فقه العدة و الإحداد
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
فقــه العـدة و الإحـداد
أولاً : العــــدة .
لغةً : بكسر العين معناه الإحصاء ، يقال عددت الشيء عدة : أي أحصيته إحصاء،و قال صاحب المصباح المنير (2/470 ):"
وعدة المرأة أيام أقرائها ،مأخوذ من العد و الحساب ،و قيل : تربص المدة الواجبة عليها ".
شرعاً : اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها ، أو فراقه لها إما بالولادة أو الأقراء أو الأشهر".( الفتح 9/380 ، النيل 6/387، السبل 3/245 )
ب- حكمها :
العدة واجبة
و الأصل في وجوبها الكتاب ،و السنة ، والإجماع .
أما الكتاب : فقوله تعالى :" و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ".( البقرة 228 )
و قوله تعالى:" و اللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ،و اللائي لم يحضن ،و أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ".( الطلاق 4 )
و قوله تعالى :" و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا ".( البقرة 234 )
أما السنة : فما روته فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها البتة فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى و النفقة ، فقالت :" فلم يجعل لي سكنى ،ولا نفقة ،و أمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم ". متفق عليه
و كذلك ما روته سبيعة ، و فيه : أن زوجها توفي عنها ،وهي حامل فلما وضعت جاءت تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدتها قالت : فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ،و أمرني بالتزوج إن بدا لي . متفق عليه
أما الإجماع : فقد أجمع العلماء على وجوب العدة في الجملة ،وإنما اختلفوا في بعض أنواعها . ( المغني 7/448 ، الفقه الإسلامي 7/626 )
ج- الحكمة من وجوب العدة: ففي :
1. الطلاق الرجعي: تمكين الزوج من الرجوع . ( زاد المعاد 5/666 )
2. الطلاق البائن : لإستبراء الرحم . ( الفتح 9/384 )
3. المتوفى زوجها : رعاية حق الزوج ، وإظهارا لفقده. ( الزاد 5/665 ) و هذا قول الشافعية،و الحنابلة
قالوا : المقصود الأعظم من العدة حفظ حق الزوج دون معرفة البراءة ، و لهذا اعتبرت عدة الوفاة بالأشهر و وجبت العدة على التي لم يدخل بها زوجها تعبداً مراعاة لحق الزوج . ( مغني المحتاج 3/395 ، كشاف القناع 5/276 )
د-القاعدة في أحكام العدة :
كل طلاق أو فسخ وجب فيه جميع الصداق وجبت العدة ،وحيث سقط الصداق كله أو لم يجب إلا نصفه سقطت العدة .
مثال الفسخ : ثبوت الرضاع بين الزوجين أو العيب أو اختلاف الدين. ( الفقه الإسلامي 7/625 )
هـ- شروط , و أسباب كل نوع من أنواع العدة :
أولا : عدة الأقراء:
1- سببها: الفرقة من زواج صحيح, وشرط وجوبها: الدخول بالمرأة في زواج صحيح عند الأحناف ،و الحنابلة،و خالف في هذا الإمام مالك .
2- أو الفرقة في زواج فاسد بتفريق القاضي أو بالمتاركة،و شرط الجمهور: الدخول عليها خلافا لمالكية .
3- أو الوطء بشبهة عقد .
فائدة :
اختلف أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم في القُرء ،فقال جماعة هو : الحيض ، وهم عمر بن الخطاب وابن مسعود وعلي ، ونقل عمرو بن دينار هذا عن جماعة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول عطاء ، وخالفهم جماعة من السلف فقالوا: القرء هو الطهر ، وهو قول زيد بن ثابت وعبدالله بن عمر وأم المؤمنين عائشة وابن عباس ... وسيأتي
ثانيا : عدة الأشهر: و هي نوعين :
النوع الأول : يجب بدلاً عن الحيض
والنوع الثاني : يجب أصلاً بنفسه .
فالأول: هي عدة الصغيرة، و الآيسة
وسبب وجوبها : الطلاق
و شرط الوجوب :
1- الصغر أو الكبر أو فقد الحيض.
2- الدخول في نكاح صحيح ، خلا المالكية فلا يشترط عندهم صحة النكاح .
وأما الثاني: فهي عدة الوفاة ,و سبب وجوبها: وفاة الزوج
و شرط الوجوب : الزواج الصحيح فقط .
ثالثا : عدة الحمل : و هي مدة الحمل،و سببها : الفرقة أو الوفاة
و شرطها : أن يكون الحمل من الزواج الصحيح أو الفاسد . ( الفقه الإسلامي 7/633 )
و- وقت ابتدأ العدة وما يعرف به انقضاؤها :
1. إن كان الزواج صحيحا: فمبدأ العدة بعد الطلاق أو الفسخ أو الموت ،فابتداء العدة في الطلاق،ونحوه عقب الطلاق ،وفي الوفاة عقب الوفاة
وهذا بالاتفاق بين الفقهاء، و تنقضي العدة وإن جهلت المرأة بالطلاق أو الوفاة، لأن العدة أجل، فلا يشترط العلم بمضي الأجل ،فلو طلقها أو مات عنها و لم يبلغها الخبر انقضت عدتها بالاتفاق . ( السيل الجرار 2/397 )
2. إن كان الزواج فاسدا: فمبدأ العدة بعد أو عقب التفريق من القاضي بين الزوجين أو بالمتاركة وإظهار عزم الواطئ على ترك وطئها ،و هذا قول جمهور الحنفية .
3. إن كان الوطء بشبهة : قال ابن عابدين :" لم أرى من صرح بمبدأ العدة في الوطء بشبهة بلا عقد و ينبغي أن يكون من أخر الوطآت عند زوال الشبهة ، بأن علم أنها غير زوجته ".( حاشية ابن عابدين 3/522)
و الصحيح في عدة الموطؤة بنكاح فاسد أو شبهة أن تكون من آخر الوطئات عند زوال الشبهة لعدم العقد فلم يبقى سبب للعدة إلا الوطء . ( الفقه الإسلامي 7/ 6 )
ز- عدة الحامل المتوفى عنها زوجها :
1. تنتهي عدة الحامل بوضع الحمل، لحديث أم سلمة :قالت :"قتل زوج سبيعة الأسلمية،وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،و كان أبو السنابل فيمن خطبها . متفق عليه
وهذا قول جمهور الفقهاء من السلف والخلف وأئمة الفتوى في الأمصار، وخالف في ذلك علي بن أبي طالب – فيما رواه عنه سعيد بن منصور بسند صحيح إليه كما قال الحافظ – قال : تعتد آخر الأجلين. (الفتح 9/384، شرح مسلم10/109، النيل 6/288)
و المراد بالحمل على أي صفة كان مضغة أو من علقة سواء استبان الخلق أم لا، وعلى هذا الجمهور . ( الفتح 9/385 ، شرح مسلم 10/109 ، زاد المعاد 5/600 )
2. يجوز العقد عليها إذا وضعت ولو لم تطهر من دم النفاس ، لقوله صلى الله عليه وسلم عن سبيعة :"إنها حلت حين وضعت " . رواه البخاري
وهذا قول الجمهور من الشافعية و الحنابلة ومن وافقهم ، غير إنه لا يقربها زوجها حتى تطهر . ( الفتح 9/385 ، المغني 7/456 )
3. الحامل إذا طلقت ثم توفي زوجها تنقضي عدتها بوضع حملها لقوله تعالى :"و أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن "..و قد نقل الإجماع على هذا .
4. إذا كانت المرأة حاملا بإثنين و بقي من حملها شيء في بطنها لم تضع حملها و لم تنقضي عدتها إلا بوضع الثاني لقوله تعالى : "حتى يضعن حملهن ".
و على هذا جمهور أهل العلم . ( الزاد 5/600 ، الفقه الإسلامي 7/635 )
5. المرأة التي مات عنها زوجها أو المطلقة إذا شكت في الحمل فلا تعجل بنكاح حتى تستبين أنه ليس في بطنها ولد، بمعنى حتى تزول الريبة ، و هذا قول الشافعية والحنابلة ، و قال المالكية تتربص إلى منتهى أمد الحمل و عندهم خمس سنوات . ( الفقه الإسلامي 7/637 )
ح- المكان التي تعتد فيه المتوفى عنها زوجها :
عن فريعة بنت مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها :"امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله "، قالت :فاعتددت فيه أربعة أشهر و عشرا. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، و إسناده قوي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم 2016( الزاد 5/680 ، النيل 6/299 )
و لقد اختلف في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها تمكث في المكان الذي أتاها فيه نعي زوجها ،وهو قول عمر وابنه عثمان والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعطاء وابن سيرين و مالك و أبو حنيفة والشافعي و الأوزاعي
قال ابن عبد البر : و قد قال بحديث فريعة جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز و العراق و الشام ومصر ولم يطعن فيه أحد منهم .
قال الشوكاني : و حديث فريعة لم يأتي من خالفه بما ينهض لمعارضته فالتمسك به متعين و لا حجة في أقوال أفراد الصحابة.
و لقد دافع ابن القيم عن حديث فريعة هذا في زاد المعاد فراجعه . ( النيل 6/300 ، الزاد 5/692 )
القول الثاني : أنها تعتد حيث شاءت،و هو قول علي وابن عباس وجابر وعائشة فيما صح عنهم عند عبد الرزاق في المصنف . ( الزاد 5/681-682 ، النيل 6/300 ) و يناقش هذا القول بما يلي :
1. لا يجوز ترك صحيح السنة لقول صحابي .
2. إن هذا الأمر تلقاه عثمان و أكابر الصحابة بالقبول،و نفذه عثمان و حكم به .
ويعتذر لهؤلاء الصحابة أنه لم يبلغهم حديث فريعة ،أو تأوله,أو قام عندهم ما يعارضه. ( الزاد 5/692 )