الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان أما بعد:
للعلماء مكانة عظيمة فقد نوه بشأنهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم قال تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم
قائماً بالقسط) الآية ولو كان غيرهم أشرف منهم لذكرهم في هذا المقام
العظيم، و قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) أي الخشية
الحقيقية. وفي الحديث (العلماء ورثة الأنبياء).
ومن أسباب علو شأنهم أن جعلهم الله من أسباب حفظ دينه فبنصبهم في التعلم
أول الأمر ثم ما يقومون به بعد التأهل من التعليم والدعوة والبيان والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر والرد على البدع والمنكرات والأهواء يحفظ الله
دينه، ويصونه بهم عن التبديل والتحريف والتغيير.
وهذا الصنف من العلماء يواجهون أبداً هجمة شرسة من أهل الهوى وأهل الأهواء
لأنهم يفسدون عليهم أباطيلهم ويعارضونهم في أهوائهم، ويفسدون عليهم
مصالحهم التي يكتسبونها عن طريق الباطل فلا يرضون عنهم.
وحين تعييهم الحيل يلجؤون إلى قذف العلماء بالتهم الباطلة ويصفونهم
بالأوصاف المخزية التي هم منها براء، لإسقاطهم، وزعزعة الثقة بهم، وصرف
قلوب الأمة عنهم، هذا ما فعله أعداء الرسل مع الرسل، وهذا ما يفعله أهل
الباطل مع علماء السنة، وقد صبر الرسل على ما كذبوا وأوذوا حتى جاء الله
بالفرج، وهكذا على أتباعهم أن يصبروا ويحتسبوا حتى يأتي الله بنصره وفرجه.
وإذا تكالب أهل الأهواء على العالم الذي له قدم صدق في الدعوة والبيان
وإنكار المنكرات والرد على البدع والمحدثات كان على إخوانه من أهل العلم
أن ينصروه وأن يذبوا عن عرضه بالحق والعدل والحجة والبرهان وأن يكشفوا
الأباطيل التي يرمى بها لأن الذب عنه ذب عن الحق الذي يحمله ويدعو إليه
ويخاصم لأجله، ولأن خصومة من يخاصمه من أهل الأهواء إنما تنتج ضيقاً بما
يدعو إليه ويجاهد لأجله.
فالعلماء حملة الشريعة والقدح فيهم قدح في الشرع وصد عنه، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية في كلامه عن الصحابة (لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلا
بد من الذب عنهم وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل) وإنما وجب الرد عن الصحابة
لأنهم نقلة الشريعة وأمناؤها فإسقاطهم إسقاط للشرع وفي أهل العلم من بعدهم
شبه كبير بهم من هذه الحيثية فإنهم ورثتهم وحملة الشريعة بعدهم فصيانة
أعراضهم مقصد عظيم. وضرورة لا غنى عنها.
وقد جاءت نصوص الشرع آمرة بالذب عن عرض المسلم عموماً إذا انتهك بغير حق فكيف إذا كان العرض الذي ينتهك بالباطل عرض عالم سني؟!.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك
في مجلس يوماً ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة
ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل
القرآن قال عبد الله فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه
وسلم والحجارة تنكبه وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب والنبي
صلى الله عليه وسلم يقول (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)
فهذا المنافق طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم وفي العلماء من أصحابه -
والقراء هم العلماء في لغتهم - فكفره الله تعالى وذب عن نبيه صلى الله
عليه وسلم وعمن طعن فيهم من أصحاب نبيه، وعد صنيعه ذلك استهزاءً بالله
وبآياته ورسوله. وفي هذا الخبر غيرة الرجل الذي استنكر كلام المنافق وذبه
عن القراء بالغيب.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذب عن أعراض المسلمين وهكذا كان
هدي أصحابه ففي الصحيحين من حديث عتبان بن مالك في خبر مجيئ النبي صلى
الله عليه وسلم إليه في بيته قال (فقال قائل منهم أين مالك بن الدخشن فقال
بعضهم ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
تقل . ألا تراه قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال الله ورسوله
أعلم قال قلنا فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين فقال فإن الله حرم على
النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
وفي الصحيحين أيضاً من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن تبوك قال (ولم
يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم
بتبوك ما فعل كعب؟ فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه ونظره في
عطفيه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه
إلا خيراً فسكت رسول الله).
وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية جاءت أحاديث كثيرة تؤكد على
الذب عن عرض المسلم إذا انتهك بغير حق ومما جاء في هذا الباب حديث أسماء
بنت يزيد رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ذب عن
عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار) رواه أحمد بإسناد
حسن،
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من رد عن
عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) رواه الترمذي وقال حديث حسن
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نصر أخاه بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة) رواه البيهقي في الشعب،
وعن معاذ بن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من حمى مؤمنا من
منافق أراه قال بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى
مسلما بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) رواه
أبو داود
وقال ابن مسعود رضي الله عنه (من اغتيب عنده مؤمن فنصره جزاه الله بها
خيراً في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره جزاه الله بها في
الدنيا والآخرة شراً، وما التقم أحد لقمة شراً من اغتياب مؤمن إن قال فيه
ما يعلم فقد اغتابه وان قال فيه بما لا يعلم فقد بهته) أخرجه البخاري في
الأدب المفرد.
ثم أكد بعد ذلك أئمة السلف على ضرورة صيانة أعراض أهل العلم لا سيما من
عرف منهم بالذب عن السنة والرد على مخالفيها حتى جعلوا الطعن فيهم علامة
على انحراف الطاعن عن السنة، قال يحيى بن معين: (إذا رأيت الرجل يتكلم في
حماد بن سلمة وعكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام).
وقال ابن المديني: (إذا رأيت الرجل يعتمد من أهل البصرة على أيوب
السختياني وابن عون ويونس والتيمي ويحبهم ويكثر ذكرهم والاقتداء بهم فارج
خيره ثم من بعد هؤلاء حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير فإن هؤلاء
محنة أهل البدع ..)
وإهمال الذب عن أعراض حماة الدين وحراس العقيدة عند وجود المقتضي من كثرة
الطعن فيهم وظلمهم ولمزهم بالألقاب المنفرة يولد فساداً كبيراً ومنه :
أولاً: ترك الواجب الشرعي في الذب عن عرض المسلم، فإن عرض المسلم حرام ولو
كان من عامة الناس فكيف بعرض العالم المقتدى به المنتفع بعلمه.
ثانياً: أن الطعن في العالم السلفي الذي قصم الله به ظهور أهل الأهواء
يعني الطعن في الحق الذي يدعو إليه ومعلوم أن أهل الباطل لا يطعنون في
العالم لأجل شخصه ولحمه ودمه إنما يطعنون فيه لمنهجه وجهاده وحسن بلائه.
فالطعن فيه طعن في الحق وسكوت من يسكت من أهل العلم قد يفهمه بعض الناس
إقراراً منهم لذلك الطعن، وقد يستغل هذا السكوت أهل الباطل فيلبسون على
الناس فيقولون لو كان موقفه حقاً لأيده العلماء، لو كان نقدنا له بالباطل
لرد علينا العلماء فتنطلي مثل هذه الشبهة على كثير من الناس فيهلكون بها.
ثالثاً: أن خذلان العالم السلفي من قبل من ينتظر منهم النصره وإسلامهم له
وحيداً أو شبه وحيد يواجه التهم والطعون قد يفت في عضده، ويوهن من عزيمته
فالعالم بشر يعتريه ما يعتريه من الضعف والوهن ولذا أوصى الله عباده
بالتناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
رابعاً: قد يكون في هذا الصمت فتنة لعوام أهل السنة والمبتدئين من طلبة
العلم الذين لم ترسخ العقيدة في قلوبهم، فينحرفون عن السنة بسبب قوة
الشبهات والأباطيل التي لا يجدون لها جواباً فينقلبون على أعقابهم فيبغضون
علماء السنة بعد محبتهم، ويوالون أهل البدع بعد بغضهم لهم وعداوتهم إياهم،
وإذا كان هذا أثره على كثير من عوام أهل السنة فما ظنك بأثره على أهل
البدع أصلاً.
إن الدعاية السيئة لها أثرها البالغ في قلب الحق وإظهار المحق في صورة
المبطل وما أكثر ما أعرض الناس عن الحق وأهله بسبب الدعايات المضلة.
ونحن في هذه الأيام نشاهد من الوقيعة في علماء السنة ما لا يكاد يوجد له
مثيل في التاريخ الإسلامي، حيث قامت تيارات تلبس لباس السلفية والأثر
وتتظاهر بذم البدع وأهلها لكنها أبانت عن حقيقة ما تخفي يوم وجهت سهامها
المسمومة إلى ثلة من رجالات الإسلام وأئمة العلم وأنصار السنن فطعنت - على
سبيل المثال لا الحصر - في النووي والإمام الذهبي وفي الحافظ ابن حجر وفي
العلامة الشوكاني بسبب بعض الأخطاء التي وقعت منهم وهي مغفورة مغمورة في
جانب عظيم خدمتهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أحكام الشريعة،
ولمزت شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وطعنت في ثلة من كبار
العلماء المعاصرين المشهود لهم بالصدق والأمانة والرسوخ في العلم والذب عن
السنة كالعلامة الألباني رحمه الله، وخصوا هذه الأيام الشيخ ربيع بن هادي
المدخلي بأكثر جهودهم فافتروا عليه ما لم يقل وحملوا كلامه ما لا يحتمل
وطعنوا فيه وسخروا منه وتهكموا به بأساليب رخيصة يربأ أهل العلم بأنفسهم
عنها، والشيخ ليس بمعصوم بل يخطئ ويصيب ولو كان الرد رداً علمياً على خطإ
علمي لما اعترض أحد بل لشكروا للراد بحق وظني بالشيخ أن يكون أول الشاكرين
ولكن المسألة كما رأيتَ خرجتْ إلى حيز الطعن والافتراء والكذب.
وقد تواتر الخبر عن مقدم هذه الطائفة الجراءة على الكذب الصريح والعياذ
بالله، ولا شك أن هذا المنهج ينذر انتشاره ونموه بخطر عظيم فإنه يفصل
الأمة عن علمائها قديماً وحديثاً، ويفصل شباب المسلمين عن تراثهم العلمي
الضخم الذي خلفه جهابذة الإسلام وما من فرد منهم إلا وله غلط فلو رمي
تراثهم لتلك الأغلاط لما بقي للأمة شيء.
ومن مفاسد هذا المنهج تربية أتباعه على الكذب والتلبيس والظلم والزور والبهتان والولوغ في الأعراض بغير حق وبئست التربية.
وهنا أصل إلى ختام هذه الكلمة راجياً من علمائنا وأشياخنا أن يقولوا كلمة
الفصل وأن ينصروا أهل السنة وأن يكبتوا أهل البدعة، وأن ينتصروا للمظلوم،
وأن يردعوا الظالم، فكلمتهم يكتب الله بها خيراً كثيراً، ويمحق بها شراً
مستطيراً، أسأل الله لهم التسديد والتأييد والتوفيق لقول الحق وهم أهل ذلك
إن شاء الله .
والحمد لله رب العالمين.
كتبه
علي بن يحيى الحدادي
21/5/1426هـ
المصدر : موقع الشيخ
للعلماء مكانة عظيمة فقد نوه بشأنهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم قال تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم
قائماً بالقسط) الآية ولو كان غيرهم أشرف منهم لذكرهم في هذا المقام
العظيم، و قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) أي الخشية
الحقيقية. وفي الحديث (العلماء ورثة الأنبياء).
ومن أسباب علو شأنهم أن جعلهم الله من أسباب حفظ دينه فبنصبهم في التعلم
أول الأمر ثم ما يقومون به بعد التأهل من التعليم والدعوة والبيان والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر والرد على البدع والمنكرات والأهواء يحفظ الله
دينه، ويصونه بهم عن التبديل والتحريف والتغيير.
وهذا الصنف من العلماء يواجهون أبداً هجمة شرسة من أهل الهوى وأهل الأهواء
لأنهم يفسدون عليهم أباطيلهم ويعارضونهم في أهوائهم، ويفسدون عليهم
مصالحهم التي يكتسبونها عن طريق الباطل فلا يرضون عنهم.
وحين تعييهم الحيل يلجؤون إلى قذف العلماء بالتهم الباطلة ويصفونهم
بالأوصاف المخزية التي هم منها براء، لإسقاطهم، وزعزعة الثقة بهم، وصرف
قلوب الأمة عنهم، هذا ما فعله أعداء الرسل مع الرسل، وهذا ما يفعله أهل
الباطل مع علماء السنة، وقد صبر الرسل على ما كذبوا وأوذوا حتى جاء الله
بالفرج، وهكذا على أتباعهم أن يصبروا ويحتسبوا حتى يأتي الله بنصره وفرجه.
وإذا تكالب أهل الأهواء على العالم الذي له قدم صدق في الدعوة والبيان
وإنكار المنكرات والرد على البدع والمحدثات كان على إخوانه من أهل العلم
أن ينصروه وأن يذبوا عن عرضه بالحق والعدل والحجة والبرهان وأن يكشفوا
الأباطيل التي يرمى بها لأن الذب عنه ذب عن الحق الذي يحمله ويدعو إليه
ويخاصم لأجله، ولأن خصومة من يخاصمه من أهل الأهواء إنما تنتج ضيقاً بما
يدعو إليه ويجاهد لأجله.
فالعلماء حملة الشريعة والقدح فيهم قدح في الشرع وصد عنه، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية في كلامه عن الصحابة (لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلا
بد من الذب عنهم وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل) وإنما وجب الرد عن الصحابة
لأنهم نقلة الشريعة وأمناؤها فإسقاطهم إسقاط للشرع وفي أهل العلم من بعدهم
شبه كبير بهم من هذه الحيثية فإنهم ورثتهم وحملة الشريعة بعدهم فصيانة
أعراضهم مقصد عظيم. وضرورة لا غنى عنها.
وقد جاءت نصوص الشرع آمرة بالذب عن عرض المسلم عموماً إذا انتهك بغير حق فكيف إذا كان العرض الذي ينتهك بالباطل عرض عالم سني؟!.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك
في مجلس يوماً ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة
ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل
القرآن قال عبد الله فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه
وسلم والحجارة تنكبه وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب والنبي
صلى الله عليه وسلم يقول (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)
فهذا المنافق طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم وفي العلماء من أصحابه -
والقراء هم العلماء في لغتهم - فكفره الله تعالى وذب عن نبيه صلى الله
عليه وسلم وعمن طعن فيهم من أصحاب نبيه، وعد صنيعه ذلك استهزاءً بالله
وبآياته ورسوله. وفي هذا الخبر غيرة الرجل الذي استنكر كلام المنافق وذبه
عن القراء بالغيب.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذب عن أعراض المسلمين وهكذا كان
هدي أصحابه ففي الصحيحين من حديث عتبان بن مالك في خبر مجيئ النبي صلى
الله عليه وسلم إليه في بيته قال (فقال قائل منهم أين مالك بن الدخشن فقال
بعضهم ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
تقل . ألا تراه قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال الله ورسوله
أعلم قال قلنا فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين فقال فإن الله حرم على
النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
وفي الصحيحين أيضاً من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن تبوك قال (ولم
يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم
بتبوك ما فعل كعب؟ فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه ونظره في
عطفيه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه
إلا خيراً فسكت رسول الله).
وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية جاءت أحاديث كثيرة تؤكد على
الذب عن عرض المسلم إذا انتهك بغير حق ومما جاء في هذا الباب حديث أسماء
بنت يزيد رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ذب عن
عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار) رواه أحمد بإسناد
حسن،
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من رد عن
عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) رواه الترمذي وقال حديث حسن
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نصر أخاه بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة) رواه البيهقي في الشعب،
وعن معاذ بن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من حمى مؤمنا من
منافق أراه قال بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى
مسلما بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) رواه
أبو داود
وقال ابن مسعود رضي الله عنه (من اغتيب عنده مؤمن فنصره جزاه الله بها
خيراً في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره جزاه الله بها في
الدنيا والآخرة شراً، وما التقم أحد لقمة شراً من اغتياب مؤمن إن قال فيه
ما يعلم فقد اغتابه وان قال فيه بما لا يعلم فقد بهته) أخرجه البخاري في
الأدب المفرد.
ثم أكد بعد ذلك أئمة السلف على ضرورة صيانة أعراض أهل العلم لا سيما من
عرف منهم بالذب عن السنة والرد على مخالفيها حتى جعلوا الطعن فيهم علامة
على انحراف الطاعن عن السنة، قال يحيى بن معين: (إذا رأيت الرجل يتكلم في
حماد بن سلمة وعكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام).
وقال ابن المديني: (إذا رأيت الرجل يعتمد من أهل البصرة على أيوب
السختياني وابن عون ويونس والتيمي ويحبهم ويكثر ذكرهم والاقتداء بهم فارج
خيره ثم من بعد هؤلاء حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير فإن هؤلاء
محنة أهل البدع ..)
وإهمال الذب عن أعراض حماة الدين وحراس العقيدة عند وجود المقتضي من كثرة
الطعن فيهم وظلمهم ولمزهم بالألقاب المنفرة يولد فساداً كبيراً ومنه :
أولاً: ترك الواجب الشرعي في الذب عن عرض المسلم، فإن عرض المسلم حرام ولو
كان من عامة الناس فكيف بعرض العالم المقتدى به المنتفع بعلمه.
ثانياً: أن الطعن في العالم السلفي الذي قصم الله به ظهور أهل الأهواء
يعني الطعن في الحق الذي يدعو إليه ومعلوم أن أهل الباطل لا يطعنون في
العالم لأجل شخصه ولحمه ودمه إنما يطعنون فيه لمنهجه وجهاده وحسن بلائه.
فالطعن فيه طعن في الحق وسكوت من يسكت من أهل العلم قد يفهمه بعض الناس
إقراراً منهم لذلك الطعن، وقد يستغل هذا السكوت أهل الباطل فيلبسون على
الناس فيقولون لو كان موقفه حقاً لأيده العلماء، لو كان نقدنا له بالباطل
لرد علينا العلماء فتنطلي مثل هذه الشبهة على كثير من الناس فيهلكون بها.
ثالثاً: أن خذلان العالم السلفي من قبل من ينتظر منهم النصره وإسلامهم له
وحيداً أو شبه وحيد يواجه التهم والطعون قد يفت في عضده، ويوهن من عزيمته
فالعالم بشر يعتريه ما يعتريه من الضعف والوهن ولذا أوصى الله عباده
بالتناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
رابعاً: قد يكون في هذا الصمت فتنة لعوام أهل السنة والمبتدئين من طلبة
العلم الذين لم ترسخ العقيدة في قلوبهم، فينحرفون عن السنة بسبب قوة
الشبهات والأباطيل التي لا يجدون لها جواباً فينقلبون على أعقابهم فيبغضون
علماء السنة بعد محبتهم، ويوالون أهل البدع بعد بغضهم لهم وعداوتهم إياهم،
وإذا كان هذا أثره على كثير من عوام أهل السنة فما ظنك بأثره على أهل
البدع أصلاً.
إن الدعاية السيئة لها أثرها البالغ في قلب الحق وإظهار المحق في صورة
المبطل وما أكثر ما أعرض الناس عن الحق وأهله بسبب الدعايات المضلة.
ونحن في هذه الأيام نشاهد من الوقيعة في علماء السنة ما لا يكاد يوجد له
مثيل في التاريخ الإسلامي، حيث قامت تيارات تلبس لباس السلفية والأثر
وتتظاهر بذم البدع وأهلها لكنها أبانت عن حقيقة ما تخفي يوم وجهت سهامها
المسمومة إلى ثلة من رجالات الإسلام وأئمة العلم وأنصار السنن فطعنت - على
سبيل المثال لا الحصر - في النووي والإمام الذهبي وفي الحافظ ابن حجر وفي
العلامة الشوكاني بسبب بعض الأخطاء التي وقعت منهم وهي مغفورة مغمورة في
جانب عظيم خدمتهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أحكام الشريعة،
ولمزت شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وطعنت في ثلة من كبار
العلماء المعاصرين المشهود لهم بالصدق والأمانة والرسوخ في العلم والذب عن
السنة كالعلامة الألباني رحمه الله، وخصوا هذه الأيام الشيخ ربيع بن هادي
المدخلي بأكثر جهودهم فافتروا عليه ما لم يقل وحملوا كلامه ما لا يحتمل
وطعنوا فيه وسخروا منه وتهكموا به بأساليب رخيصة يربأ أهل العلم بأنفسهم
عنها، والشيخ ليس بمعصوم بل يخطئ ويصيب ولو كان الرد رداً علمياً على خطإ
علمي لما اعترض أحد بل لشكروا للراد بحق وظني بالشيخ أن يكون أول الشاكرين
ولكن المسألة كما رأيتَ خرجتْ إلى حيز الطعن والافتراء والكذب.
وقد تواتر الخبر عن مقدم هذه الطائفة الجراءة على الكذب الصريح والعياذ
بالله، ولا شك أن هذا المنهج ينذر انتشاره ونموه بخطر عظيم فإنه يفصل
الأمة عن علمائها قديماً وحديثاً، ويفصل شباب المسلمين عن تراثهم العلمي
الضخم الذي خلفه جهابذة الإسلام وما من فرد منهم إلا وله غلط فلو رمي
تراثهم لتلك الأغلاط لما بقي للأمة شيء.
ومن مفاسد هذا المنهج تربية أتباعه على الكذب والتلبيس والظلم والزور والبهتان والولوغ في الأعراض بغير حق وبئست التربية.
وهنا أصل إلى ختام هذه الكلمة راجياً من علمائنا وأشياخنا أن يقولوا كلمة
الفصل وأن ينصروا أهل السنة وأن يكبتوا أهل البدعة، وأن ينتصروا للمظلوم،
وأن يردعوا الظالم، فكلمتهم يكتب الله بها خيراً كثيراً، ويمحق بها شراً
مستطيراً، أسأل الله لهم التسديد والتأييد والتوفيق لقول الحق وهم أهل ذلك
إن شاء الله .
والحمد لله رب العالمين.
كتبه
علي بن يحيى الحدادي
21/5/1426هـ
المصدر : موقع الشيخ