القبورية .. نشأتها .. آثارها وموقف العلماء منها
[size=21]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القبورية لغة:
جمع قبوري، وهو مصدر صناعي صيغ بإضافة اسم مجموع >قبور< إلى ياء النسبة المردوفة بالتاء..
وقد سوغ نسبته للجمع - مع أن له واحداً مستعملاً من لفظه - أنه صار جاريا مجرى العلم لاختصاصه بطائفة بأعيانهم.
وبذلك يكون إطلاق هذا اللفظ على مقدسي القبور والغلاة فيها سائغاً، لأنه قد صار كالعلم عليهم، وأصل القبورية مأخوذ من >القبر< وهو مدفن الإنسان إذا مات، وجمعها قبور
والمقبرة: موضع القبور، وجمعها مقابر، وقبرت الميت قبراً، إذا دفنته، وأقبرته >بالألف< أمرت أن يقبر أو جعلت له قبراً.
أما في الاصطلاح
فقد دأب العلماء - رحمهم الله تعالى - على إطلاق وصف >القبورية< على الغلاة في تعظيم القبور وتقديسها والاعتقاد فيها ما لا يجوز اعتقاده إلا في الله تعالى، وقصدها بأنواع العبادات والقربات ودعاء أربابها من دون الله تعالى.
القبورية والشرك
إن أعظم انحراف وقع في تاريخ البشرية هو الإشراك بالله، وعبادة غيره معه، ولذلك كانت أعظم غاية من إرسال الرسل هي إزالة الشرك، وإعادة الناس إلى التوحيد،
قال تعالى: -ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت- النحل: 36، وقال تعالى: -وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون- الأنبياء: 2 5
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبدالله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم"
فهذه النصوص صريحة في أن أعظم غاية من إرسال الرسل هي إزالة الشرك، وإعادة الناس إلى التوحيد وماذاك إلا لقبح الشرك، وعظيم خطره على العباد في دنياهم وآخرتهم.
مخاطر القبورية
وتظهر تلك الخطورة من أوجه عدة: -
الوجه الأول:
أنه سبب هلاك كثير من الأمم في الدنيا كما قال تعالى: -قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين- >الروم: 42<، فقد ختمت الآية بقوله تعالى: -كان أكثرهم مشركين- لبيان السبب الذي أورد تلك الأمم هذه العاقبة السيئة.
وقال ابن الجوزي: -كان أكثرهم مشركين- المعنى فأهلكوا بشركهم.
- الوجه الثاني:
أنه السبب في تردي الإنسان من منزلة التكريم إلى منزلة الإهانة والتحقير، وإلى الاتصاف بأخبث الأوصاف، وهو وصف النجس
، قال تعالى: -يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم- >التوبة: 28<.
قال السيد رشيد رضا - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: أي ليس المشركون كما تعرفون من حالهم إلا أنجاسا فاسدي الاعتقاد، يشركون بالله ما لا ينفع ولا يضر، فيعبدون الرجس من الأوثان والأصنام ويدينون بالخرافات والأوهام ولا يتنزهون عن النجاسات ولا الأوثان، ويأكلون الميتة والدم من الأقذار الحسية، ويستحلون القمار والزنى من الأرجاس المعنوية ويستبيحون الأشهر الحرم، وقد تمكنت صفات النجس منهم حساً ومعنى، حتى كأنهم عينه وحقيقته، فلا تمكنوهم بعد العام أن يقربوا المسجد الحرام.. إلخ.