إجمــاع العلمـاء
على الهجـــر
والتحذير من أهل الأهواء
بقـلــم
خَالد بن ضَحَوي الظَّفيري
تقـــديم
فضيلة الشيخ ربيع بن هادي عمـير المدخلــي
فضيلة الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي
فضيلة الشيخ عبيــــــد بن عبد الله الجـابــري
الطبعة الثانية
مَزِيدَةٌ وَمُنَقَّحَةٌ
((( المقدمة )))
إن الحمـد لله، نحمده ونستعينه و نستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهـد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حـق تقاتـه ولا تموتن إلا وأنتـم مسلمون}.
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءً واتقـوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}.
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخـير الهدي هدي محمد -r -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
فإن الاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بهما، أعظم أصول الإسلام، ودعائمه العظام، الذي من تركه ضل السبيل، وأدى ذلك به إلى الهلاك، فمن اعتصم بكتاب ربه وسنّة نبيه - r - نجى وفاز وأمن الهلاك والضلال في الدنيا والآخرة.
فالله - Y - أمر في كتابه الكريم في غير ما موضع بالاعتصام بهما والتمسك بحبله، وحبله هو الكتاب والسنّة، وأمر بطاعته وطاعة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-.
قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا…} ([1]).
وقال تعالى: { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}([2]).
وقال: { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} ([3]).
وقال سبحانه: { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائـزون}([4]).
وقال تعالى: { ومـن يـطع الله ورسولـه فقد فاز فوزاً عظيماً}([5]).
وقال جلّ من قائل: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} ([6]).
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} ([7]).
وقــال تعالى: { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء...} ([8]).
وقال: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه...}([9]).
والآيات في الأمر بطاعة الله ورسوله والاعتصام بكتابه وسنّة نبيه كثيرة جداً؛ لأنها سبب الرحمة والفوز العظيم ودخول جنات النعيم المقيم.
وكـذلك جـاء الأمـر من رسوله - r - بذلك:
فعن العرباض بن سارية - t - قال: وعظنا رسول الله موعظة ذرفـت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة موّدع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: (( قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنّة الخلفاء الراشديـن المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما قيد انقاد))([10])
وعن أبي هريرة - t - عن النبي - r - قال: (( إن الله يرضى لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)) ([11])، والأحاديث أيضا في هذا الموضوع كثيرة.
فمن وفقه الله اتبع ما جاء عن الله ورسوله، وجعل الدليل نصب عينيه، فإذا عرضت له أي مسألـة أو حادثة ردها إلى الله ورسوله، قال أهل العلم: والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله هو الرد إلى سنته.
وقد امتاز منهج أهل السنة والجماعة بالعمل بالكتاب، وبما صح من السنّة، على فهم السلف الصالح.
فعلى كل مسلم أن يلتزم هذا المنهج وأن يدين الله بما كان عليه سلفه الصالح، قال تعالى:{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الـهدى ويتبـع غـير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً}([12]).
وقد تنكب هذا المنهج السلفي كثير من أهل الأهواء والبدع، فهم في شق ومنهج السلف في الشق الآخر، لا عملوا به ولا دعوا الناس إليه، بل زادوا الطين بلة بأن نسبوا إلى منهج أهل السنّة ما هو منه براء.
فقالوا من منهج أهل السنّة ذكر الحسنات عند نقد أهل البدع.
وقالوا: حذّر من البدعة ولا تحذر من المبتدع.
وقرّروا جواز قراءة كتب أهل البدع مطلقاً، وقالوا: خذ الحق منها واترك الباطل.
وأن هجر أهل البدع ليس عليه دليل.
وغير ذلك من الكذب والبهتان على الله وعلى رسوله وعلى منهج السلف الصالح.
وسأدلي بدلوي - في هذا البحث إن شاء الله - لتوضيح منهج أهل السنّة في معاملة أهل الأهواء والبدع، وقسمت هذا البحث إلى أربعة فصول وهي:
الفصل الأول: تحذير أهل السنة من البدع وأهلها.
الفصل الثاني: الشدة على أهل البدع منقبة وليست مذمّة.
الفصل الثالث: معاملة أهل السنة لكتب أهل البدع.
الفصل الرابع: إجماع العلماء على هجر أهل البدع والأهواء.
ثم ذكرت جواباً لشيخ الإسلام في بيان أنواع الهجر وضوابطه.
ثم خاتمة وفيها أهم نتائج البحث.
والله - U - أسأل أن ينفع بهذا البحث، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يهدي شباب الإسلام إلى فهم منهج السلف الصالح ووعيه والعمل به، وأن يقينا شر أهل التحزب والفتن، إنه على ذلك قدير، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
راجي عفو ربه ومغفرته ورحمته
خالد بن ضحوي الظَّفيري
المدينة النبوية - في 7 من شهر ربيع الأول سنة 1420 هـ
لطفاً اضغط هنا لقراءة البحث