تذكيرُ أولي الأبصارِ بسننِ اليمينِ واليسارِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد
فهذا كتيّب كنتُ طبعته منذ عشر سنين، فارتأيتُ إنزاله على الشبكة مع بعض الاختصار ليُنتفع به ، فأقول :
القاعدة الأساس في سنن اليمين واليسار
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : قول عائشة رضي الله عنها : (كان رسول الله يحب التيمّن في طهوره إذا تطهّر وفي ترجله إذا ترجل وفي انتعاله إذا انتعل ) .
هذه قاعدة مستمرّة في الشرع، وهي إنما كان من باب التكريم والتشريف
كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر - وهو مشطه - ونتف الإبط وحلق الرأس والتسليم من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك ممّا هو في معناه يستحب التيامن فيه
وأما ما كان بضدّه كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل وما أشبه ذلك، فيُستحب التياسر فيه، وذلك كلّه بكرامة اليمين وشرفها، والله أعلم .
الغسل
أ - غسل الجنابة
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب، فأخذ بكفِّه فبدأ بشقّ رأسه الأيمن، ثم الأيسر، فقال بهما على رأسه . ( البخاري 258 )
قال ابن حجر في فتح الباري (1-489) : وفي الحديث استحباب البداءة بالميامن في التطهر .
ب - غسل الميت
بوّب البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز : باب يبدأ بميامن الميّت، ثم أورد حديث أم عطيّة رضي الله عنها أن رسول الله قال - في غسل ابنته - : " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " . ( البخاري 1255، مسلم 939)
الوضوء
أ - الترتيب
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " إذا لبستم وإذا توضّأتم فابدأوا بميامنكم " . ( رواه أبو داود 4141، وصححه الألباني في صحيح الجامع 787 )
وعن حفصة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله يجعل يمينه لأكله وشربه ووضوئه وثيابه وأخذه وعطائه، وشماله لما سوى ذلك . ( رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4912 )
ب - الاستنثار
عن علي ، أنه دعا بوضوء، فتمضمض واستنشق، ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثاً، ثم قال : هذا طهور نبي الله . ( رواه النسائي 89، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن النسائي 89 )
الصلاة
أ - وضع اليمنى على اليسرى
عن وائل بن حجر : أنه رأى النبي حين دخل في الصلاة؛ وضع يده اليمنى على اليسرى . ( مسلم 401 )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : " إنا معشر الأنبياء أُمِرنا أن نعجّل إفطارنا، ونؤخّر سحورنا، ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ". ( رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2286 )
ب - الاتكاء على اليد اليسرى
عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي نهى رجلاً وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة، فقال : " إنها صلاة اليهود " . ( رواه الحاكم، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص 175 )
وفي رواية أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ : أن رسول الله قال : " لا تجلس هكذا، إنما هذه جلسة الذين يُعَذّبون " . ( رواه أحمد، وحسّن إسناده الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص 175 )
ج - البزاق
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله ما دام في مصلاّه، ولا عن يمينه فإنّ عن يمينه ملكاً، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها " . ( البخاري 416 )
د - التسليم
عن علقمة بن وائل عن أبيه قال : صلّيتُ مع النبي ، فكان يسلِّم عن يمينه : " السلام عليكم ورحمة الله " وعن شماله : " السلام عليكم ورحمة الله " . ( مسلم 582 )
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي يسلِّم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه، يميل إلى الشقّ الأيمن قليلاً . ( رواه ابن خزيمة في صحيحه 1-360 وقال : باب إباحة الاقتصار على تسليمة واحدة في الصلاة، وصححه الألباني في الإرواء 327 )
هـ - صلاة الاثنين جماعة
بوّب البخاري في صحيحه الباب السابع والخمسين من كتاب الأذان بقوله : باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين .
ثم أورد البخاري ( 697 ) حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : بتُّ في بيت خالتي ميمونة، فصلّى رسول الله العشاء، ثم جاء فصلّى أربع ركعات، ثم نام، ثم قام، فجئتُ فقُمتُ عن يساره فجعلني عن يمينه، فصلّى خمس ركعات .
قال ابن حجر في فتح الباري ( 2-243 ) : قوله " سواء " أي لا يتقدّم عنه أو يتأخّر .
و - الوقوف في يمين الصف
بوّب الإمام مسلم الباب الثامن من كتاب صلاة المسافرين وقصرها بقوله : باب استحباب يمين الإمام، ثم أورد ( 709 ) حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كنّا إذا صلّينا خلف رسول الله أحببنا أن نكون عن يمينه، يُقبل علينا بوجهه " .
ح - التسبيح
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : رأيتُ النبي يعقد التسبيح بيمينه . ( رواه أبو داود 1502، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1330 )
ط - دخول المسجد
بوّب البخاري الباب السابع والأربعين من كتاب الصلاة بقوله : باب التيمّن في دخول المسجد وغيره، ثم أورد أثراً معلقاً عن ابن عمر أنه كان يبدأ برجله اليمنى ( دخول المسجد )، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى، وأورد بعده حديث عائشة : كان رسول الله يحب التيمّن ما استطاع في شأنه كلّه : في طهوره وترجّله وتنعّله . ( البخاري 426، ومسلم 268 )
قال ابن حجر في فتح الباري 1-689 : لم أره موصولاً عن ابن عمر، لكن في المستدرك للحاكم من طريق معاوية بن قرة عن أنس أنه كان يقول : من السنة إذا دخلتَ المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجتَ أن تبدأ برجلك اليسرى ( صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2478 ) ، والصحيح أن قول الصحابي " من السنة كذا " محمول على الرفع، لكن لمّا لم يكن حديث أنس على شرط المصنف أشار إليه بأثر ابن عمر .