خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    هداية الألباء إلى حكم الاتكاء

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية هداية الألباء إلى حكم الاتكاء

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 04.12.08 16:59

    الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على خير خلقه، وبعد
    فهذا مبحث لطيف في حكم الأكل متكئًا
    كنت كتبت بعضه قبل مدة ثم حالت بعض الأسباب دون إكماله فنعود إليه بأوسع مما ذكرنا قبل..

    تنويه:
    تم إنزاله على ثلاث حلقات سابقة .. وقد فقدت منه الحلقة الثانية .. وسيعاد الآن مجموعًا هنا..

    الحلقة الأولى

    قال في ((النهاية)):
    ((المُتَّكئ في العربية كل من اسْتوى قاعدًا على وِطاءٍ مُتمكنًا.


    والعامَّةُ لا تَعرِفُ المُتكِئ إلاَّ مَن مال في قُعوده مُعتمِداً على أحد شِقَّية.


    والتاء فيه بدل من الواو.


    وأصله من الوِكاء وهو ما يُشَد به الكيس وغيره، كأنه أوكأ مَقْعَدَته وشدّها بالقعود على الوِطاَء الذي تحته)).

    وقال المناوي في (الفيض):


    ((واعلم أن الاتكاء أربعة أنواع الأول أن يضع يده على الأرض مثلا الثاني أن يتربع الثالث يضع يده على الأرض ويعتمدها الرابع أن يسند ظهره وكلها مذمومة حال الأكل لكن الثاني لا ينتهي إلى الكراهة وكذا الرابع فيما يظهر بل هما خلاف الأولى)).

    وقد عد القرطبي في (تفسيره) الأكل متكئًا من المحرمات على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقال:


    خص الله تعالى رسوله في أحكام الشريعة بمعان لم يشاركه فيها أحد في باب الفرض والتحريم والتحليل مزية على الأمة وهبت له ومرتبة خص بها ففرضت عليه أشياء مافرضت على غيره وحرمت عليه أفعال لم تحرم عليهم وحللت له أشياء لم تحلل لهم منها متفق عليه ومختلف فيه ...

    وأما ما حرم عليه فجملته عشرة... (وذكر منها): الأكل متكئًا.

    قلت: ورد في ذلك حديث في (الصَّحيح) من رواية أبي جُحيفة : قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آكل متكئًا.

    وله سبب ورد في رواية من حديث عبد الله بن بسر قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه يأكل، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة ؟ فقال: إن الله جعلني عبدًا كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا.


    أخرجه ابن ماجه.

    قال البوصيري في (المصباح): ((هذا إسناد صحيح)). وحسنه الحافظ ابن حجر.


    فظاهر الحديث أن مراده عليه الصلاة والسلام من الأكل متكئًا التواضع.

    أو أن المعنى: إني إذا أكلت لم أقعد مُتَمكِّنًا فعلَ من يريد الاستكثار منه، ولكن آكل بُلْغَة، فيكون قعودي له مُسْتَوْفِزاً .

    وقد حمل البعض الاتكاء المذموم على عمومه في حقه عليه الصلاة والسلام وحق غيره


    وأن المراد به المَيل إلى أحد الشَّقَّين تأوّله على مذهب الطّب، فإنه لا يَنْحَدر في مجارِي الطعام سَهْلاً، ولا يُسِيغُه هنيئاً، وربَّما تأذَّى به.

    قال المناوي في (الفيض):


    ((أمَّا أنا فلا آكل متكئا أي مُتمكِّنا مُعتمدًا على وطاءٍ تحتي أو مائلا إلى أحد شقي ومن فهم أن المتكئ ليس إلا المائل إلى أحدهما فقد وهم.

    إذ كل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكئ وفي إفهام قوله أما أنا جعل الخيار لغيره على معنى أما أنا أفعل كذا وأما غيري فبالخيار فربما أخذ منه أنه غير مكروه لغيره)).

    وقال المناوي (في موضعٍ آخر):


    ((يُحتمل لا آكل مائلاً إلى أحد الشقين مُعتمدًا عليه وحده أو لا آكل وأنا متمكن من القعود أو لا آكل وأنا مسند ظهري إلى شيء ورجح العصام الثاني بأنه أقرب إلى الاستعمال العربي لقول ابن الأثير عن الخطابي المتكى ء في العربية المستوي قاعدا على وطاء متكئا

    والعامة لا تعرف المتكى ء إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه اهـ.

    وما اعتمد عليه لا يعول عليه

    فقد تعقبه المحقق أبو زرعة بالرد فقال ظاهر كلامه أنه لا معنى للاتكاء إلا ما ذكره

    وهو مردود إلا أن يريد تفسير المتكى ء في الحديث الذي ذكره دون غيره

    ومع ذلك فهو ممنوع فلم أجد في الكتب المشهورة في اللغة تفسير الاتكاء بالمعنى الذي ذكره أصلا

    وإنما فسروه بالميل إلى أحد الشقين كما في هذا الحديث اهـ.

    فاستبان بذلك أن الاتكاء المكروه عند الأكل إنما هو الميل إلى أحد الشقين والاعتماد عليه لا الاتكاء على وطاء تحته مع الاستواء


    فقول الشهاب الهيثمي: الاتكاء هنا لا ينحصر في المائل يشمل الأمرين فيكره كل منهما غير معمول به لأنه إنما اعتمد فيه على ابن الأثير غافلا عن كونه متعقبا بالرد من هذا الإمام المحدث الفقيه المرجوع إليه في هذا الشأن

    والكراهة حكم شرعي لا يصار إلى إثباتها في مذهب الشافعي بكلام مثل ابن الأثير فتدبر

    وحكمة كراهة الأكل متكئا أنه فعل المتكبرين المكثرين من الأكل بنهمة وشره المشغوفين من الاستكثار من الطعام

    فالسنة في الأكل كما قال القسطلاني أن يقعد مائلا إلى الطعام منحنيا عليه.

    وقال الحافظ ابن حجر يجلس على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى اهـ.

    الحلقة الثانية

    الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على خير خلقه، وبعد فهذه تتمة موضوع (هداية الألباء إلى حكم الاتكاء) ..

    قال الحافظ: واختُلف في صفة الاتِّكاء، فقيل: أن يتمكَّن في الجلوس الآكل على أي صفة كان.


    وقيل: أن يميل على أحد شقيه.

    وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض.

    قال الخطابي: تحسب العامة أن المتكئ هو الأكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته.

    قال: ومعنى الحديث إنِّي لا أقعُد مُتكئًا على الوطاء عند الأكل فعل من يستكثر من الطعام فإنِّي لا آكل إلا البُلغة من الزاد؛ فلذلك أقعد مستوفزًا


    وفي حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرًا وهو مُقْعٍ.

    وفي رواية: وهو محتفز.

    قلت:


    قال مسلم في (الصحيح): حدثنا زهير بن حرب وابن أبي عمر (جميعًا) عن سفيان قال بن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن مصعب بن سليم عن أنس قال ثم أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتمر فجعل النبي (صلى الله عليه وسلم) يقسمه وهو محتفز يأكل منه أكلاً ذريعًا.

    وفي رواية زهير أكلاً حثيثًا.

    قال الحافظ: والمراد الجلوس على وركيه غير مُتمكِّن.


    وأخرج ابن عدي بسندٍ ضعيف زجر النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أن يعتمد الرجل على يده اليُسرى عند الأكل .

    قال مالك: هو نوعٌ من الاتِّكاء.

    قلت:

    وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يعدُّ الأكل فيه مُتكئًا، ولا يختص بصفةٍ بعينها.


    وجزم ابن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه الميلُ على أحد الشِّقين، ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك. اهـ.


    وقد فهم جماعة من السلف الخصوصية في ذلك ومنهم بعض رواة الحديث كابن عباس).


    ووجه الخصوصية

    ورد في بعض الأحاديث في الباب وهو حديث الزهري): قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها ولا بعدها فقال

    إن ربك يخيرك بين أن تكون نبيًا ملكًا أو نبيًا عبدا

    قال فنظر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى جبريل كالمستثير له فأشار إليه أن تواضع

    فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) بل نبيا عبدًا فما رئي النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد ذلك متكئا.

    وورد موصولاً من روايته عن محمد بن علي بن عبداللَه بن عباس عن أبيه (فذكره).


    أخرجه البخاري في ((التاريخ))، والنسائي في ((السنن الكبرى))، الطبراني في ((المعجم الكبير )).

    وقال ابن حجر: ((وإسناده حسن فإنه من رواية بقية عن الزبيدي وقد صرح ووافقه معمر عن الزهري أخرجه عبد الرزاق أيضا)).


    قال الطحاوي:

    ((قد يجوز أن يكون هذا هو المعنى الذي من أجله قال لا أكل متكئا لأنه فعل الملوك الجبابرة وفعل الأعاجم فكره ذلك ورغب في فعل العرب

    كما روى عن عمر فإنه حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال ثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال

    أتانا كتاب عمر بن الخطاب اخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا وتمعددوا كأنكم معد وإياكم والتنعم وزي العجم

    أفلا ترى أنه نهاهم عن زي العجم وأمرهم بالتمعدد وهو العيش الخشن الذي تعرفه العرب

    فكذلك الأكل متكئا نهوا عنه لأنه فعل العجم)).


    الحلقة الثالثة


    الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على خير خلقه، وبعد فهذه تتمة موضوع (هداية الألباء إلى حكم الاتكاء) ..


    وقال ابن حجر في (التلخيص3/126): ((لم يثبت دليل الخصوصية في ذلك وإنما هو أدب من الآداب)).


    وممن ورد عنه الأكل من الصحابة متكئًا: خالد بن الوليد (مصنف ابن أبي شيبة 24517) وأبو هريرة (شعب الإيمان 5978).


    ومن التابعين: وابن سيرين (مصنف ابن أبي شيبة 24520).


    وعنه قال: دخلت على عبيدة فسألته عن الرجل يأكل متكئا فأكل متكِئًا. (مصنف ابن أبي شيبة 24522).


    وعن معمر في (الجامع 19550): عن أيوب قال كان ابن سيرين لا يرى بأسا بالأكل والرجل متكئ)).


    وعطاء بن أبي رباح ولفظه: ((إن كنا نأكل ونحن متكئون)). (مصنف ابن أبي شيبة 24518).
    وعن معمر في (الجامع 19549) قال: (( سألت الزهري عن الأكل متكئا فقال لا باس به))


    وكرهه آخرون قال إبراهيم: ((كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأةً مخافة أن تعظم بطونهم)). (مصنف ابن أبي شيبة 24519).


    قال الطحاوي في (معاني الآثار ) (في معنى حديث أبي جُحيفة) :


    ((ليس ذلك على طريق التحريم منه عليهم أن يأكلوا كذلك ولكن لمعنى في الأكل متكئا مخافةً عليهم.

    حدثنا بن أبي عمران قال ثنا إسحاق بن إسماعيل قال ثنا جرير بن عبد الحميد قال قال الشعبي

    إنما كره الأكل متكئا مخافة أن تعظم بطونهم فأخبر الشعبي بالمعنى الذي كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجله الأكل متكئا

    وأنه إنما هو لما يحدث عنه من عظم البطن)).


    وقال ابن حزم في (الإحكام):


    ((الشيء إذا تركه عليه السلام ولم ينه عنه ولا أمر به فهو عندنا مباح مكروه ومن تركه أجر ومن فعله لم يأثم ولم يؤجر كمن أكل…)).

    قلت:

    وقد ورد أنه أكل مُتكِئًا لكن ذلك في أول الأمر فهو منسوخ.


    قال ابن شاهين في (الناسخ):


    ((والتشديد في هذا على وجه الاختيار من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على وجه التحريم

    وآداب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن تستعمل

    وما تركه رسول الله فلا خير فيه

    وقد رخص في الأكل متكئا جماعه منهم ابن عباس وابن سيرين وإبراهيم والزهري كذلك)).


    وقال البيهقي في (الشعب):


    ((عدَّ القاضي أبو العباس رحمه الله ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأكل متكئا من خصائصه

    ويحتمل أن يكون المختار لغيره أيضا أن يترك لأنه من فعل المتعظمين

    وأصله مأخوذ عن الأعاجم فإن كانت برجل علة في شيء من بدنه وكان لا يتمكن مما بين يديه إلا متكئا لم يكن في ذلك كراهية)).


    وقال ابن حجرفي (الفتح):


    ((واختلف السلف في حكم الأكل متكئا فزعم بن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية وتعقبه البيهقي فقال قد يكره لغيره أيضا لأنه من فعل المتعظمين

    وأصله مأخوذ من ملوك العجم قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه من الأكل الا متكئا لم يكن في ذلك كراهة

    ثم ساق عن جماعة من السلف إنهم أكلوا كذلك

    وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة

    وفي الحمل نظر

    وقد اخرج بن أبي شيبة عن بن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا

    وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولى

    فالمستحب في صفة الجلوس للاكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمني ويجلس على اليسرى

    واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل

    واختلف في علة الكراهة

    وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال

    كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءة مخافة أن تعظم بطونهم

    وإلى ذلك يشير بقية ما ورد فيه من الأخبار فهو المعتمد

    ووجه الكراهة فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه بن الأثير من جهة الطب والله أعلم)).


    وقيل لأبي عبدالله أحمد بن حنبل:

    ((يكره الأكل متكئا قال أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم لا آكل متكئا)).

    وقد بوب البخاري على الحديث الوارد في (الصحيح) بقوله: باب الأكل متكئًا.


    قال قوله باب الأكل متكئا أي ما حكمة وإنما لم يجزم به لأنه لم يأت فيه نهي صريح

    لحافظ في الفتح (9: 541):

    أي ما حكمة وإنما لم يجزم به لأنه لم يأت فيه نهي صريح.

    وهنا مسألة

    هل يكره الأكل مضطجعًا ؟

    قال المناوي في (الفيض) :

    ((الكراهة مع الاضطجاع أشد منها مع الاتكاء، نعم لا بأس بأكل ما يتنفل به مضطجعًا؛ لما ورد عن علي كرم الله وجهه أنه أكل كعكا على برش وهو مضطجع على بطنه.


    قال حجة الإسلام:
    والعرب قد تفعله وقاعدًا أفضل، ولا يكره قائمًا بلا حاجة.

    وكتبه لكم

    يحيى العدل
    في 20/1/1423هـ.

    والنقل
    لطفـــــاً .. من هنــــــــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 3:28