الاستدلالُ على بطلانِ خطبةِ وصلاةِ المرأةِ بالرجالِ
الحمدُ للهِ وبعدُ ؛
نقلت وسائلُ الإعلامِ خبراً عن قيامِ امرأةٍ تدعى أمينة ودود بخطبةِ الجمعةِ والصلاةِ بالرجالِ والنساءِ في أمريكا ، ولا أدري كيف تجرأت على فعلٍ كهذا هداها الله ؟ ، وفعلها يذكرنا بقصةِ الرجلِ الذي بال في بئرِ زمزم ليقال أنهُ بال في بئرِ زمزم نسألُ اللهَ السلامَ والعافيةَ .
وفي مقالي هذا أريدُ أن أقفَ مع نصوصِ الشريعةِ في حكمِ عملِ أمينة ودود ، من خلالِ ما جاء في الكتابِ والسنةِ وكلامِ العلماءِ في المسألةِ .
المسألةُ الأولى : إمامةُ المرأةِ للرجالِ في الصلاةِ :
لا يكادُ كتابٌ من كتبِ الفقهِ عند المذاهبِ الفقهيةِ المعتبرةِ إلا وأشار إلى مسألةِ حكمِ إمامةِ المرأةِ للرجالِ ، وقد بلغتِ الجرأةُ بالمدعوةِ أمينة ودود أن قالت : " لا يوجدُ دليلٌ يمنعُ إمامةَ المرأةِ للرجالِ " .
أقولُ : " سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ ! " ، ألهذهِ الدرجة بلغت بكِ الجرأة !؟ ، الافتراءُ والكذبُ على نصوصِ الكتابِ والسنةِ وعلى علماءِ الأمةِ ، ولنحررِ المسألةَ من خلالِ النصوصِ ولنرى الكذب الذي لا يرضاهُ اللهُ ولا رسوله .
اتفق الفقهاءُ من الخلفِ والسلفِ على عدم صحةِ إمامةِ المرأةِ للرجال ، بل حكى بعضُ الفقهاءِ الإجماعَ على ذلك ومنهم الرملي في " نهايةِ المحتاجِ " فقال : " ( وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجُلٍ ) أَيْ ذَكَرٍ ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا ( وَلَا خُنْثَى ) مُشَكَّلٍ ( بِامْرَأَةٍ ) أَيْ أُنْثَى ، وَإِنْ كَانَتْ صَبِيَّةً ( وَلَا خُنْثَى ) مُشَكَّلٍ بِالْإِجْمَاعِ فِي الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ إلَّا مَنْ شَذَّ " .ا.هـ.
وحكايةُ الإجماعِ فيها نظرٌ لأنه وُجد من خالف في المسألةِ ، ومع ذلك العبرةُ بالدليلِ ، فقد حكم بعضُ العلماءِ على قول من خالف في هذه المسألةِِ بالشذوذِ ، والسعيدُ من وفق إلى الدليلِ الصحيحِ السالمِ من المعارضةِ والقدحِ ، ولهذا قال الرملي : " إلَّا مَنْ شَذَّ " ، وهذا فيه تقريرٌ مهمٌ أنه ليس كل خلاف معتبر ، فربما يكونُ خلافاً شاذاً يصادمُ النصوصَ الكثيرةَ التي تحكمُ بشذوذه ولا شك .
أدلةُ القائلين بعدم صحةِ إمامةِ المرأة للرجال :
قبل ذكرِ الأدلةِ لا بدّ من تقريرِ قاعدةٍ مهمةٍ ألا وهي :
" الأصلُ في العباداتِ التوقيفِ "
ودليلُ القاعدةِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ " .
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة : " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " .
أخرجهُ البخاري (2697) ، ومسلم (1718) .
قال الإمامُ النووي في " شرحِ مسلم " (12/16) :
" وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام ، وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات .
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة زِيَادَة وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة سَبَقَ إِلَيْهَا ، فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُول : " أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا " ؛ فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات ، سَوَاء أَحْدَثَهَا الْفَاعِل ، أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا ...
وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات ، وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ " .ا.هـ.
وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في " تعليقهِ على سننِ أبي داود " :
" قَالُوا : وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كُلّ عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدٌّ "
وَفِي لَفْظ : " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدٌّ "
وَالرَّدّ فِعْل بِمَعْنَى الْمَفْعُول ، أَيْ فَهُوَ مَرْدُود ، وَعَبَّرَ عَنْ الْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَة ، حَتَّى كَأَنَّهُ نَفْس الرَّدّ
وَهَذَا تَصْرِيح بِإِبْطَالِ كُلّ عَمَل عَلَى خِلَاف أَمْره وَرَدّه ، وَعَدَم اِعْتِبَاره فِي حُكْمه الْمَقْبُول
وَمَعْلُوم أَنَّ الْمَرْدُود هُوَ الْبَاطِل بِعَيْنِهِ ، بَلْ كَوْنه رَدًّا أَبْلَغَ مِنْ كَوْنه بَاطِلًا
إِذْ الْبَاطِل قَدْ يُقَال :
لِمَا لَا تَقَع فِيهِ
أَوْ
لِمَا مَنْفَعَته قَلِيلَة جِدًّا
وَقَدْ يُقَال
لِمَا يُنْتَفَع بِهِ ثُمَّ يَبْطُل نَفْعه .
وَأُمًّا الْمَرْدُود فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَجْعَلهُ شَيْئًا وَلَمْ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَقْصُوده أَصْلًا " .ا.هـ.
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (5/357) :
" وَهَذَا الْحَدِيث مَعْدُودٌ مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة مِنْ قَوَاعِده ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ : مَنْ اِخْتَرَعَ فِي الدِّين مَا لَا يَشْهَد لَهُ أَصْل مِنْ أُصُوله فَلَا يُلْتَفَت إِلَيْه " .ا.هـ.
ولله درُ هؤلاءِ العلماءِ الأعلامِ في تقريرِ هذه القاعدةِ العظيمةِ ، ولولا خشيةُ الإطالةِ لنقلتُ كلامَ العلماء في تعليقهم على حديثِ عائشةَ رضي اللهُ عنها .
ولا شك أن أمينةَ أحدثت في الشريعةِ ما لم تسبق إليه ، ولم يكن معروفاً منذ فجرِ الإسلامِ وإلى قيامِ الساعةِ .
وللبحثِ بقيةٌ ...