يدخل العبد الجنة بسبب عمله
السلام عليكم
قال الشيخ العثيمين -رحمه الله- في شرح 40 نووية حديث 29:
أن العمل يدخل الجنة ويباعد عن النار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على هذا.
وهنا يقع إشكال وهو:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَارَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدِنِيَ اللهُ بِرَحْمَتِهِ"[1][212]
فكيف يُجمع بين هذا الحديث وبين النصوص الأخرى الدالة على أن الإنسان يدخل الجنة بعمله؟
أجاب العلماء - رحمهم الله، فقهاء الإسلام، أطباء القلوب والأبدان، ممن علمهم الله ذلك - فقالوا:
الباء لها معنيان:
تارة تكون للسببية
و
تارة تكون للعوض.
فإذا قلت: بعت عليك هذا الكتاب بدرهم، فهذه للعوض.
وإذا قلت: أكرمتك بإكرامك إياي، فهذه للسببية.
فالمنفي هو باء العوض، والمثبت باء السببية.
فقالوا: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ" أي على أن ذلك معاوضة، لأنه لوأراد الله عزّ وجل أن يعاوض العباد بأعمالهم وجزائهم لكانت نعمة واحدة تقضي على كل ما عمل
وأضرب مثلاً بنعمة النَّفَس، نعمة النفس هذه نعمة عظيمة لا يعرف قدرها إلا من ابتلي بضيق النفس، واسأل من ابتلوا بضيق النفس ماذا يعانون من هذا، والرجل الصحيح الذي ليس مصاباً بضيق النفس لا يجد كلفة في التمتع بهذه النعمة، فتجده يتنفس وهو يتكلم، ويتنفس وهو يأكل ولايحس بشيء.
هذه النعمة لو عملت أي عمل من الأعمال لا تقابلها، لأن هذه نعمة مستمرة دائماً
بل نقول: إذا وفقت للعمل الصالح فهذا نعمة قد أضل الله عزّ وجل عنها أمماً، وإذا كان نعمة احتاج إلى شكر، وإذا شكرت فهي نعمة تحتاج إلى شكر آخر، ولهذا قال الشاعر:
إذا كانَ شكري نعمةَ اللهِ نعمةً *** عليَّ لهُ في مثلها يجب الشكرُ
فكيفَ بلوغُ الشُّكرِ إِلاَّ بفضلهِ *** وإن طالت الأيام واتّصل العمرُ
__________________________
وقال في تفسير سورة الطور:
{بما كنتم تعملون } أي: بسبب ما كنتم تعملون، (فالباء) هنا للسببية، وليست الباء للعوض، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لن يدخل الجنة أحد بعمله» () .
فإن قيل: إن الله تعالى قال: {كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون }، فجعل الله تعالى ذلك بسبب العمل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يدخل الجنة أحد بعمله» مع أن الله يقول: {بما كنتم تعملون }؟
والجواب على هذا الإشكال أن يقال:
الباء تأتي للسببية، وتأتي للبدلية .
فإذا قيل: دخل الرجل الجنة بعمله، فالمعنى السببية
وإذا قال: لن يدخل الجنة أحد بعمله، فالمعنى البدلية
وأضرب مثلاً يبين هذا:
بعتك الثوب بدرهم، فالباء للبدلية، لأن الدرهم صار عوضاً عن الثوب
وإذا قلت: أدبت الولد بعبثه، هذه للسببية
إذن كلنا لن يدخل الجنة بعمله؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو حاسبنا على عملنا ما قابل عملنا نعمة من نعم الله، نعمة واحدة.
فالنفس الآن الذي هو من ضرورة الحياة يخرج منك ويدخل بدون تعب، وبدون مشقة، وكم يتنفس الإنسان في الدقيقة؟!
فلو أننا حوسبنا على أعمالنا بالمعاوضة والمبادلة لكانت نعمة واحدة تستوعب جميع العمل
ونحن الآن لا نحس بنعمة النفس لكن لو أصيب أحد منا بكتم النفس لوجد أن النفس من أكبر نعم الله، لذلك نقول: إن الباء في قوله: {بما كنتم تعملون } للسببية وليست للبدلية، وفي قوله: {بما كنتم تعملون } شمول لكل العمل: الجوارح، والقلب، واللسان.
فالجوارح: كالأفعال، كالركوع، والسجود.
والأقوال: كالأذكار.
والقلوب: كالخوف، والرجاء، والتوكل وما أشبه ذلك، فكل هذه تسمى أعمالنا.
[size=28]_________________________________
[size=28]قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة:
و اعلم أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس ، و يتوهم أنه مخالف لقوله تعالى : *( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )* و نحوها من الآيات و الأحاديث الدالة على أن دخول الجنة بالعمل
وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب :
أن الباء في قوله في الحديث : " بعمله " هي باء الثمنية ، و الباء في الآية باء السببية ، أي أن العمل الصالح سبب لا بد منه لدخول الجنة ، و لكنه ليس ثمنا لدخول الجنة ، و ما فيها من النعيم المقيم و الدرجات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض فتاويه :[/size]
" ولهذا قال بعضهم : الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، و محو الأسباب أن تكون سببا نقص في العقل ، و الإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ، و مجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب ، فإن المطر إذا نزل و بذر الحب لم يكن ذلك كافيا في حصول النبات
بل لا بد من ريح مربية بإذن الله ، و لا بد من صرف الانتفاء عنه ، فلا بد من تمام الشروط و زوال الموانع ، و كل ذلك بقضاء الله و قدره .
و كذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج ، بل كم ممن أنزل و لم يولد له ، بل لا بد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة و تربيه في الرحم و سائر ما يتم به خلقه من الشروط و زوال الموانع .
و كذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة ، بل هي سبب
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فذكر الحديث ) ، و قد قال تعالى : ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )* .
فهذه باء السبب ، أي بسبب أعمالكم ، و الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم باء المقابلة ، كما يقال : اشتريت هذا بهذا .
أي ليس العمل عوضا و ثمنا كافيا في دخول الجنة ، بل لا بد من عفو الله و فضله و رحمته ، فبعفوه يمحو السيئات ، و برحمته يأتي بالخيرات ، و بفضله يضاعف الدرجات.
و في هذا الموضع ضل طائفتان من الناس :
1 - فريق آمنوا بالقدر و ظنوا أن ذلك كاف في حصول المقصود فأعرضوا عن الأسباب الشرعية و الأعمال الصالحة .
و هؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن يكفروا بكتب الله و رسله و دينه .
2 - و فريق أخذوا يطلبون الجزاء من الله كما يطلبه الأجير من المستأجر ، متكلين على حولهم وقوتهم و عملهم ، و كما يطلبه المماليك .
و هؤلاء جهال ضلال : فإن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به حاجة إليه ، و لا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا به ، و لكن أمرهم بما فيه صلاحهم ، و نهاهم عما فيه فسادهم .
و هو سبحانه كما قال : " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني " .
فالملك إذا أمر مملوكيه بأمر أمرهم لحاجته إليهم ، و هم فعلوه بقوتهم التي لم يخلقها لهم فيطالبون بجزاء ذلك ، و الله تعالى غني عن العالمين ، فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم ، و إن أساءوا فلها . لهم ما كسبوا ، و عليهم ما اكتسبوا ، ( من عمل صالحا فلنفسه ، و من أساء فعليها و ما ربك بظلام للعبيد )* " . انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله منقولا من " مجموعة الفتاوى " ( 8 / 70 - 71 )
و مثله في " مفتاح دار السعادة " لتلميذه المحقق العلامة ابن قيم الجوزية ( ص 9 - 10 ) و " تجريد التوحيد المفيد " ( ص 36 - 43 ) للمقريزي .
والنقل
لطفــــــــــــاً .. من هنـــــــــــــا
لطفــــــــــــاً .. من هنـــــــــــــا
[/size][/b]