مقتطفات من حياة الإمام سفيان الثوري مع ابنه الوحيد ... دروس وعبر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد
فهذه مقتطفات من حياة الإمام، الحجة، الثقة، الحافظ، الفقيه، العابد، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، المتوفى سنة 164 هـ، مع ابنه الوحيد، أوردها عبرةً لنفسي وإخواني .
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 7/ 242 ) : قال وكيع : لم يعقب سفيان، كان له ابن فمات قبله . اهـ .
قال الإمام سفيان الثوري : كان يُقالُ : حقُّ الولدِ على والده؛ أن يُحسِن اسمه، وأن يزوِّجه إذا بلغ، وأن يحججهُ، وأن يُحسِن أدبه . ( كتاب العيال 171 لابن أبي الدنيا ) .
عن الأشجعي قال :
كنا مع سفيان الثوري، فمَرَّ ابنه سعيد، فقال : ترون هذا ؟ ما جفوته قط، ورُبّما دعاني وأنا في صلاة غير مكتوبة، فأقطعها له .
( كتاب العيال 160 لابن أبي الدنيا )
وعن الأشجعي قال :
رأيتُ سفيان يحجِمُ ابنه، والصبي يبكي، وسفيان يبكي لبكائه .
( كتاب العيال 160ب )
عن محمد بن عصام - جبر - قال :
استأذن أبي سفيانَ الثوري وهو مقيمٌ بمكّة - مجاور مكة - أن يقدم منزله مع الحجاج ثم يعود إلى الموسم، فلمّا خرج الحجّاج خرج أبي على طريق الكوفة قاصداً إلى دار سفيان، فلقيه مخلَّفوه وحمَّلوه رسائل
وكان ابنه قد تحرّك، وبلغ نحو عشر سنين، فلمّا ودّع جبر قال الصبي : اقرأ منِّي السلام على أبي وقُل له : أقدِم فإني مشتاق إليك .
فلمّا وافى جبر مكّة قضى الطواف وصار إلى سفيان وهو يُحَدِّث الناس مجتمعين عليه، فلمّا نظر إلى جبر، أنس إليه، وكان يسأله حتى أدّى إليه ما قال مخلّفوه
وما قال ابنه، فقام سفيان من المجلس، وطاف بالبيت وصلّى خلف المقام وودَّع البيت، وخرج نحو الأبطح والناس في طلبه،فقال لجبر: يا عصام رُدَّ عنّي هؤلاء القوم فإني لا أحدّثهم اليوم .
فما زال حتى صرف أصحاب الحديث عنه، حتى خلا بوجهه .
فقال له جبر : أين تمضي ؟
قال : نحو المنزل إن شاء الله .
فقال له : بعد غد التروية، وبعده يوم الحج الأكبر ويوم النحر، وتمضي وتدعه، وهؤلاء الناس يأخذون عنك العلم، فيبقى لك أجر من عمل بشيءٍ منه .
فقال : أنا أعلم بهذا منك، ولكنك أتيتني بفرض واجب أن أقضيه، وتأمرني أن أقيم على نافلة وأضيِّع الفرض، وإني مشتاق إلى ابني، فإذا قمتَ في الموقف والمشاهد ادعُ لنا، وإذا خرجتَ فاجعلنا طريقك إن شاء الله .
فخرج بلا زادٍ ولا صاحبٍ .
قال جبر : فسألتُ عنه نفراً، فأخبروني عنه أنه وافاها ذلك اليوم، وصلّى العيد بالكوفة، ولقي ابنه بالمصلّى، ودخل منزله رحمه الله .
( حلية الأولياء 7/ 74-75 )
وفي كتاب العيال ( 162 ) زيادة في الرواية : فتجهّز سفيان للخروج، وقال : إنما سُمُّوا الأبرار؛ لأنهم بَرُّوا الآباء والأبناء .
وعن يحيى بن يمان قال :
سمعتُ سفيان يقول : ما في الأرض أَحَبُّ إليَّ من سعيد، وما في الأرض أَحَدٌ يموت أَحَبّ إليَّ منه .
فمات . فرأيته يبكي، فقلتُ : تبكي وقد كنت تَمَنَّى موته ؟!
قال : أذكر قوله : أوجبني .
( كتاب العيال 163 )
وعن الحسن بن علي الحلواني قال :
سألتُ محمد بن عبيد : أكان للثوري امرأة ؟ فقال : نعم ! رأيتُ ابناً له بعثت به أمه إليه، فجاء فجلس بين يديه، فقال سفيان : ليت أني دُعِيت لجنازتك .
قلتُ لمحمد : فما لبث أن دفنه ؟ قال : نعم .
( حلية الأولياء 7/ 75 )
وعن أبي الأحوص قال :
قيل لسفيان : ما بلغ من وجدك على ابنك ؟
قال : بِلتُ يومَ ماتَ دماً !
هذا ما تيسّر لي الآن من المقتطفات
ولابن أبي الدنيا مصنََّف في ترجمة سفيان الثوري سمّاه " أخبار سفيان " لم يُطبَع بعد، وقد ترجم له أبو نعيم في حلية الأولياء ( 6/ 356-393 و7/ 3-144 ) في قرابة المئتي صفحة تُظهِر لنا سيرته العطرة
ونقل أبو نعيم في حلية الأولياء ( 6/ 165 ) عن سفيان أنه قال : ينبغي للرجل أن يُكرِه ولده على طلب الحديث، فإنه مسؤولٌ عنه
ونقل أبو نعيم ( 7/ 54 ) أنه جاءت امرأة إلى سفيان فقالت : إن ابني ضَيَّعني وترك عمله، فقال : في أيّ شيء أخذ ابنك ؟
قالت : في الحديث، قال : احتسبيه .
رحم الله الإمام سفيان الثوري وابنه وجميع المسلمين، وجعلنا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه .
والنقل
لطفــــــــاً .. من هنــــــــــــــا
لطفــــــــاً .. من هنــــــــــــــا