]
وقال سبحانه وتعالى:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
[الزمر: 53]
، وقال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}
[النساء: 110]
وهذه التوبة تعم من تاب من الملحدين والكافرين، والمشركين، والمبتدعين، وغيرهم ممن تاب من أهل المعاصي، إذا اكتملت شروط التوبة، ولله الحمد.