المبحث الثاني
عمليات الحقن التجميلي
يُعد الحقن من أحدث الإجراءات الطبية التجميلية، حيث يتم حقن بعض المواد التي لم تُعرف إلا في السنوات القليلة الماضية، وقد تكون هذه المواد المحقونة طبيعية كالدهون، أو صناعية، كما أن تأثيرها قد يكون مؤقّتاً، وقد يكون دائماً، وأشهر هذه المواد المستخدمة في الحقن التجميلية: الدهون، والكولاجين، والبوتوكس؛ وسأبين حقيقة هذه الحقن التجميلية وما يشبهها وآثارها، ثم أبين حكم إجرائها، وذلك في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: حقيقة الحقن التجميلية.
المطلب الثاني: حكم عمليات الحقن التجميلي.
المطلب الأول
حقيقة الحقن التجميلية
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حقن الدهون.
المسألة الثانية: حقن الكولاجين وما يشبهه.
المسألة الثالثة: حقن البوتوكس.
المسألة الأولى
حقن الدهون
تَعْرض للدهون في جسم الإنسان تغيرات كثيرة ما بين زيادة في موضع ونقصان في موضع آخر، ويُعد الوجه من أبرز المواضع التي ينقص فيها الدهن بسبب الحركة الدائمة والتقدّم في العمر، وهذا يذهب بنعومة الوجه وشباب بشرته.
ويُعد حقن الدهون (Fat Injection) من العلاجات الشائعة لإزالة التجاعيد العميقة وتعبئة الأماكن الغائرة في الوجه الناشئة عن التقدم في العمر ونقصان الوزن مما يُكْسِب الوجه مظهراً أكثر نضارة وشباباً.
ويتميّز هذا الإجراء بعدم وجود آثار صحية لأن الدهون تُؤخذ من الشخص نفسه، وهو ما يُعرف بالحقن الذاتي؛ لذا فإن الجسم يتقبّلها ولا يقابلها بالرفض المناعي الذي يحصل في حال حقن مادة أو عنصر غريب عن الجسم، كما أنه يمكن في هذه الحالة استخدام كميات أكبر من الدهون في الحقن؛ لأنها ذاتية ولا ضرر فيها.
إلا أن أبرز مساويء الحقن الذاتي للدهون أنه إجراء مؤقّت؛ ذلك أن الدهون المحقونة تذوب ببطء، حيث يمتص الجسم عادةً نصف كمية الدهون خلال الأشهر الستة الأولى، ويمكن إعادة الحقن في هذه الحالة لتعويض الدهون المفقودة.
وتتم هذه العملية بسحب الدهون من منطقة في الجسم كالبطن أو الورك ثم توضع في جهاز خاص (جهاز الطرد المركزي) لفصلها عن الأنسجة الأخرى، ثم توضع في حقنة كبيرة للحفاظ على تماسكها، ثم يُحقن بها الموضع المقصود (الوجه غالباً).
وتستغرق هذه العملية حوالي الساعة، وقد تتطلّب استعمال مسكِّن للألم وتخديراً موضعياً عند حقن مواضع حسّاسة خاصة المنطقة حول الشفتين، وأبرز مضاعفات هذه العملية احتمال انتقال العدوى عن طريق الحقن، بالإضافة إلى حدوث احمرار وانتفاخ في موضع الحقن يزول لاحقاً.
وقد تم تطوير هذه التقنية عن طريق حقن الدهن المجمَّد، حيث يُجمَّد الدهن لتحسين نوعيّته وإطالة مدّة ثباته في الأنسجة، حيث يدوم أثر هذه التقنية الجديدة إلى سنتين أو ثلاث سنوات([xliv]).
ويلحق بهذه الصورة من الصور الأخرى للحقن الذاتي: زراعة الأَدَمَة، وهي إحدى طبقات الجلد، حيث تؤخذ من أي مكان بارز بسبب إصابته بندبات سابقة، وتُحقن في الأماكن التي تعاني من هبوط أو انخفاض عن مستوى الجلد بسبب تعرض الجسم لحوادث أو عمليات جراحية سابقة، فهي وسيلة تعبئة، لكنها بخلاف الدهون لا توضع إلا في أماكن محدودة، كما أن أثرها يبقى ظاهراً في المكان المأخوذة منه؛ إذ لا يُصاب كل الناس بندبات، وإذا أُخِذت من موضع غير مصاب فإن أثره يكون مشوّهاً([xlv]).
المسألة الثانية
حقن الكولاجين وما يشبهه
الكولاجين عبارة عن بروتين كبير الحجم له تركيب كيميائي معيَّن (سلاسل متكررة من أحماض أمينية في تشكيل حلزوني ثلاثي)، ويشكل ما نسبته 25% من البروتينات الموجودة في الجسم.
وقد استخدم الكولاجين في هيئة حقن لأول مرة لإزالة التجاعيد الصغيرة في الوجه عام 1977م، وفي عام 1981م استطاعت الشركات المتخصصة إنتاج أول كولاجين بقري (مُسْتخلص من البقر) نقي قابل للحقن في الإنسان، وسُمِّي (زايديرم1)، وفي السنوات التي تلت ذلك تم إنتاج أنواع أخرى تعطي أثراً لفترة أطول وسميت (زايديرم2 وزايبلاست).
إلا أن أبرز سلبيات حقن الكولاجين الحاجة إلى تكرار الحقن لإبقاء أثره، حيث يتم امتصاصه من قبل الجسم، ولإبقاء الأثر المطلوب لا بد من إعادة الحقن في مدّة زمنية (ستة أشهر إلى سنتين)، كما يترتّب عليه وجود تحسّس وتكوين أجسام مضادة للكولاجين البقري؛ لذا يُجرى للمريض حقنة اختبار سطحية للتأكد من عدم وجود هذا التحسس قبل العلاج، كما أن نقل أمراض البقر من الكولاجين البقري يُعد شيئاً وارداً، ولا ينصح بعض الأطباء بحقن الكولاجين أثناء الحمل([xlvi]).
وبالإضافة إلى الكولاجين فإن هناك بعض المواد الطبيعية الأخرى التي تُحقن لغرض تجميلي، وذلك كمادة (الديرمالايف)، وهي عبارة عن أدمة من شخص آخر، حيث تُعالج بالوسائل الكيميائية والأشعة لتقليل احتمال الرفض المناعي لهذه المادة الغريبة عن الجسم؛ لذا فإن احتمال التحسّس والرفض المناعي يبقى قائماً وإن كان بدرجة أقل منه في الكولاجين.
وبالإضافة إلى المواد الطبيعية فهناك العديد من المواد الصناعية التي يتم حقنها في الوجه لأغراض تجميلية، ويدوم أثرها لعدة سنوات، ومنها:
أ ـ حبيبات السيليكون، وهي عبارة عن حلقات من مادة (السيليكا)، وتُحقن عادةً في الوجه، وهي مادة مالئة للتجاعيد والأخاديد والتشوّهات المختلفة، إلا أن لها أضراراً عديدة، حيث يقوم الجسم ببناء أنسجة ليفية حول الحبيبات، وقد تكبر هذه الأنسجة وتسبِّب التشوّه، كما أن الجسم قد يرفض هذه المادة الغريبة عنه، فينشأ عن ذلك تقرّحات في الجلد، بالإضافة إلى احتمال التهاب المنطقة المحقونة.
ب ـ الأرتيكول: ويحتوي على مادة الكولاجين وكريات دقيقة من مادة أخرى (بولي تترا فلور إثلين)، وتُحقن في أماكن مختلفة من الجسم لتعويض الأنسجة الصلبة كالعظام وملء تجاعيد الجبين والوجنتين وما بين الحاجبين، وإذا حُقِنت في منطقة عميقة فإن الجسم يتقبّلها عادةً، أما إذا حُقِنت في الجلد (طبقة الأدمة أو تحتها) فإن من المحتمل أن تسبِّب بعض التكتّلات والالتهابات فضلاً عن احتمال التحسّس بسبب وجود الكولاجين في تركيب هذه المادة.
ج ـ الغورتكس، ويتوفّر بشكل خيط أو شريط دقيق يوضع تحت الأدمة لحشو تجاعيد الوجه، وتكمن خطورة استعماله في أنه قد يتحرّك عن مكانه مما يسبِّب ضرراً وتشوّهاً في مظهر الجلد، كما أن احتمال الإصابة بالالتهاب يُعد أمراً ورداً.
د ـ السوفتفورم، وهو من آخر المبتكرات في عمليات إزالة تجاعيد الوجه، ويُستخدم بشكل أنبوبي مجوّف، حيث يوضع على مستوى التجعيدة في الأدمة، فتُزال التجعيدة برفع الجلد الهابط الذي يسبِّب التجاعيد والثنيات.
وهذه المواد الصناعية رغم أن أثرها يدوم طويلاً إلا أن أضرارها كثيرة، حيث يترتَّب عليها تحسّس في الجسم؛ لأنها عناصر غريبة، وقد يرفضها الجسم، وينشأ عنها التهابات وآثار جلدية مشوّهة([xlvii]).
المسألة الثالثة
حقن البوتوكس
البوتوكس من أحدث المواد التي تُحْقن لتجميل الجسم خاصة الوجه، وقد تم التعرف عليها في عام 1897م، وتم استخدامها في المجال الطبي منذ العام 1981م لعدة أغراض طبية، ودخلت مجال التجميل الطبي في أواخر التسعينات الميلادية.
والبوتوكس عبارة عن مادة سمّية طبيعية تُسْتخرج من بكتيريا توجد بكثرة في التربة (تُدعى كلوستريديوم بوتيلينيوم)، ويتركّز تأثيره في منع الإشارات العصبية من المرور في النهايات الطرفية للأعصاب الموصلة للعضلات، أي أنه يساعد في شلل العضلات وارتخائها، ورغم أنه من أشد المواد سميّة إلا أن إعطاءه بكميات قليلة مدروسة يمكن أن يكون له عدة آثار صحية إيجابية.
وأشهر الاستخدامات التجميلية للبوتوكس إزالة التجاعيد التعبيرية في منطقة الوجه والرقبة وحول العينين وبينهما، وهذا يضفي مظهراً أكثر شباباً ويغيِّر من مظهر تقطيب الجبين، كما يمكن استخدامها في مناطق أخرى من الوجه كالفكّين والذقن.
وعملية الحقن لا تستغرق أكثر من عشرين دقيقة، وتُجرى في العيادة بعد وضع كريم مخدِّر وتنظيف الجلد، وتظهر نتائج هذا الإجراء خلال ثلاثة إلى خمسة أيام بعد الحقن، ويستمر أثرها لمدة قد تصل إلى ثمانية أشهر، ويمكن إعادتها بعد ذلك، ومع تكرار الجلسات يظهر أثرها بشكل شبه دائم، ومن أبرز الآثار الجانبية لحقن البوتوكس النقص المؤقّت في نشاط العضلات المحقونة.
ومن أبرز مزايا حُقَن البوتوكس ـ حسب عدد من الدراسات الطبية ـ قلة مضاعفاتها مقارنة بالأدوية الأخرى، فضلاً عن تأثيرها في تقليل الألم خاصة آلام الرأس؛ وذلك لأن البوتوكس يصد الأعصاب التي توصل إشارات الألم إلى الدماغ، كما يرخي العضلات لتصبح أقل حساسية للألم، كما أن للبوتوكس استخدامات أخرى كعلاج فرط التعرّق والسيطرة على الحركة اللاإرادية لبعض عضلات الوجه([xlviii]).
المطلب الثاني
حكم عمليات الحقن التجميلي
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حكم حقن الدهون.
المسألة الثانية: حكم حقن الكولاجين وما يشبهه.
المسألة الثالثة: حكم حقن البوتوكس.
المسألة الأولى
حكم حقن الدهون
ويُراد به سحب الدهون من جسم الإنسان وحقنها في الجسم نفسه لأغراض تجميلية، وهو من أمثلة الحقن الذاتي، وينبني حكم هذا النوع على عدة أمور:
1ـ حكم النقل الذاتي لأجزاء الجسم المتجدّدة؛ ذلك أن المادة المحقونة يمكن أن تتجدّد في العضو الذي سُحِبت منه.
2ـ الموازنة بين أضرار الحقن الذاتي وفوائده.
3ـ الغرض من إجراء الحقن.
أما حكم النقل الذاتي لما يتجدّد من الجسم كالدهن والجلد ونحوهما فهو جائز ـ عند الحاجة إلى ذلك والأمن من ضرر أشد ـ عند عامة العلماء المعاصرين([xlix])، وقد نصَّت قرارات المجامع الفقهية على ذلك، ومنها ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: ((أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقَّع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتِّب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود، أو لإعادة شكله، أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب، أو إزالة دمامةٍ تسبب للشخص أذىً نفسياً أو عضوياً))([l])، وفي حقن الدهن إعادة لشكل العضو الذي أصابته التجاعيد وإصلاح لعيوب الجلد وإزالة للدمامة التي تلحق الوجه وتسبِّب له الأذى النفسي.
أما الضرر الذي يترتَّب على الحقن الذاتي فهو يسير كالاحمرار والانتفاخ، ويزول سريعاً، وأما احتمال الالتهاب أو نقل العدوى فهو نادر، ويمكن تلافيه بأخذ الاحتياط وإجراء الحقن عن طريق الطبيب المختص.
وأما الغرض من الحقن الذاتي فقد يكون لإزالة تجاعيد الوجه التي تظهر بشكل غير معتاد كما لو ظهرت على صغير السن، أو ظهرت على هيئة غير معهودة ولو عند كبير السن بسبب مرض أو غيره.
ويظهر لي جواز الحقن لهذا الغرض مع أمن الضرر وإجرائه تحت إشراف طبيب متخصص؛ وذلك لأنه من إزالة العيوب والتشوّهات التي تظهر على الوجه، وليس في ذلك تدليس أو تغيير لخلق الله؛ لأن المراد إعادة الخِلْقة غير المعهودة إلى أصلها لا تغييرها، كما أن في الحقن إزالةً للضرر النفسي الذي يترتَّب على تشوّه الوجه بصورة غير معتادة. ([li])
وقد يكون الغرض من الحقن الظهور بمظهر أحسن، وبخاصة لكبار السن، حيث يشيخ الجلد وتظهر عليه التجاعيد المعتادة، ويظهر لي عدم جواز الحقن لهذا الغرض؛ لما فيه من التدليس وتغيير الخِلْقة المعهودة، مع ما فيه من الإضرار بالجلد والإسراف المحرم؛ لأن الجسم يمتص المادة المحقونة، وهذا يعني الحاجة إلى تكرار الحقن في مدد زمنية قصيرة.
وهذا هو حكم الصور الأخرى للحقن الذاتي كزراعة الأدمة، إلا أنه يجب التحقق من عدم الضرر أو التشوّه الذي يلحق المريض، فقد يترتَّب على أخذ الأدمة من مكان ليس فيه ندبة سابقة تشوّه بهذا المكان، ولا يجوز إحداث تشوّه في موضع في الجسم لإصلاح موضع آخر([lii]).