واخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله علية وسلم : (( وإن الكذب يهدي إلى الفجور ,
وإن الفجور يهدي إلى النار ,
وإن الرجل ليكذبُ حتى يُكتب عند الله كذاباً )) .
والعجب , أنّ الخوارج يرون الكذب , مخرجاً من الملة ,
وصاحبه مخلَّدٌ في النار عياذاً بالله ,
فتراهم على ضلالهم أصدق أهل البدع ,
غير أنّ هذا الإباضي لم يتوان عن الكذب والتلبيس ,
فلا حول ولا قوة إلا بالله
====================
(( تنبيه)) :
زعم الاباضي في ص 77 –78 : أن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في كشف الله عز وجل عن ساقه ضعيف , وان الصواب في تفسير قوله تعالى ( يوم يكشف عن ساق ) أي عن شدة , وهذا تفسير الصحابة بالإجماع وذهب إليه ابن كثير وابن تيمية في (( مجموع الفتاوى )) ( 6/ 394) وذكر جماعة .
وجوابه :
أن الصحابة والمفسرين من بعدهم اختلفوا في قوله تعالى (( يوم يكشف عن ساق )) هل هي من آيات الصفات أو لا .
فجعلها بعضهم منها وقال إنها كحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , وقال آخرون ليست من آيات الصفات وإنّما المقصود شدة الأمر .
ومن بلغه حديث أبي سعيد رضي الله عنه منهم , لم ينكر الساق , بل أثبتها لله عز وجل , وإن كان يرى أن المقصود في الآية شدةُ الأمر , لأن الساق في الأية منكَّرةٌ وفي الحديث مضافةٌ لله عز وجل , فهي صفة من صفات الله جل وعلا .
وأما زعم هذا الاباضي موافقة شيخ الإسلام له فهو زعم باطل , وإنّما شيخ الإسلام رحمة الله احتج على من زعم أنّ الصحابة مختلفون في التأويل , وأن منهم من يؤول الصفات بهذه الآية فذكر أن أولها منهم في القران , فإنما أوّلها لاعتقاده أنها ليست من آيات الصفات , هذا ما في كلام شيخ الإسلام .
وكذلك زعم الإباضي أن هذا قول ابن كثير فباطل أيضا , فقد ساق ابن كثير حديث أبي سعيد الخدري واستدل به وأثبت الساق لله عز وجل في (( تفسيره )) .
وانظر في مجموع الفتاوى (( 6 /394 )) (( والصواعق المرسلة )) لابن القيم ( 1 / 252 ) .
*****************************
فصل
ثم قال الإباضي ص 17:
( قال ص85 – أي الدارمي - :
(( ولو شاء لا استقر على ظهر بعوضة , [ فاستقرت به ] بقدرته ولطف ربوبيته , فكيف على عرش عظيم )) ) .أ.هـ .
( كذا حرفها الإباضي في نقله [ فاستقرت به ]والصواب كما في كتاب الدارمي (( فاستقلت به)) )
وأقول :
إليك كلام الدارميِّ تاماً قال الدارمي ص85 – 86 في رده على المريسي :
( فيقال لهذا البقباق النفّاخ :
إن الله أعظمُ منّ كلِّ شيء , وأكبر من كلِّ خلق , ولم يحتمل العرشُ عظمةً ولا قوة , ولا حملةٌ العرش بقوتهم . ولكنّهم حملوه بقدرته ومشيئته و إرادته و تأييده لولا ذلك ما أطاقوا حمله .
وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقهٌ الجبارُ في عزته , وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا , وجثوا على ركبهم , حتى لقنوا (( لا حول ولا قوة إلا بالله )) فاستقلوا به وبقدرة الله وإرادته . لولا ذلك ما استقل به العرش , ولا الحملةُ ولا السموات ُ ولا الأرض ولا من فيهن .
ولو قد شاء لا ستقر على ظهر بعوضة , فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته , فكيف على عرش عظيم , أكبر من السموات السبع والأرضين السبع ؟! ولو كان العرشُ في السموات والأرضين ما وسعته . ولكنّه فوق السماء السابعة . فكيف تُنكر هذا . وأنت تزعم أن الله في الأرض في جميع أمكنتها , والأرض دون العرش في العظمة والسعة ؟! فكيف تُقلٌّهٌ الأرض في دعواك ولا يقله العرش الذي هو أعظم منها وأوسع ؟ وأدخل هذا القياس الذي أدخلت علينا في عظم العرش وصغره وكبره على نفسك وعلى أصحابك في الأرض وصغرها , حتى تستدل على جهلك , وتفظن لما تورد عليك حصائد لسانك فإنك لا تحتج بشيء إلا هو راجعٌ عليك وآخذ بحلقك ) أ. هـ .
ثم شرع رحمة الله في سياقه الآثار في العرش .
ومن هذا يظهرُ لنا أن الخلاف بيننا وبين هذا الإباضي وأمثاله خلافٌ في قدرة الله ومشيئته . لا أنه في أمر آخر . فإن الإمام الدارمي رحمة الله يقصدُ بكلامه السابق , أن العرش لم يستقل بالله لقوة في العرش أو في حملته , وانّما بقدرة الله ومشيئته , فلو أن الله أراد بقدرته أن يستقلّ على أضعف من العرش وأقل لاستقل به ول كان ذلك بعوضه .
والمقصود من هذا أن الله سبحانه ليس محتاجاً إلى العرش ولا إلى السماء لتقله , وأنما العرش وكل مخلوق محتاج إليه سبحانه. قال الله تعالى ( إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا . ولئن زالتا إن أمسكهما أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً ) .
قال الاباضي ص100 –101 :
( واعجب من ذلك وأغرب , انهم يردُّون أحاديث الشيخين متى حلا لهم ذلك ولو كانت موافقه لنص الكتاب والمتواتر من سنة النبي الأواب صلى الله عليه وسلم .. كما صنع الشيخ الحراني عندما رد حديث (( كان الله ولم يكن شيء غيره )) الذي رواه الإمام البخاري وغيره , حين رآه مخالفا لمشربه العكر , وقوله النكر القائل (( إن العالم قديم بالنوع )) تبعاً لأرسطو طاليس وفلاسفة اليونان , وحثالة الهندوس البوذية البرهمية , مع أن هذه الرواية صحيحة ثابتة , وقد ردّ عليه كثير من العلماء بسبب ذلك وفسقوه وضللوه و بدّعوه وشنعوا عليه )) أ.هـ .
ثم نقل كلاماً لابن حجر الهيتمي فيه تقرير ذلك الكذب .
والجواب من وجوه :
أحدها :
أن ما نسبه لشيخ الإسلام أنه يأخذ بالحديث متى حلى له.باطل . بل هذا الاباضي الذي يأخذ بالحديث متىحلى له. ويرده حين يخالف قوله , فهو لا يقبل حديث الآحاد في الاعتقاد , سواء كان في الصحيحين أو في غيرهما فكيف قبل هذا الحديث و هو حديث آحادي وفي الاعتقاد ؟! ولم يروه إلا عمران رضي الله عنه .
الثاني :
أن حديث عمران بن حصين رضي الله عنه , صحيح , ولم يضعفه شيخ الإسلام رحمة الله بل صنّف له شرحا كما في (( مجموع الفتاوى )) ( 18 / 243 ) وإنما ضعف زيادة زادها بعض الزنادقة فيه , وهي ليست منه وليست في البخاري ولا شيء منم كتب الحديث .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في (( مجموع الفتاوى )) ( 2/ 272 – 273 ) :
(ومنأعظم الأصول التي يعتمدها هؤلاء الأتحادية الملاحدة , المدّعون التحقيق والعرفان , ما يأثرونه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( كان الله ولا شي معه وهو الآن على ما عليه كان )) , وهذه الزيادة وهو قوله (0 وهو الآن على ما عليه كان )) كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم , اتفق أهل العلم بالحديث لا كبارها ولا صغارها , و لا رواه أحد من أهل العلم بإسناد لا صحيح ولا ضعيف ولا بإسناد مجهول , إنما تكلم بهذه الكلمة بعض متأخري الجهمية فتلقاهامنهم هؤلاء الذين وصلوا إلى آخر التجهم وهو التعطيل .... وإنما الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كلّ شيء , ثم خلق السموات والأرض ))
وهذه الزيادة الالحادية , وهو قولهم : (( وهو الالحادية , وهو قولهم : (( وهو الآن على ما عليه كان )) قصد بها المتكلمة المتجهمةُ نفي أفعال الله من استوائه على العرش ونزوله إلى السماء الدنيا , وغير ذلك فقالوا : كان في الأزل ليس متسوياُ على العرش , وهو الآن على ما عليه كان , فلا يكون على العرش لما يقتضي ذلك من التحول والتغير ) أ.هـ .
ثم قال رحمة الله ( 2 /274 –275 ) :
( وقد بينّا أنها كذب مختلق على النبي صلى الله علية وسلم لم يقلها , ولم يروها أحد من أهل العلم ولا هي في شيء من دواوين الحديث , بل اتفق العارفون بالحديث على أنها موضوعة ولا تُنقل هذه الزيادة عن إمام مشهور في الأمة بالإمامة , وإنما مخرجها ممن يُعرفُ بنوع من التجهم , وتعطيل بعض الصفات , ولفظ الحديث المعروف عند علماء الحديث , الذي أخرجه أصحاب الصحيح :
(( كان الله ولا شيء معه , وكان عرشه على الماء , وكتب في الذكر كُلّ شيء .
وهذا إنما ينفي وجود المخلوقات من السموات والأرض وما فيهما من الملائكة والإنس والجن ولا ينفي وجود العرش ) أ.هـ .
وبهذا يتضح كذب الاباضي على شيخ الإسلام .
قال الألوسي ص 383 – في شرح الأصفهانية :
(( أول من عرف منه القول بقدوم العالم أرسطو , وكان ضالاً مشركاً يعبد الأصنام ... والحاصل أن الله تعالى خالق لكل ما سواه , فليس معه شيء قديم بقدمه , لا نفس ولا عقل و لا غيرهما )) ) أ.هـ .
==================
فصل
ثم قال الإباضي ص16:
(ج – قال ص 20 – أي الدارمي - :
(( الحي القيوم ... يتحرك إذا شاء وينزل ويرتفع إذا شاء , ويقبض ويبسط [ إذا شاء ] (بين القوسين زيادة من الإباضي , ليست موجودة في كتاب الدارمي) . ويقوم ويجلس إذا شاء , لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك . كل حي متحرك لا محالة , وكل ميت غير متحرك لا محالة )) ) أ.هـ .
ثم ساق الأباضي كلاماً للكوثري فيه تكفير من قال ذلك .
وأقول :
لقد حذف الإباضي في نقله السابق كلمتين من كلام الدارمي , تنقضٌ كلَّ كلام الإباضي , وإليك قول الدارمي كاملاً قال الدارمي : ( لأن الحيّ القيوم يفعل ما يشاء , ويتحركُ أذا شاء وينزلُ ويرتفع إذا شاء , ويقبض ويبسط , ويقوم ويجلسٌ إذا شاء لأن أمارة ما بين الحي والميت : التحرك كل حي متحرك لا محالة , وكل ميت غير متحرك لا محالة )) أ. هـ.
فما دام أن الله عز وجل فعّال لما يريد يفعلُ ما يشاء فلا تمتنعٌ عنه الحركة, والنزول والارتفاع ونحو ذلك , وقد ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة فلا حجة للمخالف .
أما استدلال الإباضي بالكوثري , فمثلُهُ كأعمى استشهد بأعمى على إنكار ضوء الشمس في صدر النهار .
والكوثريُّ والعياذ بالله جهمي خبيث , معطل للصفات , منكر للعلو , سابُّ لجمع من الصحابة كابن عباس , وأنس رضي الله عنهم .
وانظر أخي الكريم , إلى هؤلاء الميتدعة بما يستدلون إذا استدلوا , وعمن ينقلون ؟ و انظر إلى أهل السنة – رحم الله ميتهم وثّبت حيَّهم – بما يستدلون , وعمن ينقلون ؟ يتضح لك الفرقُ جلياً.
==============
فصل
ثم قال الإباضي ص17 :
( هـ قال ص 100 – أي الدارمي -:
(( من أنباك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى الله من أسفله ,( ورأس المنارة ليس بأقرب إلى الله من أسفلها )*
(( مابين المعكوفين ليس من كلام الدارمي وأنما هو من تلفيق الإباضي . أ.هـ .
وجوابه :
في ذكر كلام الدارمي كاملاً قال الدارمي في رده على بشر المريسي :
( ثم أكد المعارضٌ دعواه أن الله في كلِّ مكان , بقياس ضلَّ به عن سواء السبيل فقال (( ألا ترى أنّه من صعد الجبل لا يقال : إنه أقرب إلى الله )) ؟! .
فيقال لهذا المعارض المدعي ما لا علم به :
من أنباك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى الله من أسفله , لأنّه من آمن بأن الله فوق عرشه , فوق سماواته , علم يقينا أن رأس الجبل أقرب إلى السماء من أسلفه , وأن السماء السابعة , أقرب إلى عرش الله من السادسه , والسادسةُ أقرب إليه من الخامسة ثم كذلك إلى الأرض .
كذلك روى إسحاق بنُ إبراهيم الحنظلي عن ابن المبارك أنه قال : (( رأس المنارة أقرب إلى الله من أسفلها )) وصدق ابن المباركُ . لأن كلَّ ما كان إلى السماء أقرب , كان إلى الله أقرب , وقربُ الله إلى جميع خلقه أقصاهم وأدناهم وأحد , لا يبعد عن شيء من خلقه . وبعض الخلق أقرب إليه من بعض على نحو ما فسرنا من أمر السموات والأرض .