حقيقة التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني وحكمه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد :-
فنتناول مسألة ونازلة من النوازل المهمة، والتي يتكرر السؤال عنها، وتعم بها البلوى، وهي من أبرز نوازل هذا العصر الذي نعيش فيه، وهي التصوير ، التصوير بأنواعه، التصوير الفوتوغرافي والتليفزيوني وما في معناهما، أو ما يعبر عنه بكلمة التصوير الآلي .
وقبل أن ندخل في بحث هذه المسألة أقول: إن النصوص قد وردت بتحريم التصوير والتشديد فيه ، وظاهر هذه النصوص يدل على أن التصوير من كبائر الذنوب، ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون )وحديث ابن عمر -رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم:أحيوا ماخلقتم (متفق عليه، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :-: قال الله تعالى:- ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة (متفق عليه، وحديث أبي جحيفة -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصور (أخرجه البخاري في صحيحه.
وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا تعذبه في جهنم رواه مسلم، هذه النصوص، وما جاء في معناها تدل على تحريم التصوير مطلقا، سواء كانت الصور لها ظل أو ليس لها ظل، أي سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، وسواء كانت في حائط أو في ستر أو في قميص، أو في مرآة أو في ورق أو غير ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يفرق بين ما له ظل وغيره، وإنما أطلق .
وقد جاء في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى التصاوير على ستر عندها تلون وجهه وهتكه، وقال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ) وهذا الحديث يدل دلالة ظاهرة على أن الصور التي ليس لها ظل، أنها تدخل في عموم الوعيد؛ لأن هذا الستر إنما هو صور منقوشة، جاء في صحيح مسلم أنها صور لخيل، استثنى العلماء من التصوير عموما أمورا فأجازوا فيها التصوير
: الأمر الأول: تصوير غير ذوات الأرواح، مروي ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- فإنه يجوز تصوير الشجر والحجر والجبل ونحو ذلك، من الأمور الجائزة، ولا تدخل في التصوير المحرم .
ثانيا: إذا كانت الصور ممتهنة، فإنها تجوز، مثل أن تكون وسادة أو غطاء أو سفرة، أو نعالا حذاء، ونحو ذلك، ويدل لهذا أنه جاء في حديث عائشة السابق في قصة الستر الذي فيه صور، قالت عائشة: فجعلنا منه وسادة أو وسادتين . وفي حديث أبي هريرة، أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم في القصة المشهورة قال : فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع منه وسادتان منبوذتان توطئان أخرجه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح من جهة الإسناد . فهذا يدل على أن الصور إذا كانت ممتهنة أنها جائزة .
الأمر الثالث مما استثناه العلماء من التصوير : لعب البنات، وألعاب الأطفال عموما، جاء عند أبي داود والنسائي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كشف الستر، ورأى تلك الألعاب قال :- ماهذا ياعائشة ؟ قالت: بناتي ، قالت ورأى فيها فرسا له جناحان، فقال :- ماهذا ؟قلت : فرس له جناحان ألم تسمع أن لسليمان خيل لها أجنحة فضحك عليه الصلاة والسلام ولم ينكر عليها ) ، وهذا هذه المسألة محل خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إن هذا منسوخ، ولكن الصحيح أنه لم ينسخ، وهو قول جماهير أهل العلم، أنه يجوز ذلك للصغار، وأنه يجوز للصغار من الصور ما لا يجوز للكبار .
والحكمة في ذلك قيل: إن ألعاب الصغار فيها نوع امتهان فتكون من القسم الذي ذكرناه، وهو الصور الممتهنة؛ لأن الصور إذا كانت مع الطفل، فلا يظن أنها تعظم، وإنما تكون صورا ممتهنة، وقيل: إن الحكمة أن فيها تدريبا للصغار خاصة إذا كن فتيات، ففيها تدريب لها على أمر بيوتهن .
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات؛ لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن، هذه مقدمة بين يدي بحث هذه المسألة .
نعود بعد ذلك لمسألتنا وهي النازلة التي بين أيدينا وهو التصوير الآلي بأنواعه سواء كان تصويرا فوتوغرافيا أو تصويرا تليفزيونيا، وقبل أن نذكر أقوال العلماء في هذه المسألة نريد أن نلقي الضوء على كيفية التصوير ، كيفية عمل التصوير ؛ لأن فهم هذا مهم جدا لمعرفة الحكم الشرعي؛ ولأنه وقع خلط في بعض المسائل بسبب عدم فهم صورة المسألة فهما صحيحا ، وأكبر إشكالية تواجه الفقهاء المعاصرين هو تصوير المسألة تصويرا واضحا ودقيقا، ولهذا فإنه يقع في كثير من الأحيان الخلاف بسبب عدم الاتفاق على التصوير الدقيق للمسألة، فأقول: لفهم عملية وطبيعة التصوير من أثرٍ في الحكم فلعلي ألقي الضوء على كيفية التصوير ؛ حتى يتبين الأمر ويتضح بشكل جلي .
التصوير بأنواعه سواء كان فوتوغرافيا أو تليفزيونيا يشبه نظام الرؤية في العين، بل إنه اقتبست فكرة التصوير من عين الإنسان، عين الكائن الحي عموما، كما أنه اقتبست فكرة الطيران من الطائر وكيف يطير، هكذا أيضا التصوير هو يشبه نظام الرؤية في العين، ولهذا يسميه بعض الباحثين بالعين الصناعية، والإنسان عندما يرى الأشياء بعينه هل يصدر من العين أشعة، هل يصدر من العين أشعة الضوء لكي يرى بها الأشياء؟ أم أن الأشياء التي يراها هي التي تنعكس منها أشعة الضوء لتسقط على العين؟
الجواب :- لا شك أن الجواب الثاني، ولهذا لا يمكن للعين أن ترى في الظلمة، لو كانت تصدر من العين أشعة لترى بها الأشياء لرأى الإنسان في الظلام، والواقع أن الإنسان لا يمكن أن يرى في الظلمة، فهذا يدل على أن الأشياء التي تراها العين تنعكس منها أشعة فتسقط على العين فترى العين الأشياء، ولهذا يقولون: إن العين لا ترى في الظلمة، أما في الأماكن المضاءة، فإن أشعة الضوء في ذلك المكان تنعكس على العين .