النمص - مسائل وأحكام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده … أما بعد..
أولاً : تعريف النمص:
قال أهل اللغة: النمص هو نتف الشعر.
( ترتيب القاموس (4/444 )، أساس البلاغة (ص473)، لسان العرب (7/101) ).
والنماص: إزالة شعر الوجه بالمنقاش.
لسان العرب عن الفراء (7/101)، النهاية لابن أثير (5/119)، شرح مسلم (14/106) المجموع (4/353)، الفتح (10/390)، السيوطي نقله جاسم الياسين ( من قضايا الزواج ص96 )، أحكام النساء لابن الجوزي (ص 150)، الآداب الشرعية لابن مفلح عن احمد (3/518)، الزواجر عن اقتراف الكبائر عن الخطابي (1/142)، المغني (1/94)، المحلى (10/74-75)، نيل الأوطار (6/192)، فتاوى مهمة عن العثيمين(191).
وهل النمص عام في إزالة شعر الوجه بما في ذلك الحاجبين أو أنه خاص بهما، أو أنه يعم جميع الجسد؟
اختلف العلماء في ذلك إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول:
النمص عام في إزالة شعر الوجه بما في ذلك الحاجبين وما بينهما، فلا يجوز للمرأة أن تغير شيء من خلقتها بزيادة أو نقص التماس الحسن للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه … أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف… فكل ذلك داخل في النهي وهو من تغيير خلق الله … قاله ابن جرير الطبري راجع الفتح (10/390)، شرح مسلم (14/106)، النيل (6/192)، تحفة الأحوذي (8/67).
القول الثاني:
النمص خاص بالحاجبين فقط، قال أبو داود في سننه: النامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه. عون المعبود (11/228)، الفتح (10/390)،
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: النمص هو الأخذ من شعر الحاجبين وهو لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة. فتاوى اللجنة الدائمة (5/195)
القول الثالث:
النمص لا يختص بشعر الحاجبين وإنما يشمل أي مكان وقع من جسد المرأة، وأن ما ورد عن عائشة من جواز حلق شعر الحاجبين ضعيف في سنده مجهول، وأن تخصيص أبي داود بالحاجبين خرج مخرج الغالب ولم يرد به حصر النمص بالحاجب فقط. أهـ مختصراً من كلام الألباني. انظر غاية المرام بتخريج أحاديث الحلال والحرام 76/77.
دليل القول الأول:
أ- عموم الأدلة من الأحاديث النبوية، فلم تفرق بين الحاجبين وبين غيره من شعر الوجه..
ب- أن أكثر أهل اللغة والفقه وشراح الحديث وغريبه على ذلك..
(2) دليل القول الثاني:
أ- حديث عائشة الذي أخرجه الطبري من طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة وكانت شابة يعجبها الجمال فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت. الفتح (10/391)، قال الألباني: ضعيف فإن امرأة أبي إسحاق لم أعرفها.غاية المرام ص 77.
ب- قول الإمام أبى داود في سننه: النامصة هي التي تنقش الحاجب حتى ترقه. عون المعبود (11/228).
(3) دليل القول الثالث:
أ- الإطلاق الوارد في الأحاديث النبوية فهو يشمل النمص في أي مكان وقع من جسدها وتقييده بمثل هذا الأثر عنها لا يجوز لعدم ثبوته.
ب- التفسير المذكور في حديث عائشة خلاف اللغة.
ج-قول أبي داود المذكور إنما خرج مخرج الغالب ولم يرد به حصر النمص بالحاجب فقط.
والذي ظهر أن القول الأول هو الصواب إلا ما نبت في وجه المرأة من غير أصل الخلقة كالشارب واللحية والعنفقة فإنها تزال وسيأتي.
ثانيا: حكم النمص:
الأصل في النمص التحريم وهو من الكبائر فلا يجوز فعله أو الإعانة على فعله بأي وجه كان للخبر، ومن الأدلة التي وردت في تحريم النمص ما يلي:
1- قال الله تعالى حكاية عن إبليس:-
((ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً)). سورة النساء 119.
وقد فسر بعض المفسرين بأن المقصود بتغير خلق الله هنا في الآية هو الوشم والنمص والتفليج قال القرطبي في تفسير هذه الآية:(وقالت طائفة الإشارة بالتغيير إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن) . قاله ابن مسعود والحسن (392/5).
وقوله: ((وماجرى مجراه من التصنع للحسن)) يقصد ما في حديث ابن مسعود قال عبد الله ((لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى، مالي لا العن من لعن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله (وما آتاكم الرسول فخذوه). رواه البخاري (5939)
فهذا دليل على أن هذه الأمور هي من تغيير خلق الله تعالى.
قال ابن جرير الطبري: فكل ذلك داخل في النهي وهو من تغيير خلق الله … الفتح (10/390).
قال الشيخ عبد الله بن جبرين عن النمص: فليس فيه جمال بل تغيير لخلق الله وهو أحسن الخالقين، وقد ورد وعيد في ذلك ولعن من فعله وذلك يقتضي التحريم )). فتاوى المرأة 170
2- عن عبد الله قال(لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقال عبد الله ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، فقالت المرأة لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، فقالت المرأة فإني أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن قال اذهبي فانظري قال فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً فجاءت إليه فقالت ما رأيت شيئاً فقال أما لو كان ذلك لم نجامعها. رواه البخاري (5939)، ومسلم واللفظ له (14/107-105 نووي).
أ. قال ابن قدامه: فهذه الخصال -الواردة في حديث ابن مسعود- محرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعلها ولا يجوز لعن فاعل المباح … المغني (1/107).
ب. قال ابن الجوزي: وظاهر هذه الأحاديث تحريم هذه الأشياء التي قد نهى عنها على كل حال.. أحكام النساء(ص 150)
ج. قال ابن حزم:… وهو من الكبائر يعني الوصل ولا يحل لها أن تفلج أسنانها ولا أن تنتف الشعر من وجهها… فإن فعلت فهي ملعونة هي والتي تفعل بها ذلك. المحلى (10/74-75) ( 1911)
د. قال الحافظ: وفي هذه الأحاديث حجة لمن قال يحرم الوصل في الشعر والوشم والنمص على الفاعل والمفعول به وهي حجة على من حمل النهي فيه على التنزيه لأن دلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات بل عند بعضهم انه علامات الكبيرة. الفتح (10/390)
وضابط الكبيرة عند أهل العلم هو ما قاله الإمام الذهبي (كل معصية فيها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب وتهديد أو لعن فاعله على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فانه كبيرة ولابد. ص 22من كتاب الكبائر له
وعد الذهبي النمص من الكبائر في كتابه عند الكبيرة الستون ص 185 ( الكبائر تحقيق مشهور حسن )، راجع أيضا شرح مسلم (14/106) ونيل الاوطار(6/192)، فتاوى المرأة للعثيمين(112)، تنبيهات للمؤمنات للفوزان (28).
ثالثاً ذكر ما يدخل في معنى النمص:
اعلم أخي الكريم إن علة تحريم النمص عند بعض أهل العلم بل أكثرهم هي مطلق الإزالة لشعر الوجه تغييراً لخلق الله بأي مزيل سواءً كان نقشاً أو نتفاً أو بحف (حلق) أو قص أو تخفيف بخيط أو بموسى أو دهن.
قال النووي: إلا الحف فانه من جملة النماص. المجموع (1/349-422) الفتح(10/390)
وحف الوجه معناه ان تزيل المرأة الشعر من وجهها بالموسى وتقشره. لسان العرب (10/396)، المصباح المنير (142).
1- قال ابن منيع:
لا يخفى أن إزالة الحواجب من تغيير خلق الله … وليس التحذير من ذلك خاص بوسيلة الإزالة حتى يفرق بين الحلق والنتف فالجميع تؤدي إلى نتيجة هي تغيير خلق الله… فتاوى مهمة لنساء الأمة جمع عمرو عبد المنعم سليم ص 193
3- قال ابن عثيمين:
وإن كان -أي النمص- بغير النتف بالقص أو بالحلق فإن بعض أهل العلم يرون أنه كالنتف لأنه تغيير لخلق الله فلا فرق بين أن يكون نتفاً أو يكون قصاً أو حلقاً وهذا أحوط بلا ريب. فتاوى علماء البلد الحرام ص 577 وفتاوى نسائية 27 وفتاوى المرأة ص 113 .
4- قال ابن جبرين:
لا يجوز القص من شعر الحواجب ولا حلقه ولا التخفيف منه ولا نتفه . فتاوى المرأة ص 170
5- قال الفوزان:
ويحرم على المرأة المسلمة إزالة شعر الحاجبين أو إزالة بعضه بأي وسيلة من الحلق أو القص أو استعمال المادة المزيلة له أو لبعضه… تنبيهات على أحكام تخص المؤمنات ص 27
وذهب الإمام أحمد وتبعه على ذلك ابن قدامة إلى إباحة حلق شعر الحاجبين دون النتف فقد روى الخلال في الترجل (225) من طريق إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله تحف المرأة جبينها؟ قال: أكره النتف والحلق ليس به بأس.
وأورد الخلال أيضاً من طريق محمد بن عبد الله بن إبراهيم : أن أبا عبد الله سئل عن النامصة والمتنمصة؟ فقال: هي التي تنتف الشعر فأما الحلق فلا، قيل له: فما تقول في النتف؟ قال: الحلق غير النتف، النتف تغيير فرخص في الحلق.
وقال ابن قدامة: وإن حلق الشعر فلا بأس لأن الخبر إنما ورد في النتف، نص على هذا أحمد… المغني (1/107)
وقال أيضاً (1/105) فأما حلق الوجه فقال أحمد: ليس به بأس للنساء وأكرهه للرجال.
وقد تأول أهل العلم لقول الإمام أحمد بأن الذي يظهر أن المراد بالحلق هنا الذي أجازه أحمد هو تقصير شعر الحاجب بالقراض (المقص) دون نتفه أو دون إزالته بالكلية فان النهي غير مختص بالطريقة وإنما مختص بعموم الإزالة بأي طريقة كانت. راجع فتاوى مهمة لنساء الأمة لعمرو سليم ص 191-192 ( تعليق).
ولا يفوتني هنا أن أذكر من تابع الأمام أحمد في جواز حلق شعر الوجه ، فقد أجاز ذلك ابن الجوزي كما في أحكام النساء له ( ص151) بقصد التحسن للزوج ، وحمل أحاديث النهي عن النمص إذا اتخذ شعاراً للفاجرات فيكن المقصودات أو للتدليس على الرجال ، وأورد ابن الجوزي أن هذا هو مذهب شيخه عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي .