الحمد للّه الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفى باللّه شهيدًا ، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإِحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإن اللّه تعالى قد منَّ على عباده بإرسال محمد عليه الصلاة والسلام ، وإنزال القرآن الكريم عليه ، وإيتائه السنّة التي هي صنو القرآن الكريم من حيث حجيتها ومنزلتها في التشريع لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فالكتاب هو القرآن العظيم ، والحكمة هي السنَّة النبوية الثابتة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلَّم .
وقد فرض اللّه على الناس الأخذ بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام من السنَّة ، وبيَّن أنها قسم من الوحي وجزء منه ، فقال تعالى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقال جل وعلا : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
فالسنَّة النبوية هي قسيمة القرآن تندرج معه في الوحي الإلهي ، وهي تبينه وتوضحه ، والأخذ بها سبب للاهتداء كما يدل لهذا قول اللّه عز وجل قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ فمن كان نصيبه من طاعة النبي عليه الصلاة والسلام والأخذ بسنَّته والاستمساك بها أكـمل كان حظه من الاهتداء أتمَّ ، وعكسه بعكسه ، فإن الإنسان يفوته من الاهتداء بقدر ما فاته من السنَّة علمًا وعملا .
ومن تمام نصح النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم لأمته وحرصه عليهم ومحبته الخير لهم أوصاهم بسنّته ، وحثهم عليها ، وأمرهم بالأخذ بها ، كـما في قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بتقوى اللّه والسمع والطاعة وإن تَأمَّرَ عليكم عبد حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين ، عَضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومُحدَثَات الأمور ؛ فإن كل بدعة ضلالة . . [ رواه الإمام أحمد في المسند (4 / 126 ) ، والترمذي في كتاب العلم (2600) ، والدارمي في المقدمة (95)] .
ومن دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام إخباره بما يكون من الدعوة إلى ترك سنَّته والاكتفاء بالقرآن ، وتحذيره ممن يدعو إلى ذلك ، قال صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه [ رواه أبو داود في كتاب السنَّة (3988)] .
وقد وقع مصداق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام فوجد قديما وحديثًا من يدعو إلى الاقتصار على القرآن ، ويقلل من شأن السنّة وأهميتها ، ويطعن في نقلها وحملتها وعلمائها وأهلها .
ومن حفظ اللّه لدينه وفضله على عباده أن هيأ لسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم من يحفظها وينقلها ويعلّمها وينافح عنها وينفي عنها الدخيل ، ويدحض شبهات المبطلين ويفندها .
وهذا الكتاب إسهام كريم من العلامة الكبير الشيخ / عبد الرزّاق عفيفي في نصرة السنَّة النبويَّة ، كتبه قديما في تفنيد شبهات أعدائها وخصومها ، فرحمه اللّه رحمة واسعة ورفع درجاته وأعلى منزلته .
ويأتي نشر هذا الكتاب قيامًا من الوزارة ببعض الواجب في نصرة السنَّة والذَّب عنها والذود عن حياضها ، وإسهامًا منها في دحض ما يروّجه المبطلون وتفنيد ما يزعمونه ، ونصحًا للمسلمين ، وامتدادًا لجهود المملكة العربية السعودية في نصرة الإسلام والعناية بمصدريه العظيمين القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة اللذين منهما تستمد المملكة دستورها ومنهاجها .
واللّه المسؤول أن ينفع بهذا الكتاب ، وصلى اللّه على نبينا محمد وعلى اَله وصحبه وسلَّم .
الحمد للّه رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . . وبعد :
فلا بد من الإقرار والتصديق بوقوع الرسالة ، وهي صلة بين اللّه جل شأنه وبين أنبيائه ، ووجوب تكليف العباد بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فهذه الأصول الأولى لا بد من إثباتها ؛ حتى يكون الاحتجاجٍ بما ورد في السنَّة على إثبات أحكام شرعية ، احتجاجا مبنيًّا على أساس وحتى لا يحتاج الناس بعد ذلك إلا إلى دفع شُبه قد ترد .
لا بد أن يكون الأصل ثابتًا * من جهة ما أجمع عليه : من وجود موح يوحي بشرع ومن وجود رسل يُوصلون إلى العباد ليهْدوهم سواء السبيل . * ومن جهة الوجوب : وجوب ما جاءت به الرسل عقيدة وعملا على الأمة التي أرسلت إليها الرسل .
فإذا أراد الإنسان أن يستوفي الموضوع فلا بد له من أن يبدأه من أوله ، ومن الأساس .
أما هذه الرسالة ، فستكون في موضوع شبه ، أو بعض الشّبه التي وردت على الاحتجاج بالسنَّة أو العمل بها ، أو اعتقاد ما جاءت به .