تحدث المقدسي العنيد في كتابه تحت عنوان ( المعاهدة الأمنية المغربية السعودية ) أن هذه الدولة تسجن المجاهدين وتعين على سجنهم لا لشيء ، إلا لقولهم ربنا الله !! وجعل هذا من ردتها وكفرها .
جعل المقدسي العنيد مناط الحكم ( أي سبب السجن ) هو قولهم " ربنا الله ، وأنهم مجاهدون " وهذه مكابرة تكفي في إقناع متمعنها بجهل وبغي وحسد هذا العنيد لدولة التوحيد ، فلا يعول على نقله ولا حكمه لأنه جمع بين سببي الضلال الجهل والظلم ، كما قال تعالى ) إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً( .
والرد على كلامه من أوجه :
1/ أن أكثر الذين ذهبوا إلى الجهاد وعادوا لم يسجنوا ولم يمسوا بسوء ، وخير برهان هو الواقع المشاهد الذي نعايشه ، وهو أوضح من أن يمثل عليه ، فلو كان هذا هو سبب السجن لما ترك هؤلاء[1] .
2/ أن علماء السنة الكبار كالإمام ابن باز وابن عثيمين – رحمهما الله – كانوا يدعون ويحثون على الجهاد الأفغاني الأول ، ولو كان السبب ما تزعم لكانوا أولى بالسجن هم وطلابهم السائرون على طرقتهم .
3/ أن الدولة السعودية – حماها الله – وقفت مع الجهاد الأفغاني الأول وقفة مشرفة وصدعت بالتأييد حتى في هيئة الأمم المتحدة ، وإليك مقتطفات من كلمة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز في هيئة الأمم المتحدة التي ألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 17/1/1406هـ في الجمعية العامة للأمم المتحدة: إننا من على هذا المنبر نعرب عن ارتياحنا لموقف الولايات المتحدة الأمريكية المؤيد للشعب الأفغاني في حقه في تقرير مصيره .. كما نعرب عن ارتياحنا لموقف الاتحاد السوفيتي المؤيد للشعب الفلسطيني في حقه في تقرير مصيره ، إلا أن مؤازرة الاتحاد السوفيتي للقضية العربية وتأييده للحق العربي في فلسطين لا يبرر إطلاق يده في أفغانستان واحتلالها عسكرياً وسلب الشعب الأفغاني استقلاله وكرامته .. كما أن معارضة الولايات المتحدة للاحتلال السوفيتي لأفغانستان ومطالبتها بمنح حق تقرير المصير للشعب الأفغاني لا يبرر دعمها غير المحدود وغير المشروط لإسرائيل وعدم تأييدها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه وإقامة دولته على أرضه ويجب على الولايات المتحدة تأييد الحق والعدل والشرعية الدولية – ثم قال – إن مصداقية هذه المنظمة معرضة للاهتزاز إذا هي استمرت بالاكتفاء بإصدار القرارات والتوصيات ، لقد حثت الأمم المتحدة وأدانت بما فيه الكفاية ومع ذلك لم تتحقق التسوية الشاملة والعادلة لهذه القضية ( قضية فلسطين )، ونتساءل بعد ذلك هل بقي أمام الأمم المتحدة سوى دفع هذا الإجماع من مستوى الإدانة إلى مستوى الإجراء الملموس للوصول إلى تلك التسوية .
إن هذه المنظمة لم يعد أمامها من خيار سوى استرجاع مصداقيتها والتأكيد عليها بإعطاء قراراتها صفة الجدية ولا جدية دون تنفيذ . – ثم قال – إن ما حدث في أفغانستان لهو مؤشر خطير لما يمكن أن يحدث في العالم ، والعالم الثالث بصفة خاصة ، إذا استمر هذا التوجه دون وقفة حاسمة من المجتمع الدولي . فمن يدافع عن شعوب دول العالم الثالث إزاء احتلال مباشر مماثل لما تعرضت له الشقيقة أفغانستان . لقد دخل التواجد السوفيتي في أفغانستان عامه السادس وما زال المجاهدون الأفغان يخوضون حرباًَ ضارية دفاعاً عن دينهم وبلادهم وحقوقهم . ولقد بذلت منظمة المؤتمر الإسلامي جهوداً مكثفة لإزالة مظاهر القهر والاحتلال التي تعرض لها الشعب الأفغاني ليتمكن من تحرير إرادته وتأمين حقه في الحرية والاستقلال ، كما بذلت منظمة الأمم المتحدة جهوداً مشكورة لإيجاد حل لهذه القضية .
إن المملكة العربية السعودية إذ تؤيد تلك المساعي ، فإنها تلفت النظر إلى أن أية جهود تبذل في هذا الإطار لابد وأن تأخذ بعين الاعتبار حقوق المجاهدين الأفغان ومطالبهم ، وهي إذ تحيي أولئك المجاهدين ، فإنها تؤيد تأييداً كاملاً مطالب الشعب الأفغاني بالجلاء عن أراضيه وإقامة حكم يرتضيه لنفسه يحافظ به على حياده ويحفظ عقيدته ا.هـ[2]
فبالله عليكم – أهل الإنصاف – هل يقال لمن هذا موقفهم إنهم يسجنون المجاهدين ، ولأنهم مجاهون يقولون: ربنا الله !!؟ إذاً بقي أن نتساءل لماذا سجنت دولة التوحيد – حماها الله – بعض القادمين من الجهاد الأفغاني ؟
السبب هو أن كثيراً من الشباب الموحد لما جاء إلى أرض أفغانستان للجهاد والدفاع عن أرض المسلمين تلقفتهم أيدٍ تكفيرية مفسدة تسعى إلى إفساد أفكارهم والتلبيس عليهم تجاه علمائهم وولاتهم ، فتحاول إقناعهم بفساد علمائهم وكفر حكامهم ، والبعض يحاول إقناعهم حتى بكفر علمائهم ، وليس هذا تقولاً وافتراء بل هو ما أقر به مؤلف هذا الكتاب المقدسي العنيد .
وإليك شيئاً من إقراره :
قال – عليه من الله ما يستحق -: فها هم الشباب الذين سافروا بتذاكرها المخفضة وبتشجيعها وتلبيسها… قد أمسوا اليوم جنداً للتوحيد وحماة للعقيدة.. يتربّصون بمشركي آل سعود أن يصيبهم الله بعذاب من عنده أو بأيديهم.. فتربَّصوا إنا متربِّصون.. ولتعلمنَّ نبأه بعد حين… ا.هـ
إذا عرفت ماذا صار حال بعض الشباب المشاركين في الجهاد بعد ذهابهم إلى أرض أفغانستان عرفت سبب سجن بلاد التوحيد لهم . وكما قيل: إذا عرف السبب بطل العجب . وبهذا تعرف أن اتهام بلاد الحرمين بأنها تسجن المجاهدين والدعاة وهي في الواقع إنما تسجن أصحاب الأفكار الفاسدة الشاذة من جنس إطلاق اللفظ المجمل ليتم لبس الحق بالباطل ، كما هو صنيع أهل البدع في كل زمان وحين ؛ لذا إذا سمع هذه المقولة من لا دراية له استقر في نفسه أن بلاد الحرمين عدوة للإسلام والمسلمين – قاتل الله الظالمين - .
قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – فيما تقدم: والدروس في المساجد قائم إلا من حصل منه مخالفة ، أو خشي منه فتنة ، فهنا لابد أن يمنع الشر أو ما هو من أسباب الشر ا.هـ[3]
وبهذا تم بتوفيق الله وعونه الرد على شبهاته الخمس التي كفر بها دولة التوحيد المملكة العربية السعودية – حرسها الله - ، وتبين أنه ليس عنده ما يستند عليه في دعوى التكفير الآثمة .
فيا رحمتاه لشباب غرهم فاتبعوه فأفسد عليهم دينهم ودنياهم ، ويا أسفاه على طاقات وأعمار وأموال وأنفس أهدرت وضيعت في سبيل سراب ظنه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، وفي سبيل جهالات وظنون وحماسات مفرطة وإعجاب بالنفس وإعراض عن العلماء زينت في أعين ناظريها باسم الدين والجهاد وعداوة الكفار .
فيا أيها الألباب المنصفون أفليس لشباب المسلمين عليكم حق أن تحذرهم من هذه الظلمات التي هي أشد من السم الزعاف لما انكشفت ، واتضح أنه ليس لديه مستند في دعواه بتكفير دولة التوحيد .
الثالث / مناقشة بعض كلامه المنثور في كواشفه :
لقد ذكر في ثنايا كتابه أموراً رأيت من المهم تكميل هذا الرد بمناقشة كثير منها لما أرى من اغترار بعض الناس بها ، أو أخشى على آخرين الاغترار بها لا سيما والحصول على كتابه الكواشف ميسور – وقى الله المسلمين شره – .
1/ طعنه في الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – رحمه الله رحمة واسعة – لأنه حليف للإنجليز، فقال تحت عنوان: تمهيد : " في ذلك الوقت كان الإنجليز (النَّصارى) أمثال فيلبي والكابتن شكسبير يفدون على (أخو نورة) حليفهم الوفي وهم يرتدون الكوفيات وأغطية الرأس العربية المعروفة… ولا يتجرّؤون على المجاهرة بارتداء أزيائهم وقبعاتهم الإنجليزية خوفاً من بأس الإخوان عليهم، ومراعاة لعبد العزيز وسياسته في التّلبيس والضّحك على الإخوان واستغلالهم… كيف لا!! وهو قد تربّى في الكويت في كنف مبارك الصباح وتعلّم منه أساليب المكر والكيد والغدر والخديعة، وشاهد بأمّ عينه كيف يتعامل الخونة مع أوليائهم، وكيف ينصر الإنكليز عملاءهم ا.هـ
إن كون الملك عبدالعزيز حليفاً لبريطانيا ليس ذماً لذاته ؛ لأن معنى الحليف الذي بينه وبينهم معاقدة ومعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق ، لا سيما لمن عرف قوة ومكانة بريطانيا ذاك الوقت ، وقد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بعض الكفار كخزاعة ، وما خبر صلح الحديبية ومعاهدة النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش عنا بخافٍ .
فإن بريطانيا كانت ذاك الوقت مستعمرة ومسيطرة على دول الخليج ومنها الكويت والإمارات ، وأيضاً دخل تحت سيطرتها العراق وشرق الأردن ودول أخرى مجاورة خاصة بعد الحرب العالمية ، وكان لها قوة متقدمة ، فهي تملك الطائرات وكثيراً من الأسلحة المتقدمة وقتئذ .
[1] قال الشيخ العلامة صالح الفوزان معلقاً: وإنما سجن من يحاولون التخريب والتفجير ، أو يلقنون أبناء المسلمين الأفكار المنحرفة .
[2] مجلة الفيصل العدد (106) ربيع الآخر 1406هـ ص20 .
[3] وانظر كلاماً مفيداً للشيخ عبد العزيز ابن باز في مجموع فتاواه (8/403) .