خطر الطعن في العلماء
إن الكلام على السادة العلماء الأجلاء على الإهمال والإغفال لجهودهم
وعظيم بلاءهم في إخراج الناس من البهيمية إلى السمو في فلك الشريعة المحمدية
ظلم لا ترتضيه الشريعة لآحادها
كيف وهم خاصتها ومقدموها وحاملوها والذابّون عنها والدالّون عليها .
فالعلماء على أكتافهم حملت الشريعة
وفي صدورهم حفظت، وبجهودهم وإخلاصهم نشرت
كم عانوا في تحصيل العلم
وكم كابدوا من شظف([b][1]) العيش في جمعه وتدوينه
وكم لاقوا أثناء بثّه ونشره من بلايا ومحن
وكم هجروا المضاجع والدعة والراحة واستقطعوا من حقوق الأهل والولد والحميم أوقاتاً
كل هذا في سبيل تحقيق غاية يعود نفعها على عموم الأمة
فكانوا بذا مصابيح هدى، وأعلام الدجى
فنفع الله بهم البلاد والعباد؛ لما علم ما في قلوبهم من التجرد والإخلاص
وصار ذكرهم في الآفاق على مرّ الدهور والأعصار، وطبّق في كل مصر من الأمصار
وذلك الفضل من الله .
فأنت -أيها النجيب- ترى سلفنا الصالح في صدر هذه الأمة امتدحوا العلماء
مع ما استقر في نفوسهم من كونهم بشر، وإمكان الزلل منهم وارد، والخطأ محتمل طارئ
لكنهم لم يتعمدوه، ولم يتعبدوا الله العظيم الجليل به
بل نعتقد أن لهم الحظ الوافر والنصيب الجزيل من قوله تعالى :
"إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"
سورة"الأعراف"الآية(201)
وأيضاً قوله تعالى:
"والذين إذا فاعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ،
ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"
سورة"آل عمران"الآية (135)
يقرر ذلك خطيب أهل السنة العلامة أبو محمد بن قتيبة –رحمه الله تعالى-قائلاً :
"وقد يتعثر في الرأي جلّة أهل النظر، والعلماء المبّرزون، والخائفون الله الخاشعون
فهؤلاء صحابة رسول الله–صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ورضي عنهم-وهم
قادة الأنام ومعادن العلم، وينابيع الحكمة، وأولى البشر بكل فضيلة، وأقربهم من التوفيق والعصمة
ليس منهم أحد قال برأيه في الفقه إلا وفي قوله ما يأخذ به قوم وفيه ما يرغب عنه آخرون
وكذلك التابعون...
ولا نعلم أن الله –عزّ وجلّ-أعطى أحداً من البشر موثقاً من الغلط وأماناً من الخطأ فنستنكف له منهما
بل وصل عباده بالعجز، وقرنهم بالحاجة، ووصفهم بالضعف والعجلة
فقال تعالى :
"وخلق الإنسان ضعيفا"
سورة"النساء"الآية(28)
وقوله:
"خلق الإنسان من عجل"
سورة"الأنبياء"الآية(37)
وقوله :
"وفوق كل ذي علم عليم"
سورة"يوسف"الآية(76)
ولا نعلمه خصّ بالعلم قوماً دون قوم، ولا وقفه على زمان دون زمان
بل جعله مشتركاً مقسوماً بين عباده، ويفتح للآخر منه ما أغفله عن الأول
وينبّه المقلّ منه على ما أغفل المكثر، ويحييه بمتأخر يتعقب قول المتقدم، وتال يعتبر على ماض .
وأوجب على كل من علم شيئاً من الحق أن يظهره وينشره
وجعل ذلك زكاة العلم"
"إصلاح الغلط في غريب الحديث لأبي عبيد" والنقل عن "نماذج من رسائل لأئمة السلف وأدبهم العلمي"لأبي غدة –عفا الله عنه- ص (53-55)
وفي هذه الآونة لو قلت ذلك اعتذاراً للقوم، ورعاية منك لحرمتهم، لقام كسيّر وعويّر وثالث ما فيه خير
، فلبس ثوب الناصحين ونهى عن التعظيم
أو جاءك نطيحة أو متردّية ونهى عن الصنميّة
فهؤلاء لو جالسوا العلماء لعلم الواحد منهم أن "ساقيته لاطمت بحراً"
فلو عمد إلى حلق بعضهم، لوقف على حقيقة أمره، وعلم ضعف بنيانه، وهزالة أركانه، ولقلّمت أظفاره، وانكسرت رواضعه وأثغر وأزبد وأرعد .
وفي "الرد الوافر" قال بدر الدين العيني-رحمه الله تعالى:
"علماء الإسلام، والأئمة الأساطين الأعلام، الذين تبوؤا الدار في رياض النعيم
واستنشقوا رياح الرحمة من رب كريم
فمن طعن في واحد منهم، أو نقل غير صحيح قيل عنهم
فكأنما نفخ في الرماد، أو اجتنى من خرط القتاد...
والعائب لجهله شيئا يدي صفحة معاداته، ويتخبط خبط العشواء ([2]) في محاورته
وليس هو إلا كالجعل([3]) باشتمام الورد يموت حتف أنفه
وكالخفاش يتأذى ببهور سناء الضوء؛ لسوء بصره وضعفه
وليس لهم سجية نقاده، ولا رويّة وقّادة
وما هم إلا صلقع بلقع سبقع([4])
والمكفر منهم صلعمة بن قلعمة، وهيان بن بيان، وهي بن بي، وضل بن ضل، وضلال بن التلال([5])
" الرد الوافر"ص(261)
فيا قوم حنانيكم :
إنه ميراث النبوة، وصنعة النخبة الرضيّة، من الفرقة الناجية المرضية، فاعرفوا لهم أقدارهم .
قال ابن المبارك –رحمه الله تعالى:
"حق على العاقل أن لا يستخف بثلاثة : العلماء والسلاطين والإخوان
فإنه من استخف بالعلماء ذهبت أخرته
ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه
ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته"
"سير أعلام النبلاء"(17/251)
وقال مالك بن دينار– رحمه الله تعالى :
" كفى بالمرء شراً، أن لا يكون صالحاً، وهو يقع في الصالحين"
"شعب الإيمان" للبيهقي(5/316)
قال يحيى بن معين – رحمه الله تعالى :
" إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام
قلت - أي : الحافظ الذهبي :
"هذا محمول على الوقوع فيهما بهوى وحيف في وزنهما
أما من نقل ما قيل في جرحهما وتعديلهما على الإنصاف"
"سير أعلام النبلاء" للحافظ شمس الدين الذهبي (5/31)
وتأمل – يرحمك الله تعالى- ما ذكره الإمام ابن عساكر الدمشقي حيث قال:
"واعلم يا أخي –وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته- أن
لحوم العلماء –رحمة الله عليهم- مسمومة
وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم
والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلق ذميم" "تبين كذب المفتري"ص(28)
[/b]
إن الكلام على السادة العلماء الأجلاء على الإهمال والإغفال لجهودهم
وعظيم بلاءهم في إخراج الناس من البهيمية إلى السمو في فلك الشريعة المحمدية
ظلم لا ترتضيه الشريعة لآحادها
كيف وهم خاصتها ومقدموها وحاملوها والذابّون عنها والدالّون عليها .
فالعلماء على أكتافهم حملت الشريعة
وفي صدورهم حفظت، وبجهودهم وإخلاصهم نشرت
كم عانوا في تحصيل العلم
وكم كابدوا من شظف([b][1]) العيش في جمعه وتدوينه
وكم لاقوا أثناء بثّه ونشره من بلايا ومحن
وكم هجروا المضاجع والدعة والراحة واستقطعوا من حقوق الأهل والولد والحميم أوقاتاً
كل هذا في سبيل تحقيق غاية يعود نفعها على عموم الأمة
فكانوا بذا مصابيح هدى، وأعلام الدجى
فنفع الله بهم البلاد والعباد؛ لما علم ما في قلوبهم من التجرد والإخلاص
وصار ذكرهم في الآفاق على مرّ الدهور والأعصار، وطبّق في كل مصر من الأمصار
وذلك الفضل من الله .
فأنت -أيها النجيب- ترى سلفنا الصالح في صدر هذه الأمة امتدحوا العلماء
مع ما استقر في نفوسهم من كونهم بشر، وإمكان الزلل منهم وارد، والخطأ محتمل طارئ
لكنهم لم يتعمدوه، ولم يتعبدوا الله العظيم الجليل به
بل نعتقد أن لهم الحظ الوافر والنصيب الجزيل من قوله تعالى :
"إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"
سورة"الأعراف"الآية(201)
وأيضاً قوله تعالى:
"والذين إذا فاعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ،
ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"
سورة"آل عمران"الآية (135)
يقرر ذلك خطيب أهل السنة العلامة أبو محمد بن قتيبة –رحمه الله تعالى-قائلاً :
"وقد يتعثر في الرأي جلّة أهل النظر، والعلماء المبّرزون، والخائفون الله الخاشعون
فهؤلاء صحابة رسول الله–صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ورضي عنهم-وهم
قادة الأنام ومعادن العلم، وينابيع الحكمة، وأولى البشر بكل فضيلة، وأقربهم من التوفيق والعصمة
ليس منهم أحد قال برأيه في الفقه إلا وفي قوله ما يأخذ به قوم وفيه ما يرغب عنه آخرون
وكذلك التابعون...
ولا نعلم أن الله –عزّ وجلّ-أعطى أحداً من البشر موثقاً من الغلط وأماناً من الخطأ فنستنكف له منهما
بل وصل عباده بالعجز، وقرنهم بالحاجة، ووصفهم بالضعف والعجلة
فقال تعالى :
"وخلق الإنسان ضعيفا"
سورة"النساء"الآية(28)
وقوله:
"خلق الإنسان من عجل"
سورة"الأنبياء"الآية(37)
وقوله :
"وفوق كل ذي علم عليم"
سورة"يوسف"الآية(76)
ولا نعلمه خصّ بالعلم قوماً دون قوم، ولا وقفه على زمان دون زمان
بل جعله مشتركاً مقسوماً بين عباده، ويفتح للآخر منه ما أغفله عن الأول
وينبّه المقلّ منه على ما أغفل المكثر، ويحييه بمتأخر يتعقب قول المتقدم، وتال يعتبر على ماض .
وأوجب على كل من علم شيئاً من الحق أن يظهره وينشره
وجعل ذلك زكاة العلم"
"إصلاح الغلط في غريب الحديث لأبي عبيد" والنقل عن "نماذج من رسائل لأئمة السلف وأدبهم العلمي"لأبي غدة –عفا الله عنه- ص (53-55)
وفي هذه الآونة لو قلت ذلك اعتذاراً للقوم، ورعاية منك لحرمتهم، لقام كسيّر وعويّر وثالث ما فيه خير
، فلبس ثوب الناصحين ونهى عن التعظيم
أو جاءك نطيحة أو متردّية ونهى عن الصنميّة
فهؤلاء لو جالسوا العلماء لعلم الواحد منهم أن "ساقيته لاطمت بحراً"
فلو عمد إلى حلق بعضهم، لوقف على حقيقة أمره، وعلم ضعف بنيانه، وهزالة أركانه، ولقلّمت أظفاره، وانكسرت رواضعه وأثغر وأزبد وأرعد .
وفي "الرد الوافر" قال بدر الدين العيني-رحمه الله تعالى:
"علماء الإسلام، والأئمة الأساطين الأعلام، الذين تبوؤا الدار في رياض النعيم
واستنشقوا رياح الرحمة من رب كريم
فمن طعن في واحد منهم، أو نقل غير صحيح قيل عنهم
فكأنما نفخ في الرماد، أو اجتنى من خرط القتاد...
والعائب لجهله شيئا يدي صفحة معاداته، ويتخبط خبط العشواء ([2]) في محاورته
وليس هو إلا كالجعل([3]) باشتمام الورد يموت حتف أنفه
وكالخفاش يتأذى ببهور سناء الضوء؛ لسوء بصره وضعفه
وليس لهم سجية نقاده، ولا رويّة وقّادة
وما هم إلا صلقع بلقع سبقع([4])
والمكفر منهم صلعمة بن قلعمة، وهيان بن بيان، وهي بن بي، وضل بن ضل، وضلال بن التلال([5])
" الرد الوافر"ص(261)
فيا قوم حنانيكم :
إنه ميراث النبوة، وصنعة النخبة الرضيّة، من الفرقة الناجية المرضية، فاعرفوا لهم أقدارهم .
قال ابن المبارك –رحمه الله تعالى:
"حق على العاقل أن لا يستخف بثلاثة : العلماء والسلاطين والإخوان
فإنه من استخف بالعلماء ذهبت أخرته
ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه
ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته"
"سير أعلام النبلاء"(17/251)
وقال مالك بن دينار– رحمه الله تعالى :
" كفى بالمرء شراً، أن لا يكون صالحاً، وهو يقع في الصالحين"
"شعب الإيمان" للبيهقي(5/316)
قال يحيى بن معين – رحمه الله تعالى :
" إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام
قلت - أي : الحافظ الذهبي :
"هذا محمول على الوقوع فيهما بهوى وحيف في وزنهما
أما من نقل ما قيل في جرحهما وتعديلهما على الإنصاف"
"سير أعلام النبلاء" للحافظ شمس الدين الذهبي (5/31)
وتأمل – يرحمك الله تعالى- ما ذكره الإمام ابن عساكر الدمشقي حيث قال:
"واعلم يا أخي –وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته- أن
لحوم العلماء –رحمة الله عليهم- مسمومة
وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم
والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلق ذميم" "تبين كذب المفتري"ص(28)
[/b]