( آداب المحدث والطالب ) مقال لفضيلة الشيخ عبدالكريم الخضير ..
آداب المحدث والطالب
أولاً : آداب المحدث:
أولاً : آداب المحدث:
* الإخلاص وتصحيح النية:
قال ابن الصلاح: علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وينافر سيء الأخلاق ومشاين الشيم وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، فمن أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شيء من علومه فليقدم تصحيح النية وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها وليحذر بلية حب الرئاسة ورعوناتها[1]. فقد أخرج أبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: " من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة [2].
* أن يجلس للتحديث عند التأهيل الاحتياج إليه:
قال ابن الصلاح:وقد اختلف في السن الذي إذا بلغ استحب له التصدي لإسماع الحديث والانتصاب لروايته والذي نقوله: إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان.
واختار الرامهرمزي في الحدّ الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث هو أن يستوفي الخمسين لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد.
قال: وليس بمستنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حدّ الاستواء ومنتهى الكمال، نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوّته ويتوفر عقله ويجود رأيه [3].
وأنكر القاضي عياض ذلك على ابن خلاد الرامهرمزي وقال: كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن ومات قبله، وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى، هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين، وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين، وكذلك إبراهيم النخعي.
وهذا مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين، وقيل: ابن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه أحياء، وكذلك محمد بن إدريس الشافعي قد أخذ عنه العلم في سنّ الحداثة وانتصب لذلك، والله أعلم[4].
وحمل ابن الصلاح ما ذكره الرامهرمزي على من يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه من غير براعة في العلم. وأما الذين ذكرهم عياض من حدث قبل ذلك، فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت، ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك، أو لأنهم سُئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما لقرينة الحال [5].
وأما السنّ الذي بلغه المحدث أمسك عن التحديث فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف ويخاف عليه فيه أن يخلّط ما ليس من حديثه، والناس في بلوغ هذه السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم، وهكذا إذا عمى وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه فليمسك عن الرواية.
وقال الرامهرمزي: أعجب إليَّ أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم، فإن كان عقله ثابتاً ورأيه مجتمعاً يعرف حديثه ويقول به وتحري أن يحدث احتساباً رجوت له خيراً [6].
ووجه ابن الصلاح ما قاله الرامهرمزي أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب كما اتفق لغير واحد من الثقات كعبد الرزاق وسعيد بن أبي عروبة.
وقال ابن الصلاح: وقد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة، منهم: أنس بن مالك وسهل بن سعد وعبد الله بن أبي أوفى من الصحابة، ومالك والليث وابن عيينة وعلي بن الجعد في عدد جمّ من المتقدمين والمتأخرين.
وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مئة سنة، منهم: الحسن بن عرفة وأبو القاسم البغوي وأبو إسحاق الهجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري وغيرهم [7].
* أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك :
وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء. وزاد بعضهم فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو لغيره ذلك.
قال ابن معين: إن الذي يحدث بالبلدة وفيها من هو أولى منه بالتحديث فهو أحمق [8].
* ينبغي للمحدث إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه آخر أن يعلم الطالب ويرشده إليه فإن الدين النصيحة.
* أن لا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه، فإنه يرجي له حصول النية من بعد. قال معمر: كان يُقال إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبي عليه العلم حتى يكون لله عز وجل.
* أن يكون حريصاً على نشره العلم مبتغياً جزيل أجره، وقد كان في السلف رضوان الله عليهم من يتألف الناس على حديثه، منهم عروة بن الزبير رضي الله عنهما.
* قال ابن الصلاح: وليقتد بمالك رضي الله عنه فقد كان إذا أراد أن يحدث توضأ، وجلس على صدر فراشه وسرّح لحيته وتمكّن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث، فقيل له في ذلك؟ فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث إلى على طهارة متمكناً، وكان يكره أن يحدث في الطريق أو هو قائم أو يستعجل وقال: أحب أن أتفهّم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروي عنه أن كان يغتسل لذلك ويتبخّر ويتطيّب فإن رفع أحد صوته في مجلس زجره، وقد قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ )) (الحجر: 2).
فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم.
* أن يُقبل على طلابه جميعاً، ولا يخص بعضهم بمزيد عناية دون بعض، روي عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: إن من السنة إذا حدث ا لرجل القوم أن يُقبل عليهم جميعاً[9].
* أن لا يسرد الحديث سرداً يمنع السامع من إدراك بعضه، وليفتتح مجلسه وليختمه بذكر ودعاء يليق بالحال.
* أن يقعد مجلساً للإملاء، فإنه من أعلى مراتب الرواية والسماع فيه من أحسن وجوه التحمُّل وأقواه.
* أن يتخذ مستملياً يبلغ عنه إذا كَثُر الجمع فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدّين لمثل ذلك، وممن روى عنه ذلك: مالك وشعبة ووكيع وأبو عاصم ويزيد بن هارون في عدد كثير من الأعلام السالفين.
وليكن المستملي محصلاً متيقّظاً كيلا يقع في مثل ما روينا أن يزيد بن هارون سئل عن حديث فقال: حدثنا به عدة ... فصاح به المستملي: يا أبا خالد عدة بن من؟ فقال له:عدة ابن فقدتك.
وعليه أن يتّبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف [10].
ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه في حالة الرواية عنه بما هو أهل له، فقد فعل ذلك غير واحد من السلف والعلماء كما روى عن عطاء بن أبي رباح أنه كان إذا حدث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: حدثني البحر.
وعن وكيع أنه قال: حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث، وأهم من ذلك الدعاء له عند ذكره فلا يغفلن عنه [11].