أبو محمد عبدالحميد الأثري- المدير العام .. وفقه الله تعالى
- عدد الرسائل : 3581
البلد : مصر السنية
العمل : طالب علم
شكر : 7
تاريخ التسجيل : 25/04/2008
من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 24.05.08 14:07
مقدمة الناشر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله . أما بعد : فلما كان من شأن المسلم أن يتعبد الله تعالى طبق ما شرعه تعالى في كتابه وبما جاء في سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، وما تفرع عنهما من أحكام ، وكان الوصول لمعرفة تلك الأحكام غير متيسر لكل إنسان فقد امتن الله تعالى على هذه الأمة بعلماء أجلاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، تفقهوا في دين الله وتعمقوا في فهم النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله ، وأظهروا ما فيها من أحكام ، حتى أوضحوا للناس معالم الطريق على هدى وبصيرة ، فرضى الله عنهم أجمعين بقدر ما جتهدوا وبذلوا .
ولقد كان من الطبيعي أن تختلف بعض أقوالهم ، وتتعدد فتاواهم في المسألة الواحدة لأسباب بينها المؤلف في هذه الرسالة ، فلم يوجد ما يوجب أو يبيح طعن بعضهم ببعض ، وإنما أخذ كل مسلم القول الذي رآه مع الدليل وعمل به . ومن جهل الدليل استفتى من يثق به في علمه وتقواه ، فأخذ بقوله وعمل بمقتضاه ، ثم جاء من بعد ذلك من تعصب لبعض الأقوال ووالى أصحابها ، ونسب لهم من صفات المدح ونعوت الكمال ما هم - بفضلهم وتقواهم وعلمهم - بغنى عنه ، ونسب لغيرهم من النقائص ما هم - بما أكرمهم الله به - منزهون عنه وقد استغل هذا الحلاف أعداء هذا الدين ، فراحوا يثيرون الخلاف بغية مآربهم الخبيثة ، ويضاعفون الشقة بين المسلمين لأغراضهم الدفينة فكان من نتيجة ذلك أن تفرقت الأمة شيعا وأحزابا ، وفرقا ومذاهب ، فكثر الجدال ، وتنوعت الأقوال ، وقل العمل ، فعند ذلك طمع فينا من كان يهابنا ، فنكبت البلاد الإسلامية بالصليبيين زمنا ، وبالتتار ومن بعدهم ثم أخيرا التحالف الشيوعي ، والصليبي ، والصهيوني كما هو حال المسلمين اليوم ، وقد تنبه إلى هذه الأخطاء عدد من العلماء المفكرين ، فقام كل في مكانه وزمانه يبذل الجهد في جمع الشتات ، في إعادة الناس إلى الأصل الذي ينبغي أن يفتخر بالانتساب إليه ، والاعتماد عليه كل مسلم . ألا وهو كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فبهما تتوحد 5 صفوفهم ، وتزول خلافاتهم ، وتذهب أحقادهم ، ولقد كان من أعظم هؤلاء الذين ساهموا في تنقية الفكر الإسلامي من التفرق والاختلاف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . فقد فند رحمه الله في مؤلفاته القيمة جميع المحاولات التي كان يثيرها الأعداء حول الإسلام ، وكان مع هذا من أبرز القواد الذين شاركوا في تطهير ديار المسلمين من الغزاة " التتر " ومن أبرز أعماله في جمع الناس على الكتاب والسنة قيامه بتأليف هذه الرسالة القيمة في بابها ، العظيمة في موضوعها ، فإنه - رحمه الله - بيَّن فيها ما يجب على كل مسلم من موالاة المسلمين ، وخاصة العلماء الذين هم قدوة السلف الصالح ، وخلفاء الرسل . فذكر رحمه الله أنه ليس أحسد من الأئمة المقبولين عند الأمة يتعمد مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته ، وأنه لا يسوغ المسلم أن يطغى في واحد منهم ، أو ينقص من قدره ، وأنهم جميعا متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع ما صح من النصوص وسلم من المعارضة ، وأنه لا يجوز تقديم قول أحدهم على حديث رسول الله صلى الله عديه وسلم .
وقد بسط الأسباب التي دعت المجتهد إلى عدم الأخذ بالنص ، والتمس له العذر ثم ذكر أن عذر الإمام ليس عذرا للمقلد إن تبين له الحق . كما ذكر حال العامي الجاهل الذي لا يستطيع ، وأن مذهبه مذهب مفتيه ، وأن عليه التقليد ما دام جاهلا وهذا كله للجاهل الذي لا يفرق ، وأما من أدرك من العلم شيئا فعليه العمل به ، ولا يجوز لأحد التعصب مهما كانت دواعيه .
وهذه الرسالة على صغر حجمها تدل على ورع هذا الإمام ، وكمال فقهه في احترام أقوال العلماء السابقين ، وأئمة المذاهب الأربعة . فرحم الله امرأ عرف قدر هذا الإمام وغيره من أئمة الإسلام ، وأنزلهم في المنزلة التي يليقون بها .
وقد سبق لهذه الرسالة أن طبعت عدة مرات ، وكان آخرها الطبعة البيروتية في الشام بتحقيق الشيخ زهير الشاويش ، إلا أن هذه الطبعة مع ما تتميز به من الزيادات كتخريج بعض الأحاديث - كثرت فيها الأخطاء الإملائية ، والمطبعية ، لهذا رأينا إعادة طبعها من جديد ، بعد أن قمنا بمراجعتها ، وتصحيح الأخطاء الإملائية ، إضافة إلى ترجمة المؤلف .
هذا ورئاسة إدارات البحوث العلمية - وهي حاملة لواء الدعوة في هذه البلاد المقدسة - إذ تقدم هذه الرسالة القيمة في طبعاتها الجديدة ليسرها أن توزعها مجانا على طلبة العلم ، مساهمة منها في نشر العلم النافع ، وآثار السلف الصالح ، راجية من الله تعالى أن ينفع بها المسلمين في كل مكان ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الناشر