خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    بَعْضُ جَوَانِب عِبَادَة إرَاقَة الدَّم ( الذَّبَح والنَّحْر )

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية بَعْضُ جَوَانِب عِبَادَة إرَاقَة الدَّم ( الذَّبَح والنَّحْر )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 10:40

    بَعْضُ جَوَانِب عِبَادَة إرَاقَة الدَّم [الذَّبَح والنَّحْر] لِسَمَاحَة المُفْتِيّ آل
    (( بَعْضُ جَوَانِب عِبَادَة إرَاقَة الدَّم ))
    [الذَّبَح والنَّحْر]
    لِسَمَاحَة المُفْتِيّ العَلاَّمَةِ عَبْدِ العَزِيزِ آل الشَّيْخ
    مفتي عام المملكة العربية السعودية
    ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء

    - حفظه الله ورعاه -

    ===============================

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :

    فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق خلقه من إنسه وجنه لتحقيق عبادته بصرف جميع أنواع العبودية له وحده لا شريك له ، كما لم يكن له شريك في خلقهم ورزقهم وإحيائهم وإماتتهم ، يقول الله سبحانه : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ *مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [ سورة الذاريات : 56 -58 ]فحصر سبحانه مراده من خلق الجن والإنس في تحقيق عبادته ، وأداة الحصر هنا (ما ، وإلا) كما هو معلوم ، ونفى سبحانه أي إرادة له في تحصيل رزق من عباده ونحو ذلك؛ لأنه سبحانه هو الرزاق ، وهو سبحانه ذو القوة المتين فتمحضت إرادة ربنا وخالقنا سبحانه من خلقنا في أمر واحد ألا وهو عبادته وحده لا شريك له ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [ سورة النساء الآية 36 ] لأجل ذلك أرسل الرسل ، وأنزل الكتب ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [ سورة النحل الآية 36 ].

    والعبادة قد عرفها العلماء بعدة تعاريف كلها راجعة في نهاية الأمر إلى شيء واحد ، ومن أوضح تعاريفها: ما ذكره شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في رسالته (العبودية) حيث قال: والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .

    ومن هنا يتبين لنا أن العبادة جنس تحته أنواع ، وبعض الأنواع تحتها أفراد ، فجنس العبادة منه الباطن ومنه الظاهر ، والباطن له أنواع كثيرة من محبة ورجاء وخوف وخشية وقصد واعتقاد وتعظيم ونحو ذلك ، والظاهر له أنواع ، فمنه القولي ومنه العملي ، والقولي له أفراد أعلاها قول لا إله إلا الله ، ومن أفراده الصدق وقول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والنصيحة والذكر والدعاء .

    والعملي له أفراد من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد ، وإراقة الدم ، ونحو ذلك .

    والعبادة متنوعة باعتبار آخر ، فمنها فعل الشيء بالجوارح وملازمة فعله كالصلاة خمس مرات في اليوم .

    ومنها ما يكون فيه بذل للمال كالزكاة . ومنها ما يكون فيه حبس للنفس عن مشتهياتها كالصيام ، ومنها ما يكون فيه بذل للمال وعمل بالجوارح كالحج ، ومنها ما يكون فيه بذل للنفس والمال كالجهاد في سبيل الله .

    ومن أنواع العبادة إراقة الدم تعظيما وتقربا لله عز وجل ، وذلك هو الذبح أو النحر .

    ولعل فاتحة هذا العدد المبارك من مجلة البحوث الإسلامية ، تكون حول بعض جوانب هذه العبادة العظيمة التي قرنها الله في كتابه بالصلاة ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [ سورة الكوثر الآية 1-3 ] .

    وأصل معنى الذبح في اللغة هو الشق ، وعرفه بعضهم بأنه إزهاق الروح بإصابة الحلق أو النحر ، فيشمل الذبح والنحر .

    والذبيحة تسمى أيضا بالنسيكة ومنه قوله تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ سورة الأنعام الآية 162] وفي الجمع بين الصلاة والنحر حكمة عظيمة ، وبيان لعظيم منزلة الذبح والنحر في الإسلام وأنها قربة لا يجوز صرفها إلا لله ، يقول شيخ الإسلام رحمه الله : ( أمره - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - الله أن يجمع بين هاتين العبادتين وهما الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار وحسن الظن وقوة اليقين ، وطمأنينة القلب إلى الله وإلى عونه ، عكس حال أهل الكبر والنفرة وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم ، والذين لا ينحرون له خوفا من الفقر ، ولهذا جمع بينهما في قوله : ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ﴾ الآية [ سورة الأنعام الآية 162 ]، والنسك : الذبيحة لله تعالى ابتغاء وجهه فإنهما أجل ما يتقرب به إلى الله ، إلى أن قال رحمه الله: وأجل العبادات البدنية الصلاة ، وأجل العبادات المالية النحر ، وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها ، كما عرفه أرباب القلوب الحية ، وما يجتمع له في النحر إذا قارنه الإيمان والإخلاص في قوة اليقين وحسن الظن ، أمر عجيب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الصلاة كثير النحر ) اهـ .

    وإزهاق نفس الحيوان البري المأكول اللحم ، شرط لحله إلا الجراد ، فإنه مستثنى على القول بأنه حيوان بري؛ فتحل ميتته بلا ذكاة ، وأما على القول بأنه حيوان بحري فلا إشكال في حل ميتته .

    وإزهاق النفس يسمى بالذكاة .

    والذكاة في اللغة : تمام الشيء ، وسمي الذبح أو النحر أو العقر ذكاة ؛ لأنه إتمام لزهوق النفس ، ومنه قوله تعالى : ﴿ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾[سورة المائدة الآية 3 ] أي أدركتموه وفيه حياة فأتممتموه ، ثم استعمل في الذبح أو النحر أو العقر ، سواء كان بعد جرح سابق أو ابتداء .

    والذكاة في الاصطلاح : ذبح أو نحر الحيوان المأكول البري ، بقطع الحلقوم والمريء أو عقر ممتنع .

    ومن هنا يتبين لنا أمور:

    الأول : أن الذكاة لا تعمل إلا في الحيوان البري مأكول اللحم دون البحري؛ لأن ميتة البحر حلال . يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ﴾ [ سورة المائدة الآية 96 ] ذكر المفسرون أن ( صيد البحر ) هو ما أخذ منه حيا ، و( طعامه ) هو ما قذفه البحر ميتا ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، وروي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عن الجميع ، ومن التابعين عكرمة وابن أبي سلمة عبد الرحمن ، وإبراهيم النخعي ، والحسن البصري رحم الله الجميع ، ذكر ذلك عنهم ابن كثير رحمه الله .

    وأيضا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في البحر: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته )) رواه الخمسة والشافعي وصححه البخاري والترمذي وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم رحمهم الله .

    الثاني : أن الذكـاة قسمان: اختيارية ، واضطرارية . فالاختيارية تكون في الحيوان البري المقدور عليه ، وتكون ذكاته بأحد طريقين: إما بالذبح أو بالنحر .

    والذبح يكون بقطع الحلقوم والمريء من الحيوان المراد ذكاته ، وهذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة وعليه عامتهم ، وهو أيضا مذهب الشافعية .

    وقيل غير ذلك ، فمنهم من قال: يكفي أن يقطع ثلاثة من أربعة ، والأربعة هي الحلقوم والمريء والودجان ، فإذا قطع ثلاثة منها فقد حصلت الذكاة ، وهذا هو مذهب الحنفية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول : ( والأقوى أن قطع ثلاثة من الأربعة يبيح ، سواء كان فيها الحلقوم أو لم يكن ، فإن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم ، وأبلغ في إنهار الدم ) اهـ .

    وقد جعله رحمه الله وجها في مذهب الحنابلة كما قاله المرداوي في الإنصاف . وعن الإمام أحمد رواية أنه يحصل بقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين ، وهو اختيار أبي يوسف من الحنفية .

    أما المالكية فإنهم قالوا : إنه لا يحصل إلا بقطع جميع الحلقوم مع الودجين وإلا لم يحل على الأصح عندهم .

    وقد اشترط الإمام أحمد رحمه الله في رواية قطع جميع الأوداج الأربعة لحل الذبيحة .

    والصحيـح أن قطـع الحلقوم والمريء مجـزئ ، ومبيـح للذبيحة لأن به يحصل المقصود من إنهار الدم المسفوح وزهوق نفس الذبيحة ، والأفضل قطع ثلاثة من أربعة لأنه أبلغ في إنهار الدم وأسرع في زهوق نفس الذبيحة وإراحتها .

    والكمال قطع الأربعة كلها ، لتحقق المعاني السابقة على وجه الكمال .

    أما النحر فهو بطعن الحيوان في لبته وهي الوهدة وهي ما بين أسفل العنق والصدر وهي منفذ إلى جوف الحيوان ومقتل له . والذبح يكون غالبا للغنم والبقر ، والنحر للإبل ، ويجوز أن ينحر ما حقه الذبح ، ويذبح ما حقه النحر . هذه هي الذكاة الاختيارية أو ذكاة الحيوان المقدور عليه - كما هي عبارة غالب الفقهاء - .

    أما الذكاة الاضطرارية ، أو ذكاة الحيوان الممتنع أو غير المقدور عليه ، فتكون بما عبر عنه هنا بالعقر ، وهذا هو الأمر الثالث الذي تبين لنا من خلال التعريف .

    والممتنع هو ما يعجز عن ذبحه أو نحره ، إما لأنه قد ند فلم يقدر عليه ، أو لأنه قد تردى في بئر ، أو نحوهما من الأسباب ، أو كان مما يمتنع عادة وهذا الأخير هو الصيد فإنه متوحش بطبعه .

    والحكـم فيما سبق كله هو العقر ، بمعنى جرح الحيوان في أي موضع أمكن جرحه فيه لقتله ، فمتى مات بهذا السبب حل أكله وهذا هو قول أكثر الفقهاء لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال : (( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فند بعير ، وكان في القوم خيل يسيرة ، فطلبوه فأعياهم ، فأهوى إليه رجل بسهم ، فحبسه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش ، فما غلبكم منها ، فاصنعوا به هكذا )) وفي لفظ : (( فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا )) متفق عليه . وقد جاء عن السلف من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم آثار في هذا المعنى في مصنف ابن أبي شيبة ، وفي سنن البيهقي ، وغيرها .

    هذا ما يتعلق بتعريف الذكاة ، ونحن في هذه الكلمة الموجزة سنعرض بإذن الله للذكاة الاختيارية وهي ما يسميها عامة الفقهاء بذكاة الحيوان المقدور عليه .


    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: بَعْضُ جَوَانِب عِبَادَة إرَاقَة الدَّم ( الذَّبَح والنَّحْر )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 10:46

    أما الأصل في مشروعية الذكاة عموما ، فهو الكتاب والسنة والإجماع .

    أما الكتاب فقوله تعالى في آية المائدة : ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ﴾ الآية [سورة المائدة الآية 3 ] .

    وأما السنة فحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: (( يا رسول الله إنا بأرض صيد ، أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم فأخبرني ماذا يصلح لي؟ فقال : فما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل )) .

    وأجمع أهل العلم على إباحة الحيوان البري المأكول بذكاته ، قال الوزير في الحيوان البري : أجمعوا على أن ما أبيح أكله منه ، لا يستباح إلا بالذكاة .

    أما الحكمة من مشروعيتها ، فإنا نعلم أن الله سبحانه ما شرع لخلقه شيئا إلا لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها ، والأصل أن العبد يتلقى أوامر الله سبحانه ونواهيه بالقبول والتسليم علم الحكمة أو لم يعلمها ، والعلماء يتلمسون الحكم في مشروعية الأحكام ويجتهدون في ذلك ، وهذا أمر حسن؛ لأن العبد حين يعلم الحكمة يطمئن قلبه وتستنير بصيرته ، ومن الحكم التي ذكرت في مشروعية الذكاة ما يلي :

    1 - أن الحرمة في الحيوان المأكول لمكان الدم المسفوح ، ولا يزول إلا بالذبح أو النحر ، وأن الشرع إنما ورد بإحلال الطيبات خاصة ، وبالذبح تطيب الذبيحة . يقول الله سبحانه : ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ [ سورة المائدة الآية 4 ] ويقول أيضا عز وجل : ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [ سورة الأعراف الآية 157 ].

    2 - ومن الحكم أيضا ، أن في ذلك التنفير عن الشرك وأعمال المشركين ، وأيضا فيه تمييز مأكول الآدمي عن مأكول السباع تكريما له .

    3 - ومن الحكـم أيضا إظهار الطاعة لله وتميز المسلم عن غيره بتعظيم شعائر الله ، وبذلك تتحقق التقوى للمؤمن ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [ سورة الحج الآية 32 ] إلى غير ذلك من الحكم .

    هذا وإن الذكاة لتفتقر إلى خمسة أشياء: ذابح ، وآلة ، ومحل ، وفعل ، وذكر ، وهذا بيان لكل واحد منها :

    أما الذابح فيشترط له شرطان :
    الأول: دينه فيشترط أن يكون مسلما أو كتابيا . ودليل حل ذبائح أهل الكتاب قوله تعالى :
    ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ [ سورة المائدة الآية 5 ] وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ( لا تأكلوا من الذبائح إلا ما ذبح المسلمون وأهل الكتاب ) رواه سعيد بن منصور .

    والشرط الثاني : عقله ، فيعتبر لحل الذبيحة العقل ، ليحصل منه القصد ، فغير العاقل لا يصح منه القصد .

    وعليه فلا تصح ذبيحة غير المسلم والكتابي ، سواء كان مجوسيا أو وثنيا أو غيرهما .

    ولا تصح ذبيحة من لا يصح منه القصد كالمجنون أو السكران أو الطفل غير المميز ، إذا المعتبر في الحقيقة قصد التذكية ، والعقل شرط في وجود القصد ، يقول ابن قدامة رحمه الله - في ذكر شرطي الذابح -: ( . . وعقله وهو أن يكون ذا عقل يعرف الذبح ليقصد ، فإن كان لا يعقل كالطفل الذي لا يميز والمجنون والسكران ، لم يحل ما ذبحه؛ لأنه لا يصح منه القصد فأشبه ما لو ضرب إنسانا بسيف فقطع عنق شاة ) اهـ .

    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وإذا لم يقصد المذكي الأكل بل قصد مجرد حل يمينه لم تبح الذبيحة ) اهـ .

    وقد نقل الوزير ابن هبيرة الإجماع على اعتبار ذلك فقال : ( أجمعوا على أن الذبائح المعتد بها ، ذبيحة المسلم العاقل ، والمسلمة العاقلة ، القاصـدين للتـذكية ، الذين يتأتى منهم الذبـح ، وقال: اتفقوا على أن ذكاة المجنون وصيده لا يستباح أكله ) اهـ .

    وعلى هذا فذكاة المميز أو المرأة أو الأقلف أو الأعمى ، وكذلك الحائض والجنب ونحوهم ، كلها صحيحة معتبرة .

    هذا بعض ما يتعلق بالذابح ، أما ما يتعلق بالآلة فإنها يشترط لها شرطان :

    أحدهما : أن تكون محددة تقطع أو تخرق بحدهـا لا بثقلها .

    والثاني : ألا تكون سنا ولا ظفرا .

    ودليل ذلك حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ، إنا نلقى العدو غدا وليس معنا مدى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة )) رواه الجماعة .

    فما اجتمع فيه الشرطان صح أن يكون آلة للذبح سواء كان حديدا أو حجرا أو قصبا أو خشبا .

    أما العظم ففيه خلاف والصحيح أنه لا تجوز التذكية به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتقدم : (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل )) ، إلى أن قال صلى الله عليه وسلم : (( أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة )) فعلل تحريم الذبح بالسن بأنه عظم ، فلأن يحرم الذبح بالعظم نفسه أولى ولأنه قد ثبت أن العظم طعام إخواننا من الجن ، وقد نهينا عن الاستنجاء به ، لئلا نقذره عليهم ، فكذلك الذبح به فيه تنجيسه عليهم بالدم .

    أما ما يتعلق بمحل الذبح ، فهو الحلق واللبة ، ولا تجوز الذكاة في غيرهما بالإجماع ، وهذا في الحيوان المقدور عليه كما تقدم ولأثر عمر رضي الله عنه : ( أنه نادى أن النحر في اللبة والحلق لمن قدر ) رواه سعيد بن منصور واحتج به الإمام أحمد رحمه الله .

    وأما ما يتعلق بالفعل ، فالمراد به أن القدر المجزئ في الذبح هو قطع الحلقوم والمريء على الصحيح كما تقدم .

    وأما الذكر فهو التسمية على الذبيحة حال ذبحها والتسمية على الذبيحة شرط مع الذكر وتسقط بالسهو والنسيان ، على الصحيح . دليل اشتراطها قوله تعالى : ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [ سورة الأنعام الآية 121 ] ودليل إسقاطها بالنسيان قوله تعالى : ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾[ سورة البقرة الآية 286 ]

    وفي ذكر اسم الله على الذبيحة حكم عظيمة من ذلك ما قاله ابن القيم رحمه الله : ( ولا ريب أن ذكر اسم الله على الذبيحة يطيبها ، ويطرد الشيطان عن الذابح والمذبوح ، فإذا أخل به لابس الشيطان الذابح والمذبوح ، فأثر خبثا في الحيوان . . . ) انتهى . المقصود من كلامه رحمه الله ، وصفة التسمية أن يقول الذابح: " بسم الله " وإن زاد " والله أكبر " فهو أفضل؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجزئ غير التسمية ، ولا يقوم غيرها من الأذكار مقامها .

    ومحلها : حال الذبح ، أو قريبا منه .

    هذا وينبغي للذابح أن يحد شفرته ويحسن الذبح لذبيحته؛ فعن شداد بن أوس رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته )) أخرجه الإمام مسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد رحم الله الجميع .

    ويكره سلخ الحيوان قبل أن يبرد ، لأن فيه تعذيبا له .

    وذكاة الجنين هي ذكاة أمه إن خرج ميتا أو متحركا حركة مذبوح لا تستقر بها الروح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ذكاة الجنين ذكاة أمه )) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

    ثم إني أحب أن أشير إلى أن الذبائح أنواع منها المشروع ومنها الممنوع .

    والمشروع أنواع ، فمنه الواجب والذبائح الواجبة هي :

    1 - هدي التمتع والقران : والهدي اسم لما يهدى للحرم ، من نعم وغيرها .

    وسمي بذلك؛ لأنه يهدى تقربا لله تعالى . وهدي التمتع والقران هو الهدي الواجب ، وغيرهما من الهدي يكون تطوعا .

    ودليل وجوب هدي التمتع والقران قوله تعالى : ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [ سورة البقرة الآية 196 ] ولا بد أن يكون من بهيمة الأنعام ، الإبل أو البقر أو الغنم ، وأفضلها الإبل ، ثم البقر ، ثم الغنم ، ولا يجزئ فيها إلا ما يجزئ في الأضحية سنا وسلامة من العيوب المؤثرة .

    ووقت نحر الهدي هو يوم العاشر من ذي الحجة وليس له تقديمها قبل يوم النحر ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله : (( خذوا عني مناسككم )) .

    وعلى ذلك جرى عمل الصحابة رضي الله عنهم ، يقول ابن القيم رحمه الله : ( ولم ينحر هديه - يعني النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن حل ، ولم ينحره قبل يوم النحر ، ولا أحد من أصحابه البتة ) اهـ .

    ويستحب له استسمان الهدي واستحسانها لقول الله تعالى : ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [ سورة الحج الآية 32 ] قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( تعظيمها استسمانها واستعظامها واستحسانها ) .

    2 - الثاني من الذبائح الواجبة: دم الإحصار والفوات .

    وذلك أن من فاته الوقوف بعرفة بأن طلع عليه الفجر يوم النحر ولما يقف بعرفة بعد ، فإن الحج قد فاته ، فيتحلل حينئذ بعمرة ، ويجب عليه قضاء حجه ، وأن يذبح هديا في قضائه ، هذا إذا لم يكن قد اشترط في بداية إحرامه ، فإن اشترط فلا شيء عليه . والإحصار : هو أن يصد المحرم عن بيت الله فهنا ينحر هديا في محله ثم يتحلل ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ [ سورة البقرة الآية 196 ] .

    3 - والثالث من الذبائح الواجبة فدية الأذى وفدية ترك الواجب ، ودليل ذلك قوله تعالى : ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [ سورة البقرة الآية 196] والنسك الذبح . ولحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( لعلك آذاك هوام رأسك؟ قال: نعم يا رسول الله ، قال: احلق رأسك ، وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة )) متفق عليه .
    والوطء في الفرج يلزم به الدم بلا تخيير ، فإن كان في عمرة قبل تمامها فعليه ذبح شاة ، وإن كان في حج قبل التحلل الأول فعليه بدنة ، وقد فسد حجه ، ويلزمه المضي فيه وقضاؤه من قابل ، وإن كان بعد التحلل الأول لزمه شاة .
    ومن ترك واجبا فعليه دم بلا تخيير . والدم الواجب بفوات أو بترك واجب كالمتعة ، بمعنى أنه إذا لم يجد الدم وجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .

    وكل ما سبق من أنواع الذبائح الواجبة لا يجزئ فيها إلا بهيمة الأنعام ، الإبل أو البقر أو الغنم .

    4 - جزاء الصيد ، فيجب على من صاد صيدا في الحرم أو وهو محرم مثل ما أتلف إن كان له مثل ، وإلا فالقيمة .

    ودليل ذلك قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ الآية [ سورة المائدة الآية 95 ] ، ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك فتاوى الصحابة رضي الله عنهم في ذلك .

    5 - الخامس من الذبائح الواجبة : ما لزم بالنذر ، فإنه يلزم العبد ما نذره سواء كان هديا أو أضحية أو غيرها ويلزمه ما نذره ، وإن لم يكن من بهيمة الأنعام كما لو نذر ذبح أرنب ونحوها .

    والدليل على لزوم النذر حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه )) رواه الجماعة إلا مسلما . والذبح طاعة لله فيلزم بالنذر؛ لحديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه : (( أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة . فقال : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ فقالوا : لا ، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ فقالوا : لا ، قال : أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء بنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم )) رواه أبو داود .

    هذه جملة من الذبائح الواجبة عرضنا لها باختصار لقصر المقام .

    ومن الذبائح ما هو مباح لا واجب ولا مستحب من ذلك شاة اللحم .
    ودليل مشروعيتها حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : (( ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : شاتك شاة لحم )) رواه الشيخان . وكذلك أيضا عموم الآيات ومنها قوله تعالى : ﴿ وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [ سورة الأنعام الآية 142 ] ، وقوله تعالى : ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [ سورة المؤمنون الآية 21 ]، وقوله سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ *وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴾ [سورة يس : 71 -72 ] .

    وهذه الآيات مسوقة مساق الامتنان الدال على الإباحة كما هو مقرر في علم الأصول .

    وكذلك أيضا غير بهيمة الأنعام مما يحل أكله من الطيور والدجاج ومن غيرها ، فالمقدور على تذكيته يذكى ، وغير المقدور عليه يكون صيدا ، دليل جوازها قوله تعالى : ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ الآية [ سورة الأنعام الآية 119 ] .

    ومن الذبائح ما يكون مستحبا إراقة دمه ، وهذا أنواع :

    فمنهـا الأضحيـة : وهـي شعيـرة من شعائر الله وأصـل مشروعيتها ، كانت فداء لإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام : ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [ سورة الصافات الآية 107 ] .

    ودليل مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب فقوله تعالى : ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [ سورة الكوثر الآية 2 ] ذكر المفسرون أن المراد بالنحر هنا الأضحية وأن الصلاة هنا هي صلاة العيد .

    وأما السنة فحديث أنس رضي الله عنه قال : (( ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر ، فذبحهما بيده )) رواه الجماعة .
    وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها وجابر وأبي رافع وأبي سعيد وابن عمر ، رضي الله عنهم ، وغيرهم في السنن والمسند .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: بَعْضُ جَوَانِب عِبَادَة إرَاقَة الدَّم ( الذَّبَح والنَّحْر )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 10:48

    وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها في الجملة فهي سنة مؤكدة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ومداومته عليها . ولا يجزئ في الأضحية إلا جذع الضأن وهو ما له ستة أشهر ، وثني المعز وهو ما له سنة وكذا ثني البقر وهو ما له سنتان ، وثني الإبل وهو ما له خمس سنوات . والشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهل بيته وعياله؛ لحديث عطاء بن يسار ، قال : سألت أبا أيوب الأنصاري : كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : (( كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ، حتى تباهى الناس ، فصاروا كما ترى )) رواه ابن ماجه والترمذي وصححه .

    ويجوز أن يشترك جماعة في بدنة أو بقرة ، وهما تجزيان عن سبعة فلو اشترك فيها سبعة لكل واحد منهم سبع أجزأت؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال :
    (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة في واحد منهما ))
    أخرجه مسلم وغيره ، والشاة أفضل من أن يشترك في بدنة أو بقرة؛ لأن فيها زيادة في العدد ، وإراقة الدم في ذلك اليوم مطلوبة مستحبة ، وشعيرة ظاهرة .

    ولا يجزئ في الأضحية إلا ما كان من بهيمة الأنعام ، وكان خاليا من العيوب .

    والعيوب التي تؤثر في إجزاء الأضحية هي ما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ضلعها ، والكسيرة التي لا تنقي ))
    رواه الخمسة ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وصححه النووي أيضا .
    وقـد جاء النهي عن التضحية بأعضب القرن والأذن والعضب النصف فأكثر ، وكذلك جاء النهي عن التضحية بالمقابلة والمدابرة والشرقاء والخرقاء . فعلى المسلم اجتناب هذا كله وما في معناه ، وأن يتقرب إلى الله بالطيب فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .

    ويستحب استسمان الأضاحي واستحسانها؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر الله والله تعالى يقول : ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [ سورة الحج الآية 32 ] ، وعن أبي أمامة بن سهل قال : (( كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون )) أخرجه البخاري . ووقت الذبح يبدأ من بعد صلاة عيد الأضحى فمن ضحى قبله لم تجزئ؛ لحديث البراء بن عازب في تضحية خاله أبي بردة بشاته قبل الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( شاتك شاة لحم ))
    وقد سبق .

    ويستمر وقت جواز ذبحها ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، ويجب على من أراد أن يضحي أن يتجنب الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته ، منذ دخول العشر - عشر ذي الحجة - إن كانت نيته للأضحية منذ بداية العشر ، وإلا فيجب عليه الإمساك متى نوى أثناء العشرة لحديث أم سلمة رضي الله عنها : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ))
    أخرجه الجماعة إلا البخاري . والأصل في الأضحية أنها عن الأحياء ويدخل الأموات فيها تبعا .

    ويشرع أن يأكل من الأضحية ويطعم منها ويهدي؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وحثه على ذلك ، ولا يجوز أن يعطي الجزار منها شيئا أجرة على جزارته .


    ثم إنه ينبغي لكل مسلم أن يذبح أضحيته في بلده ويتولاها بنفسه؛ لأنها شعيرة ظاهرة يجب علينا المحافظة عليها وأن نعلمها أبناءنا ، فيرونها وهي تذبح ثم ينظرون توزيعها وإهداءها والأكل منها ، وبهذا تبقى هذه الشعيرة بين المسلمين ، إذ ليس المقصود الأول من الأضحية الصدقة على الفقراء والمساكين وإنما تحقيق التقوى بإراقة الدم تقربا إلى الله ، يقول الله تعالى : ﴿
    لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ
    ﴾ [ سورة الحج الآية 37 ] فلا يشرع إخراجها من بلد المضحي بحجة أن هناك من هو أحوج لها ، فنفع المحاويج له أبواب أخرى من أبواب البر .

    ومن الذبائح المستحبة: العقيقة ، وهي الذبيحة عن المولود ، شكرا لله على الإنعام به .

    وهي سنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليها ، فعن سلمان بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مع الغلام عقيقته ، فأهريقوا عنه دما ، وأميطوا عنه الأذى ))
    رواه الجماعة إلا مسلما .

    وعن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    (( كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح يوم سابعه ويسمى ويحلق رأسه ))
    رواه الخمسة ، وهو حديث صحيح ، لصحة سماع الحسن من سمرة حديث العقيقة هذا .

    ووقتها في اليوم السابع من الولادة كما تقدم في الحديث السابق .

    وقدرها شاتان عن الغلام وشاة عن الجارية ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    (( عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة ))
    رواه أحمد والترمذي . ويجزئ فيها ما يجزئ في الأضحية .

    ومن الذبائح المستحبة: هدي التطوع
    ، وهو ما يهدى لبيت الله تقربا به إلى الله سبحانه في غير تمتع ولا قران ، فيشمل ما يهديه الحاج المفرد ، وأيضا ما يهديه المعتمر ، ويشمل كذلك ما يهديه المسلم من أي مكان فيبعثه إلى الحرم ليذبح هناك .
    وهو سنة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت :
    (( لقد كنت أفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فيبعث هديه إلى الكعبة ، فما يحرم عليه مما يحل للرجال من أهله حتى يرجع الناس ))
    أخرجه البخاري .

    وإشعار الهدي وتقليده سنة ، ليعرف أنه هدي فلا يتعرض له ، ولا بأس أن يركب المهدي هديه إن احتاج إلى ذلك ، لكن يكون ذلك بالمعروف .

    وسنية الإشعار ، وجواز الركوب عند الحاجة ، عام في هدي التمتع والقران ، وهدي التطوع .

    ومن الذبائح المستحبة : الصدقة المطلقة ، فمن أراد أن يذبح ذبيحة ويتصدق بلحمها على الفقراء أو يجعلها إفطارا للصوام ونحو ذلك؛ فإن هذا مستحب؛ لعموم أدلة استحباب الصدقة وتفطير الصوام .

    ومن الذبائح المستحبة ، ذبيحة وليمة العرس ودليلها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : (( أولم ولو بشاة ))
    متفق عليه .

    هذه جملة من الذبائح المشروعة وعلى العبد المسلم أن يستشعر إنعام الله عليه بهذه النعمة ، وأنه سبحانه سخر له هذه الحيوانات يذبحها وينتفع بلحمها وشحمها وجلدها وغير ذلك ، فلم يحرم علينا من الحيوانات مأكولة اللحم إلا الدم المسفوح ، في حين أن بني إسرائيل قد شدد الله عليهم لما شددوا على أنفسهم فحرم عليهم الشحوم ، يقول الله تعالى : ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [ سورة الأنعام : 145 -146 ] . فامتن الله علينا بأن أحل لنا الطيب من المآكل ، وما حرمه علينا فإنما هو خبيث ، بينما قد حرم على اليهود أنواعا من الطيبات بسبب بغيهم ، فعلى المسلم أن يعرف نعمة الله عليه وأن يقوم بواجب شكرها فبالشكر تدوم النعم ، يقول الله تعالى : ﴿
    وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
    ﴾ [ سورة إبراهيم الآية 7 ].

    ثم إن من نعم الله أن سخر هذه الحيوانات على كبر حجمها وعظيم خلقها ، يأتيها ابن آدم فيذبحها أو ينحرها وهي خاضعة له وبين يديه ، وليعتبر المسلم بما كان في مثل خلقها أو أصغر من الحيوانات غير المأكولة كالسباع وقوة بأسها وشدة سطوتها وعدم قدرته عليها ، على صغر حجمها نسبة إلى البقر أو الجاموس أو البعير ونحو ذلك ، فإذا نظر المسلم إلى هذا علم أن الأمر ليس إلا تسخيرا من الله ومنة منه سبحانه على عباده ، يقول سبحانه وتعالى : ﴿
    أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ
    ﴾ [ سورة يس : 71 -72 ] والآيات في هذا المعنى كثيرة ، فإذا تأمل العبد هذا علم عظيم نعمة الله عليه ، وما يجب له سبحانه من حق الشكر بالقلب واللسان والجوارح ، ومن أعظم الشكر لهذه النعمة أن يستعملها العبد في مرضاة الله وما يقرب إليه .

    وإن من كفران هذه النعمة العظيمة أن تستعمل فيما هو محرم على العبد فعله والذبائح المحرمة على العبد أنواع ، فمنها ما اختل فيه شرط من الشروط السابقة ، كأن يكون الذابح غير عاقل ، أو لم يقصد الذكاة ، أو كان مجوسيا أو وثنيا أو كانت الآلة سنا أو ظفرا ، أو لم يذكر اسم الله عليها ذاكرا عالما ، ونحو ذلك .

    ومما يحرم من الذبائح ما ذكر عليه غير اسم الله ، وأعظم منها ما ذبح تقربا لغير الله ، فإن هذه الذبيحة محرمة ميتة ، وهذا الفعل شرك أكبر ، لا يغفر الله لصاحبه إن لم يتب يقول الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [ سورة النساء الآية 48 ] . ودليل كونها شرك وكونها محرمة قوله تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [ سورة الأنعام الآية 162-163 ] ، والنسك هنا الذبح ، فتبين من الآية أن الذبح عبادة لله ، كالصلاة ، لا يجوز صرفها لغير الله ، ولا التقرب بها لسواه ، فمن فعل ذلك فقد أشرك بالله ، وهذا بحمد الله واضح جلي ، كما قال سبحانه في الآية بعدها ﴿ لا شريك له
    ﴾ الآية .

    ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
    (( لعن الله من ذبح لغير الله )) أخرجه مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والله سبحانه وتعالى حين عد ما حرم علينا من المأكول قال : ﴿ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ﴾ [ سورة البقرة الآية 173 ] ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    ( ظاهره أنه ما ذبح لغير الله ، مثل أن يقول: هذه ذبيحة كذا . وإذا كان هذا هو المقصود ، فسواء لفظ به أو لم يلفظ ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم وقال فيه: باسم المسيح ونحوه ، كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم ، وقلنا عليه: باسم الله ، فإذا حرم ما قيل فيه: باسم المسيح أو الزهرة ، فلأن يحرم ما قيل فيه: لأجل المسيح أو الزهرة ، أو قصد به ذلك أولى فإن العبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله ، وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقربا إلى الله لحرم وإن قال فيه باسم الله ، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين قد يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك . وإن كان هؤلاء مرتدين ، لا تباح ذبيحتهم بحال ، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ، الأول: أنه مما أهل به لغير الله ، والثاني: أنها ذبيحة مرتد . . . ) اهـ المقصود من كلامه رحمه الله ، وهذا يبين أن الذبح لغير الله شرك ، وكذلك الذبح بغير اسم الله؛ لأن الأول عبادة لغير الله ، والثاني استعانة بغير الله .

    وإن مما تجدر الإشارة إليه ، بل ويجب التنبيه عليه ما وقع فيه كثير ممن انتسب للإسلام من الذبح لغير الله من الموتى وغيرهم ممن سموهم بالأولياء والصالحين ، فإن هذا من الشرك الأكبر ،
    نسأل الله لنا ولهم السلامة والعافية مما يغضب الله عز وجل .


    فإن الذبح لغير الله سواء كان وليا أو نبيا أو ملكا لأجل جلب نفع أو دفع ضر ، أو طلب الشفاعة والقربى ، كل ذلك شرك وصرف لخالص حق الله لمخلوق ضعيف بل ميت ، هو من أحوج الخلق لمن يدعو له ، ويتصدق عنه ، فكيف يدعى هو ويطلب منه ، بل وتصرف له النذور والذبائح؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون . وواجب العلماء والدعاة في كل مكان وزمان أن يبينوا هذا ويصدعوا بالحق ، فإنه لا يسعهم أن يسكتوا عن هذا الأمر العظيم ، وأي شيء أعظم من الشرك بالله ،
    نسأل الله الهداية للجميع .

    ومما يحرم من الذبائح ما يذبح عند استقبال معظم من سلطان ونحوه ، وقد نقل النووي عن أهل بخارى أن من فعل هذا تقربا فإنهم أفتوا بتحريمه ، لأنه مما أهل به لغير الله .

    وهناك من الذبائح ما يحرم لا لذاتها بل للمكان الذي تذبح فيه ، كالذبح بمكان يعبد فيه غير الله ، وإن كان الذابح إنما ذبح لله ، والدليل حديث ثابت بن الضحاك المتقدم : (( وأن رجلا نذر أن يذبح إبلا ببوانة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ فقالوا : لا ، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ فقالوا : لا ، قال: أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء بنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ))
    .

    وإنما حرم هذا سدا لذريعة الشرك بالله ، وتركا لمشابهة المشركين .

    ومما يحرم من الذبائح الفرع والعتيرة : والفرع هو أول نتاج الإبل والغنم كان أهل الجاهلية يذبحونه لطواغيتهم ، والعتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب ، وقد جاء النهي عنهما ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا فرع ولا عتيرة ))
    أخرجه البخاري .

    هذا ما تيسر لنا إيراده في هذه الكلمة اليسيرة وهي إشارات تحتاج لمزيد بسط وبيان لعل الله أن ييسر لنا ذلك فيما بعد ، وإن التأمل في مثل هذا لينبئ عن عظيم شأن هذه الشريعة الإسلامية وجليل قدرها وعنايتها الشديدة بكل ما فيه نفع وصالح العبد المسلم في دينه ودنياه ، وأن دين الله سبحانه هو الدين الكامل ، وهو الصالح لكل زمان ومكان ، إذ إن ما سبق الكلام فيه ما هو إلا جزء مما يتعلق بعبادة من العبادات التي أمرنا بها ، ورأينا كيف أن النصوص الشرعية أتت على كل جزئية منها إيضاحا وبيانا ، فلله الحمد أن من علينا بهذا الدين القويم وله سبحانه الحمد والشكر أن هدانا إليه وجعلنا من أتباعه وأنصاره ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

    أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا أذنب استغفر وإذا ابتلي صبر .

    كما أسأله سبحانه أن يثبتنا على دينه ويزيدنا فقها فيه وتمسكا به ، وأن يعز دينه ويعلي كلمته وينصر أتباعه ، وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه .

    وصلى الله وسلـم على نبينا محمد وعلى آلـه وصحبه أجمعين .


    المصدر : (( مجلة البحوث الإسلامية )) ع : 62 ص 7


    جزى الله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ خير الجزاء وبارك في علمه .

    أخوكم المحب
    سلمان بن عبد القادر أبو زيد

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 0:46