بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الواسعِ العظيم، الجوادِ البَرِّ الرَّحِيم، خلقَ كلَّ شَيْء فقدَّره، وأنزلَ الشرعَ فَيَسَّره وهو الحكيمُ العليم، بدأ الخلقَ وأنهاه، وسيَّر الفَلَكَ وأجراه، { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ القَدِيمِ (39) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) } [يس: 38 ـ40].
أحمدُهُ على ما أوْلى وهدَى، وأشكرهُ على ما وهبَ وأعطَى، وأشهدُ أنه لا إِله إِلاَّ هو الملك العليُّ الأعلى، الأولُ الَّذِي ليس قَبْلَه شَيْء، والأخِرُ الَّذِي ليس بَعْدَه شيء، والظاهرُ الَّذِي ليس فوقَه شيء، والباطِنُ الَّذِي ليس دونَه شيء، وهو بكلِّ شيء عليم، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه المصطفى على المرسلين، صلَّى الله عليه وعلى صاحبِه أبي بكر أفضل الصِّدِّيقين، وعلى عمرَ المعروفِ بالقوةِ في الدِّين، وعلى عثمانَ المقتولِ ظلماً بأيدي المجرمين، وعلى عليٍّ أقربِهم نسباً على الْيقين، وعلى جميعِ آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً. ([1]).
إخواني: إن العمر يمر، والسنوات تكر ، ليلٌ يأتي ونهارٌ يفر ، وإنها شاهدةٌ لكم أو عليكم بما أودعتموها من الأعمال، فمن أودعها عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك وليَبْشِر بِحُسْنِ الثوابِ، فإن الله لا يُضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً، ومن أودَعها عملاً سيئاً فَليتُبْ إلى ربِّه توبةً نصوحاً فإن الله يتوبُ على من تاب، ولَقَدْ شرعَ الله لكم في أيام دهركم عباداتٍ تزيدُكم من الله قُرْباً وتزيدُ في إيمانكم قُوَّةً وفي سِجلِّ أعمالِكم حسنات.
إخواني: إنه وإن انْقَضَى عام فإن عمل المؤمنِ لا ينقضِي قبْلَ الموت. قال الله عزَّ وجلَّ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر: 99]، وقال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [آل عمران: 102]، وقال النبيُّ e: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ )) ([2])، فلم يَجْعلْ لانقطاع العملِ غايةً إلاّ الموتَ، فلئِن انقضى عام فإن المؤمنَ لن ينقطعَ من عبادةِ ربه بذلك، فلا تزالُ العبادات مشروعة ولله الحمد في العام كلِّه.
فاجتهدُوا إخوانِي في فعلِ الطاعاتِ، واجتنبُوا الخطايَا والسيئاتِ، لتفوزُوا بالحياةِ الطيبةِ في الدنيا والأجْرَ الكثير بعد المَمَات قال الله U: {مَنْ عَمِلَ صَـلِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل: 97].
النداء الأول : التوبة ( تب إلي ربك ) .
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالي، لا تتعلق بحق آدمي؛ فلها ثلاثة شروط.([3])
أحدها: أن يقلع عن المعصية: وهذا من أهم الشروط. والإقلاع عن الذنب : إن كان الذنب ترك واجب؛ فالإقلاع عنه بفعله؛ مثل أن يكون شخص لا يزكي، فأراد أن يتوب إلي الله، فلابد من أن يخرج الزكاة التي مضت ولم يؤدها. وإذا كان الإنسان مقصراً في بر الوالدين؛ فإنه يجب عليه أن يقوم ببرهما، وإذا كان مقصراً في صلة الرحم؛ فإنه يجب عليه أن يصل الرحم.
وإن كانت المعصية بفعل محرم، فالواجب أن يقلع عنه فوراً، ولا يبقي فيه ولا لحظة.
فإذا كانت من أكل الربا مثلاً، فالواجب أن يتخلص من الربا فوراً، بتركه والبعد عنه، وإخراج ما اكتسبه عن طريق الربا، إذا كانت المعصية بالغش والكذب على الناس وخيانة الأمانة، فالواجب عليه أن يرده إلي صاحبه، أو يستحله منه، وإذا كانت غيبة، فالواجب أن يقلع عن غيبة الناس والتكلم في أعراضهم
والثاني: أن يندم على فعلها: لأن شعور الإنسان بالندم هو الذي يدل علي انه صادق في التوبة .
والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً.
فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]) نقلاً من " مجالس شهر رمضان " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ( المجلس الثلاثون ) .
[2]) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 3084 ) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t .
[3] ) " رياض الصالحين " (1/3) .