مقدمة في " علوم اللغة العربية "
أولاً : مكانة اللغة العربية من العلوم الشرعية :
طالب العلم يبدأ بتعلم الاعتقاد ثم الاعتصام ، لأهمية تعلم الاعتقاد والمنهج الصحيحين قبل تعلم ماعداهما ، فلا خير يرجى لمن كان على شرك أو بدعة أو ضلالة لفساد في اعتقاده أو اتِّباعِه .
ثم يبدأ بتعلم علوم الكتاب والسنة ، لأنهما العلمان الأساسيان اللذان تبنى عليهما بقية العلوم الشرعية .
ثم بعد ذلك يأتي دور علوماً وضعها العلماء لضبط فهم العلوم الأساسية ولضبط الاستنباط منها ، وهذه هى علوم الوسائل ، وهى أربعة :
" علوم القرآن ، وعلوم الحديث دراية ، وعلوم اللغة العربية ، وأصول الفقه "
فيبدأ طالب العلم بما يتعلق بدراسة علوم القرآن ؛ ثم علوم الحديث دراية ؛ ثم علوم اللغة العربية ، ثم ما يتعلق بدراسة أصول الفقه .
وقد رتبنا علوم الوسائل الأربعة بهذا الترتيب لمناسبة تقديم علوم القرآن والحديث لدراسة العلوم الأساسية (الكتاب والسنة) .
ثم قدّمنا علوم اللغة على أصول الفقه لأن كثيراً من مباحث الأصول كالدلالات والمعاني هى مباحث لغوية في الأصل .
ومن هذا تتضـح أهميــة علوم اللغــة العربيـة لطالب العلوم الشرعية ، فاللغة وسيلة لفهم النصوص الشرعية ( الكتاب والسنة ) ووسيلة للاستنباط الصحيح من النصوص .
إذ جاءت هذه الشريعة بلسان العرب ، قال تعالى ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (الزخرف:3) ، وقال تعالى ( وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )(النحل: من الآية103).
وإذا كانت اللغة العربية وسيلة لفهم الكتاب والسنة ، فإن تعلمها واجب على طلاب العلوم الشرعية ، لأن الوسائل لها نفس أحكام المقاصد ، حتى قال الشاطبي في " الموافقات " ( 4/ 114 – 118 ) ط. دار المعرفة :
" إن المجتهد لا يلزمه الاجتهاد في شئ من علوم الوسائل إلا علوم اللغة العربية " اهـ
وقال ابن خلدون - رحمه الله - في " الفصــل السادس والثلاثون في علوم اللسان العربي " من مقدمته صـ 545 :
" أركانه أربعة وهى : اللغة ، والنحو ، والبيان ، والأدب ، ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة وهى بلغة العرب ، ونَقَلَتُها من الصحابة والتابعين عرب ، وشرح مشكلاتها من لغاتهم ، فلابد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة " اهـ .
ولما قال بشـر المريسي بخلق القرآن ، وكان من دعاة هذه الفتنة ومن رؤوس المعتزلة ت 218 هـ ، قال له علماء السنة : إنما أوتيت من العُجْمة - إذ استدل على بدعته ببعض الآيات - كآية الزخرف السابقة ، ولم يفهمها على الوجه الصحيح ، يراجع في هذا كتاب " الحيدة " .
ثانيًا : تدويـن علــوم اللغــة العربيــة :
لم تكن علـوم اللغــة العربيــة مدونـة في صـدر الإسلام لاستقامــة اللســان من جهــة الإعراب والمعاني والبيان ، فلم تدع الحاجة إلى تدوين شئ من ذلك .
فلما اتسعت الفتوحات في بلاد العجم من الفرس والروم وأسلم كثير من أهل هذه البلاد وتكلموا بلغة العرب لحاجتهم إلى تعلم الكتاب والسنة من جهة ولحاجتهم إلى التعامل مع العرب من جهة أخرى ، لم يتكلم العجم بلغة العرب على الوجه الصحيح ، كما أن سكنى العرب بين العجم في الأمصار المفتوحة أفسدت لسانهم الأصلى .
فدخل الفساد على اللسان العربي من جهة اللحن تارة ومن جهة استخدام الألفاظ تارة ومن جهة البيان والفصاحة تارة أخرى ، فألهم الله تعالى علماء الأمة وضع قوانين للغة العرب التي هى لغة الكتاب والسنة ، وهذا مما حفظ الله تعالى به دينه الخاتم كما قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر:9) ؛ فقد قضى سبحانه بحفظ هذا الدين لتبقي حجته على خلقه مصونة من التحريف والتبديل إلى يوم القيامة ، وحِفْظ لغة العرب من حِفْظ الدين لأن للوسائل حكم المقاصد ، فألهم الله تعالى فريقًا من العلماء القيام على حفظها وكان هذا بتدوين علوم اللسان العربي والتي انحصرت في أربعة علوم وهى : ( النحو ، واللغة ، والبيان ، والأدب ) ولكلٍ موضوعه وثمرته ، وهى حسب ترتيب تدوينها تاريخياً .
الأول : علم النحو :
وموضوعه : ضبط أواخر الكلمات إعراباً وبناء بحسب موقعها من الجملة على نحو مايتكلم به العرب .
ومعنى النحو أي القصد أو المثل ، وسمي العلم بهذا الإسم لقصد المتكلم أن يتكلم مثل العرب ، كما يسمى هذا العلم أيضا بعلم الإعراب .
وعلى هذا فإنه يدخل في موضوع هذا العلم تمييز الإسم من الفعل من الحرف ، وتمييز المعرب من المبني ، وتمييز المرفوع من المنصوب من المخفوض من المجزوم ، مع تحديد العوامل المؤثرة في هذا كله ، وقد استُنبط هذا كله من كلام العرب بالاستقراء ، وصار كلام العرب الأول شعرًا ونثرًا - بعد نصوص الكتاب والسنة - هو الحجة في تقرير قواعد النحو في صورة ماعرف بالشواهد اللغوية ، وهو ما استشهد به العلماء من كلام العرب لتقرير القواعد .
وثمرة هذا العلم : هو في تحمل اللغة وآدائها من جهة علاقة الإعراب بالمعنى .
والمقصود بالتحمل هنا : فهم المقصود من كلام الغير بحسب إعرابه ، فيميز المُسند من المسند إليه ، والفاعل من المفعول ، وغير ذلك مما يؤدي إهماله إلى قلب المعاني .
والمقصود بالأداء : أن يتكلم المرء بكلام معرب يُناسب المعاني التي يريد التعبير عنها ، ويتخلص من اللحن الذي يقلب المعاني ، فيتمكن بذلك من إفهام الغير .
وواضــع هــذا العلــم : لم يختلف المؤرخون في أن واضع أساس هذا العلم هو التابعي أبو الأسود الدؤلي 67هـ .
وقيل إن هذا كان بإشارة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ ثم كتب الناس في هذا العلم بعد أبي الأسود إلى أن أكمل أبوابه الخليل بن أحمد165هـ .
وذلك في زمن هارون الرشيد ، وأخذ عن الخليل تلميذه سيبويه ( أبو بِشر عمرو بن عثمان بن قنبر ) 180 هـ الذي أكثر من التفاريع ووضع الأدلة والشواهد من كلام العرب لقواعد هذا العلم .
وأصبح (كتاب سيبويه) أساسًا لكل ماكُتب بعده في علم النحو ، ودوّن العلماء علم الصرف مع علم النحو ، وإذا كان النحو مختصًا بالنظر في تغيّر شكل آخر الكلمة بتغير موقعها في الجملة ، فإن الصرف مختص بالنظر في بنية الكلمة ومشتقاتها ومايطرأ عليها من الزيادة أو النقص .
وأهم الكتب المتداولة في علمي النحو والصرف - بعد كتاب سيبويه – هي :
كتابـات أبي عمرو بن الحاجب ( عثمان بن عمر ) 646 هـ صاحب المختصـرات ، المشهــورة في الفقــه والأصول ، وله ( الكافية ) في النحو ، و ( الشافية ) في الصرف ، وكلتاهما من المنثور ، وعليهما شروح كثيرة خاصة ( الكافية ) .
كتابات ابن مالك ( أبو عبدالله محمد جمال الدين ابن مالك الطائي الأندلسي ) 672 هـ ، وله القصيدة الألفية المشهورة ، والتي تناولها كثير من العلماء بالشرح منهم :
ابن هشام الأنصاري 761 هـ ، وله شرح ( أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ) .
القاضي عبدالله بهاء الدين بن عقيل المصري 769 هـ ، وله ( شرح ابن عقيل على الألفية ) .
ولابن مالك صاحب الألفية ( لاميــة الأفعــال ) ، وهى منظومة في الصرف ، وله أيضًا المنظومة الهائية فيما ورد من الأفعال بالواو والياء .
كتابات ابن هشام الأنصاري ( جمال الدين عبدالله بن يوسف ) 761 هـ ، وله ( أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ) ، وله ( مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ) ، وله ( شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب ) ، وله ( قطر الندى وبَلّ الصدى ) .
كتــابــات الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد من علمــاء الأزهر وله شروح وتحقيقات على الكتب السابقة وهى شروح الألفية وكتابات ابن هشام وله ( التحفة السنية شرح متن الأجرومية ) وهو كتاب مختصر شرح فيه متن محمد بن آجرّوم الصنهاجي 723 هـ .
كتابات المعاصرين منها :
( ملخص قواعد اللغة العربية ) لفؤاد نعمة ، و ( الموجز في قواعد اللغة العربية وشواهدها ) لسعيد الأفغاني ، و( النحو الواضح ) لعلي الجارم ومصطفى أمين ، و( جامع الدروس العربية ) لمصطفى الغلاييني ، و( النحو الوافي ) لعباس حسن ، وغيرها كثير .
وتمتاز كتــب المعاصـرين بحُسن التقسـيم وسهــولة الأسلوب في حين تمتاز كتابات الأقدمين بدسامة المادة وكثرة الشواهد وقوتها ، خاصة كتابات ابن هشام الأنصاري التي اهتم فيها بالشواهد القرآنية ، هذا ما يتعلق بعلم النحو ، وهو أول علوم اللغة العربية تدويناً .
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 03.11.08 11:43 عدل 1 مرات