بقلم
علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد
علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد
الحلبي الأثري ـ حفظه الله ـ
الحمدُ لِلّه، وَالصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ عَلى رَسُولِ اللَّه، وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن وَالاَه.
أَمَّا بَعْد:
فَقَدْ أَوْقَفَنَا بَعْضُ الإِخْوَةِ الغَيُورِين -مِن طَلَبةِ العلمِ
-جزاهم اللهُ خيراً-عَلَى كَلامٍ مَنْسُوبٍ إلى فَضِيلَةِ الشَّيْخِ
المُفتي عَبد العَزِيز بِن عَبد اللَّه آل الشّيخ -وَفّقه المَوْلى- (1)
: فِيهِ شَيْءٌ مِن الدِّفاع (العامّ) عَن بَعْضِ كَلاَمِ (الكاتب) سيّد
قُطب -غفر الله له -الَّذِي فِيهِ انْحِرافٌ، وَغُلُوٌّ، وَمُخالَفَاتٌ
شَرْعِيَّة ،وعقائديّة..
ثم رأيْنا أَنَّ كَلاَمَهُ -حَفِظَهُ اللَّه- قَد (سَوَّقَهُ) كَثِيرٌ
مِمَّن عُرِفُوا بِالحِزْبِيَّةِ وَنُصْرَتِهَا، فَضْلاً عَن انتِشَارِهِ
فِي عَدَدٍ كَبِيرٍ مِن صَفَحاتِ (الإنْتَرنِت)؛ فَرِحِينَ بِه أصحابُهُ
وناشروه! مُسْتَغِلِّينَهُ لِضَرْبِ أَهْلِ السُّنَّة، وَدُعاةِ مَنْهَجِ
السَّلَف.
ولولا علمُنا ( اليقينيُّ) بأنَّ هؤلاء النَّفَرَ لا ينشُرون مِن كلامِ فضيلتهِ إلا ما يوافق أهواءَهم ، أو يُطابقُ أغراضَهم (2)
: لَمَا كَتَبْنا هذا التعقيب ، ولَمَا أشَرْنا إليه مِن بعيدٍ أو قريب ،
ولكنَّ الأمر -مِن قبل ومِن بعد- كما قاله الأئمّة: «ما مِن أحدٍ إلا
رادٌّ ومردودٌ عليه : إلا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-» -نصحاً للأُمّة-:
وَهَذا -نَفْسُهُ-تَماماً- ما ذَكَرَهُ فَضِيلَةُ الشَّيْخ سَعْدُ
الحُصَيِّن -حَفِظَهُ اللَّه- فِيمَا كَتَبَهُ لِفَضِيلَةِ الشَّيْخ
المُفْتِي (بِتارِيخ: 15/8/1426هـ) -تَعْقِيباً عَلى كَلامِهِ
-المَذْكُور- فِي (سَيِّد قُطب)-، حَيْثُ قال له:
«إِنَّ الحِزْبِيِّين يَسْتَفْتُونَ لاستِغْلالِ الفَتْوَى إِذَا
كَانَتْ فِي صالِحِهِمْ، وَدَفْنِهَا إِذَا لَمْ تَصْلُح لِلدِّعايَةِ
لَهُم -كَمَا فَعَلُوا هَذِهِ المَرَّة، وَمَا قَبْلَها مُنْذُ عَهْدِ
ابْنِ بَاز -رَحِمَهُ اللَّه-».
فَنَقُول -وبِاللَّهِ -تَعالى- نَصُولُ وَنَجُول:
إِنَّ أَهْلَ العِلْمِ -دائِماً- عَلَى كَلِمَةٍ وافِيَةٍ كافِيَةٍ شافِيَة؛ أَن: (مَن عَلِمَ حُجّةٌ عَلى مَن لا يَعْلَم) …
وَقَدْ فاتَ هَؤُلاءِ الفَرِحِينَ بِهَذا المَنْقُول عَن فَضِيلَتِه
-نَفَعَ اللَّهُ بِه- أو فوّتوا على أنفسهم !!-ما وَرَدَ عَن فَضِيلَتِهِ
-نفسِه- وَفّقهُ اللَّه- مِن جَوابٍ تَالٍ لِتِلْكَ الكَلِمَة- عَلَى ما
نُقِلَ عَنْهُ بِصَوْتِهِ -رَدًّا عَلى مَن طَعَنَ فِي الصَّحابِي
الجَلِيل -مُعاوِيَة بن أبِي سُفيان-وَكانَ المَنْقُولُ هُوَ كَلامَ
(سيّد) -نَفْسِهِ- دون ذِكره له باسْمِهِ -؛ فَكانَ جَوابُهُ -حَفِظَهُ
اللَّهُ وَنَفَعَ بِه- ما نَصُّهُ-:
«هَذا قَوْلٌ باطِلٌ، وَقائِلُهُ ضالٌّ مُضِلٌّ، مُكَذِّبٌ لِلحقِّ، مُنْكِرٌ لِلحقّ».
وَقالَ -رَدًّا عَلى كِلَمَةٍ أُخْرى قالَهَا(سَيّدٌ) -نفسُه-:
«هَذا كَلامُ باطِنِيٍّ خِبيث، أو يَهُودِيٍّ لَعِين، ما يتَكَلَّمُ بِهَذا مُسْلِم» (3) .
مَعَ كَوْنِ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ المُفْتِي -حَفِظَهُ اللَّهُ- يَقُولُ
-فِي مَثَانِي كَلاَمِهِ -الَّذِي فَرِحَ بِهِ المُخالِفُون
-وطاروا-نفسِهِ- :
«وَالكِتَابُ لاَ يَخْلُو مِنْ مُلاَحَظَاتٍ -كَغَيْرِهِ-، لاَ يَخْلُو
مِنْ مُلاَحَظَاتٍ، وَلاَ يَخْلُو مِنْ أَخْطَاء، لَكِنْ -بِالجُمْلَةِ-:
إِنَّ الكَاتِبَ كَتَبَهُ [مِنْ] مُنْطَلَقِ غَيْرَةٍ وَحَمِيَّةٍ
للإِسْلاَمِ (4)
وَالرَّجُلُ هُوَ صَاحِبُ تَرْبِيَةٍ، وَعُلُومِ ثَقَافَةٍ عَامَّةٍ،
وَمَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ يُعْتَبَرُ شَيْئاً
كَثِيراً...».
ثم وَصَفَهُ -بَعْدُ- بِـ«قِلَّةِ العِلْمِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ»!
فَنَقُولُ: وَهَذَا كَلاَمٌ حَقٌّ -كُلُّهُ-بحمدِ الله-، وَلَكِنْ:
1- مَنْ ذَا الَّذِي يُمَيِّزُ هَذِهِ «الأَخْطَاءَ»، وَيَكْشِفُ
هَذِهِ «المُلاَحَظَاتِ»؛ وَأَكْثَرُ المُتَعَلِّقِينَ بِـ (سَيِّد)
وَ«ظِلاَلِهِ» هُمْ مِنْ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ -وَبِخاصَّةٍ مَعَ
عُلُوِّ أُسْلُوبِ (سَيِّد) -اللُّغَوِي!- كَمَا يَقُولُ فَضِيلَتُهُ-
مِمّا يُعَمِّقُ الخطأَ ، ويَزيدُه ولا يُزيلُهُ !؟!
2- مَا «الأَخْطَاءُ» الَّتِي اعْتَرَفَ بِهَا (!) هَؤُلاَءِ
المُدَافِعُونَ، المُتَعَصِّبُونَ، الجَاهِلُونَ؛ الَّذِينَ قَدَّمُوا
الخَلْقَ عَلَى الحَقِّ -وَلاَ يَزَالُونَ- !؟!
وما أَثَرُها الواقِعِيُّ عليهم -وعليه-إن أقرُّوا ببعضها ؟!
3- الغَيْرَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ، وَالحَمِيَّةُ لِلإِسْلاَمِ -أَيْضاً-
هِيَ الَّتِي دَفَعَتِ الخَوَارِجَ لِلتَّكْفِيرِ، وَالمُعَطِّلَةَ
لِلتَّأْوِيلِ، وَالمُشَبِّهَةَ لِلتَّجْسِيمِ، وَالرَّوَافِضَ لِلسَّبِّ،
وَالمُرْجِئَةَ لِلتَّخْذِيلِ، وَالقَدَرِيَّةَ لِلنَّفْيِ، وَ..، وَ..!!!
وما مِن مُبتدعٍ ولا مُنحرفٍ إلا وله شبهةٌ يتترَّسُ بِهَا …
4- النِّيَّةُ الحَسَنَةُ لاَ تَجْعَلُ البَاطِلَ حَقًّا، وَ«كَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلحَقِّ لَنْ يُصِيبَهُ» (5) !!
5- كَيْفَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَضْبِطَ (!) قَلَمَ صَاحِبِ (عُلُومِ
ثَقَافَةٍ عَامَّةٍ): مَعَ يَقِينِنا الحازمِ أنَّ مَا سَيَنْتُجُ مِنْهُ
-ويصدُرُ عنه-، سَيَكُونُ أَمْشَاجاً، وَأَخْلاَطاً -فِيهَا، وَفِيهَا-؟!!
6- «الشَّيْءُ الكَثِيرُ» -مِنَ الخَطَإِ- غَالِبٌ -وَلاَ بُدَّ- مَا
سِوَاهُ مِنَ (الشَّيْءِ القَلِيل) -مِنَ الصَّوَابِ-؛ فَمَا الأَصْلُ فِي
التَّعَامُلِ مَعَ مَنْ هَذَا حَالُهُ؟!
ولماذا (المُغامرةُ) -بِدُونِ أَدْنَى حاجَةٍ!- بالدُّخول إلى مَتَاهةٍ إنْ عُرف لها أوّل : لم يُعلم لَها آخِر ؟!
7- مَنْ «لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ» كَيْفَ يَخُوضُ فِيمَا لاَ
يَدْرِي ؟! وَكَيْفَ يُمْكِنُ ضَبْطُ عَشْوَائِهِ -فِيهِ- ؟! كَـ(طَبِيبٍ)
عَمِلَ مُهَنْدِساً، أَو مُزارِعٍ عَمِلَ نَجَّاراً ؟! فَأَيُّ فَسَادٍ
سَيُنْتِجُ ذا -إذَنْ-!!
8- لِمَ لَمْ يُعامَل بعضُ (أَهْلِ السُّنَّةِ الصِّرْفَةِ) -فِيمَا
(قَد) يَكُونُونَ أَخْطَأُوا فِيهِ -مِن خَطَأِ اللَّفْظِ أَوِ
العِبَارَةِ -حَسْبُ- فَصَدَرَتْ فِيهِم (فَتاوَى) تَحْذِير، لَمْ تُصِب
الحَقَّ الكَبِير- كَمِثْلِ مَا عُومِلَ بِهِ (سَيِّد قُطب) -هُنا-؛ مَعَ
كَوْنِ أَخْطَائِهِ -غَفَرَ اللَّهُ لَه- أخْطاءً أَصْلِيَّةً
حَقِيقِيَّة، لا مُجَرَّدَ لَفْظِيَّة؟!
ناهِيَك عَن أَنَّ أولئكَ -بَعْدُ- شَرَحوا ، ووضّحوا ، وبيّنوا ، ولم
نعرف عن (هذا ) إلا الاستمرار ! وعن أتباعهِ -المُتَعَصِّبِينَ لَه- إلا
الإصرار !!
9- وَأَمَّا الكَلامُ عَن (لُغَةِ سَيِّد قُطب)، و(أُسْلُوبِهِ
الإِنْشائِيِّ): فَجَوابُهُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ
تَيْمِيَّة فِي «دَرْءِ التَّعَارُض» (6/171) لَمَّا ذَكـرَ -رَحِمَهُ
اللَّه- مَن لا يُوافِقُونَ بَعْضَ أَقْوالِ أَهْلِ البِدَع؛ لَكِنَّهُم
(يتلمّسون) لهم الأعذارَ ؛ فـ: «يَقُولُون: نَحْنَ لا نَفْهَمُ هَذا! أَو
يَقُولُون: هَذا ظاهِرُه كُفْرٌ!! لَكِن قَد تَكُونُ لَهُ أَسْرارٌ
وَحَقائِقُ يَعْرِفُها أَصْحابُها»!!
فَمَا أَشْبَهَ الأَمْسَ بِاليَوْم!!
10- وَالظَّنُّ الحَسَنُ بِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ المُفْتِي -نَفَعَ
اللَّهُ بِه- لَوْ أُوقِفَ عَلَى هَذِهِ الحَقائِقِ-أَو بَعْضِهَا- أَنْ
لا يُخَالَفَ فَتَاوَى مَشايِخِ العَصْرِ وَعُلَمائِهِ -مِمَّنْ هُم فِي
طَبَقَةِ شُيُوخِه-؛ وَأَوَّلُهُم وَأَوْلاهُم سَلَفُهُ فِي مَنْصِبِ
الإِفْتاءِ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الشَّيْخ عَبْد العَزِيز بِن باز
-رَحِمَهُ اللَّهُ-تَعالَى- وَهوَ مَن
هو - …
فعندما نُقل لسماحتِه -رحمه الله - كلامُ ( سيّد قطب) في نبيِّ الله
موسى -عليه السلام -، وَقَوْلُهُ فِيهِ؛ أنّه: «نموذجٌ للزعيمِ
المُنْدَفعِ العصبيِّ المزاجِ» !! قال سماحتُهُ : «الاستهزاء بالأنبياء
ردَّةٌ (6) مستقلةٌ» …
11- وَرَدَ فِي آخِرِ كَلِمَةِ الشَّيْخِ المُفْتِي -وَفَّقَهُ المَوْلَى- قَوْلُهُ: «وَالعِصْمَةُ لِكِتابِ اللَّهِ..»!!
وَ«هَذَا تَعْبِيرٌ لاَ يَجُوزُ فِي حَقِّ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ إِذِ
العِصْمَةُ لاَ بُدَّ لَهَا مِنْ عَاصِمٍ؛ فَلْيُتَنَبَّهْ»، وَبِخَاصَّةٍ
أَنَّ «أَسْمَاءَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ تَوْقِيفِيَّةٌ» -كَمَا قَالَ
فَضِيلَةُ الشَّيْخ بَكْر أَبُو زَيْد -عُضْو اللَّجْنَة الدَّائِمَة
للإِفْتاءِ، وَعُضْو هَيْئَةِ كِبارِ العُلَماء- فِي «مُعْجَمِ المَنَاهِي
اللَّفْظِيَّةِ» -(ص392-393)-.
فَالظَّنُّ الحَسَنُ بِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ المُفْتِي -زَادَهُ اللَّهُ
تَوْفِيقاً- أَنَّهُ لَوْ عُرِّفَ القَائِلَ (الحَقِيقِيَّ) لِهَاتيك
البَلايَا -وَأنّه (سَيِّد قُطب)- لَثَبَتَ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَلاَ
غَيَّرَ فِيهَا، وَلاَ تَغَيَّرَ بِسَبَبِهَا؛ نُصْرَةً لِلْحَقِّ
-نَصَرَهُ اللهُ بالحقِّ ، ونَصَر الحقَّ به- .
وَاللَّهُ العَاصِمُ.
----------------------------------------------------
(1)
وَقَدْ عَلَّقَ على فَتْوَى فَضِيلَتِهِ (البَعْضُ!) -قائِلاً -: ( فَلا
شَكَّ أَنَّ رَأْيَهُ يَلْقَى قَبُولاً عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ
المُسْلِمينَ..)!!
فَنقُول : هَذَا -هَكَذا- صَنِيعُ العَوَامِّ وَالمُقَلِّدَةِ ؛ أَمَّا
أَهْلُ العِلْمِ المُحَقِّقُون -وَطُلاَّبُهُ المُتْقِنُون - :
فَعِنْدَهُمْ مِيزَانُ الحَقِّ المُسْتَقِيم الَّذي يَقِيسُونَ بِهِ
مَقَالاَتِ الخَلْقِ -صِحَّةً وَخَطَأً ، صَوَابَاً وَغَلَطاً-!!
فَالكَبيرُ هُوَ الحَقّ بِبَهَائِهِ ، لا الأَسْمَاءُ ولا الأَشْخَاصُ -سِوَى رُسُلِ اللهِ وَأَنبيائِهِ -.
(2) بل إنَّ المُفْتِيَ -نَفْسَهُ- لَمْ يَسْلَم مِن طُعُونِ هَؤُلاءِ
وَاتِّهاماتِهِم؛ لَمَّا خَالَفَ أَهْواءهُم فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ
المَشْهُورَة … فَوَاغَوْثَاه!
(3) انتبه -أخي القارىء- ولا تخلط !! فنحن لا نُكَفِّر الأعيانَ ، إِلا بالشرطِ المُعتَبَر ؛ فتدبر !
(4)لم يَمْنَعْ مثلُ هذا الوصفِ -تماماً- الشيخَ الأستاذَ (محمود شاكر)
-رَحِمَهُ اللَّه- من الردِّ على (سيّد قطب) ، وكشف أشياءَ ممّا انحرف
فيها ؛ فانظر «جمهرة = = مقالاته» (2/990) ،فهو يصفُهُ بـ «بعض المتحمّسين
لدين ربِّهم ، المُعلنين بالذبِّ عنه ، والجهاد في سبيلِهِ» ، ثم يَكُرُّ
عَلَيْهِ بِالنَّقْضِ وَالنَّقْد …
(5)كما رواه الدارمي (1/65-66) من قول ابن مسعود -رضي الله عنه-.
(6) انظر التعليق المتقدم ( رقم : 2) .
http://www.alhalaby.com/makalat/qutob.htm
أَمَّا بَعْد:
فَقَدْ أَوْقَفَنَا بَعْضُ الإِخْوَةِ الغَيُورِين -مِن طَلَبةِ العلمِ
-جزاهم اللهُ خيراً-عَلَى كَلامٍ مَنْسُوبٍ إلى فَضِيلَةِ الشَّيْخِ
المُفتي عَبد العَزِيز بِن عَبد اللَّه آل الشّيخ -وَفّقه المَوْلى- (1)
: فِيهِ شَيْءٌ مِن الدِّفاع (العامّ) عَن بَعْضِ كَلاَمِ (الكاتب) سيّد
قُطب -غفر الله له -الَّذِي فِيهِ انْحِرافٌ، وَغُلُوٌّ، وَمُخالَفَاتٌ
شَرْعِيَّة ،وعقائديّة..
ثم رأيْنا أَنَّ كَلاَمَهُ -حَفِظَهُ اللَّه- قَد (سَوَّقَهُ) كَثِيرٌ
مِمَّن عُرِفُوا بِالحِزْبِيَّةِ وَنُصْرَتِهَا، فَضْلاً عَن انتِشَارِهِ
فِي عَدَدٍ كَبِيرٍ مِن صَفَحاتِ (الإنْتَرنِت)؛ فَرِحِينَ بِه أصحابُهُ
وناشروه! مُسْتَغِلِّينَهُ لِضَرْبِ أَهْلِ السُّنَّة، وَدُعاةِ مَنْهَجِ
السَّلَف.
ولولا علمُنا ( اليقينيُّ) بأنَّ هؤلاء النَّفَرَ لا ينشُرون مِن كلامِ فضيلتهِ إلا ما يوافق أهواءَهم ، أو يُطابقُ أغراضَهم (2)
: لَمَا كَتَبْنا هذا التعقيب ، ولَمَا أشَرْنا إليه مِن بعيدٍ أو قريب ،
ولكنَّ الأمر -مِن قبل ومِن بعد- كما قاله الأئمّة: «ما مِن أحدٍ إلا
رادٌّ ومردودٌ عليه : إلا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-» -نصحاً للأُمّة-:
وَهَذا -نَفْسُهُ-تَماماً- ما ذَكَرَهُ فَضِيلَةُ الشَّيْخ سَعْدُ
الحُصَيِّن -حَفِظَهُ اللَّه- فِيمَا كَتَبَهُ لِفَضِيلَةِ الشَّيْخ
المُفْتِي (بِتارِيخ: 15/8/1426هـ) -تَعْقِيباً عَلى كَلامِهِ
-المَذْكُور- فِي (سَيِّد قُطب)-، حَيْثُ قال له:
«إِنَّ الحِزْبِيِّين يَسْتَفْتُونَ لاستِغْلالِ الفَتْوَى إِذَا
كَانَتْ فِي صالِحِهِمْ، وَدَفْنِهَا إِذَا لَمْ تَصْلُح لِلدِّعايَةِ
لَهُم -كَمَا فَعَلُوا هَذِهِ المَرَّة، وَمَا قَبْلَها مُنْذُ عَهْدِ
ابْنِ بَاز -رَحِمَهُ اللَّه-».
فَنَقُول -وبِاللَّهِ -تَعالى- نَصُولُ وَنَجُول:
إِنَّ أَهْلَ العِلْمِ -دائِماً- عَلَى كَلِمَةٍ وافِيَةٍ كافِيَةٍ شافِيَة؛ أَن: (مَن عَلِمَ حُجّةٌ عَلى مَن لا يَعْلَم) …
وَقَدْ فاتَ هَؤُلاءِ الفَرِحِينَ بِهَذا المَنْقُول عَن فَضِيلَتِه
-نَفَعَ اللَّهُ بِه- أو فوّتوا على أنفسهم !!-ما وَرَدَ عَن فَضِيلَتِهِ
-نفسِه- وَفّقهُ اللَّه- مِن جَوابٍ تَالٍ لِتِلْكَ الكَلِمَة- عَلَى ما
نُقِلَ عَنْهُ بِصَوْتِهِ -رَدًّا عَلى مَن طَعَنَ فِي الصَّحابِي
الجَلِيل -مُعاوِيَة بن أبِي سُفيان-وَكانَ المَنْقُولُ هُوَ كَلامَ
(سيّد) -نَفْسِهِ- دون ذِكره له باسْمِهِ -؛ فَكانَ جَوابُهُ -حَفِظَهُ
اللَّهُ وَنَفَعَ بِه- ما نَصُّهُ-:
«هَذا قَوْلٌ باطِلٌ، وَقائِلُهُ ضالٌّ مُضِلٌّ، مُكَذِّبٌ لِلحقِّ، مُنْكِرٌ لِلحقّ».
وَقالَ -رَدًّا عَلى كِلَمَةٍ أُخْرى قالَهَا(سَيّدٌ) -نفسُه-:
«هَذا كَلامُ باطِنِيٍّ خِبيث، أو يَهُودِيٍّ لَعِين، ما يتَكَلَّمُ بِهَذا مُسْلِم» (3) .
مَعَ كَوْنِ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ المُفْتِي -حَفِظَهُ اللَّهُ- يَقُولُ
-فِي مَثَانِي كَلاَمِهِ -الَّذِي فَرِحَ بِهِ المُخالِفُون
-وطاروا-نفسِهِ- :
«وَالكِتَابُ لاَ يَخْلُو مِنْ مُلاَحَظَاتٍ -كَغَيْرِهِ-، لاَ يَخْلُو
مِنْ مُلاَحَظَاتٍ، وَلاَ يَخْلُو مِنْ أَخْطَاء، لَكِنْ -بِالجُمْلَةِ-:
إِنَّ الكَاتِبَ كَتَبَهُ [مِنْ] مُنْطَلَقِ غَيْرَةٍ وَحَمِيَّةٍ
للإِسْلاَمِ (4)
وَالرَّجُلُ هُوَ صَاحِبُ تَرْبِيَةٍ، وَعُلُومِ ثَقَافَةٍ عَامَّةٍ،
وَمَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ يُعْتَبَرُ شَيْئاً
كَثِيراً...».
ثم وَصَفَهُ -بَعْدُ- بِـ«قِلَّةِ العِلْمِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ»!
فَنَقُولُ: وَهَذَا كَلاَمٌ حَقٌّ -كُلُّهُ-بحمدِ الله-، وَلَكِنْ:
1- مَنْ ذَا الَّذِي يُمَيِّزُ هَذِهِ «الأَخْطَاءَ»، وَيَكْشِفُ
هَذِهِ «المُلاَحَظَاتِ»؛ وَأَكْثَرُ المُتَعَلِّقِينَ بِـ (سَيِّد)
وَ«ظِلاَلِهِ» هُمْ مِنْ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ -وَبِخاصَّةٍ مَعَ
عُلُوِّ أُسْلُوبِ (سَيِّد) -اللُّغَوِي!- كَمَا يَقُولُ فَضِيلَتُهُ-
مِمّا يُعَمِّقُ الخطأَ ، ويَزيدُه ولا يُزيلُهُ !؟!
2- مَا «الأَخْطَاءُ» الَّتِي اعْتَرَفَ بِهَا (!) هَؤُلاَءِ
المُدَافِعُونَ، المُتَعَصِّبُونَ، الجَاهِلُونَ؛ الَّذِينَ قَدَّمُوا
الخَلْقَ عَلَى الحَقِّ -وَلاَ يَزَالُونَ- !؟!
وما أَثَرُها الواقِعِيُّ عليهم -وعليه-إن أقرُّوا ببعضها ؟!
3- الغَيْرَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ، وَالحَمِيَّةُ لِلإِسْلاَمِ -أَيْضاً-
هِيَ الَّتِي دَفَعَتِ الخَوَارِجَ لِلتَّكْفِيرِ، وَالمُعَطِّلَةَ
لِلتَّأْوِيلِ، وَالمُشَبِّهَةَ لِلتَّجْسِيمِ، وَالرَّوَافِضَ لِلسَّبِّ،
وَالمُرْجِئَةَ لِلتَّخْذِيلِ، وَالقَدَرِيَّةَ لِلنَّفْيِ، وَ..، وَ..!!!
وما مِن مُبتدعٍ ولا مُنحرفٍ إلا وله شبهةٌ يتترَّسُ بِهَا …
4- النِّيَّةُ الحَسَنَةُ لاَ تَجْعَلُ البَاطِلَ حَقًّا، وَ«كَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلحَقِّ لَنْ يُصِيبَهُ» (5) !!
5- كَيْفَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَضْبِطَ (!) قَلَمَ صَاحِبِ (عُلُومِ
ثَقَافَةٍ عَامَّةٍ): مَعَ يَقِينِنا الحازمِ أنَّ مَا سَيَنْتُجُ مِنْهُ
-ويصدُرُ عنه-، سَيَكُونُ أَمْشَاجاً، وَأَخْلاَطاً -فِيهَا، وَفِيهَا-؟!!
6- «الشَّيْءُ الكَثِيرُ» -مِنَ الخَطَإِ- غَالِبٌ -وَلاَ بُدَّ- مَا
سِوَاهُ مِنَ (الشَّيْءِ القَلِيل) -مِنَ الصَّوَابِ-؛ فَمَا الأَصْلُ فِي
التَّعَامُلِ مَعَ مَنْ هَذَا حَالُهُ؟!
ولماذا (المُغامرةُ) -بِدُونِ أَدْنَى حاجَةٍ!- بالدُّخول إلى مَتَاهةٍ إنْ عُرف لها أوّل : لم يُعلم لَها آخِر ؟!
7- مَنْ «لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ» كَيْفَ يَخُوضُ فِيمَا لاَ
يَدْرِي ؟! وَكَيْفَ يُمْكِنُ ضَبْطُ عَشْوَائِهِ -فِيهِ- ؟! كَـ(طَبِيبٍ)
عَمِلَ مُهَنْدِساً، أَو مُزارِعٍ عَمِلَ نَجَّاراً ؟! فَأَيُّ فَسَادٍ
سَيُنْتِجُ ذا -إذَنْ-!!
8- لِمَ لَمْ يُعامَل بعضُ (أَهْلِ السُّنَّةِ الصِّرْفَةِ) -فِيمَا
(قَد) يَكُونُونَ أَخْطَأُوا فِيهِ -مِن خَطَأِ اللَّفْظِ أَوِ
العِبَارَةِ -حَسْبُ- فَصَدَرَتْ فِيهِم (فَتاوَى) تَحْذِير، لَمْ تُصِب
الحَقَّ الكَبِير- كَمِثْلِ مَا عُومِلَ بِهِ (سَيِّد قُطب) -هُنا-؛ مَعَ
كَوْنِ أَخْطَائِهِ -غَفَرَ اللَّهُ لَه- أخْطاءً أَصْلِيَّةً
حَقِيقِيَّة، لا مُجَرَّدَ لَفْظِيَّة؟!
ناهِيَك عَن أَنَّ أولئكَ -بَعْدُ- شَرَحوا ، ووضّحوا ، وبيّنوا ، ولم
نعرف عن (هذا ) إلا الاستمرار ! وعن أتباعهِ -المُتَعَصِّبِينَ لَه- إلا
الإصرار !!
9- وَأَمَّا الكَلامُ عَن (لُغَةِ سَيِّد قُطب)، و(أُسْلُوبِهِ
الإِنْشائِيِّ): فَجَوابُهُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ
تَيْمِيَّة فِي «دَرْءِ التَّعَارُض» (6/171) لَمَّا ذَكـرَ -رَحِمَهُ
اللَّه- مَن لا يُوافِقُونَ بَعْضَ أَقْوالِ أَهْلِ البِدَع؛ لَكِنَّهُم
(يتلمّسون) لهم الأعذارَ ؛ فـ: «يَقُولُون: نَحْنَ لا نَفْهَمُ هَذا! أَو
يَقُولُون: هَذا ظاهِرُه كُفْرٌ!! لَكِن قَد تَكُونُ لَهُ أَسْرارٌ
وَحَقائِقُ يَعْرِفُها أَصْحابُها»!!
فَمَا أَشْبَهَ الأَمْسَ بِاليَوْم!!
10- وَالظَّنُّ الحَسَنُ بِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ المُفْتِي -نَفَعَ
اللَّهُ بِه- لَوْ أُوقِفَ عَلَى هَذِهِ الحَقائِقِ-أَو بَعْضِهَا- أَنْ
لا يُخَالَفَ فَتَاوَى مَشايِخِ العَصْرِ وَعُلَمائِهِ -مِمَّنْ هُم فِي
طَبَقَةِ شُيُوخِه-؛ وَأَوَّلُهُم وَأَوْلاهُم سَلَفُهُ فِي مَنْصِبِ
الإِفْتاءِ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الشَّيْخ عَبْد العَزِيز بِن باز
-رَحِمَهُ اللَّهُ-تَعالَى- وَهوَ مَن
هو - …
فعندما نُقل لسماحتِه -رحمه الله - كلامُ ( سيّد قطب) في نبيِّ الله
موسى -عليه السلام -، وَقَوْلُهُ فِيهِ؛ أنّه: «نموذجٌ للزعيمِ
المُنْدَفعِ العصبيِّ المزاجِ» !! قال سماحتُهُ : «الاستهزاء بالأنبياء
ردَّةٌ (6) مستقلةٌ» …
11- وَرَدَ فِي آخِرِ كَلِمَةِ الشَّيْخِ المُفْتِي -وَفَّقَهُ المَوْلَى- قَوْلُهُ: «وَالعِصْمَةُ لِكِتابِ اللَّهِ..»!!
وَ«هَذَا تَعْبِيرٌ لاَ يَجُوزُ فِي حَقِّ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ إِذِ
العِصْمَةُ لاَ بُدَّ لَهَا مِنْ عَاصِمٍ؛ فَلْيُتَنَبَّهْ»، وَبِخَاصَّةٍ
أَنَّ «أَسْمَاءَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ تَوْقِيفِيَّةٌ» -كَمَا قَالَ
فَضِيلَةُ الشَّيْخ بَكْر أَبُو زَيْد -عُضْو اللَّجْنَة الدَّائِمَة
للإِفْتاءِ، وَعُضْو هَيْئَةِ كِبارِ العُلَماء- فِي «مُعْجَمِ المَنَاهِي
اللَّفْظِيَّةِ» -(ص392-393)-.
فَالظَّنُّ الحَسَنُ بِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ المُفْتِي -زَادَهُ اللَّهُ
تَوْفِيقاً- أَنَّهُ لَوْ عُرِّفَ القَائِلَ (الحَقِيقِيَّ) لِهَاتيك
البَلايَا -وَأنّه (سَيِّد قُطب)- لَثَبَتَ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَلاَ
غَيَّرَ فِيهَا، وَلاَ تَغَيَّرَ بِسَبَبِهَا؛ نُصْرَةً لِلْحَقِّ
-نَصَرَهُ اللهُ بالحقِّ ، ونَصَر الحقَّ به- .
وَاللَّهُ العَاصِمُ.
----------------------------------------------------
(1)
وَقَدْ عَلَّقَ على فَتْوَى فَضِيلَتِهِ (البَعْضُ!) -قائِلاً -: ( فَلا
شَكَّ أَنَّ رَأْيَهُ يَلْقَى قَبُولاً عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ
المُسْلِمينَ..)!!
فَنقُول : هَذَا -هَكَذا- صَنِيعُ العَوَامِّ وَالمُقَلِّدَةِ ؛ أَمَّا
أَهْلُ العِلْمِ المُحَقِّقُون -وَطُلاَّبُهُ المُتْقِنُون - :
فَعِنْدَهُمْ مِيزَانُ الحَقِّ المُسْتَقِيم الَّذي يَقِيسُونَ بِهِ
مَقَالاَتِ الخَلْقِ -صِحَّةً وَخَطَأً ، صَوَابَاً وَغَلَطاً-!!
فَالكَبيرُ هُوَ الحَقّ بِبَهَائِهِ ، لا الأَسْمَاءُ ولا الأَشْخَاصُ -سِوَى رُسُلِ اللهِ وَأَنبيائِهِ -.
(2) بل إنَّ المُفْتِيَ -نَفْسَهُ- لَمْ يَسْلَم مِن طُعُونِ هَؤُلاءِ
وَاتِّهاماتِهِم؛ لَمَّا خَالَفَ أَهْواءهُم فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ
المَشْهُورَة … فَوَاغَوْثَاه!
(3) انتبه -أخي القارىء- ولا تخلط !! فنحن لا نُكَفِّر الأعيانَ ، إِلا بالشرطِ المُعتَبَر ؛ فتدبر !
(4)لم يَمْنَعْ مثلُ هذا الوصفِ -تماماً- الشيخَ الأستاذَ (محمود شاكر)
-رَحِمَهُ اللَّه- من الردِّ على (سيّد قطب) ، وكشف أشياءَ ممّا انحرف
فيها ؛ فانظر «جمهرة = = مقالاته» (2/990) ،فهو يصفُهُ بـ «بعض المتحمّسين
لدين ربِّهم ، المُعلنين بالذبِّ عنه ، والجهاد في سبيلِهِ» ، ثم يَكُرُّ
عَلَيْهِ بِالنَّقْضِ وَالنَّقْد …
(5)كما رواه الدارمي (1/65-66) من قول ابن مسعود -رضي الله عنه-.
(6) انظر التعليق المتقدم ( رقم : 2) .
http://www.alhalaby.com/makalat/qutob.htm