خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    التورية معناها وحكمها وأمثلتها

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية التورية معناها وحكمها وأمثلتها

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 26.03.09 8:59

    التورية معناها وحكمها وأمثلتها

    فاصل
    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد

    يحسن بنا معرفة معنى التورية والتفقه بأحكامها لأن الحاجة إليها مما تعم به البلوى وفيها مندوحة عن الكذب .



    معنى التورية

    معنى التورية أن تستعمل كلاما يحتمل معنيين يفهم منه السامع معنى وأنت تريد معنى آخر بقصد الإيهام .



    حكمها :

    تحرم التورية إذا كان يترتب عليها إبطال حق أو إحقاق باطل فإن خلت من ذلك فهي جائزة في المزاح وعند الحاجة والمصلحة الراجحة

    أما بدون حاجة فهي مكروهة

    قال النووي في الأذكار - (ج 1 / ص 380): "قال العلماء : فإن دعت إلى ذلك [ يعني التورية] مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب ، فلا بأس بالتعريض ، وإن لم يكن شئ من ذلك فهو مكروه وليس بحرام ، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق ، فيصير حينئذ حراما ، هذا ضابط الباب"انتهى .


    وأنقل من المغني لابن قدامة مع الاختصار ما يلي :

    " وَلَا يَخْلُو حَالُ الْحَالِفِ الْمُتَأَوِّلِ ، مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ ؛

    أَحَدُهَا ؛ أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا ، مِثْلَ مَنْ يَسْتَحْلِفُهُ ظَالِمٌ عَلَى شَيْءٍ ، لَوْ صَدَقَهُ لَظَلَمَهُ ، أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُ ، أَوْ نَالَ مُسْلِمًا مِنْهُ ضَرَرٌ . فَهَذَا لَهُ تَأْوِيلُهُ .

    الْحَالُ الثَّانِي ، أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ ظَالِمًا ، كَاَلَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ الْحَاكِمُ عَلَى حَقٍّ عِنْدَهُ ، فَهَذَا يَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُسْتَحْلِفُ ، وَلَا يَنْفَعُ الْحَالِفَ تَأْوِيلُهُ .
    وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
    وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَمِينُك عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُك } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد

    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ }رَوَاهُ مُسْلِمٌ

    وَقَالَتْ عَائِشَةُ : الْيَمِينُ عَلَى مَا وَقَعَ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ التَّأْوِيلُ ، لَبَطَلَ الْمَعْنَى الْمُبْتَغَى بِالْيَمِينِ ، إذْ مَقْصُودُهَا تَخْوِيفُ الْحَالِفِ لِيَرْتَدِعَ عَنْ الْجُحُودِ ، خَوْفًا مِنْ عَاقِبَةِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ ، فَمَتَى سَاغَ التَّأْوِيلُ لَهُ ، انْتَفَى ذَلِكَ ، وَصَارَ التَّأْوِيلُ وَسِيلَةً إلَى جَحْدِ الْحُقُوقِ ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا .

    الْحَالُ الثَّالِثُ ، لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا وَلَا مَظْلُومًا ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، أَنَّ لَهُ تَأْوِيلَهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ . وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا" .انتهى من المغني .

    وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية : "وَقِيلَ : لَهُ التَّعْرِيضُ فِي الْكَلَامِ دُونَ الْيَمِينِ بِلَا حَاجَةٍ .
    قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَذَكَرَ فِي بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ" .
    ولا شك أن التورية بدون حاجة ولا مزاح فيها مفاسد تستوجب من المسلم أن يبتعد عنها من هذه المفاسد : فقدان الثقة بكلامه وقد يصبح متهما عند الناس في صدقه .


    أدلة جواز التورية للمصحلة الراجحة

    الأدلة التي تدل على جواز التورية للمصلحة الراجحة من القرآن والسنة الصحيحة والآثار عن السلف كثيرة ومتنوعة إليك بعضا منها :


    * قال ابن سعدي – في أثناء بيانه الفوائد المستنبطة من قصة يوسف – عليه السلام- :
    " ومنها : أنه ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره، بأمر لا يحب أن يطلع عليه، أن يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب، كما فعل يوسف حيث ألقى الصُّواع في رحل أخيه، ثم استخرجها منه، موهما أنه سارق، وليس فيه إلا القرينة الموهمة لإخوته

    وقال بعد ذلك: { مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ } ولم يقل "من سرق متاعنا"
    وكذلك لم يقل "إنا وجدنا متاعنا عنده" بل أتى بكلام عام يصلح له ولغيره، وليس في ذلك محذور، وإنما فيه إيهام أنه سارق ليحصل المقصود الحاضر، وأنه يبقى عند أخيه وقد زال عن الأخ هذا الإيهام بعد ما تبينت الحال"انتهى .


    *عن كعب بن مالك قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة يعني غزوة تبوك غزاها رسول الله صلى الله عليه و سلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد . رواه البخاري.


    * عن أنسٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : "كَانَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ - رضي الله عنه - يَشتَكِي ، فَخَرَجَ أبُو طَلْحَةَ ، فَقُبِضَ الصَّبيُّ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ ، قَالَ : مَا فَعَلَ ابْنِي ؟ قَالَتْ أمُّ سُلَيم وَهِيَ أمُّ الصَّبيِّ : هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ ، فَقَرَّبَتْ إليه العَشَاءَ فَتَعَشَّى ، ثُمَّ أَصَابَ منْهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ ، قَالَتْ : وَارُوا الصَّبيَّ فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ ، فَقَالَ : ( أعَرَّسْتُمُ اللَّيلَةَ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا )". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .


    *وعن سويد بن حنظلة قال: "خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخي فخلى سبيله فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا وحلفت أنه أخي قال صدقت المسلم أخو المسلم" رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني .

    *وعن أنس رضي الله عنه : "أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية من البادية فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه ) . وكان صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلا دميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال : من هذا ؟ أرسلني فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يشتري هذا العبد ؟ ) فقال : يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لكن عند الله لست بكاسد ) . أو قال : ( أنت عند الله غال )" صححه الألباني في مختصر الشمائل .

    *وعن الحسن قال : "أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال :
    ( يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز ) . قال : فولت تبكي . فقال :
    ( أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول : إنا أنشأناهن إنشاء . فجعلناهن أبكارا . عربا أترابا )" حسنه الألباني في مختصر الشمائل .

    *عن أنس بن مالك:" أن رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني حاملك على ولد الناقة فقال يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تلد الإبل إلا النوق" رواه الترمذي وصححه الألباني .

    *وعن عمران بن حصين أنه قال: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب".رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني .

    *"قال عمر – رضي الله عنه-:" أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب" رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني .



    الحكمة من إباحة التورية

    والحكمة من إباحة التورية أن تكون بديلا عن الكذب عند الحاجة لكون الإنسان لا يمكنه أن يوضح للناس كل ما سألوه عنه وأن يظهر لهم كل ما يخفيه لما يترتب على ذلك من المفسدة عليه أو على غيره.


    أمثلة على التورية المباحة


    وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ ، أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ زِيَادٍ ، وَقَدْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ، فَقِيلَ لَهُ : كَيْفَ تَرَكْت الْأَمِيرَ ؟
    قَالَ : تَرَكْتُهُ يَأْمُرُ وَيَنْهَى .
    فَلَمَّا مَاتَ قِيلَ لَهُ : كَيْفَ قُلْت ذَلِكَ ؟
    قَالَ : تَرَكْته يَأْمُرُ بِالصَّبْرِ ، وَيَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ وَالْجَزَعِ .

    قال النخعي رحمه الله : إذا بلغ الرجل عنك شئ قلته فقل : الله يعلم
    ما قلت من ذلك من شئ ، فيتوهم السامع النفي ، ومقصودك الله يعلم الذي قلته.

    وقال النخعي أيضا : لا تقل لابنك : أشتري لك سكرا ، بل قل : أرأيت لو اشتريت لك سكرا.

    وكان النخعي إذا طلبه رجل قال للجارية : قولي له اطلبه في المسجد.

    وقال غيره : خرج أبي في وقت قبل هذا.

    وكان الشعبي يخط دائرة ويقول للجارية : ضعي أصبعك فيها وقولي : ليس هو هاهنا.

    وكان حماد إذا جاءه من لا يريد الاجتماع به وضع يده على ضرسه ثم قال : ضرسي ضرسي.

    وأحضر الثوري إلى مجلس المهدي فأراد أن يقوم فمنع فحلف بالله أنه يعود فترك نعله وخرج ثم رجع فلبسها ولم يعد
    فقال المهدي : ألم يحلف أنه يعود فقالوا إنه عاد فأخذ نعله.


    وأخذ محمد بن يوسف حجراً المدري فقال : العن علياً ، فقال : إِن الأمير أمرني أن ألعن علياً محمد بن يوسف ، فالعنوه ، لعنه الله .

    ورويَ أَنَّ مُهَنَّا كَانَ عِنْدَ الإمام أحمد ، هُوَ وَالْمَرُّوذِيُّ وَجَمَاعَةٌ ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ الْمَرُّوذِيَّ ، وَلَمْ يُرِدْ الْمَرُّوذِيُّ أَنْ يُكَلِّمَهُ ، فَوَضَعَ مُهَنَّا أُصْبُعَهُ فِي كَفِّهِ ، وَقَالَ : لَيْسَ الْمَرُّوذِيُّ هَاهُنَا ، وَمَا يَصْنَعُ الْمَرُّوذِيُّ هَاهُنَا ؟ يُرِيدُ : لَيْسَ هُوَ فِي كَفِّهِ . وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
    وَرُوِيَ أَنَّ مُهَنَّا قَالَ لَهُ : إنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ - يَعْنِي السَّفَرَ إلَى بَلَدِهِ - وَأُحِبُّ أَنْ تُسْمِعَنِي الْجُزْءَ الْفُلَانِيَّ
    فَأَسْمَعَهُ إيَّاهُ ، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَلَمْ تَقُلْ إنَّك تُرِيدُ الْخُرُوجَ ؟ فَقَالَ لَهُ مُهَنَّا : قُلْت لَك : إنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ الْآنَ ؟ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ.
    [ هذه الأمثلة تجدها في زاد المسير والمغني والأذكار وإغاثة اللهفان ].

    نسأل الله تعالى أن يعلمنا من أحكام دينه ما ينفعنا بمنه وكرمه .

    كتبه
    غالب الساقي
    المشرف على موقع روضة السلفيين
    www.salafien.com
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التورية معناها وحكمها وأمثلتها

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 27.03.09 8:06

    حكم التورية
    ما حكم التورية ؟.
    الحمد لله
    " التورية أن يريد الإنسان بكلامه ما يخالف ظاهر الكلام . وهي جائزة بشرطين : الأول : أن يكون اللفظ محتملاً لها .
    والثاني : ألا تكون ظلماً . فلو قال رجل : أنا لا أنام إلا على وتد . والوتد عود يوضع في الجدار ويعلق عليه المتاع . وقال الرجل : أنا أريد بالوتد الجبل ، فهذه تورية صحيحة ، لأن اللفظ يحتملها وليس فيها ظلمٌ لأحد .
    وكذلك لو أن رجلاً قال : والله لا أنام إلا تحت السقف . ثم نام فوق السقف وقال : أردت بالسقف السماء. فهذا صحيح ، فقد سميت السماء سقفاً في قوله سبحانه : ( وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً ) الأنبياء /32 .
    وكذلك لو استخدمت التورية للظلم فلا تجوز ، كمن أخذ حقاً من إنسان ثم ذهب إلى القاضي ، ولم تكن للمظلوم بيّنة فطلب القاضي من آخذ الحق أن يحلف أن ليس له عندك شيء ، فحلف وقال : والله ما له عندي شيء ، فحكم له القاضي ، ثم كلمه بعض الناس في ذلك وعرفه أن هذه يمين غموس تغمس صاحبها في النار ، وقد جاء في الحديث : ( من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان ). فقال هذا الحالف : أنا ما أردت النفي ، وإنما أردت الإثبات . ونيتي في كلمة "ما له" أن (ما) اسم موصول أي : والله الذي له عندي شيء . فهذا وإن كان اللفظ يحتمله إلا أنه ظلم فلا يجوز ، ولهذا جاء في الحديث : ( يمينك على ما يصدقك به صاحبك ) ولا ينفعك التأويل عند الله ، وأنت الآن حالف على يمين فاجرة .
    ولو أن رجلاً اتهمت زوجته بالخيانة وهي بريئة منها فحلف وقال : والله إنها أختي وقال : أردت أنها أختي في الإسلام . فهذا تعريض صحيح لأنه أخته في الإسلام . وهي مظلومة " اهـ .
    "مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي" (3/367) للشيخ ابن عثيمين .
    الإسلام سؤال وجواب

    حكم التورية في الاسلام
    بسم الله الرحمن الرحيم

    تكلم فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين - رحمه الله - في أحد دروس الأربعين النووية عن حكم التورية فقال:
    التورية فيها تفصيل:
    1-
    إن أدت إلى باطل فهي حرام.
    2-
    إن أدت إلى واجب فهي واجبة.
    3-
    إن أدت إلى مصلحة أو حاجة فجائزة.
    4-
    أن لا يكون فيها هذا ولا هذا ، فاختلف العلماء فيها: هل تجوز أو لا تجوز؟
    والأقرب أنه لا يجوز الإكثار منها، وأما فعلها أحياناً فلا بأس لاسيما إذا أخبر صاحبه بأنه مور ، لنضرب لهذا أمثالاً خمسة:

    المثال الأول: في التورية المحرمة التي تؤدي إلى الباطل : تخاصم شخصان عند القاضي فقال أحدهما لي في ذمة فلان ألف ريال، فهذه دعوى، فأنكر المدعى عليه فنقول للمدعي : هات البينة. فقال : ليس عندي بينة، فإذا قال هذا توجهت اليمين على المدعي عليه ، فأقسم المدعى عليه وقال : والله ما له عندي شيء.
    وأراد بـ (ما) اسم الموصول ، اسم الموصول يعني: الذي، أي الذي له عندي شيء، هو صحيح، أن ألف ريال شيء، فهذه تورية حرام لأنها تؤدي إلى محرم ، أي أكل المال بالبطل.
    ثم إن هذا الرجل لا ينجو في الآخرة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك).

    المثال الثاني: التورية الواجبة : مثل أن يسأل ظالم عن مكان شخص يريد أن يقتله ، فسأل رجلاً ، وقال : أتدري أين فلان؟ وهو يدري أنه في المكان الفلاني، فقال: لاأدري، وينوي لاأدري عن كل أحواله ، فقال له : هل هو في هذا البيت؟ وهو يدري أنه في البيت، فقال : ليس في البيت ، وينوي ليس في السطح مثلاً أو ليس في الدور الأسفل، أو ليس في الحجرة الفلانية.
    فهذه حكممها الوجوب، لأن فيها إحياء نفس.

    المثال الثالث : أن تكون التورية لمصلحة : سأل رجل عن شخص في حلقة علم فقال الحاضرون : ليس ها هنا ويشيرون إلى شيء ليس هو فيه ، بل هو في مكان آخر، فهذه مصلحة.
    ويذكر أن الإمام أحمد - رحمه الله - كان في جلسة علم فجاء رجل يسأل عن المروذي ، فقال الإمام أحمد : ليس المروذي ها هنا ، وما يصنع المروذي هاهنا ، وأشار إلى يده ، يعني أنه ليس في يده وهو ليس في يده، لكنه حاضر.

    المثال الرابع : أن تكون التورية لحاجة: كأن يلجئك رجل في سؤال عن أمور بيتك، وأنت لا تريد أن تخبره عن أمور بيتك، فهنا تحتاج إلى التورية ، فإذا قال مثلاً : أنت تفعل في بيتك كذا وكذا ، وأنت لا تحب أن يطلع على هذا، فتقول : أنا لا أفعل. وتنوي لا تفعل في زمن لست تفعل فيه هذا الذي سأل عنه ، فالزمن متسع فمثلاً : أنت تفعله في الضحى فتقول : أنا لا أفعل هذا يعني في الصباح المساء، فهذه حاجة.

    المثال الخامس : أن لا تكون التورية لحاجة ولا لمصلحة ولا واجب ولا حرام ، فهذه مختلف فيها ، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لا تحل التورية ، وقال إنها حرام ، لأن التورية ظاهرها يخالف باطنها، إذ أن معنى التورية أن ينوي بلفظه ما يخالف ظاهره، ففيها نوع من الكذب ، وهذا لا يجوز.
    وفيها أيضاً مفسدة ، وهي : أنه إذا اطّلع أن الأمر خلاف ما فهمه المخاطب وصف هذا الموري بالكذب وساء ظنه فيه وصار لا يصدقه، وصار هذا الرجل يلعب على الناس ، وما قاله الشيخ -رحمه الله تعلى - قوي بلا شك.
    لكن لو أن الإنسان فعل ذلك أحياناً فأرجو أن لا يكون فيه حرج، لا سيما إن أخبر صاحبه فيما بعد، وقال : إني قلت كذا وكذا ، وأريد كذا وكذا، خلاف ظاهر الكلام ، والناس قد يفعلون ذلك على سبيل المزاح ، مثل أن يقول لك صاحبك: متى تزورني؟ أنا أحب أن تزورني، فقلت له: بعد غد، هو سيفهم بعد غد القريب، وأنت تريد بعد غد مالا نهاية له إلى يوم القيامة، وهذا يؤخذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في صلح الحديبية لما قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ألست تحدثنا أننا سنأتي البيت ونطوف به قال : نعم، لكني لم أقل هذا العام وإنك آتيه ومطوف به. (رواه البخاري)
    وجرت لشيخنا عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - قصة حول هذا الموضوع، جاءه رجل في آخر شهر ذي الحجة، أي باقي أيام على انقضاء السنة ، وقال له: يا شيخ نريد وعداً ، فقال : هذه السنة لا يمكن أن أواعدك فيها، فظن المتكلم أنها إثنا عشر شهراً ، فغضب، ولما رآه الشيخ غضب قال له: لم يبق في السنة إلا عشرة أيام أو نحوها، فاقتنع الرجل، فمثل هذا لا بأس به أحياناً لا سيما إذا أخبر صاحبه.


    لا تنسونا من صالح الدعاء FPRIVATE "TYPE=PICT;ALT="
    =======
    قال النووي في الأذكار : (1/881ـــ882)من الشاملة

    باب التعريض والتورية

    اعلم أن هذا الباب من أهم الأبواب فإنه مما يكثر استعماله وتعم به البلوى فينبغي لنا أن نعتني بتحقيقه وينبغي للواقف عليه أن يتأمله ويعمل به وقد قدمنا في الكذب من التحريم الغليظ وما في إطلاق اللسان من الخطر وهذا الباب طريق إلى السلامة من ذلك .
    واعلم أن التورية والتعريض معناهما : أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ لكنه خلاف ظاهره
    وهذا ضرب من التغرير والخداع .
    قال العلماء : فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه وليس بحرام إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراما هذا ضابط الباب
    فأما الآثار الواردة فيه فقد جاء من الآثار ما يبيحه وما لا يبيحه وهي محمولة على هذا التفصيل الذي ذكرناه .
    فمما جاء في المنع :
    ما رويناه في سنن أبي داود بإسناد فيه ضعف لكن لم يضعفه أبو داود فيقتضي أن يكون حسنا عده كما سبق بيانه عن سفيان بن أسد بفتح الهمزة رضي الله عنه قال :
    سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت به كاذب "

    وروينا عن ابن سيرين رحمه الله أنه قال : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف .
    مثال التعريض المباح
    ما قاله النخعي رحمه الله : إذا بلغ الرجل عنك شيء قلته فقل : الله يعلم ما قلت من ذلك من شيء فيتوهم السامع النفي ومقصودك الله يعلم الذي قلته .
    وقال النخعي أيضا : لا تقل لابنك : أشتري لك سكرا بل قل : أرأيت لو اشتريت لك سكرا ؟
    وكان النخعي إذا طلبه رجل قال للجارية : قولي له اطلبه في المسجد .
    وقال غيره : خرج أبي في وقت قبل هذا .
    وكان الشعبي يخط دائرة ويقول للجارية : ضعي أصبعك فيها وقولي : ليس هو هاهنا .
    ومثل هذا قول الناس في العادة لمن دعاه لطعام أنا على نية موهما أنه صائم ومقصوده على نية ترك الأكل ومثله : أبصرت فلانا ؟ فيقول ما رأيته : أي ما ضربت رئته .
    ونظائر هذا كثيرة .
    ولو حلف على شيء من هذا وورى في يمينه لم يحنث سواء حلف بالله تعالى أو حلف بالطلاق أو بغيره فلا يقع عليه الطلاق ولا غيره وهذا إذا لم يحلفه القاضي في دعوى فإن حلفه القاضي في دعوى فالاعتبار بنية القاضي إذا حلفه بالله تعالى فإن حلفه بالطلاق بالاعتبار بنية الحالف لأنه لا يجوز للقاضي تحليفه بالطلاق فهو كغيره من الناس والله أعلم

    قال الغزالي : ومن الكذب المحرم الذي يوجب الفسق ما جرت به العادة في المبالغة كقوله : قلت لك مئة مرة وطلبتك مئة مرة ونحوه بأنه لا يراد به تفهيم المرات بل تفهيم المبالغة فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذبا وإن طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة لم يأثم وإن لم يبلغ مئة مرة وبينهما درجات يتعرض المبالغ للكذب فيها
    قلت : ودليل جواز المبالغة وأنه لا يعد كذبا : ما رويناه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه وأما معاوية فلا مال له " ومعلوم أنه كان له ثوب يلبسه . وأنه كان يضع العصا في وقت النوم وغيره وبالله التوفيق




      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 5:55