لا تدابروا ... وكونوا عباد الله إخوانا .
بسم الله الرحمن الرحيم
عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال:
لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال .
قال ابن عبد البر :
هكذا قال يحيى يهاجر. وسائر الرواة للموطأ يقول : يهجر .
إلى أن قال:
وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا يحل التباغض ؛ لأن التباغض مفسدة للدين حالقة له ، لهذا أمر ــ صلى الله عليه وسلم ــ بالتواد والتحاب ، حتى قال: تهادوا تحابوا .
وروى مالك عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول:
ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة ؟ قالوا: بلى . قال: صلاح ذات البين ، وإياكم والبغضة ، فإنها هي الحالقة .
وكذلك لا يحل التدابر . والتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام ، ونحو هذا .
وإنما قيل للإعراض تدابر ؛ لأن من أبغضته أعرضت عنه ، ومن أعرضت عنه وليته دبرك ، وكذلك يصنع هو بك
ومن أحببته أقبلت عليه وواجهته ، لتسره ويسرك .
فمعنى تدابروا وتقاطعوا وتباغضوا معنى متداخل متقارب ، كالمعنى الواحد في الندب إلى التواخي والتحاب
فبذلك أمر رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في معنى هذا الحديث وغيره ،
وأمرُ رسولِ الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ على الوجوب ، حتى يأتي دليل يخرجه إلى معنى الندب .
وهذا الحديث وإن كان ظاهره العموم فهو عندي مخصوص بحديث كعب بن مالك حيث أمر رسولُ الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أصحابَه أن يهجروه ولا يكلموه هو وهلال بن أمية ومرارة بن ربيعة لتخلفهم عن غزوة تبوك حتى أنزل الله ــ عز وجل ــ توبتهم وعذرهم ، فأمر رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أصحابَه أن يراجعوهم الكلام .
وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة ، يرجو أن يكون هجرانه تأديبا له ، وزجرا عنها . والله أعلم .
[ التمهيد 3 / 25. ط : دار إحياء التراث العربي ] .
وقال أيضا ــ رحمه الله ــ:
وقد روي عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ في الهجرة آثار شداد فيها تغليظ. منها: حديث أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ: من هجر فوق ثلاث دخل النار .
ومنها : حديث أبي خراش السلمي عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أنه قال : من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه .
وحسبك بحديث أبي صالح عن أبي هريرة أنه يغفر في كل خميس واثنين لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا من كان بينه وبين أخيه شحناء ، فيقول : انظروا هذين حتى يصطلحا .
وهذه الآثار كلها قد وردت في التحاب والمؤاخاة والتآلف والعفو والتجاوز
وبهذا بُعِث ــ صلى الله عليه وسلم
، وفقنا الله لما يحب ويرضى برحمته ولطف صنعه .
[ التمهيد 4 / 252 ] .
تقلاً عن
لطفــــــــاً .. من هنـــــــــــــــــــا