[size=28]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدِّين كلِّه، فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، اللَّهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهديه وسلك سبيله إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد،
فالذي من الله الرسالة، وقد حصل ذلك، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ))، وقال: ((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)).
والذي على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو البلاغ قد حصل على أكمل الوجوه وأتمِّها، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ))، وقال: ((وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)).
وأمَّا الذي على العباد وهو التسليم والانقياد، فقد انقسم الناس فيه إلى موفَّق متَّبع لسبيل الحقِّ، وغير موفَّق متَّبع للسبل الأخرى، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).
وهذه الشريعة التي بعث الله بها رسوله الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم متصفةٌ بثلاث صفات، هي :
وهي عامَّة للثقلَين الجن والإنس، وهم أمَّتُه صلى الله عليه وسلم أمَّة الدعوة، فإنَّ كلَّ إنسيٍّ وجنيٍّ من حين بعثته إلى قيام الساعة مدعوٌّ إلى الدخول في الدِّين الحنيف الذي بعث الله به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ))، ففي هذه الآية الكريمة الإشارة إلى أمَّة الدعوة وأمَّة الإجابة، فأمَّة الدعوة في قوله: ((وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ))، أي: يدعو كلَّ أحد، فحُذف المفعول لإفادة العموم، وأمَّة الإجابة في قوله: ((وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ((، فإنَّ الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم هم الذين استجابوا لدعوته صلى الله عليه وسلم ودخلوا في دينه الحنيف، فكانوا من المسلمين، وحصول الهداية لأمَّة الإجابة إنَّما هو بفضل الله وتوفيقه، وهذه الهداية إلى الصراط المستقيم توفيق من الله لِمَن هداهم، ولا يملك هذه الهداية إلاَّ الله سبحانه، كما قال الله عزَّ وجلَّ: (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ))، وأمَّا هداية الدلالة والإرشاد، فقد أثبتها الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم في قوله: ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))، أي: تدلُّ وتُرشد، ومن أدلَّة شمول دعوته صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً قول الله عزَّ وجلَّ: ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً))، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمَّة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسِلتُ به إلاَّ كان من أصحاب النار )) رواه مسلم في صحيحه (153)، ومصداق ذلك في كتاب الله، كما جاء عن سعيد ابن جُبير ـ رحمه الله ـ في قول الله عزَّ وجلَّ: ((وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ))، ذكره عنه ابن كثير في تفسيره هذه الآية من سورة هود.
ومن أدلَّة شمول دعوته للجنِّ قوله الله عزَّ وجلَّ: ((وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))، وقال الله عزَّ وجلَّ في سورة الرحمن: ((فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، وهي خطاب من الله للإنس والجنِّ، وقد ذُكِرت هذه الآية في هذه السورة إحدى وثلاثين مرة.
وفي سنن الترمذي (3291) عن جابر رضي الله عنه قال: (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أوَّلِها إلى آخرها فسكتوا، فقال: لقد قرأتها على الجنِّ ليلة الجنِّ فكانوا أحسنَ مردوداً منكم؛ كنتُ كلَّما أتيتُ على قوله: ((فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، قالوا: لا بشيء من نعمك ربَّنا نكذِّب، فلك الحمد ))، وله شاهد عن ابن عمر عند ابن جرير، انظر تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني (2150)، ومن سور القرآن سورة الجن، وقد حكى الله فيها عنهم جُملاً من أقوالهم.
وأمَّا الصفة الثالثة من صفات هذه الشريعة، وهي صفة الكمال، فقد قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً))، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاَّ هالك )) حديث صحيح، رواه ابن أبي عاصم في السنة (48) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ، ورواه أيضاً (47) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وفي صحيح مسلم (262) عن سلمان رضي الله عنه قال: قيل له: (( قد علَّمكم نبيُّكم صلى الله عليه وسلم كلَّ شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل! لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم ))، وهو يدلُّ على كمال الشريعة واستيعابها لكلِّ ما تحتاجه هذه الأمَّة، حتى آداب قضاء الحاجة، وفي صحيح مسلم أيضاً (1844) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّه لم يكن نبيٌّ قبلي إلاَّ كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمَّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم ))، وروى البخاري في صحيحه (5598) عن أبي الجويرية قال: (( سألتُ ابنَ عباس عن الباذق، فقال: سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق، فما أسكر فهو حرام، قال: الشراب الحلال الطيب، قال: ليس بعد الحلال الطيب إلاَّ الحرام الخبيث ))، والباذق نوعٌ من الأشربة، والمعنى أنَّ الباذق لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولكن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مستوعب له ولغيره، وذلك في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما أسكر فهو حرام ))، فإنَّ عموم هذا الحديث يدلُّ على أنَّ كلَّ مسكر مِمَّا كان في زمنه صلى الله عليه وسلم أو وُجد بعد زمنه، سواء كان سائلاً أو جامداً، فهو حرام، وأنَّ ما لم يكن كذلك فهو حلال، ويُقال في شرب الدخان الذي وُجد في أزمنة متأخرة ما قيل في الباذق، وهو أنَّ الشريعة بعموماتها دالَّةٌ على تحريمه، وذلك في قوله سبحانه وتعالى عن نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم : ((وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ))، وهو ليس من الطيبات، بل هو من الخبائث، فيكون محرَّماً، ويُضاف إلى ذلك أيضاً أنَّه يجلب الأمراض التي تؤدِّي إلى الوفاة، وفيه إضاعة المال، وإيذاء الناس برائحته الكريهة، وكلُّها دالَّةٌ على تحريمه، وقال أبو ذر رضي الله عنه : (( ترَكَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلاَّ عندنا منه علم )) أخرجه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه (65)، وقال: (( معنى (عندنا منه) يعني بأوامره ونواهيه وأخباره وأفعاله وإباحته صلى الله عليه وسلم ))، صححه الشيخ الألباني في صحيح موارد الظمآن في زوائد ابن حبان للهيثمي (1/119)،
الحث على اتِّباع السنَّة
والتحذير من البدع وبيان خطرها
تأليف
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
والتحذير من البدع وبيان خطرها
تأليف
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدِّين كلِّه، فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، اللَّهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهديه وسلك سبيله إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد،
فإنَّ نعمَ الله عزَّ وجلَّ على عباده كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأجلُّ نعمة أنعم الله بها على الإنس والجنِّ في آخر الزمان أن بعث فيهم رسولَه الكريم محمداً عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم، فبلَّغهم ما أُرسل به إليهم من ربِّهم على التمام والكمال، وقد قال الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري رحمه الله: (( مِن الله عزَّ وجلَّ الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم ))، ذكره البخاري عنه في أول باب قول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) من كتاب التوحيد من صحيحه (13/503 ـ مع الفتح).
فالذي من الله الرسالة، وقد حصل ذلك، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ))، وقال: ((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)).
والذي على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو البلاغ قد حصل على أكمل الوجوه وأتمِّها، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ))، وقال: ((وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)).
وأمَّا الذي على العباد وهو التسليم والانقياد، فقد انقسم الناس فيه إلى موفَّق متَّبع لسبيل الحقِّ، وغير موفَّق متَّبع للسبل الأخرى، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).
وهذه الشريعة التي بعث الله بها رسوله الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم متصفةٌ بثلاث صفات، هي :
البقاء
والعموم
والكمال،
فهي باقية إلى قيام الساعة، قال الله عزَّ وجلَّ: ((مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ))، وروى البخاري (71) ومسلم (1037) عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدِّين، وإنَّما أنا قاسمٌ والله يُعطي، ولن تزال هذه الأمَّةُ قائمةً على أمر الله، لا يضرُّهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله )).
وهي عامَّة للثقلَين الجن والإنس، وهم أمَّتُه صلى الله عليه وسلم أمَّة الدعوة، فإنَّ كلَّ إنسيٍّ وجنيٍّ من حين بعثته إلى قيام الساعة مدعوٌّ إلى الدخول في الدِّين الحنيف الذي بعث الله به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ))، ففي هذه الآية الكريمة الإشارة إلى أمَّة الدعوة وأمَّة الإجابة، فأمَّة الدعوة في قوله: ((وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ))، أي: يدعو كلَّ أحد، فحُذف المفعول لإفادة العموم، وأمَّة الإجابة في قوله: ((وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ((، فإنَّ الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم هم الذين استجابوا لدعوته صلى الله عليه وسلم ودخلوا في دينه الحنيف، فكانوا من المسلمين، وحصول الهداية لأمَّة الإجابة إنَّما هو بفضل الله وتوفيقه، وهذه الهداية إلى الصراط المستقيم توفيق من الله لِمَن هداهم، ولا يملك هذه الهداية إلاَّ الله سبحانه، كما قال الله عزَّ وجلَّ: (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ))، وأمَّا هداية الدلالة والإرشاد، فقد أثبتها الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم في قوله: ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))، أي: تدلُّ وتُرشد، ومن أدلَّة شمول دعوته صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً قول الله عزَّ وجلَّ: ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً))، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمَّة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسِلتُ به إلاَّ كان من أصحاب النار )) رواه مسلم في صحيحه (153)، ومصداق ذلك في كتاب الله، كما جاء عن سعيد ابن جُبير ـ رحمه الله ـ في قول الله عزَّ وجلَّ: ((وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ))، ذكره عنه ابن كثير في تفسيره هذه الآية من سورة هود.
ومن أدلَّة شمول دعوته للجنِّ قوله الله عزَّ وجلَّ: ((وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))، وقال الله عزَّ وجلَّ في سورة الرحمن: ((فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، وهي خطاب من الله للإنس والجنِّ، وقد ذُكِرت هذه الآية في هذه السورة إحدى وثلاثين مرة.
وفي سنن الترمذي (3291) عن جابر رضي الله عنه قال: (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أوَّلِها إلى آخرها فسكتوا، فقال: لقد قرأتها على الجنِّ ليلة الجنِّ فكانوا أحسنَ مردوداً منكم؛ كنتُ كلَّما أتيتُ على قوله: ((فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، قالوا: لا بشيء من نعمك ربَّنا نكذِّب، فلك الحمد ))، وله شاهد عن ابن عمر عند ابن جرير، انظر تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني (2150)، ومن سور القرآن سورة الجن، وقد حكى الله فيها عنهم جُملاً من أقوالهم.
وأمَّا الصفة الثالثة من صفات هذه الشريعة، وهي صفة الكمال، فقد قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً))، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاَّ هالك )) حديث صحيح، رواه ابن أبي عاصم في السنة (48) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ، ورواه أيضاً (47) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وفي صحيح مسلم (262) عن سلمان رضي الله عنه قال: قيل له: (( قد علَّمكم نبيُّكم صلى الله عليه وسلم كلَّ شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل! لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم ))، وهو يدلُّ على كمال الشريعة واستيعابها لكلِّ ما تحتاجه هذه الأمَّة، حتى آداب قضاء الحاجة، وفي صحيح مسلم أيضاً (1844) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّه لم يكن نبيٌّ قبلي إلاَّ كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمَّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم ))، وروى البخاري في صحيحه (5598) عن أبي الجويرية قال: (( سألتُ ابنَ عباس عن الباذق، فقال: سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق، فما أسكر فهو حرام، قال: الشراب الحلال الطيب، قال: ليس بعد الحلال الطيب إلاَّ الحرام الخبيث ))، والباذق نوعٌ من الأشربة، والمعنى أنَّ الباذق لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولكن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مستوعب له ولغيره، وذلك في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما أسكر فهو حرام ))، فإنَّ عموم هذا الحديث يدلُّ على أنَّ كلَّ مسكر مِمَّا كان في زمنه صلى الله عليه وسلم أو وُجد بعد زمنه، سواء كان سائلاً أو جامداً، فهو حرام، وأنَّ ما لم يكن كذلك فهو حلال، ويُقال في شرب الدخان الذي وُجد في أزمنة متأخرة ما قيل في الباذق، وهو أنَّ الشريعة بعموماتها دالَّةٌ على تحريمه، وذلك في قوله سبحانه وتعالى عن نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم : ((وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ))، وهو ليس من الطيبات، بل هو من الخبائث، فيكون محرَّماً، ويُضاف إلى ذلك أيضاً أنَّه يجلب الأمراض التي تؤدِّي إلى الوفاة، وفيه إضاعة المال، وإيذاء الناس برائحته الكريهة، وكلُّها دالَّةٌ على تحريمه، وقال أبو ذر رضي الله عنه : (( ترَكَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلاَّ عندنا منه علم )) أخرجه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه (65)، وقال: (( معنى (عندنا منه) يعني بأوامره ونواهيه وأخباره وأفعاله وإباحته صلى الله عليه وسلم ))، صححه الشيخ الألباني في صحيح موارد الظمآن في زوائد ابن حبان للهيثمي (1/119)،
ومن العلم الذي عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطير ما رواه مسلم في صحيحه (1934) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلِّ ذي ناب من السِّباع، وعن كلِّ ذي مخلب من الطير ))، وهو يدلُّ على تحريم أكل كلِّ طائر له مخلب يفترس به، وذلك من جوامع كلمه
وهذا في الأحكام، وأمَّا الأخبار، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم : (( لو أنَّكم توكَّلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً )) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم، وقال الترمذي (( حسن صحيح ))، وهو أحد الأحاديث التي زادها ابن رجب على الأربعين النووية.
قال الإمام ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين (4/375 ـ 376) في بيان كمال الشريعة، قال:
(( وهذا الأصل من أهمِّ الأصول وأنفعها، وهو مبنيٌّ على حرف واحد، وهو عمومُ رسالته صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كلِّ ما يحتاج إليه العبادُ في معارفهم وعلومهم وأعمالهم، وأنَّه لَم يُحْوِج أمَّتَه إلى أحد بعده، وإنَّما حاجتهم إلى مَن يبلِّغهم عنه ما جاء به، فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرَّق إليهما تخصيصٌ؛ عمومٌ بالنسبة إلى المرسَل إليهم، وعمومٌ بالنسبة إلى كلِّ ما يَحتاج إليه مَن بُعث إليه في أصول الدِّين وفروعه، فرسالتُه كافيةٌ شافيةٌ عامَّة، لا تحوج إلى سواها، ولا يتمُّ الإيمانُ به إلاَّ بإثبات عمومِ رسالته في هذا وهذا، فلا يَخرج أحدٌ من المكلَّفين عن رسالته، ولا يخرج نوع من أنواع الحقِّ الذي تحتاج إليه الأمَّة في علومها وأعمالها عمَّا جاء به، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائرٌ يقلِّب جناحيه في السَّماء إلاَّ ذكَر للأمَّة منه علماً وعلَّمهم كلَّ شيء حتى آداب التخلِّي وآدابَ الجِماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسَّفر والإقامة، والصَّمت والكلام، والعُزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووَصَفَ لهم العرشَ والكرسيَّ، والملائكة والجنَّ، والنار والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنَّه رأيُ عَين، وعرَّفهم معبودَهم وإلَههم أتمَّ تعريف، حتى كأنَّهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعرَّفهم الأنبياء وأمَمَهم وما جرى لهم وما جرى عليهم معهم، حتى كأنَّهم كانوا بينهم، وعرَّفهم مِن طُرق الخير والشرِّ دقيقَها وجليلَها ما لَم يعرِّفه نبيٌّ لأمَّته قبله، وعرَّفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النَّعيم والعذاب للروح والبدن، ما لَم يعرِّف به نبيٌّ غيرَه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم من أدلَّةَ التوحيد والنبوة والمعاد، والردَّ على جميع فرق أهل الكفر والضلال، ما ليس لِمَن عرفه حاجة مِن بعده، اللهمَّ إلاَّ إلى مَن يبلِّغه إياه ويبيِّنه ويوضح منه ما خفي عليه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن مَكايد الحروب ولقاء العدوِّ وطرُق النَّصر والظَّفَر ما لو عَلِموه وعقِلُوه ورعَوْه حقَّ رعايَتِه لَم يقم لَهم عدوٌّ أبداً، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن مكايد إبليس وطرُقِه التي يأتيهم منها، وما يتحرَّزون به مِن كيده ومَكرِه، وما يدفعون به شرَّه ما لا مَزيد عليه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن أحوال نفوسِهم وأوصافِها ودسائسِها وكمائِنها ما لا حاجة لهم مَعه إلى سِواه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن أمور مَعايشِهم ما لو عَلِموه وعمِلُوه لاستقامت لهم دنياهم أعظمَ استقامة.
وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برُمَّته، ولَم يُحْوِجْهُم الله إلى أحد سواه، فكيف يُظَنُّ أنَّ شريعتَه الكاملةَ التي ما طرق العالَم شريعةٌ أكملَ منها ناقصةٌ، تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكمِّلها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارجٍ عنها، ومَن ظنَّ ذلك فهو كمَن ظنَّ أنَّ بالناس حاجةً إلى رسول آخَر بعده، وسبَبُ هذا كله خفاءُ ما جاء به على مَن ظنَّ ذلك، وقلَّةُ نصيبه مِن الفَهم الذي وفَّق الله له أصحابَ نبيِّه الذين اكتفوا بما جاء به، واستغنوا به عمَّا سواه، وفتحوا به القلوبَ والبلادَ، وقالوا: هذا عهدُ نبيِّنا إلينا، وهو عهدُنا إليكم )).
(( وهذا الأصل من أهمِّ الأصول وأنفعها، وهو مبنيٌّ على حرف واحد، وهو عمومُ رسالته صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كلِّ ما يحتاج إليه العبادُ في معارفهم وعلومهم وأعمالهم، وأنَّه لَم يُحْوِج أمَّتَه إلى أحد بعده، وإنَّما حاجتهم إلى مَن يبلِّغهم عنه ما جاء به، فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرَّق إليهما تخصيصٌ؛ عمومٌ بالنسبة إلى المرسَل إليهم، وعمومٌ بالنسبة إلى كلِّ ما يَحتاج إليه مَن بُعث إليه في أصول الدِّين وفروعه، فرسالتُه كافيةٌ شافيةٌ عامَّة، لا تحوج إلى سواها، ولا يتمُّ الإيمانُ به إلاَّ بإثبات عمومِ رسالته في هذا وهذا، فلا يَخرج أحدٌ من المكلَّفين عن رسالته، ولا يخرج نوع من أنواع الحقِّ الذي تحتاج إليه الأمَّة في علومها وأعمالها عمَّا جاء به، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائرٌ يقلِّب جناحيه في السَّماء إلاَّ ذكَر للأمَّة منه علماً وعلَّمهم كلَّ شيء حتى آداب التخلِّي وآدابَ الجِماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسَّفر والإقامة، والصَّمت والكلام، والعُزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووَصَفَ لهم العرشَ والكرسيَّ، والملائكة والجنَّ، والنار والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنَّه رأيُ عَين، وعرَّفهم معبودَهم وإلَههم أتمَّ تعريف، حتى كأنَّهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعرَّفهم الأنبياء وأمَمَهم وما جرى لهم وما جرى عليهم معهم، حتى كأنَّهم كانوا بينهم، وعرَّفهم مِن طُرق الخير والشرِّ دقيقَها وجليلَها ما لَم يعرِّفه نبيٌّ لأمَّته قبله، وعرَّفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النَّعيم والعذاب للروح والبدن، ما لَم يعرِّف به نبيٌّ غيرَه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم من أدلَّةَ التوحيد والنبوة والمعاد، والردَّ على جميع فرق أهل الكفر والضلال، ما ليس لِمَن عرفه حاجة مِن بعده، اللهمَّ إلاَّ إلى مَن يبلِّغه إياه ويبيِّنه ويوضح منه ما خفي عليه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن مَكايد الحروب ولقاء العدوِّ وطرُق النَّصر والظَّفَر ما لو عَلِموه وعقِلُوه ورعَوْه حقَّ رعايَتِه لَم يقم لَهم عدوٌّ أبداً، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن مكايد إبليس وطرُقِه التي يأتيهم منها، وما يتحرَّزون به مِن كيده ومَكرِه، وما يدفعون به شرَّه ما لا مَزيد عليه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن أحوال نفوسِهم وأوصافِها ودسائسِها وكمائِنها ما لا حاجة لهم مَعه إلى سِواه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن أمور مَعايشِهم ما لو عَلِموه وعمِلُوه لاستقامت لهم دنياهم أعظمَ استقامة.
وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برُمَّته، ولَم يُحْوِجْهُم الله إلى أحد سواه، فكيف يُظَنُّ أنَّ شريعتَه الكاملةَ التي ما طرق العالَم شريعةٌ أكملَ منها ناقصةٌ، تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكمِّلها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارجٍ عنها، ومَن ظنَّ ذلك فهو كمَن ظنَّ أنَّ بالناس حاجةً إلى رسول آخَر بعده، وسبَبُ هذا كله خفاءُ ما جاء به على مَن ظنَّ ذلك، وقلَّةُ نصيبه مِن الفَهم الذي وفَّق الله له أصحابَ نبيِّه الذين اكتفوا بما جاء به، واستغنوا به عمَّا سواه، وفتحوا به القلوبَ والبلادَ، وقالوا: هذا عهدُ نبيِّنا إلينا، وهو عهدُنا إليكم )).