هل يجوز للعامل أن يأخذ حقه من مال رب العمل بدون علمه ؟
إذا ظلمه رب العمل ولم يعطه أجره ؟
فهل يجوز له أن يأخذ حقه من مال رب العمل دون أن يشعره بذلك .؟
==========
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : { قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا , فَمَا تَرَى ؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا ضَيْفٍ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ قِرَاهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ } صحيح السلسلة الصحيحة 640 ،صحيح الجامع 2730.
قال في دقائق أولي النهى :
( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) عَلَى ضَيْفٍ مَنَعَهُ مُضِيفٌ حَقَّهُ طَلَبُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ ( جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ ) بِقَدْرِ مَا وَجَبَ لَهُ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ .
قلت :
من العلماء من ألحق بالضيف في جواز أخذه حقه من المضيف ولو بغير إذنه كل صاحب حق منع حقه ولكن بشروط :
1- أن يكون الحق ثابتا شرعا ليس فيه شبهة ، وأن يكون مع صاحب الحق من الشهود أو الأدلة ما يثبت حقه ، سدا لذريعة سرقة المحتالين أموال الناس بدعوى أن لهم حقوقا عندهم
2- أن يتعذر عليه أخذه بالطلب ممن عليه الحق أو من الحاكم
3- ألا يفوّت بأخذه لحقه حقوق غيره ، فإذا كان الذي عليه الحق مدينا لجماعة فليس لأحدهم أن يستأثر بقضاء دينه دون الباقين
بل يقسم مال المدين بين الدائنين على قدر سهامهم
والمسألة تحتاج لمزيد بحث وتحرير ، والله أعلم
===========
هذه مسألة ( الظفَر ) كما يسميها الفقهاء ، والخلاف فيها مشهور ، والذي يترجح لدي جواز أخذ نظير ما جحده من حق العامل بالشروط التي أشار إليها الأخ ، إضافة إلى شرطين :
أن يكون سبب الاستحقاق ظاهرا ، لا خفيا
والثاني
أن يأخذ من جنس حقه ، فلو جحد لك نقودا ، لم يكن لك أن تأخذ سيارته ، لتستوفي منها حقك ، لئلا يفضي إلى الحيف ، والله أعلم .
وهنا نقل لكلام ابن تيمية وتلميذه ـ رحمهما الله ـ حول مسألة الظفر :
سئل ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
عن الرجل يكون له على الرجل دين فيجحده ، أو يغصبه شيئا ثم يصيب له مالا من جنس ماله ، فهل له أن يأخذ منه مقدار حقه؟
فأجاب :
وأما إذا كان لرجل عند غيره حق من عين أو دين فهل يأخذه أو نظيره بغير اذنه فهذا نوعان :
أحدهما :
أن يكون سبب الإستحقاق ظاهرا لا يحتاج إلى إثبات مثل استحقاق المرأة النفقة على زوجها ، واستحقاق الولد أن أن ينفق عليه والده ، واستحقاق الضيف الضيافة على من نزل به ، فهنا له يأخذ بدون إذن من عليه الحق بلا ريب
كما ثبت فى الصحيحين أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت : ( يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطينى من النفقة ما يكفينى وبنى فقال خذى مايكفيك وولدك بالمعروف ) ، فأذن لها أن تأخذ نفقتها بالمعروف بدون إذن وليه
وهكذا من علم أنه غصب منه ماله غصبا ظاهرا يعرفه الناس فأخذ المغصوب أو نظيره من مال الغاصب
وكذلك لو كان له دين عند الحاكم وهو يمطله فأخذ من ماله بقدره ونحو ذلك .
والثانى :
أن لايكون سبب الإستحقاق ظاهرا مثل أن يكون قد جحد دينه أو جحد الغصب ولا بينة للمدعى ، فهذا فيه قولان :
أحدهما : ليس له أن يأخذ وهو مذهب مالك وأحمد .
والثانى : له أن يأخذ وهو مذهب الشافعى وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى.
فيسوغ الأخذ من جنس الحق لأنه استيفاء ، ولا يسوغ الأخذ من غير الجنس لأنه معاوضة ، فلا يجوز إلا برضا الغريم .
والمجوزون يقولون إذا امتنع من أداء الواجب عليه ثبتت المعاوضة بدون إذنه للحاجة ، لكن من منع الأخذ مع عدم ظهورالحق إستدل بما فى السنن عن أبى هريرة عن النبى أنه قال : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك
وفى المسند عن بشير بن الخصاصية أنه قال : ( يا رسول الله إن لنا جيرانا لا يدعون لنا شاذة ولا فاذة إلا أخذوها فإذا قدرنا لهم على شيء أنأخذه قال لا أد الأمانة التى من إئتمنك ولا تخن من خانك ) ، وفى السنن عن النبى أنه قيل له :( أن أهل الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا ) قال : لا ، رواه أبو داود وغيره .
فهذة الأحاديث تبين أن حق المظلوم فى نفس الامر اذا كان سببه ليس ظاهرا أخذه خيانة لم يكن له ذلك ، وان كان هو يقصد اخذ نظير حقه لكنه خان الذى ائتمنه ، فإنه لما سلم اليه ماله فأخذ بعضه بغير اذنه والاستحقاق ليس ظاهرا كان خائنا .
واذا قال : أنا مستحق لما اخذته فى نفس الامر لم يكن ما ادعاه ظاهرا معلوما ، وصار كما لو تزوج امرأة فأنكرت نكاحه ولا بينة له فإذا قهرها على الوطء من غير حجة ظاهرة فإنه ليس له ذلك ولو قدر ان الحاكم حكم على رجل بطلاق امرأته ببينة اعتقد صدقها وكانت كاذبة فى الباطن لم يكن له ان يطأها لما هو الامر عليه فى الباطن .
فإن قيل لاريب ان هذا يمنع منه ظاهرا وليس له ان يظهر ذلك قدام الناس لانهم مأمورون بإنكار ذلك لأنه حرام فى الظاهر لكن الشأن إذا كان يعلم سرا فيما بينه وبين الله قيل فعل ذلك سرا يقتضى مفاسد كثيرة منهى عنها .....الخ
الفتاوي30 / 373
و قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ :
فإن قيل : فما تقولون في مسألة الظفر هل هي من هذا الباب أو من القصاص المباح ؟قيل قد اختلف الفقهاء فيها على خمسة أقوال :
أحدها أنها من هذا الباب وأنه ليس له أن يخون من خانه ولا يجحد من جحده ولا يغصب من غصبه وهذا ظاهر مذهب أحمد ومالك
والثاني يجوز له أن يستوفي قدر حقه إذا ظفر بجنسه أو غير جنسه وفي غير الجنس يدفعه إلى الحاكم يبيعه ويستوفي ثمنه منه وهذا قول أصحاب الشافعي
والثالث يجوز له أن يستوفي قدر حقه إذا ظفر بجنس ماله وليس له أن يأخذ من غير الجنس وهذا قول أصحاب أبي حنيفة
والرابع أنه إن كان عليه دين لغيره لم يكن له الأخذ وإن لم يكن عليه دين فله الأخذ وهذا إحدى الروايتين عن مالك
والخامس أنه إن كان سبب الحق ظاهرا كالنكاح والقرابة وحق الضيف جاز للمستحق الأخذ بقدر حقه
كما أذن فيه النبي لهند أن تأخذ من مال أبي سفيان ما يكفيها ويكفي بنيها
وكما أذن لمن نزل بقوم ولم يضيفوه أن يعاقبهم في مالهم بمثل قراه
كما في الصحيحين عن عقبة ابن عامر قال قلت للنبي إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى فقال لنا إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم
وفي المسند من حديث المقدام أبي كريمة أنه سمع النبي يقول من نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه
وفي المسند لأحمد أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه
وإن كان سبب الحق خفيا بحيث يتهم بالأخذ وينسب إلى الخيانة ظاهرا لم يكن له الأخذ وتعريض نفسه للتهمة والخيانة
وإن كان في الباطن آخذا حقه
كما أنه ليس له أن يتعرض للتهمة التي تسلط الناس على عرضه وإن ادعى أنه محق غير متهم
وهذا القول أصح الأقوال وأسدها وأوفقها لقواعد الشريعة وأصولها وبه تجتمع الأحاديث
فإنه قد روى أبو داود في سننه من حديث يوسف بن ماهك قال كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم فغالطوه بألف درهم فأداها إليهم فأدركت له من أموالهم مثلها
فقلت اقبض الألف الذي ذهبوا به منك
قال لا حدثني أبي أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك )
وهذا وإن كان في حكم المنقطع فإن له شاهدا من وجه آخر وهو حديث طلق بن غنام.....الخ
( من إغاثة اللهفان )
===========
بارك الله بك أفدت وأحسنت
ولكن لم تتطرق بعد ذكر الأحاديث (من صحيح مسلم وغيره) أن ذلك الأذن بالأخذ ممن ينزلون عليهم كان:
أولا : للإضطرار : لأن الضيف إذا لم يلق من يضيفه فربما يهلك من الجوع في تلك الأزمان خصوصا في جزيرة العرب ذات الفيافي المنقطعة والصحراء القاحلةالخاوية من الناس والمسافات البعيدة بين المناطق المأهولة...
ثانيا : أن ذلك العرف كان متبعا عند العرب وأقره النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
(الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه قالوا يا رسول الله وكيف يؤثمه قال يقيم عنده ولا شيء له يقريه به ... ) متفق عليه واللفظ لمسلم.
ثالثا : ظاهر تلك الأحاديث أن تلك الأحياء من العرب لم يكونوا من المسلمين . والحكم بخصوص المسلم مختلف ، فلا يؤخذ مال المسلم إلا بطيب نفس منه ....
رابعا : في حالات كثيرة تكون هناك خلافات بين الفريقين حول أحقية الأجر من عدم ذلك. ولأسباب منها مثلا الخلاف حول : هل قام الأجير بالعمل أم لا . وهل قام به حسب الشرط أم لا .. أو .. أو .. فالتنفيذ إذن سيكون حسب وجهة نظر أحادية ، وهذا لا يتصور في الإسلام والحمد لله ولا بد من وجود قاض يحكم بين الفرقين بشرع الله
ولا يمكن قياس اخذ العامل أجره على ذلك . وإلا فلماذا لا تقاس أمورا أخرى أيضا مثل صاحب الدين أن يأخذ من المدين إن استطاع ؟ وهذا محرم وإلا أصبحت كشريعة الغاب... ولم تشرع لنا المحاكم والقضاة...
والله الموفق والله أعلم
============
فمن خلال ما ذكره أخي الشيخ الفاضل أبو خالد وما زدتُ عليه يتبين أنه يمكن لك أن تأخذ حقك الذي جحده غيرك بالشروط الآتية:
1- أن يكون الحق ثابتا شرعاً ليس فيه شبهة ، وأن يكون مع صاحب الحق من الشهود أو الأدلة ما يثبت حقه ، سدا لذريعة سرقة المحتالين أموال الناس بدعوى أن لهم حقوقا عندهم.
2- أن يتعذر عليه أخذه بالطلب ممن عليه الحق أو من الحاكم .
3- ألا يفوّت بأخذه لحقه حقوق غيره ، فإذا كان الذي عليه الحق مدينا لجماعة فليس لأحدهم أن يستأثر بقضاء دينه دون الباقين بل يقسم مال المدين بين الدائنين على قدر سهامهم
4- أن يكون سبب الاستحقاق ظاهرا ، لا خفياً: والسبب الظاهر هو السبب الواضح، كنفقة الزوجة على زوجها مثلاً، فلو منع نفقتها جاز لها أن تأخذ من ماله بالمعروف.
5- أن يأخذ من جنس حقه ، فلو جحد لك نقودا ، لم يكن لك أن تأخذ سيارته ، لتستوفي منها حقك، بل تأخذ النقود نفسها أو نقوداً أخرى مثلها.
وكذلك لو أخذ سيارتك وجحدها، لا تأخذ مكانها نقوداً، لأن تقويم السيارة بالنقود يتفاوت فيه الناس عادة.
ولا شك أن التورع عن أموال الآخرين هو الأصل، ولو وقع منهم ظلم...
والله أعلم
============
ما هو المانع أن يأخذ من صنف مختلف إذا كان بقيمة مساوية ؟
جزاك الله خيراً
===
المانع أن أخذه لغير جنس ماله ليس " استرداداً لماله " وإنما هو استعاض عن ماله بمال آخر، فكان أخذه على سبيل المعاوضة، لا الاسترداد، والمعاوضة لا بد لها من التراضي كما ذكر شيخ الإسلام.
والله أعلم
والنقل
لطفـــــــــــاً .. من هنــــــــــــــــا
لطفـــــــــــاً .. من هنــــــــــــــــا