بسم الله الرحمن الرحيم
نثر الريحان في الذبّ عن الصحابي أبي سفيان
- رضي الله عنه -
نثر الريحان في الذبّ عن الصحابي أبي سفيان
- رضي الله عنه -
إن ممّا اتفقت عليه الأمة المحمدية جمعاء , أن من أوجب الواجبات عليها : الذبّ عن أعراض صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم , فهم أولياء الرحمن و سكان الجنان , أفضل الأمم بعد الأنبياء و خير من اتبع الرسل من الأوفياء , طيب الله قلوبهم , ورفع الله من أقدارهم , مناقبهم مسطورة في كتاب الله الجليل و من قبله في التوراة و الإنجيل , لا يزدريهم إلا من جهل قدر التوحيد , و لا ينتقصهم إلا مستخف بشرائع رب العبيد .
و إن من ألائك البررة الكبار , و الأتقياء الأخيار . الذي نالته أكثر ألسنة الفجار من الروافض الأشرار و أتباعهم من المفكرين الجهال , تقي كريم جهل فضائله و مناقبه أكثر الناس , و هذا مما لا يضره حتما , بل هي من كراماته العجيبة التي شاركه فيها إخوانه أصحاب الولاية و أهل الديانة و الهداية {وذلك فضل الله يؤتيه من ياشاء }
صاحب الشرف و الفخر , ورفيع النسب و القدر هو :
صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب من لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة أبو سفيان القرشي الأموي و الد معاوية له صحبة مشهور باسمه وكنيته, و كان يكنى أيضا أبا حنظلة.
وأمه صفية بنت حزن الهلالية عمة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, و لد قبل الفيل بعشر سنين وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين. وهو والد معاوية.
سيد البطحاء و أبو الأمراء
كان من أشراف قريش في الجاهلية ومن دهاة العرب ومن أهل الرأي والشرف فيهم.
قيل لأبي سفيان بن حرب : ما بلغ بم من الشرف ما ترى ؟ قال : " ما خصمت رجلا إلا جعلت بيني و بينه للصلح موضعا " كانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب و كان لا يحبسها إلا رئيس , فإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعت الراية بيد الرئيس
وكان ربعة دحداحا ذا هامة عظيمة.
و كان يقال : كان أفضل قريش في الجاهلية رأيا ثلاثة : عتبة , أبو جهل , و أبو سفيان
أسلم عام فتح مكة بمرّ الظهران قبل فتحها
- قال النووي – رحمه الله - : (وإسلام أبي سفيان سنة ثمانية يوم الفتح مشهور لا خلاف فيه ) (1)
قال ابن الجوزي رحمه الله : ( ثم استقر إيمانه و قوي يقينه ) (2)
و قد خرج إلى مكة بعد أن أسلم فنزل بها ثم رجع إلى المدينة فمات بها
قال المدائني : مات سنة أربع وثلاثين فعاش ثلاثا وتسعين سنة, وقيل مات وهو ابن ثمان وثمانين
و صلّى عليه عثمان رضي الله عنه ودفن بالبقيع (3)
فضائل أبي سفيان – رضي الله عنه –
1 - فضيلة عظيمة وهي رؤيته لرسول الله صلى الله عليه و سلم :
و يالها من منقبة حازها هذا الصحابي الجليل – فوالله – لو لم يكن له سواها لكفته في وجوب تعظيمه و توقيره فكيف إذا انضافت إليها فضائل أخر
ومّما يجب التنبيه عليه : هو أن هذه من المسائل المهمة التي تغافل عنها كثير من الناس و هي أن فضل مشاهدة النبي صلى الله عليه و سلم و مجالسته تكفي في علو رتبة من نالها و لو لم تثبت في حقه فضائل خاصة , و هذه بلا شك قد لحقت بأبي سفيان رضي الله عنه فكفاه فخرا بها و كفاه علوّا بإدراكها
- قال الإمام أحمد - رحمه الله - :
( فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذي لم يروه و لو لقوا الله بجميع الأعمال ... و من رآه بعينه و آمن به و لو ساعة أفضل بصحبته من التابعين و لو عملوا كل أعمال الخير ) (4)
- قال تعالى : { لا ستوي منكم من انفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد و قاتلوا وكلا وعد الله الحسنى }
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في " تفسيره 6/552 " : ( { وكلا وعد الله الحسنى } و إنما نبه بهذا لئلا يُهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر فيتوهم عندهم ذمه فلهذا عطف بمدح الآخر و الثناء عليه مع تفضيل الأول عليه )
فموتوا بغيظكم يا زمرة الضلال , فأبو سفيان من الموعودين بالحسنى من رب العالمين ولا يشك في هذا من عرف للصحب قدرا
2 - من أعظم فضائله : قرابته من النبي صلى الله عليه و سلم :
و العجب لا ينقضي من خفاء هذه الفضيلة على جمهور الأمة ,لأن أبا سفيان يعدّ من قرابة النبي صلى الله عليه و سلم بلا ريب و لا مرية,فيجتمع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جدّه : ( عبد مناف ) و هذا يعتبر من المباحث المهمة التي لم يفرّط فيها أهل الحديث في مصنفاتهم لعظم هذه المنقبة , فحمدا لله على تكريمه لصحابة نبيه صلى الله عليه و سلم
- قال أبو عبد الله الحاكم - رحمه الله – في " معرفة علوم الحديث 492 – 495 " : ( بعد أن ذكرت الخلفاء الأربعة أذكر قوما يخفى على أكثر الناس ما يجمعهم و رسول الله صلى الله عليه و سلم من النسب ….)
- ثم قال – رحمه الله - : ( و أنا أستعين بالله عز و جل على تلخيص نسب النبي صلى الله عليه و سلم بأبي هو و أمي ثم الدلالة على جماعة من الصحابة و التابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين يلقون رسول الله صلى الله عليه و سلم في نشبه و الإشارة إلى الجد الذي يلقون رسول الله صلى الله عليه و سلم )
- ثم قال – رحمه الله - : ( و أما سعيد بن العاص الأكبر فإنه يجمعه و رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد مناف فإنه سعيد من العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف )
- قال السخاوي - رحمه الله – في " استجلاب ارتقاء الغرف 1/284 " : ( خاطب العباس رضي الله عنه النبي صلى الله عليه و سلم في أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بقوله : إنّه ابن عمّيّا .. و هو كذلك فإنّ عبد شمس هو أخو هاشم و المطّلب )
- قال الحافظ – رحمه الله - : ( و يؤيد هذا ما في آخر الرواية الثالثة حيث قال : " و إن كان لابد لأن يربني بنو عمي أحب إلي من أن يربني غيرهم " فإن بني عمه هم بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف لأنهم من بني عبد المطلب ابن عم أمية جد مروان بن الحجم بن أبي العاص ) (5)
- ثم قال السخاوي – رحمه الله – بعدما ذكر أباسفيان و بعض الصحابة " 1 /287 " : ( و هؤلاء ممن يشملهم اسم القرابة بل قيل في العترة : - وهي بالمثناة - إنهم الأقربون و الأبعدون معا )
- روى البخاري في صحيحه(3503) عن عروة قال : " ذهب عبد الله بن الزبير من أناس من بني زهرة إلى عائشة و كانت أرق شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم "
- قال الحافظ - رحمه الله – " الفتح 9 / 630 " : ( أنهم إخوة قصيّ بن كلاب بن مرة و هو جد والد جد النبي صلى الله عليه و سلم )
قال تعالى : { إلا المودة في القربى } قال ابن عباس : " أن حفظوني في قرابتي " (6)
- قال محب الدين الطبري - رحمه الله – في " الرياض النضرة 1/ 209 " :
( بيان فصيلة اجتماعهم في نسب رسول الله صلى الله عليه و سلم )
- قال الذهبي - رحمه الله – في " السير رقم 23 " في ترجمة أم حبيبة رضي الله عنها :
( و هي من بنات عمّ الرسول صلى الله عليه و سلم ليس في أزواجه من هي أقرب نسبا إليه منها .. )
- قال العلامة محب الدين الخطيب - رحمه الله - : ( منقبة عظمى … كان أبو سفيان من أول من يمت إلى النبي صلى الله عليه و سلم بالمودة في القربى و أحد المخاطبين في آية الشورى { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } و قد تبودلت هذه المودة في القربى بين النبي صلى الله عليه و سلم و أبي سفيان قبل إسلام أبي سفيان فأهدى النبي صلى الله عليه و سلم إليه تمر عجوة و أرسله إليه مع عمرو بن أمية بن خويلد الضمري فقبل أبو سفيان الهدية و أهدى إلى النبي صلى الله عليه و سلم في مقابل ذلك أدما ) (7)
3 - أبو سفيان هو صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكرم بها من فضيلة :
فضيلة كبيرة من فضائله النيرة و منقبة نادرة من مناقبة الخيرة مصاهرته لرسول الله صلى الله عليه و سلم
- روى مسلم في صحيحة (2501 ) حديث ابن عباس – رضي الله عنهما : " أن أباسفيان قال للنبي صلى الله عليه و سلم : يانبي الله ثلاث أعطنيهنّ قال : نعم قال : عندي أحسن العرب و أجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوَجكها قال : نعم قال : معاوية تجعله كاتبا بين يديك قال : نعم قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتلا المسلمين قال : نعم "
فجعل الإمام النووي عليه ( باب فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه ) ( شرح النووي 15/62 )
- قال العلامة صديق حسن خان - رحمه الله – في " السراج الوهاج 7/ 202 " :
( فيه فضيلة ظاهرة لأبي سفيان )
و الحديث ظاهر الإشكال عند أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج أم حبيبة رضي الله عنها قبل إسلامه إتفاقا , وقد وُجه الحديث بأكثر من توجيه و لعل أفضل التوجيهات توجيه الحافظ ابن كثير – رحمه الله - حيث قال في " الفصول من سيرة الرسول311 /312 " :
( و الصحيح في هذا أن أباسفيان لما رأى صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم له شرفا أحب أن يزوجه ابنته الأخرى و هي عزّة و استعان على ذلك بأختها أم حبيبة كما أخرجا في الصحيحين عن أم حبيبة .... و يكون قد و قع الوهم من بعض الرواة )
- قال تعالى : { عسى الله أن يجعل بينكم و بين الذين عاديتم منهم مودّة } (8)
- قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ( كانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صلى الله عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فصارت أم المؤمنين ) " الدر المنثور 6/305 "
قال مجاهد : " مصاهرة النبي صلى الله عليه و سلم إلى أبي سفيان بن حرب " " تاريخ دمشق 25/303 "
- قال ابن كثير - رحمه الله – في " تفسيره 6/ 627": ( قال مقاتل ابن حيان: إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه ..... و قال ابن شهاب وهو من أنزل الله فيه: {عسى الله أن يجعل بينكم..}
- قال قوام السنة الأصبهاني – رحمه الله – في " الحجة في بيان المحجة (2/570) " :
( قال أهل التفسير: نزل قوله تعالى: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة} في أبي سفيان )
و قد جاء في بعض الآثار - الله أعلم بصحتها – ما يثبت أن مصاهرة النبي صلى الله عليه و سلم تحرم النار على الرجل وبوب عليها بعض أهل العلم منهم :
الإمام الهيثمي-رحمه الله – في " مجمع البحرين 7/21 " حيث قال :
(باب فضل أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه )
- وأيضا محب الدين الطبري - رحمه الله - في " الرياض النضرة 2/114 " :
( مصاهرته صلى الله عليه و سلم و المصاهرة إليه موجبة للجنة محرمة على النار )
4 - فضيلة ظاهرة لأبي سفيان كونه قرشيا :
ولفشوّ الجهل بمذاهب أهل السنة تجد كثيرا من الناس لا يدرك أن من الفضائل المسطّرة في كتب أئمة الإسلام كون الصحابي من قريش , فتكون منقبة بمفردها, و أكرم بها و أنعم من فضيلة كبيرة و كيف لا وقد جاء مدحها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
- قال البخاري رحمه الله : ( باب مناقب قريش )
ثم ساق حديث "3504 " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله رصلى الله عليه و سلم :
" قريش و الأنصار و جهينة و أسلم و أشجع و غفار مواليّ ليس لهم مولى دون الله و رسوله "
- قال الترمذي رحمه الله : ( باب فضل الأنصار و قريش )
ثم ساق حديث " 3905" عن محمد بن سعد عن أبيه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من يرد هوان قريش أهانه الله "
و ساق أيضا حديث "3908 "عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" اللهم أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرهم نوالا "
فيا لها من منقبة عظيمة يسعد بها أهل الإيمان , و يدخل فيها كل من كان قرشيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم , و لا نشك طرفة عين أن أباسفيان رضي الله عنه ممن حاز هذا الفضل و من دخل في دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم على من أراد هوانه , فهو رضي الله عنه ممن أصابهم النوال و الخير و البركة
5 - تشريف داره المباركة :
قال ثابت البناني: " إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوذي وهو بمكة فدخل دار أبي سفيان أمن " (9)
6 - إكرام رسول الله صلى الله عليه و سلم له بالعطيّة :
- قال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله – في " الإستيعاب 1204 " : (أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية,قال: "والله إنك لكريم فداك أبي وأمي والله لقد حاربتك فنعم المحارب كنت ولقد سالمتك فنعم المسالم أنت جزاك الله خيرا )
7 - تولية رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي سفيان رضي الله عنه في حياته :
قال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله – في نفس المصدر السالف :
(واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران فمات صلى الله عليه وسلم وهو وال عليها)
- قال شيخ الإسلام- رحمه الله – في" المجموع 4/454 " : ( و قد استعمل النبي صلى الله عليه و سلم أباسفيان بن حرب أبا معاوية على نجران نائبا له و توفي النبي صلى الله عليه و سلم و أبو سفيان عامله على نجران )
- قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في " التهذيب 3004 " : (ولاه صدقات الطائف)
و ذكره ابن القيم – رحمه الله - من أمرائه صلى الله عليه و سلم كما في "زاد المعاد 1/137 "
- و ذكر ابن كثير – رحمه الله - أن تأميره في زمن النبي صلى الله عليه و سلم يعتبر محفوظا كما في " البداية و النهاية 5/292 "
و ذكره القسطلاني – رحمه الله - أيضا من أمراء النبي صلى الله عليه و سلم كما في " المواهب اللادنية 2/155 "
- قال ابن عساكر – رحمه الله – في " تاريخه رقم 2931 " :
( و استعمله النبي صلى الله عليه و سلم على إجلاء اليهود كما قال أبو علي , وذكر ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه و سلم جعله على سبي حنين )
- قال الحافظ - رحمه الله – في " الإصابة 4066 " : (وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم وجّهه إلى مناة فهدمها)
- قال العلامة العراقي – رحمه الله - في " ألفيته بيت 985 " :
كذلك قد ولّى أباسفيانا ...... صخر بن حرب بعد ذا نجرانا