جذور الكتاب المقدس المسيحي - د/ بارت إيرمان
لكي ندرس نسخ العهد الجديد التي بحوذتنا ، نحتاج أولا إلى البدء بدراسة أحد الخصائص غير المألوفة التي تتميز بها المسيحية في محيط العالم اليوناني الروماني:ألا وهي طابعها الكتابيّ (Bookish). في الواقع ،لكي نفهم هذه الخصيصة التي تتميز بها المسيحية ،نحن بحاجة ،قبل الحديث عن المسيحية،إلى البدء بالحديث عن الديانة اليهودية،وهي الديانة التي انبثقت منها المسيحية . حيث إن اليهودية ،التي كانت "ديانة الكتاب" الأولى في الحضارة الغربية،كانت قد سبقت كتابيّة المسيحية إلى حد ما وتنبأت بها.
اليهودية باعتبارها ديانة الكتاب
كانت اليهودية ، التي هي أساس المسيحية، ديانة غير مألوفة في العالم الروماني،على الرغم من أنها لم تكن منقطعة النظير. فمثل أتباع أيَّة ديانة أخرى من (المئات ) من الديانات التي كانت موجودة في منطقة حوض المتوسط،كان اليهود يؤمنون بوجود مملكة إلهية تسكنها الكائنات العلوية(ملائكة،رؤساء ملائكة،طغمات الملائكة،القوى)؛كما اتفقوا على عبادة إله عبر تقديم الأضحيات التي هي عبارة عن حيوانات وأطعمة أخرى؛ وكانوا يؤمنون بأن هناك مكانًا مقدسًا له خصوصية بحيث يسكن فيه هذا الكائن الإلهي هنا على الأرض ( الذي هو الهيكل في أورشليم)، حيث تسفك دماء هذه الأضاحي . وقد كانوا يصلُّون إلى هذا الإله طلبا لقضاء حوائج جماعية وشخصية. وحكوا قصصًا عن الكيفية التي تعامل بها هذا الإله مع البشر في الزمن الماضي ، وانتظروا عونه للبشر في الزمن الحاضر . في كل هذه النواحي ، لم تكن اليهودية "مختلفة" في أعين كل المؤمنين بالآلهة الأخرى داخل الإمبراطورية.لكنَّ اليهودية في بعض النواحي ،على الرغم من ذلك ، كانت متميزة عن غيرها. فكلُّ الديانات الأخرى داخل الإمبراطورية كانت ديانات شركية ـ أي تعترف بالعديد من الآلهة من كل الأنواع وبمختلف الوظائف وتتوجه إليها بالعبادات :مثل الآلهة العظيمة للدولة ، والآلهة الأقل شأنًا في الأقاليم المختلفة ، آلهة تراقب المناحي المختلفة لميلاد الإنسان ،وحياته ، وموته . ومن ناحية أخرى ، كانت اليهودية ديانة توحيديَّة ؛ فاليهود أصرُّوا على عبادة الإله الواحد الذي عبده أجدادهم فحسب ، الإله الذي ،حسب زعمهم ، كان قد خلق هذا العالم ، وحكمه،وهو وحدُه الذي كان في حاجةِ شعبِه . وفقًا للتقليد اليهودي ،هذا الإله الواحد القادر على كل شئ دعى إسرائيل ليكونوا شعبه المختار ووعده بالحماية والدفاع عنه في مقابل إخلاصه المطلق له، وله وحده . كان بين الشعب اليهودي ،كما كان يُعتَقد، وبين الله "عهد"،أي اتفاق بموجبه يكونون وحدهم شعبه كما يكون هو ربهم وحدهم . هذا الإله الواحد هو المستحق وحده للعبادة وللطاعة ؛ وهكذا ،للسبب ذاته ،كان ثمة هيكل واحد فقط ،على عكس الديانات الشركيّة في ذلك العصر التي ،على سبيل المثال ،تسمح أن يوجد أي عدد من المعابد لإله مثل "زيوس". بلا شك ،كان بإمكان اليهود أن يعبدوا الله في أي مكان يعيشون فيه ،لكنهم لم يكونوا يستطيعون إقامة واجباتهم الدينية مثل تقديم الذبائح لله إلا في الهيكل في أورشليم .أما في الأماكن الأخرى ،مع ذلك ،فيمكنهم أن يجتمعوا معًا في "الكنيسات" للصلاة ولمناقشة التقاليد الآبائية التي تتعلق بشئون دينهم . هذه التقاليد تشتمل على قصص تدور حول علاقة الله بآباء شعب إسرائيل – أو آباء و أمهات الإيمان ـ إذا جاز التعبير : إبراهيم ،سارة ، إسحاق ، راشيل ،يعقوب ، رُفقى ،يوسف ،موسى ،داوود ،وهلم جرا ــ وأيضًا تعاليم مفصَّلة بخصوص الكيفية التي ينبغي أن يسيِّرَ بها هذا الشعب عبادته وحياته. أحد الأشياء التي تجعل اليهودية ديانة فريدة وسط ديانات الإمبراطورية الرومانية أن هذه التعاليم ، إلى جانب التقاليد الآبائية الأخرى، كانت مكتوبة في ثنايا كتبٍ مقدسة. إلا أن المعرفة الوثيقة للإنسان المعاصر بالديانات الغربية الرئيسية المعاصرة (اليهودية ،المسيحية ، الإسلام)،ربما ستجعل من العسير أن يتصور المرء غرابة هذا الأمر ، لكنَّ الكتب لم تلعب فعليًا أيَّ دورٍ في الديانات الوثنية التي كانت موجودة في العالم الغربي القديم. هذه الديانات كانت تقريبا وبشكل خاص معنية بتمجيد الآلهة عبر طقوس الذبح. لم يكن ثمّةَ عقائدٌ يمكن تعلُّمها ،ومن ثمَّ تفسيرُها في ثنايا الكتب ، وتقريبا لم يكن ثمَّة مبادئ أخلاقية تحتذى ، فيتم تضمينها في الكتب. وهذا لا يعني أننا نقول إن أتباع الديانات الوثنية المتنوعة لم يكن لديهم أي عقائد حول آلهتهم أو أنهم لم يكن لديهم أي مبادئ أخلاقية ،بل ما نقصده هو أن العقائد والأخلاق ـ وهو ما يبدو غريبًا على الأسماع في العصر الحديث ـ لم تلعب تقريبا أيَّ دور في الدين تحديدًا. فتلك العقائد والأخلاق كانت بدلا من ذلك من قضايا الفلسفة الشخصية، والفلسفات ، بالطبع ،يمكن أن تكتب في الكتب. وحيث إن الديانات القديمة ذاتها لم تتطلب أي مجموعة خاصة من "العقائد السليمة" أو ، في الغالب ، من" القوانين الأخلاقية،" فالكتب لم تلعب تقريبًا أي دور فيها. كانت اليهودية فريدة في أنها أكدّت على تقاليدها ،وعاداتها، وقوانينها الآبائية ، وأصرت على أن يتمَّ تسجيلُها في ثنايا الكتب المقدسة، التي كانت لها ،من أجل هذا، منزلة "الكتاب المقدس" في أعين الشعب اليهودي. في أثناء الفترة موضع دراستنا ـ القرن الأول من الميلاد (1)، عندما كانت الكتب المتضمَّنة في العهد الجديد في مرحلة الكتابة ـ كان اليهود الذين تشتتوا في كل مكان من الإمبراطورية الرومانية يعتقدون أن التعاليم التي أعطاها الرب بشكل خاص للشعب موجودة في ثنايا كتب موسى ،المشار إليها مجموعةً بالتوراة ،التي تعني حرفيًا شيئا مثل "قانون" أو "هداية." تتكون التوراة من خمسة كتب ،يطلق عليها أحيانا (Pentateuch) أي (أسفار موسى الخمسة)،التي هي بداية الكتاب المقدس اليهودي (الذي يقابل مصطلح العهد القديم عند المسيحيين): التكوين ، الخروج ،اللاويين، العدد ، التثنية.
ها هنا يجد المرء روايات عن خلق العالم ،دعوة شعب إسرائيل ليصيروا شعب الله ،قصص الآباء والأمهات وعلاقة الله بهم ،والأهم (والأطول مساحةً )،القوانين التي أعطاها الله لموسى لتعرِّفَهم كيف ينبغي أن يعبد الشعبُ ربَّهم وكيف ينبغي أن يتعاملوا بعضهم مع بعض داخل المجتمع . لقد كانت قوانينًا مقدسة ، ينبغي تعلُّمها ،ومناقشتها ، واتِّباعِها ـ و كانت مكتوبة في ثنايا مجموعة من الكتب.
كان لليهود كتبًا أخرى كانت تمثل شيئًا مهمَّا لحياتهم الدينية الجماعية أيضًا،على سبيل المثال ،أسفار الأنبياء (مثل إشعياء ،إرميا ، عاموس)، الأشعار (أو المزامير)، والأسفار التاريخية( مثل يشوع وصموئيل). في المحصلة ، بعد فترة من ظهور المسيحية ، حدث وأن أصبحت مجموعة من هذه الكتب العبرية ـ اثنان وعشرين منهم تحديدًا ـ ينْظَرُ إليها على أنها القائمة القانونية للكتاب المقدَّس ،أي الكتاب المقدس اليهودي في الوقت الحاضر ،الذي قبله المسيحيون باعتباره الجزء الأول من القائمة القانونية المسيحية ، أو ما يعرف بـ"العهد القديم ." (2)
هذه الحقائق المختصرة حول اليهود ونصوصهم المكتوبة هي من الأهمية بمكان لأنها تمثل الخلفية بالنسبة للمسيحية ،التي كانت أيضًا ، منذ لحظاتاها الأولى ،ديانة "كتابية". لقد بدأت المسيحية ،بالطبع ، من خلال يسوع ، الذي كان نفسه حبرًا يهوديًا (Rabbi ) (أي معلمًا) قَبِل سلطان التوراة ، وربما الكتب اليهودية المقدسة الأخرى ،و لقن تلاميذه تفسيره الخاص لهذه الكتب (3) . ومثل معلمي عصره الآخرين ،أكد يسوع أن النصوص المقدسة،قانون موسى على وجه الخصوص، تمثل إرادة الله . لقد قرأ من هذه الكتب المقدسة ،وتعلَّمها،وقام بتفسيرها ،والتزم بها،وعلَّمها. لقد كان تلامذته ،منذ البداية ، يهودًا وكانوا ينظرون إلى الكتب التي تحوي تقاليد قومهم على أنها ذات قيمة خاصة. وهكذا ، بالفعل ،في بداية المسيحية ،كان أتباع هذه الديانة الجديدة ،أي تلاميذ يسوع ،فريدين في الإمبراطورية الرومانية :فهم كانوا مثل اليهود من قبلهم ،لكنهم لم يكونوا مثلَ أيِّ شخص آخر تقريبًا ،فقد أوجدوا سلطة مقدسة في ثنايا كتب مقدسة . لقد كانت المسيحية في بدايتها ديانة الكتاب .
المسيحية باعتبارها ديانة الكتاب
كما سنرى قريبا ، لم تكن الأهمية التي احتلتها الكتب لدى المسيحية الأولى تعني أنَّ كلَّ المسيحيين كان بإمكانهم قراءة الكتب ؛ بل على العكس من ذلك تماما ، معظم المسيحيين الأوائل ،مثلهم مثل غالبية الشعب في أنحاء الإمبراطورية (بمن فيهم اليهود ! ) ، كانوا أمِّيين . لكنَّ ذلك لا يعني أنَّ الكتب لعبت دورًا ثانويًا بالنسبة إلى الدين . في الحقيقة ، كانت الكتب ذات أهمية رئيسية، بشكل مطلق ، لحياة المسيحيين في مجتمعاتهم .
الرسائل المسيحية المبكرة
أول ما يجب ملاحظته هو أن أنواعًا كثيرة ومتباينة من الكتابة كانت تحمل أهمية للمجتمعات المسيحية النامية في القرن الأول بعد وفاة يسوع . فأقدم البراهين التي بين أيدينا عن المجتمعات المسيحية تأتي من الرسائل التي كتبها القادة المسيحيون . بولس الرسول هو أقدم وأفضل مثال لدينا . أقام بولس الكنائس في أنحاء غرب المتوسط ، بشكل أساسي في المراكز الحضرية ،وبصورة جلية عبر إقناع الوثنيين (أي أتباع الديانات الشركية داخل الإمبراطورية) بأن إله اليهود هو الإله الوحيد المستحق للعبادة ،وأن يسوع كان ابنه،الذي مات من أجل خطايا العالم وأنه سيعود قريبًا للدينوية على الأرض (انظر 1تسالونيكي 1 : 9-10 ) . ليس من الواضح إلى أيِّ حدٍ استخدم بولس الكتاب المقدس ( أي نصوص الكتاب المقدس اليهودي) في محاولته لإقناع مُتنَصِّريه المُحْتَمَلين بأن رسالته هي رسالة الحق ؛ لكنه يشير في واحدة من ملخصاته الهامة لرحلاته الوعظية إلى أن ما يعظ به هو أن "المسيح مات ، حسب الكتب " (1 كورنثوس 15 : 3-4). من الواضح أن بولس ربط بين أحداث موت المسيح و قيامته، بتفسيره لإحدى الفقرات الرئيسية في الكتاب المقدس اليهودي ،التي كان باستطاعته بشكل واضح ،باعتباره يهوديًّا واسع الثقافة ، أن يقرأها لنفسه ،وأن يفسرها لمستمعيه في محاولة لتنصيرهم كثيرا ما تكللت بالنجاح. وبعد أن يقوم بتحويل عددٍ من الناس إلى المسيحية في مكان معين ، كان بولس ينتقل إلى مكان آخر ويحاول ، وعادة ما يكون ذلك مصحوبا ببعض النجاح ، أن يحوّل الناس فيه أيضًا إلى المسيحية. لكنه في بعض الأحيان ( وربما كثيرا ؟)كانت تتناهى إلى مسامعه أخبارًا من إحدى مجتمعات المؤمنين الأخرى التي أقامها من قبل :و أحيانًا (أم هل نقول كثيرا ؟) لم تكن هذه الأخبار جيدة : فأفراد المجتمع بدءوا يسلكون سلوكا رديئا ، وظهرت مشكلات الفجور الأخلاقي (Immorality) ،و"المعلمون الكذبة" (false teachers) أصبحوا ينشرون تعاليم مضادة لتعاليمه ،بعض أفراد المجتمع بدءوا في اعتناق العقائد الباطلة ، وهكذا . عند سماعه هذه الأخبار ،كتب بولس ردًا في رسالة إلى المجتمع ،تتناول هذه المشكلات . كانت هذه الرسائل شديدة الأهمية لحياة المجتمع ،وفي النهاية أصبح عددٌ من هذه المجتمعات ينظر إلى هذه الرسائل باعتبارها كتابًا مقدسًا .حوالي ثلاث عشرة رسالة كتبت باسم بولس أصبحت جزءا من العهد الجديد. يمكننا تصوُّر الأهمية التي كانت تحتلها هذه الرسائل في مراحل الحركة المسيحية الأولى من أول الكتابات المسيحية التي لدينا ، أي رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي ،التي عادة ما تؤرخ بعام 49 ميلاديًا تقريبًا (4) ، أي بعد عشرين عامًا تقريبا من موت يسوع ، و قبل عشرين عامًا تقريبًا من كتابة أيٍ من روايات الأناجيل عن حياته .ينهي بولس رسالته بقوله، " سَلِّمُوا عَلَى الإِخْوَةِ جَمِيعاً بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ ؛ أُنَاشِدُكُمْ بِالرَّبِّ أَنْ تُقْرَأَ هَذِهِ الرِّسَالَةُ عَلَى جَمِيعِ الإِخْوَةِ الْقِدِّيسِينَ"( 1 تسالونيكي 5 :26 – 27 ).
لم يكن هذا الخطاب خطابا تقليديًا يقرأه ببساطة شخصٌ ما معنيٌّ به ؛ إن الرسول يُصِرُّ على أن يُقرأ هذا الخطاب ، وأن يتمَّ قبولُه باعتباره بيانًا رسميًا منه ،كمؤسسٍ للمجتمع . كانت الخطابات من أجل ذلك يتم نشرها في كل مكان تتواجد به الجماعات المسيحية منذ أقدم العصور . كانت الرسائل حلقة الاتصال بين المجتمعات التي كانت تعيش في أماكن مختلفة ، فقد وحَّدت إيمان و طقوس المسيحيين ؛وذكرت ما كان يفترض أن يؤمن به المسيحيون وكيف يفترض أن يكون سلوكهم . كانت تقرأ بصوت عالٍ على أفراد المجتمع في اجتماعاتهم ـ حيث لم يكن معظم المسيحيين ،كما أوضحت ،مثلهم في ذلك مثل الغالبية العظمى من الآخرين ، باستطاعتهم قراءة الرسائل بأنفسهم.
أصبح عددٌ من هذه الرسائل جزءًا من العهد الجديد . العهد الجديد ، في الواقع ، يتشكل بشكل كبير من رسائل بولس و القادة المسيحيين الآخرين للمجتمعات المسيحية (الكرونثيون و الغلاطيون على سبيل المثال ) والأفراد المسيحيين (فيليمون كمثال).أضف إلى هذا أن الرسائل التي بقيت حية ــ منها إحدى وعشرين متضمنة في العهد الجديد ـ هي فقط جزء صغير من هذه الكتابات . بالنسبة لبولس وحده ، يمكننا أن نفترض أنه كتب رسائل كثيرة أخرى أكبر من من تلك المنسوبة إليه في العهد الجديد. فقد كان ،أحيانًا ، يذكر رسائل أخرى لم يعد لها وجود ؛ ففي 1 كورنثوس 5 : 9 ، على سبيل المثال ، ذكر رسالة كان قد كتبها قبل أن يكتب الرسالة إلى الكورنثيين (في وقت ما قبل الرسالة الأولى إلى الكورنثيين ). وذكر رسالة أخرى أرسلها إليه بعض الكورنثيين (1 كور 3 : 1) . لكنَّ أثرًا لم يبق لأيٍّ من هذه الرسائل.
ارتاب العلماء لفترة طويلة في أن بعضًا من هذه الرسائل الموجودة في العهد الجديد منسوبةً لبولس هي في الحقيقة من كتابات أتباعه المتأخرين ونسبت إليه بالباطل (5) . و لو صحَّت هذه الشكوك ،فستعطي دليلًا لا شك فيه على أهمية الرسائل عند الحركة المسيحية الأولى : فلكي يجذب الإنسان الأسماع إلى وجهات نظره ، كان عليه أن يكتب رسالة ممهورة بتوقيع الرسول مفترضًا أن ذلك سيمنحها حجمًا من الموثوقية جديرًا بالاعتبار .
إحدى هذه الرسائل التي يزعمون أنها منسوبة إليه هي الرسالة إلى أهل كولوسي ، التي تؤكد بحد ذاتها أهمية الرسائل و هي تذكر رسالة أخرى لم يعُد لها الآن وجود: " وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هَذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ ايْضاً فِي كَنِيسَةِ اللاَّوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَاأنْتُمْ أيْضاً. "(1كولوسي 4 : 16 ). من الواضح أن بولس – إما هو نفسه ، أو شخص آخر يكتب باسمه ـ كتب رسالة إلى مدينة اللاودكية المجاورة. هذه الرسالة أيضًا مفقودة (6) .
النقطة التي أدندن حولها هي أن الرسائل كانت تحمل أهمية لحياة المجتمعات المسيحية الأولى. هذه الرسائل كانت هي الوثائق المكتوبة التي كتبت لترشدهم في إيمانهم و عباداتهم . فقد وحَّدت تلك الكنائس برباط واحد .وساعدت على جعل المسيحية ديانة شديدة الاختلاف عن غيرها من الأديان الأخرى المنتشرة في أنحاء الامبراطورية ،وذلك في أن المجتمعات المسيحية المتعددة ،التي تتوحد من خلال هذا الأدب المشترك الذي تشاركوه هنا وهنالك (قارن مع كولوسي 4 :16) ، كانت ملتزمة بالتعاليم الموجودة في الوثائق المكتوبة أو "الكتُب". ولم تكن الرسائل هي الوحيدة التي حملت أهمية بالنسبة لهذه المجتمعات . فلقد كان هناك أدبٌ ،في الحقيقة ، يتم انتاجه ، ونشره ،وقراءته و الالتزام به على نطاق شديد الاتساع من خلال المسيحيين الأُوَل ،وهو أدب شديد الاختلاف عن أيِّ شئ آخر شهده العالم الروماني الوثني على الإطلاق . وبدلا من وصف كل هذا الأدب بتفصيل مملّ ، يمكنني الآن ببساطة أن أذكر بعض الأمثلة من تلك الأنواع من الكتب التي كانت تُكتَب وتُوَزَّع.
لم يكن هذا الخطاب خطابا تقليديًا يقرأه ببساطة شخصٌ ما معنيٌّ به ؛ إن الرسول يُصِرُّ على أن يُقرأ هذا الخطاب ، وأن يتمَّ قبولُه باعتباره بيانًا رسميًا منه ،كمؤسسٍ للمجتمع . كانت الخطابات من أجل ذلك يتم نشرها في كل مكان تتواجد به الجماعات المسيحية منذ أقدم العصور . كانت الرسائل حلقة الاتصال بين المجتمعات التي كانت تعيش في أماكن مختلفة ، فقد وحَّدت إيمان و طقوس المسيحيين ؛وذكرت ما كان يفترض أن يؤمن به المسيحيون وكيف يفترض أن يكون سلوكهم . كانت تقرأ بصوت عالٍ على أفراد المجتمع في اجتماعاتهم ـ حيث لم يكن معظم المسيحيين ،كما أوضحت ،مثلهم في ذلك مثل الغالبية العظمى من الآخرين ، باستطاعتهم قراءة الرسائل بأنفسهم.
أصبح عددٌ من هذه الرسائل جزءًا من العهد الجديد . العهد الجديد ، في الواقع ، يتشكل بشكل كبير من رسائل بولس و القادة المسيحيين الآخرين للمجتمعات المسيحية (الكرونثيون و الغلاطيون على سبيل المثال ) والأفراد المسيحيين (فيليمون كمثال).أضف إلى هذا أن الرسائل التي بقيت حية ــ منها إحدى وعشرين متضمنة في العهد الجديد ـ هي فقط جزء صغير من هذه الكتابات . بالنسبة لبولس وحده ، يمكننا أن نفترض أنه كتب رسائل كثيرة أخرى أكبر من من تلك المنسوبة إليه في العهد الجديد. فقد كان ،أحيانًا ، يذكر رسائل أخرى لم يعد لها وجود ؛ ففي 1 كورنثوس 5 : 9 ، على سبيل المثال ، ذكر رسالة كان قد كتبها قبل أن يكتب الرسالة إلى الكورنثيين (في وقت ما قبل الرسالة الأولى إلى الكورنثيين ). وذكر رسالة أخرى أرسلها إليه بعض الكورنثيين (1 كور 3 : 1) . لكنَّ أثرًا لم يبق لأيٍّ من هذه الرسائل.
ارتاب العلماء لفترة طويلة في أن بعضًا من هذه الرسائل الموجودة في العهد الجديد منسوبةً لبولس هي في الحقيقة من كتابات أتباعه المتأخرين ونسبت إليه بالباطل (5) . و لو صحَّت هذه الشكوك ،فستعطي دليلًا لا شك فيه على أهمية الرسائل عند الحركة المسيحية الأولى : فلكي يجذب الإنسان الأسماع إلى وجهات نظره ، كان عليه أن يكتب رسالة ممهورة بتوقيع الرسول مفترضًا أن ذلك سيمنحها حجمًا من الموثوقية جديرًا بالاعتبار .
إحدى هذه الرسائل التي يزعمون أنها منسوبة إليه هي الرسالة إلى أهل كولوسي ، التي تؤكد بحد ذاتها أهمية الرسائل و هي تذكر رسالة أخرى لم يعُد لها الآن وجود: " وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هَذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ ايْضاً فِي كَنِيسَةِ اللاَّوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَاأنْتُمْ أيْضاً. "(1كولوسي 4 : 16 ). من الواضح أن بولس – إما هو نفسه ، أو شخص آخر يكتب باسمه ـ كتب رسالة إلى مدينة اللاودكية المجاورة. هذه الرسالة أيضًا مفقودة (6) .
النقطة التي أدندن حولها هي أن الرسائل كانت تحمل أهمية لحياة المجتمعات المسيحية الأولى. هذه الرسائل كانت هي الوثائق المكتوبة التي كتبت لترشدهم في إيمانهم و عباداتهم . فقد وحَّدت تلك الكنائس برباط واحد .وساعدت على جعل المسيحية ديانة شديدة الاختلاف عن غيرها من الأديان الأخرى المنتشرة في أنحاء الامبراطورية ،وذلك في أن المجتمعات المسيحية المتعددة ،التي تتوحد من خلال هذا الأدب المشترك الذي تشاركوه هنا وهنالك (قارن مع كولوسي 4 :16) ، كانت ملتزمة بالتعاليم الموجودة في الوثائق المكتوبة أو "الكتُب". ولم تكن الرسائل هي الوحيدة التي حملت أهمية بالنسبة لهذه المجتمعات . فلقد كان هناك أدبٌ ،في الحقيقة ، يتم انتاجه ، ونشره ،وقراءته و الالتزام به على نطاق شديد الاتساع من خلال المسيحيين الأُوَل ،وهو أدب شديد الاختلاف عن أيِّ شئ آخر شهده العالم الروماني الوثني على الإطلاق . وبدلا من وصف كل هذا الأدب بتفصيل مملّ ، يمكنني الآن ببساطة أن أذكر بعض الأمثلة من تلك الأنواع من الكتب التي كانت تُكتَب وتُوَزَّع.