خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    مفهوم الضبط ،وما يتعلق به .

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية مفهوم الضبط ،وما يتعلق به .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 04.09.08 12:40

    [size=24][b]مفهوم الضبط ،وما يتعلق به .
    مفهوم الضبط عند الرواة : وفيه :

    ــ تعريف الضبط، ومشروعيته،وعلة اعتباره .

    ــ أقسام الضبط .

    ــ معرفة ضبط الرواة .

    ــ فروع اختلال الضبط .

    ــ خاتمة الفصل .


    تعريف الضبط ،ومشروعيته،وعلة اعتباره .


    الضبط لغة :
    تدل كلمة الضبط في اللغة على عدة معان،فتأتي بمعنى لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء

    ،فيقال: ضبط الشيء يضبطه من باب ضرب ؛أي لزمه لزوماً لزوماً شديداً ،لذا يقال:هو أضبط من الأعمى ،وأضبط من نملة(1). والمعنى واضح الدلالة على شدة الملازمة وعدم المفارقة .

    وتأتي بمعنى آخر ،فيقال:ضبط الشيء إذا حفظه بالحزم ؛أي حفظه حفظاً بليغاً ،ومنه قيل: ضبطت البلاد وغيرها إذا قمت بأمرها قياماً ليس فيه نقص(2) .
    ومن المجاز:هو ضابط للأمور، وفلان لا يضبط عمله:لا يقوم بما فوض إليه، ولا يضبط قراءته:لا يحسنها(3) . مما يدل على عدم الحفظ بالحزم والقوة .

    وفي اصطلاح المحدثين : ملكة تؤهل الراوي لأن يروي الحديث كما سمعه من غير زيادة ولا نقصان. وأول من بينه خير بيان الإمام الشافعي(4)رحمه الله تعالى فقال: ((أن يكون الراوي حافظاً إن حدث من حفظه ،حافظاً لكتابه إن حدث منه ،

    ــــــــــــــــ
    (1)- لسان العرب(محمد بن منظور المصري،دار صادر بيروت،ط1)مادة ضبط،7(/ 340 ). وأساس البلاغة(محمود بن عمر الزمخشري،ط/1979،دار صادر بيروت)،( ص:370 ) .
    (2)– مختار الصحاح(محمد بن أبي بكر الرازي،تح:محمود خاطر،مكتبة لبنان ناشرون،ط/1995 (1/403).والقاموس المحيط(محمد بن يعقوب الشيرازي،مؤسسة الرسالة بيروت،ط3/1993)،(ص:782).والمصباح المنير(أحمد بن علي الفيومي،المكتبة العلمية بيروت)،(2/357) .
    (3) – أساس البلاغة (ص:370) .
    (4) – محمد بن إدريس بن العباس المطلبي،أبو عبدالله، نزيل مصر،المجدد على رأس المائتين،من كتبه:الأم،والرسالة وغيرهما،توفي سنة أربع ومائتين،خت4. تقريب التهذيب(أحمد بن حجر العسقلاني، تح:محمد عوامة، دار الرشيد سوريا،ط1/1986)،(1/467) . طبقات الحفاظ(جلال الدين السيوطي،دار الكتب العلمية بيروت،ط/1403هـ) ،(ص:157) .



    عالماً بما يحيل معاني الحديث إن حدث على المعنى(1) ،إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم))(2) .وذكر ابن الأثير(3) في مقدمة الجامع أن الضبط عبارة عن احتياط في باب العلم ،وله طرفان :العلم عند السماع ،والحفظ بعد العلم عند التكلم ،فلو سمع ولم يعلم،أولم يفهم لم يكن ضابطا ،وكذا إذا شك في الحفظ بعد العلم أوالسماع(4) .


    إذاً:فليس المقصود بالضبط والإتقان -عند المحدثين- سعة الحفظ وكثرة المحفوظات ،وإنما المقصود به التثبت ،وأن لا يروي الراوي إلا ما حفظه ،وأن يؤديه كما سمعه ،وأهل الضبط بهذا المعنى يتفاوتون .


    ــــــــــــــــــ
    (1) – اختلف العلماء في حكم رواية الحديث بالمعنى،والأكثر على أن ذلك جائز بشروط :أن يكون الراوي عالماً عارفاً بالألفاظ ومقاصدها،بصيراً بمقدارالتفاوت بينها،عارفاً بالفقه واختلاف الأحكام،مميزاً لما يحيل المعنى وما لا يحيله،وأن يكون المعنى ظاهراً معلوماً ،وأما إذا كان غامضاً محتملاً فإنه لا يجوز رواية الحديث على المعنى ويلزم إيراد اللفظ بعينه وسياقه على وجهه.
    انظر:علوم الحديث(لأبي عمرو عثمان الشهرزوري، تح: د.نور الدين عتر،دار الفكر دمشق، إعادة ط3/1998م )،(ص:213) .توجيه النظر إلى أصول الأثر(طاهر الجزائري الدمشقي،تح:عبد الفتاح أبو غدة ،مكتب المطبوعات الإسلامية حلب ،ط1/1416هـ)،(1/671) .الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع(أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تح: د .محمود الطحان،مكتبة المعارف الرياض،ط/1403هـ)،(2/34) .
    (2)- الرسالة(محمد بن إدريس الشافعي،تح:أحمد شاكر،القاهرة،ط/1939)،(ص:370).وانظرشرح علل الترمذي(ابن رجب الحنبلي،تح:د. نورالدين عتر،دارالملاح،ط1/1978)،(1/351) .
    وتدريب الراوي( لجلال الدين السيوطي،تح:عبد الوهاب عبد اللطيف،دار الكتب الحديثة،القاهرة،ط/1966)،(1/201).وفتح المغيث(محمد بن عبد الرحمن السخاوي،دار الكتب العلمية لبنان،ط1/1403هـ)،(1/289) .
    (3)- المبارك بن محمد الجزري ،مجد الدين،ابن الأثير،محدث كبير،ولغوي بارع،وأصولي،توفي606هـ له جامع الأصول،والنهاية في غريب الحديث،وغيرهما .سير أعلام النبلاء(محمد بن أحمد الذهبي،إشراف شعيب الأرناؤوط ،مؤسسة الرسالة بيروت،ط2/1985)(21/488) .
    (4)- جامع الأصول(ابن الأثير الجزري ،تح:محمد حامد فقي،دار إحياء التراث العربي بيروت،ط3/1983)،(1/35) .




    والأدلة على اشتراط صفة الضبط في الراوي كثيرة ،منها قول الله تعالى:﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء :36] أي:لا تقل رأيتُ ولم ترَ ،وسمعتُ ولم تسمعْ وعلمتُ ولم تعلم(1).فالتحقق والضبط أولاً ثم الأداء .

    وقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر :"نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه"(2).


    قلت:أي أدى الخبر كما سمعه،وهذا لا يتحقق إلا بكون الراوي واعياً ضابطاً لما يسمع حتى يؤدي ما تحمله بدقة وأمانة .

    وكل دليل يوجب اشتراط العدالة يوجب اشتراط الضبط(3) .قلت:لأن العلة بينهما واحدة وهي تحقيق الأداء السليم بعد التحمل .


    أما عن اشتراط الضبط إلى جانب العدالة ،وعدم الاكتفاء بالعدالة وحدها لقبول رواية الراوي ،أقول: من المصطلحات الدارجة ،والكثيرة الاستعمال في علم مصطلح الحديث مصطلح الثقة ،حيث نجد المحدثين يعبرون عن أحكامهم على بعض الرواة بأنهم ثقات أو بأن فلاناً ثقة .


    ومن أشهر معاني هذا المصطلح ،أن الراوي الذي منحه المحدثون هذا الوصف أي؛ قالوا فيه :ثقة ،يكون موصوفاً بوصفين:

    ــــــــــــــــــ
    (1)- تفسير الطبري(لمحمد بن جرير الطبري ،دار الفكر بيروت،ط/1405هـ)،(15/81) .
    (2)- رواه أبو داوود(سليمان بن الأشعث السجستاني) في سننه،تح:محيي الدين عبد الحميد،دار الفكر (باب فضل نشر العلم:2/346) . والترمذي(محمد بن عيسى) في السنن،تح:أحمد شاكر وآخرون،دار إحياء التراث بيروت . (باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع:5/34) .وابن ماجه(محمد بن يزيد القزويني)في سننه،تح:محمد فؤاد عبد الباقي،دار الفكر بيروت .(باب من بلغ علماً:1/84) . والحديث متواتر،ورد بألفاظ متعددة مما يدل على أنه قد روي بالمعنى.وما ذكرته أحد ألفاظه،وفي رواية أخرى:"فحفظه حتى يبلغه" .والحفظ يشمل الحفظين معاً:حفظ الصدور والسطور .
    (3)- أصول الجرح والتعديل(د.نور الدين عتر،دار الفرفور دمشق،ط/1420هـ)،(ص:51) .




    الوصف الأول : العدالة،الوصف
    الثاني : الضبط والإتقان(1)؛لأن الرواية تحتاج إلى الأمرين معاً ،فلا يقبل الخبر إلا ممن كان ديِّنَاً تقياً لا يتعمد الكذب ولا الإخبار بخلاف الواقع ،مع التثبت في النقل للأخبار.فقد يكون غير متعمد للكذب ولكنه ليس ممن يحفظ الحديث على وجهه فيخطئ عن غير قصد حال الأداء ؛لهذا اشترط المحدثون- رحمهم الله - لقبول الحديث من الراوي أن يكون موصوفاً بهذين الوصفين .


    وقال أبو الزناد(2):أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون،ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال:ليس من أهله(3) .وقال مالك بن أنس(4):(( لقد أدركت في هذا البلد _ يعني المدينة _ مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة،يحدثون،ما سمعت من أحد منهم حديثاً قط ))، قيل له ولم يا أبا عبد الله ؟ قال : (( لم يكونوا يعرفون ما يحدثون ))(5).
    ولا يثبت الخبر إلا بضبط رواته له ، والضبط غالباً عليه مدار التصحيح والتعليل ، والجرح والتعديل ، وذلك لأن صحة الحديث لا تحصل إلا بالعناية به من حين سماعه وحتى أدائه ،وهذا هو الضبط .


    فالعدالة ليست هي العامل الوحيد لقبول الرواية ،وإنما يجب أن تشفع بالحفظ والضبط والإتقان،وهذا أمر يختلف باختلاف المواهب والقدرات الشخصية للراوي .


    ـــــــــــــــــــ
    (1)- قلت:ذكر ابن الصلاح- رحمه الله- أنه يشترط فيمن يحتج بحديثه:أن يكون عدلاً،ضابطاً لما يرويه. علوم الحديث(ص:104) .
    (2)- عبدالله بن ذكوان القرشي،أبو عبد الرحمن المدني المعروف بأبي الزناد،ثقة فقيه،مات سنة ثلاثين ومائة،وقيل :بعدها.ع. تقريب التهذيب(أحمد بن حجر العسقلاني،تح:محمد فؤاد عبد الباقي ،دار الرشيد سوريا،ط1/1986)،(ص:302) .
    (3)- صحيح مسلم(مسلم بن الحجاج القشيري،تح:محمد فؤاد عبد الباقي،دار إحياء التراث العربي بيروت)،( بيان أن الإسناد من الدين:1/12) .
    (4)- مالك بن أنس بن مالك،أبوعبدالله المدني،إمام دار الهجرة،رأس المتقنين وكبير المتثبتين،مات سنة (179هـ)،قال الواقدي:بلغ تسعين سنة.ع. تقريب التهذيب(ص:516).
    (5)- الكفاية في علم الرواية (الخطيب البغدادي،تح:أبو عبدالله السورقي،وإبراهيم حمدي المدني،المكتبة العلمية المدينة المنورة)،(1/116) .




    أنواع الضبط .

    قسم المحدثون النقاد -وهم أهل هذا الفن ومهرته- الضبط إلى قسمين هما:
    ضبط صدر،وضبط كتاب .

    يقول ابن حجر(1)-رحمه الله – مبيناً ذلك :((والضبط ضبط صدر(2) وهو أن يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء ،وضبط كتاب وهو صيانته لديه منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه))(3) .

    فضبط الصدر:هو الحفظ .بأن يثبت الراوي ما سمعه في صدره ،بحيث يبعد زواله عن القوة الحافظة ،مع القدرة على استحضار المحفوظ إن حدث حفظاً. وشرطه:أن يكون الراوي حازم الفؤاد ،يقظاً ،غير مغفل لا يميز الصواب من الخطأ كالنائم ،أو الساهي ،إذ الموصوف بذلك لا يحصل الركون إليه ،ولا تميل النفس إلى الاعتماد عليه(4) .
    وأكثر الرواة كانوا يعتمدون على هذا النوع في أداء الحديث،ولم يكونوا يكتبون. وقد صدرت منهم خوارق في ذلك قد يشك فيها ويستغربها من لم يجربها ولم يشاهد أصحابها ،ورويت عنهم أخبار في قوة الحفظ يستغربها الإنسان في هذا العصر الذي انصرفت فيه النفوس عن الحفظ والاستحضار ،واعتمد فيه على الكتب والأسفار .

    ـــــــــــــــ
    (1)- أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني المصري الشافعي،أبو الفضل،شهاب الدين، أميرالمؤمنين في الحديث،ولد بمصر سنة(773هـ)،درس ونبغ وبرع في التصنيف والتأليف،من أشهر كتبه:فتح الباري بشرح صحيح البخاري،توفي سنة852هـ) .
    انظر ترجمته في:الضوء اللامع في تراجم أهل القرن التاسع(شمس الدين السخاوي،منشورات دار مكتبة الحياة بيروت)،(2/36ـ40)،وشذرات الذهب في أخبار من ذهب(ابن العماد الحنبلي،منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت) ،(3/270ـ273) .
    (2)- يمكن أن نقول ضبط حفظ،أو ثبت حفظ .يقول يحيى بن معين:( هما ثبت حفظ وثبت كتاب).
    الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع(2/38) .
    (3)- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر(ابن حجر العسقلاني،تح: د .نور الدين عتر،دار الخير دمشق،ط2/1993)،(ص:55) .
    (4)- فتح المغيث (1/289) .




    والحق أن تلك الروايات المتعلقة بالحفاظ وقدرتهم على الحفظ إنما هي وقائع وليست ضروباً من الظنون(1) .


    ومن أعجب ما روي في ذلك:قصة الإمام البخاري(2) عندما قدم بغداد ،فسمع به أصحاب الحديث ،فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه.....والقصة مشهورة .
    قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذه الحكاية :(( قلت: هنا يخضع للبخاري!فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب ؛فإنه كان حافظا ،بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة ))(3) .


    وهذا الإمام الجهبذ يحيى بن معين(4) يقول عن وكيع بن الجراح(5): "ما رأيت أحفظ من وكيع"(6) .


    قلت:مَرَدُّ شيوع ظاهرة الحفظ وذيوعها إلى قوة الحافظة ،وسيلان الأذهان ،واتقاد الذواكر ،وكثرة المذاكرة ،ويضاف إلى ذلك تقارب الإسناد(7) إذ يؤمن فيه من الخطأ والوهم والنسيان.


    ــــــــــــــ
    (1)- ضوابط الرواية عند المحدثين(بشير نصر،بحث ماجستير،منشورات كلية الدعوة الإسلامية،الجماهيرية العظمى،ط1/1401هـ)،(ص:124) .
    (2)-محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي،أبو عبدالله البخاري،جبل الحفظ،وإمام الدنيا في فقه الحديث،مات سنة ست وخمسين ومائتين وله اثنتان وستون سنة.ت س.التقريب(ص:468).
    (3)- هدي الساري مقدمة فتح الباري(ابن حجر العسقلاني،مراجعة:مصطفى الهواري مكتبة القاهرة،ط:1978)،(2/240) .
    (4)- يحيى بن معين بن عون الغطفاني،مولاهم،أبو زكريا البغدادي،ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل،مات سنة(233) في المدينة المنورة،وله بضع وسبعون سنة.ع. التقريب(ص:597) .
    (5)- وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي ،أبو سفيان الكوفي ،ثقة حافظ عابد ،من كبار التاسعة ،مات في آخر سنة ست وأول سنة سبع وتسعين ومائة وله سبعون سنة.ع.التقريب(ص:581) .
    (6)- شرح علل الترمذي (1/201) .

    (7)- قلت:لم يكن الإسناد طويلاً ،وكذلك لم يكن قد مات الرواة وصعب التأكد منهم،وإنما كان يمكن للسامع أن يتأكد من الرواة مباشرة .


    وأذكى هذه الحافظة ما ورد عن النبي-عليه الصلاة والسلام- من أحاديث تنهى عن الكتابة(1).كحديث:(( لا تكتبوا عني،ومن كتب عني غير القرآن فليمحه))(2).
    أما ضبط الكتاب:فهو صون كتابه عن تطرق الخلل والتزوير والتغيير إليه من حين سمع فيه إلى أن يؤدي منه(3) ،مع مقابلته بأصل موثوق به كنسخة شيخه ،وأن لا يعيره إلا لمن أمن أنه لا يغير أو يبدل فيه شيئاً(4) ،فإن لم يقابل كتابه ،أو تهاون في المحافظة عليه ،وروى من نسخ مستعارة أومشتراة ،فقد عرض نفسه للطعن وعُدَّ في طبقات المجروحين(5) .


    قلت: كان المحدثون مع سعة حفظهم ،وشدة تحريهم وتثبتهم يكتبون ،فالحفظ خوّان ،والإنسان عُرْضَةٌ للخطأ والوهم ،لا سيما مع بعد عهد النبوة ،وطول الأسانيد وتعددها ،وكثرة متون الأحاديث وما يتبعها ،كان لا بد أن يعمد المتأخرون إلى الكتابة ،حفظاً للحديث ،وصيانة للسنة أن يُدَسّ فيها ما هو دخيل عليها .
    قيل ليحيى بن معين:أيهما أحب إليك ثبت حفظ أوثبت كتاب؟ قال:ثبت كتاب(6) .

    وقال علي بن المديني(7): ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب،ولنا فيه أسوة(8) .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1)- دراسات في منهج النقد(د.محمد علي العمري،دار النفائس الأردن،ط1/2000)،(ص:314).
    (2)- أخرجه مسلم في صحيحه من رواية أبي سعيد الخدري،باب:التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم،رقم(3004)،(4/2289).والنهي عن الكتابة،إنما كان لمن يوثق بحفظه،أو خشية الاختلاط بالقرآن .
    (3)- فتح المغيث (1/289) .
    (4)- انظر:علوم الحديث لابن الصلاح(ص:210) .
    (5)- انظر:المدخل إلى معرفة كتاب الإكليل(أبو عبدالله الحاكم النيسابوري،تح:معتز الخطيب،دار الفيحاء دمشق،ط1/2001)،(ص:109ـ110) . علوم الحديث(ص:209) .
    (6)- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2/38) .
    (7)- علي بن عبدالله بن جعفر بن نجيح السعدي،مولاهم،بصري ثقة ثبت إمام،أعلم أهل عصره بالحديث وعلله،قال البخاري:ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني،من العاشرة،مات سنة أربع وثلاثين على الصحيح.خ ت س فق . التقريب(ص:403) .
    (8)- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع(2/12) .





    قال الإمام أحمد(1) : حدثنا قوم من حفظهم ،وقوم من كتبهم ،فكان الذين حدّثونا من كتبهم أتقن(2) .


    قلت:من الحفاظ من كان يجمع بين ضبطي الصدر والكتاب ،فإذا أتقن حفظ المكتوب،بيّض ما كتب .أي:محاه بعد أن جعله في خزانة صدره .

    يقول الخطيب البغدادي(3):((وكان غير واحد من السلف يستعين على حفظ الحديث بأن يكتبه ويدرسه من كتابه،فإذا أتقنه محا الكتاب خوفاً من أن يتكل القلب عليه ،فيؤدي ذلك إلى نقصان الحفظ ،وترك العناية بالمحفوظ))(4) .


    والنوع الأول من الضبط يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان ؛لتعلقه بالمواهب والكفاءات الشخصية ،والظروف والأحوال ،أما النوع الثاني فلا يتصور فيه تفاوت ولا اختلاف ،وشروط ضبط الكتاب(5) التي اشترطها المحدثون كافية في منع التفاوت ،ومن هنا كان ضبط الكتاب أتقن _كما أسلفنا_ عن الإمام أحمد رحمه الله .

    ـــــــــــــــــــــ
    (1)- أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني،أبو عبدالله،الإمام الفقيه الحافظ الحجة،ولد في بغداد ثم طاف البلاد،روى عنه كبار الأئمة،صنف المسند وغيره،توفي سنة(241هـ).ع.التقريب(ص:84).
    (2)- تقييد العلم(الخطيب البغدادي،تح:يوسف العش،دار إحياء السنة النبوية،ط2/1974)(ص:115) (3)- أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الحافظ الكبير،الإمام،محدث الشام والعراق،صاحب التصانيف،رحل إلى الأقاليم وبرع وصنف وجمع،وتقدم في عامة فنون الحديث.قال ابن ماكولا:كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظاً وإتقاناً وضبطاً لحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتفنناً في علله وأسانيده.....من مصنفاته: التاريخ،والجامع،والكفاية وغيرها كثير،مات سنة(463هـ).
    انظر:تذكرة الحفاظ(محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي،دار إحياء التراث العربي بيروت)،(3/1135ـ1145) .وسير أعلام النبلاء(أبو عبدالله الذهبي،تح:شعيب الأرناؤوط،ونعيم العرقوسي،مؤسسة الرسالة بيروت،ط9/1413هـ)،(17/270) .
    (4)- تقييد العلم (ص:58). وقد ذكر الخطيب عدداً من الحفاظ الذين كانوا يفعلون ذلك:كمسروق بن الأجدع،وابن شهاب الزهري،وخالد الحذاء،وغيرهم .
    (5)- انظر هذه الشروط في علوم الحديث في النوع :الخامس والعشرون (كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده)،(ص: 181وما بعدها) .
    يقول الشيخ ملاّ علي القاري(1):((وأما ضبط الكتاب فالظاهر أن كله تام لا يتصور فيه نقصان،ولهذا لا يقسم الحديث باعتباره،وإن كان يختلف ضبط الكتاب باختلاف الكُتَّاب))(2) .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مفهوم الضبط ،وما يتعلق به .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 04.09.08 12:41


    معرفة ضبط الرواة .

    استدعى صنيع المحدثين لمعرفة الراوي المحتج به، ثم المعتبر به، ثم الساقط وضع ميزان دقيق يبين أحوال الرواة تفصيلاً، وينقّر عنهم تنقيراً ؛للوصول إلى القول الفصل فيهم ،ووضع الأوصاف الدقيقة لهم ،وكان هذا الميزان هو المعارضة(3) لحديث الراوي.

    قال ابن الصلاح(4):(( يعرف كون الراوي ضابطا بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان ،فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم،أو موافقة لها في الأغلب ،والمخالفة نادرة،عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتاً،وإن وجدناه كثير المخالفة لهم ،عرفنا اختلال ضبطه ،ولم نحتج بحديثه،والله أعلم))(5) .


    ــــــــــــــــــــ
    (1)- نور الدين علي بن السلطان محمد الهروي المعروف بالقاري المكي الحنفي ،ولد بهراة ،وقرأ العلم ببلاده ،ثم رحل إلى مكة المكرمة ، وأخذ بها من أبي الحسن البكري ،وابن حجر الهيثمى وغيرهما ،واشتهر ذكره ،وطار صيته ،وألف التآليف المفيدة.توفي سنة (1014هـ) .انظر:خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر(محمد المحبي ،دار صادر بيروت)،(3/185).والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع(محمد بن علي الشوكاني،دار المعرفة بيروت)،(1/445) ،وكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون(حاجي خليفة،دار الكتب العلمية بيروت،ط/1992)،(2/1182) .
    (2)- شرح شرح النخبة(ملا علي القاري،تح:محمد نزار وهيثم تميم،دار الأرقم بيروت)(ص:249).
    (3)- أي:جمع الروايات،ومقابلة بعضها ببعض؛ليتميز صحيحها من سقيمها،وتتبين رواة ضعاف الأخبار من أضدادهم من الحفاظ .انظر:التمييز(مسلم بن الحجاج،تح:محمد مصطفى الأعظمي،شركة الطباعة العربية الرياض،ط2/1402هـ)،(ص:209) .
    (4)- تقي الدين،أبو عمرو،عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري الشافعي،الإمام الحافظ المفتي،شيخ الإسلام،رحل وصنف وأفتى،له مشاركة في فنون عديدة،وتخرج به الأئمة،له:علوم الحديث،وطبقات الشافعية وغيرهما،توفي سنة(643هـ). انظر:تذكرة الحفاظ (4/1430) .وطبقات الشافعية الكبرى(الإمام السبكي،تح:د.محمود الطناجي،وعبد الفتاح الحلو،هجر،مصر،ط2/1992)(8/326) .
    (5)- علوم الحديث(ص:106) .




    ويُعدُّ الإمام الشافعي من أوائل من نصّ على اعتبار معارضة مرويات الراوي بروايات الثقات طريقاً لمعرفة الضبط . يقول –رحمه الله-:(( إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم))(1) .

    والموافقة المشترطة:هي الموافقة غالباً ولومن حيث المعنى لروايات المتقنين الضابطين ،ولا تضر المخالفة النادرة ،فإن كثرت فهي دليل على اختلال الضبط(2) .
    قلت:وهذا المنهج الدقيق هو الأكثر ممارسة في صنيع النقاد من الأولين، والآخرين ،وهو الوسيلة المثلى لمعرفة ضبط الراوي لحديثه ،ومقدار الموافقة والمخالفة وهي الطريقة الأكثر شهرة ،والأوسع انتشاراً.

    أما الطريقة الثانية المتبعة في معرفة ضبط الرواة فهي:امتحان حفظ المحدث واختباره(3).بأن تلقى عليه أحاديث تُدخل ضمن رواياته ليُنظر:أيفطن لها أم يتلقنها ؟فإن تلقنها وحدث بها عرفوا غلطه ووهمه ،وقد يكون حافظاً ضابطاً لا يقبل التلقين كما فعل يحيى بن معين في امتحانه للفضل بن دكين.

    قال أحمد بن منصور الرمادي(4) :خرجت مع أحمد بن حنبل ،ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق الصنعاني(5) خادما لهما ،فلما عدنا إلى الكوفة قال يحيى لأحمد بن حنبل:أريد أن أختبر أبا نعيم(6) .فقال له أحمد بن حنبل:لا تزيد الرجل إلا ثقة .فقال يحيى:لا بد لي .فأخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثاً من حديث أبي نعيم ،وجعل على...


    ـــــــــــــــــ
    (1) الرسالة (ص:370) .
    (2)- تدريب الراوي(الحافظ السيوطي،تح:عرفان العشا،دار الفكر بيروت،ط/1414هـ)،(ص:200).
    (3)- فتح المغيث(1/273) .
    (4)- أحمد بن منصور بن سيار البغدادي الرمادي أبو بكر ثقة حافظ، طعن فيه أبو داود لمذهبه في الوقف في القرآن، من الحادية عشرة مات سنة(65) وله ثلاث وثمانون. ق. التقريب(ص:85).

    (5)- عبد الرزاق بن همام،أبو بكر الصنعاني،ثقة حافظ مصنف شهير،عمي في آخر عمره فتغير،وكان يتشيع،مات سنة إحدى عشرة ومائتين،وله خمس وثمانون .ع. التقريب(ص:354) .

    (6)- الفضل بن دكين الكوفي ،واسم دكين عمرو بن حماد بن زهير التيمي ،مولاهم الأحول ،أبو نعيم الملائي بضم الميم ،مشهور بكنيته ،ثقة ثبت، من التاسعة ،مات سنة ثماني عشرة ،وقيل تسع عشرة وكان مولده سنة ثلاثين ،وهو من كبار شيوخ البخاري. ع. التقريب(ص:446) .



    رأس كل عشرة منها حديثاً ليس من حديثه ،ثم جاءا إلى أبي نعيم فدقا عليه الباب فخرج ،فجلس على باب دكان وأخذ أحمد بن حنبل فأجلسه عن يمينه ،وأخذ يحيى بن معين فأجلسه عن يساره ،ثم جلست أسفل الدكان .فأخرج يحيى الطبق فقرأ عليه عشرة أحاديث ،وأبو نعيم ساكت ،ثم قرأ الحادي عشر ،فقال له أبو نعيم :هذا ليس من حديثي فاضرب عليه .ثم قرأ العشر الثانية ،وأبو نعيم ساكت ،فقرأ الحديث الثاني ،فقال أبو نعيم: ليس من حديثي فاضرب عليه. ثم قرأ العشر الثالثة ،وقرأ الحديث الثالث ،فتغير أبو نعيم ،وانقلبت عيناه ،ثم أقبل على يحيى _وذراع أحمد في يده _ فقال:أما هذا فأورع من أن يعمل مثل هذا ،وأما هذا يريدني-الرمادي- فأقلّ من أن يفعل مثل هذا ،ولكن هذا من فعلك يا فاعل ،ثم أخرج رجله فرفس يحيى فرمى به من الدكان ، وقام فدخل داره .


    فقال أحمد ليحيى :ألم أمنعك من الرجل وأقل لك :إنه ثبت. قال: والله لرفسته لي أحب إلي من سفري(1) .


    وقد يكون اختبار حفظ الراوي بقلب الأسانيد عليه ؛وذلك بتركيبها على غير متونها ،فإن وافق على القلب فغير حافظ ،وإن خالف فضابط ،نحو امتحان المحدثين ببغداد لإمام الفن وشيخ الصنعة:البخاري(2).
    حيث عمدوا إلى مائة حديث فقلبوا أسانيدها ومتونها ،وانتخبوا عشرة من الرجال ،ودفعوا لكل واحد منهم عشرة ،فلما حضروا المجلس ألقى كل واحد من الرجال العشرة ما عنده من الأحاديث المقلوبة ،فلما انتهوا منها جميعاً قام فردّ كل متن إلى إسناده ،وكلّ إسناد إلى متنه ،فأقرّ الناس له بالحفظ ،وأذعنوا له بالفضل(3) .

    ـــــــــــــــ
    (1)- تاريخ بغداد(أحمد بن علي الخطيب البغدادي ،دار الكتب العلمية بيروت)،(12/353) .
    (2)- انظر:فتح المغيث (1/273) .
    (3)- انظر:تاريخ بغداد(2/20) ، وهدي الساري مقدمة فتح الباري (2/240) .




    واختلف في أنه : هل يجوز امتحان حفظ الشيخ بقلب حديثه عليه؟ أجيب:بأنه لا يجوز ؛لأنه قد يستمر على روايته له على تلك الحالة ؛لظنه ذلك صواباً لا سيّما إن كان يعتقد أن من قلبه عليه من أهل المعرفة ؛ولأنه كذب ،وليس هذا من المواطن التي يباح فيها الكذب(1) .

    قلت :والصواب-والله أعلم- جوازه إذا لم يستمرّ على قلبه ،أما إن استمر على ذلك فلا يجوز ؛لأنه جُوِزَ لغرض ومصلحة _وهي:التأكد من حفظ الراوي_ فينتهي بانتهاء الامتحان .


    قال ابن حجر:وشرطه:أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة(2) .ومصلحته أكثر من مفسدته(3) .

    ــــــــــــــــــ
    (1)- العالي الرتبة في شرح نظم النخبة( تقي الدين أحمد الشُمُنِي،تح:معتزالخطيب مؤسسة الرسالة ناشرون،ط1/2004)،(ص:217) .
    (2)- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر(ص:93).وممن فعل ذلك شعبة ،وحماد بن سلمة وأهل الحديث .انظر:تدريب الراوي (ص:193) .
    قلت:كما فعله غير مرة - إمام الجرح والتعديل- يحيى بن معين في اختباره لحفظ الرواة .
    (3)- النكت على ابن الصلاح(ابن حجرالعسقلاني،دار الكتب العلمية،ط1/1994)،(ص:372).




    فروع اختلال الضبط .

    إن مظاهر اختلال الضبط كثيرة ،بيَّنها المحدثون النقاد ،وأطلقوا على أساسها الأوصاف على الرواة ،لأنه من الطبيعي أن يتفاوت الرواة في الحفظ والضبط ،إذ الضبط أمر نسبي ،بمعنى أن بعضهم إذا بلغ أعلى درجات الضبط والإتقان ،فإن غيره ليس كذلك ،فقد يخف ضبطه عنه درجة أو درجات ،وقد يضبط في بعض الأحوال دون بعض ،ومن الرواة من انعدم ضبطه بالكلية .
    وقد عقد الخطيب البغدادي باباً مستقلاً لكل مسألة تخل بالضبط ،مع ذكر التعليقات الفريدة ،والنقول السديدة عن مهرة هذا الفن وسادته .
    وتجنباً للتكرار،اكتفيت بتعدادها تعداداً فقط ؛لأنني سوف أقوم بشرحها تفصيلاً في الفصول القادمة من الرسالة في مواضعها .


    وأهم مظاهر اختلال الضبط :

    1ـ ترك السماع ممن اختلط وتغير(1) . على تفصيل في ذلك ،بين من سمع منه قبل الاختلاط ،أو بعده ،أو أشكل أمره :هل أخذ قبل الاختلاط أم بعده .

    2ـ باب ترك الاحتجاج بمن غلب على حديثه الشواذ ورواية المناكير والغرائب من الأحاديث .قال شعبة :لا يجيئك الحديث الشاذ الا من الرجل الشاذ(2) .

    وعند ابن الصلاح(3) ، وغيره(4) :"من كثرت الشواذ والمناكير" . يقول أستاذنا الدكتور نور الدين عتر:وهو أولى من قول الخطيب في الكفاية: " بمن غلب على حديثه" .

    ونص المحدثون على أن علة الضعف هنا ؛أنه يخرم الثقة بالراوي وبضبطه(5)


    ــــــــــــــــــــــ
    (1)- الكفاية في علم الرواية (1/135) .
    (2)- المرجع السابق (1/140ـ141) .
    (3)- علوم الحديث (ص:119) .
    (4)- المقنع في علوم الحديث(عمر بن علي الأنصاري ،تح:عبدالله بن يوسف الجديع،دار فواز للنشر السعودية،ط1/1413هـ)،(ص:280).
    - المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي(محمد بن إبراهيم بن جماعة،تح:محيي الدين رمضان،دار الفكر دمشق،ط2/1406)،(ص:66) .
    (5)- علوم الحديث (ص:119) .



    3ـ ترك الاحتجاج بمن كثر غلطه ،وكان الوهم غالباً على روايته(1) .

    وهنا يجب التمييز بين من كثر غلطه ووهمه ولم يغلب على رواياته ،وبين من كان الوهم والغلط غالباً عليه(2) .

    4ـ رد حديث أهل الغفلة(3) . ويُلحق به من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه ،كمن لا يبالي بالنوم في مجلس السماع ،وكمن لا يحدث من أصل مقابل صحيح(4) .

    5ـ رد حديث من عرف بقبول التلقين .مع التمييز بين من كان التلقين حادثاً في حفظه،وبين من عرف به قديماً في رواياته(5) .

    6ـ ترك الاحتجاج بمن لم يكن من أهل الضبط والدراية ،وإن عرف بالصلاح والعبادة(6). وقد حذّر المحدثون النقاد من رواية هؤلاء الضعفاء ،وإن كانوا أهل زهد وعبادة ،فهذا العلم دين ،ولا يؤخذ إلا عن أهله .

    يقول مالك بن أنس :((إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . لقد أدركت سبعين عند هذه الأساطين ،وأشار إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فما أخذت عنهم شيئاً ،وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان به أميناً إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ،ويقدم علينا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب(7) وهو شاب فنزدحم على بابه))(8) .

    رحم الله سلفنا الصالح،صانوا لنا سنة رسول الله،وحفظوا حديثه،وقاموا بحقه خير قيام .


    ـــــــــــــــــ
    (1)- الكفاية في علم الرواية (1/ 143) .
    (2)- انظر شرح علل الترمذي (1/105 وما بعدها) .
    (3)- الكفاية (1/148) .
    (4)- علوم الحديث (ص:119) .
    (5)- الكفاية (1/149) .
    (6)- المرجع السابق (1/158) .
    (7)- محمد بن مسلم بن شهاب القرشي الزهري ،أبو بكر الفقيه الحافظ ،متفق على جلالته وإتقانه،وهو من رؤوس الطبقة الرابعة،مات سنة (125هـ)،وقيل قبل ذلك.ع.التقريب(ص:506) .
    (8)- الكفاية (1/159) .


    خاتمة الفصل

    في نهاية هذا البحث _ الضبط وما يتعلق به – نستطيع أن نقول :

    1ـ إن الضبط شرط أساسي لقبول رواية الراوي ؛لأن العدالة وحدها لا تكفي إن لم تشفع بالضبط ،وهو غالباً سبب في تباين مراتب الرواة في مراتب الجرح والتعديل وعلى حسب توفر الكفاءة العلمية ،والقدرة الذهنية ،أطلق المحدثون النقاد الأوصاف على الرواة والتي تصف الراوي بما يستحقه .

    2ـ من الرواة من كان يعتمد على الحفظ في الذاكرة مع الوعي والتيقظ ،ومنهم من كان يكتب ويحافظ على كتابه ولا يخرجه من يده ،وكانت أوهامهم أقل من أهل القسم الأول إلا من أهمل أو قصّر.والشروط الموضوعة لكل منهما تظهر دقة منهج المحدثين،وما أحرزوه من سبق في مجال التوثيق والتحقيق .

    3ـ إن الحكم على الرواة يتطلب دقة وموضوعية ،وجهداً كبيراً في تتبع المرويات ، ومقارنتها بروايات الثقات لمعرفة مقدار الموافقة والمخالفة ،واختبار حفظ الرواة بقلب الأسانيد والمتون عليهم .وقد تحمل المحدثون عناء هذا ،فجاءت أحكامهم في منتهى الدقة والأمانة والنزاهة .

    4ـ ذِكْرُ المحدثين للأحوال التي تُرَد فيها روايةُ الراوي ،دليلٌ على عبقريتهم ،ومدى اهتمامهم بمسألة الضبط ،ورصد كل التغيرات التي تطرأ عليها بدقة ومنهجية .وهذا رد على كل من يدعي أن الضبط شرط لا يمكن تحقيقه ؛لعدم وجود معيار يضبطه .

    ا.هـ


    نقلاً عن
    مفهوم الضبط ،وما يتعلق به . Albaidha1

    لطفــــــاً .. من هنـــــــــــــا
    [/size]

      الوقت/التاريخ الآن هو 22.11.24 22:44