خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ( أشقى الناس بعالم أهله )

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية ( أشقى الناس بعالم أهله )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 09.04.09 11:36

    كيفية ترويج الجاحظ لكتبه ومكانة علم المتقدمين على المتأخرين .
    فاصل


    للمتقدمين مكانة عند الناس ، وتقديمهم على المتأخرين في العلوم وغيرها ، وأن من عادة الناس مدح الماضي ، وذم الباقي في هذا الشأن

    نقل كلام المسعودي في كتابه " التنبيه والإشراف " (1/ 30) أنه قال : ونحن وإن كان عصرنا متأخراً عن عصر من كان قبلنا من المؤلفين ، وأيامنا بعيدة عن أيامهم فلنرجو أن لا نقصر عنهم في تصنيف نقصده وغرض نؤمه، وإن كان لهم سبق الابتداء فلنا فضيلة الإقتداء

    وقد تشترك الخواطر، وتتفق الضمائر، وربما كان الآخر أحسن تأليفاً، وأمتن تصنيفاً ، لحكمة التجارب ، وخشية التتبع ، والاحتراس من مواقع الخطأ .

    ومن هاهنا صارت العلوم نامية، غير متناهية، لوجود الآخر ما لا يجده الأول ، وذلك إلى غير غاية محصورة ، ولا نهاية محدودة

    وقد أخبر الله عز وجل بذلك فقال " وفوق كل ذي علم عليم " على أن من شيم كثير من الناس إطراء المتقدمين، وتعظيم كتب السالفين، ومدح الماضي، وذم الباقي، وإن كان في كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة، وأكثر عائدة .


    فقد حكى الجاحظ ( عفا الله عنه) - أنه قال: كنت أؤلف الكتاب الكثير المعاني، الحسن النظم، وأنسبه إلى نفسي فلا أرى الأسماع تصغي إليه ولا الإردادات تتيم نحوه،

    ثم أؤلف ما هو أنقص منه رتبة، وأقل فائدة، ثم ينحله عبد الله بن المقفع، أو سهل بن هارون، أو غيرهما من المتقدمين، ممن صارت أسماؤهم في المصنفين، فيقبلون على كتبها، ويسارعون إلى نسخها، لا لشيء إلا لنسبتها للمتقدمين، ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو في عصرهم، ومنافسته على المناقب التي عني بتشيدها

    وهذه طائفة لا يعبأ بها كبار الناس، وإنما العمل على أهل النظر والتأمل الذين أعطوا كل شيء حقه من القول، ووفوه قسطه من الحق، فلم يرفعوا المتقدم إذا كان ناقصاً، ولم ينقصوا المتأخر إذا كان زائداً؛ فلمثل هؤلاء تصنف العلوم، وتدون الكتب.

    وانظر صبح الأعشى - (ج 5 / 484) .

    علق الكتاني على هذا بقوله : وإذا كان هذا في ذلك الزمن زمن نفاق أسواق العلم ورجحان أهله بالمدارك والغايات فكيف بزماننا هذا زمن التأخر والانحطاط والتقليد الأعمى لكل مستهجن وغلبة الأعراض السافلة والمقاومة للكمال والكاملين والتشبت بأذيال الناقصين والساقطين سخطاً على الفضيلة ومقاومة لها .


    ثم ذكر كلام ابن حزم في هذا الباب ؛ حيث قال : وأما جهتنا فالحكم في ذلك ما جرى به المثل السائر

    " أزهد الناس في عالمٍ أهله "

    وقرأت في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال: " لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده " وقد تيقنا ذلك بما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من قريش - وهم أوفر الناس أحلاماً وأصحهم عقولاً وأشدهم تثبتاً، مع ما خصوا به من سكناهم أفضل البقاع، وتغذيتهم بأكرم المياه - حتى خص الله تعالى الأوس والخزرج بالفضيلة التي أبانهم بها على جميع الناس، والله يؤتي فضله من يشاء

    ولا سيما أندلسنا فإنها خصت من حسد أهلها للعالم الظاهر فيهم الماهر منهم، واستقلالهم كثير ما يأتي به، واستهجانهم حسناته، وتتبعهم سقطاته وعثراته، وأكثر ذلك مدة حياته، بأضعافما في سائر البلاد

    إن أجاد قالوا: سارق مغير ومنتحل مدع

    وإن توسط قالوا: غث بارد وضعيف ساقط

    وإن باكر الحيازة لقصب السبق قالوا: متى كان هذا ومتى تعلم وفي أي زمان قرأ ولأمه الهبل!

    وبعد ذلك إن ولجت به الأقدار أحد طريقين إما شفوفاً بائناً يعليه على نظرائه أو سلوكاً في غير السبيل التي عهدوها

    فهنالك حمي الوطيس على البائس، وصار غرضاً للأقوال وهدفاً للمطالب ونصباً للتسبب إليه ونهباً للألسنة وعرضة للتطرق إلى عرضه، وربما نحل ما لم نقل وطوق ما لم يتقلد وألحق به ما لم يفه به ولا اعتقده قلبه، وبالحرى وهو السابق المبرز إن لم يتعلق من السلطان بحظ أن يسلم من المتالف وينجو من المخالف

    فإن تعرض لتأليف غمز ولمز وتعرض وهمز واشتط عليه، وعظم يسير خطبه واستشنع هين سقطه وذهبت محاسنه وسترت فضائله وهتف ونودي بما أغفل، فتنكس لذلك همته وتكل نفسه وتبرد حميته، وهكذا عندنا نصيب من ابتدأ يحوك شعراً أو يعمل رسالة، فإنه لا يفلت من هذه الحبائل، ولا يتخلص من هذا النصب إلا الناهض الفائت والمطفف المستولي على الأمد .
    وانظر " نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب " ( 3 / 166) .

    علق الكتاني على هذا بقوله : فليت شعري ما يقال بعد خراب الأندلس وضعف الإسلام في القرن الرابع عشر .


    وجماع القول
    أن من جهل شيئاً عاداه ، والمزكوم لا يجد رائحة العطر بل يأباه .

    انظر " التراتيب الإدارية " (1م/ 21):

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 3:37