أصول و قواعد
في المنهج السلفي
سلسلة لقاءات مع :
فضيلة الشيخ
عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري
المدرس بالجامعة الإسلامية سابقاً
في المنهج السلفي
سلسلة لقاءات مع :
فضيلة الشيخ
عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري
المدرس بالجامعة الإسلامية سابقاً
الجزء الأول 26/ربيع الأول/1421هـ
((( الموضوع )))
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
] يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [ .
] يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [ .
] يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [.
أما بعد :
فإن خير الكلام : كلام الله، وخير الهَدْي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد :
فيا أيها الأبناء اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أنه في كل زمان وفي كل
مكان أن يهيء الله سبحانه وتعالى من ينصُر دينَه ويُعْلي كلمته ويدعوا إليه على بصيرة، كما أنه في مقابل هذا يَنْبري من ينبري من أهل الأهواء اللذين يناصبون السلفية وأهلَها العداء؛ والله سبحانه وتعالى حكيم عليم لطيف خبير، لن يضيّع دينه، ولكن يضيْع من يبتغي غير ما جاءت به النبيون و المرسلون عليهم الصلاة والسلام عن الله سبحانه وتعالى إلى أهل الأرض؛ فالله سبحانه وتعالى لم يجعل أحدا سفيرا بينه وبين خلقه يبلغهم عنه شرعه سوى من اصطفاه من النبيين والمرسلين، ولئن كان في بعض الأزمنة والأمكنة تعصف بالناس عاصفة الهوى، ويستوحش كثير من أهل السنة لكثرة مخالفيهم، فإنه يسليهم ثلاثة أمور :
الأمر الأول: في قوله جل في علاه ] ومن يطع الله والرسول فأولئك
مع اللذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا [ فمن استوحش بكثرة المخالفين، ووجد الغربة لقلة السالكين مسلكه إذا تذكر أن رفاقه على طريق الحق والهدى أولائكم الأصناف الأربعة زالت عنه الوحشة، وأصبح قوي العزيمة، مشدودا به أزره لا يخشى في الله لومة لائم، ولا تزعزعه ثقته بنصر الله لجنده كثرة الهالكين ولا قلة السالكين؛ لأن أولئكم الصفوة هم خير عباد الله من البشر؛ فمن كان رفيقَه خيرُ عباد الله فلن يستوحش، بل يزداد ثباتا وصبرا ويقينا وقوة .
الأمر الثاني : ما جاء في حديث السبعين ألفاً اللذين يدخلون الجنة بلا حساب وهو مخرَّجٌ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين؛ فقد جاء فيه : ((فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد)) . لنتأمل في هذا الحديث قليلا ، فهذا النبي الذي جاء وليس معه أحد إلى من بعث ؟، إلى أمة أم إلى غير أمة ؟! إلى أمة بعث بماذا ؟ ألم يكن مبعوثا ذلكم النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يجبه أحد أو النبي الذي أجابه الرجلان أو الرهط ـ وهم من الثلاثة إلى العشرة أو إلى التسعة ـ ألم يكونوا جاءوا بالهدى ودين الحق ؟، ألم يكونوا أعظم الناس مكانا عند الله سبحانه وتعالى ؟؛ فما أظن أن أحدا منكم يخالفني في الجواب ببلى، فكيف بمن دونَهم ممن يدعوا إلى الله على بصيرة .
وثانيا : هذا الحديث فيه دليل على أن العبرة ليس بالكثرة، بل العبرة في إصابة الحق . وقد تفطَّن إلى هذا المجدد الثالث للسلفية ـ رحمه الله ـ الشيخ محمد بن عبد الوهاب : قال في مسائله على الباب والحديث : ((لا يجوز الاغترار بالكثرة، ولا الزهد في القلة)) . وهذا المعنى يزيدُه وضوحـًا حديث افتراق الأمم الذي هو صحيحٌ بمجموع طرقه؛ فقد جاء في بعض طرقه : ((وستفترقُ هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة))، قالوا : مَن هي يا رسول الله ؟، قال : ((الجماعة))، وهذه الرواية الصحيحة، وقد فسَّرها ابن مسعود رضي الله عنه فقال : (الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك، فإنك حين إذ الجماعة) . وفي رواية أخرى ضعيف إسنادها لكنها صحيحة المعنى والشواهد عليها كثيرة، وهي قوله صلى الله عليه وسلم لَمَّا سئل عن الفرقة الواحدة ؟ قال : ((مَن كان مثل ما أنا عليه اليومَ وأصحابي)) .
والشواهدُ إن لم تكن مستفيضةً عن النبي صلى الله عليه وسلم على معنى هذه الرواية فإنها متواترة؛ إمَّا متواترة وإما مستفيضة .
فبان بهذا التقرير أنه لا عبرة بغير إصابة الحق، لا عبرة بغير السداد في الأقوال والأعمال؛ وهذا السداد هو : تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم .
الأمر الثالث : الأثر الذي يصححُ رفعَه بعضُ طلاب العلم ـ بعض أهل العلم ـ، وذلكم الأثرُ : ((يحمل هذا العلم من كل خلَفٍ عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)) .
فإذا تقرر بعد هذا وتحصَّل لدينا أنَّ العبرةَ كل العبرة والميزان الحق هو في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم ينصب أحدًا من البشر قدوةً حسنة سواه لذاته، كما قال جل وعلا : ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [ .
فلننتقل أيها الأبناء إلى بعض القواعد في المنهج السلفي .
لطفاً اضغط هنا لقراءة البحث
[/font][font='Traditional Arabic'][/b]