الأصول التي قامت عليها أهل السنة والجماعة
لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله تعالى-
لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله تعالى-
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وسار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين؛
أما بعد: فقد كان الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، قد اندثرت آثار الرسالات السابقة فاستحكم أمر الجاهلية، وصاروا متفرقين متشتتين متناحرين، لا رابطةَ تجمعه ولا عقيدةَ ينضوُون تحتها، وليس عندهم كتاب من الله يستنيرون به ويستضيئون بضوئه، لأن الكتب السابقة حُرّفت وغُيّرت، وانقرض أكثرها، فبقوا بقت البشرية في ظلام دامس من جميع النواحي.
ولكن الله سبحانه وتعالى برحمته تكفل أنه سبحانه يرسل الرسل لهداية الناس فيما اختلفوا فيه ولا يتركهم في ضلالتهم وجهالتهم، بل إنه سبحانه وتعالى اقتضت رحمته بعباده أنه يرسل الرسل عندما تشتد الحاجة إليهم، وقد اشتدت الحاجة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول يبين لهم ويهديهم الصراط المستقيم ويضيء لهم المنهج الذي يسيرون عليه، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة، "قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، فقام صلى الله عليه وسلم ممتثلا أمر الله في قوله تعالى: "(بسماللهالرحمنالرحيم)
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ"، فقام صلى الله عليه وسلم وحيدا في العالم يدعوا إلى الله سبحانه وتعالى، ولم يتبعه إلا أفراداً من الناس قليلين على خوف من الكفار، فصاروا يسلمون الواحد بعد الواحد، والعربُ والعجم كلهم ضد هذه الدعوة المباركة، ثم إنه صلى الله عليه وسلم واصل الدعوة، فاجتمع حوله من اجتمع من المسلمين السابقين على خفية من أعدائهم، ثم إنهم تزايدوا وتزايدوا حتى كثروا، ولكن لا يزال الخناق مضيقا عليهم في مكة، وقابلوا من الكفار الأذى الكثير والضغط الشديد، يريدونهم أن يرجعوا عن اتباع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وما يزيدهم ذلك إلا قوة وثباتا، ثم أذن الله لرسوله وللمسلمين بالهجرة، وهي الانتقال من بلد الكفر إلى بلد يظهرون فيه دينهم، فهاجروا إلى الحبشة عند ملك يقال له النجاشي من النصارى، لا يظلم عنده أحد، فصاروا هناك في منجى من أذى الكفار، وحاول الكفار استرداهم فلم يفلحوا، ثم إن الله من على هذا الملك فأسلم، النجاشي أسلم ودخل في دين الله عز وجل، ثم بلغ المسلمين أن ضغط الكفار قد خف أو أنهم قد تراجعوا عن معارضتهم فعادوا إلى مكة فوجدوا الأمر أشد مما كان، ثم عاودا الهجرة إلى الحبشة، الهجرة الثانية إلى الحبشة، ثم أذن الله لرسوله الهجرة إلى المدينة بعدما جاء ناس من أهلها إلى الحج وعرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم دعوته، فدخلت في قلوبهم، وأسمعهم القرآن، وقالوا: إن هذا لهو النبي الذي تهددكم به اليهود، لأن المدينة كان فيها طوائف من اليهود يهددون الأنصار، الأوس والخزرج لم يسموا بالأنصار إلا بعد، كانوا يسمون الأوس والخزرج، فكان اليهود يهددونهم بأنه سيبعث نبي فنجاهدكم معه، "وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِعَلَى الْكَافِرِينَ"، هذه اليهود، قال: لهو النبي الذي تهددكم به اليهود، فلا يسبقوكم إليه، فآمنوا به وبايعوه، ثم في السنة الثانية قدم وفد أكثر من الوفد الأول، في البيعة الثانية، وتمت الاتفاقية بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يهاجر إليهم وأن يحموه مما يحمون منه أنفسهم وأولادهم، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة ولحق بهم صلى الله عليه وسلم أخيرا، وتكونت دار الهجرة، تكون المجاهرون والأنصار هناك، فقَوَّا الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وكانت أول وقعة حصلت في بدر هزم الله بها المشركين وقتل رؤوس الكفر، فانتصر المسلمون في بدر الكبرى؛ وهذا يصوره قوله تعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ"؛ هذه نشأة الإسلام شيئا فشيئا حتى قوي، وأذن الله لرسوله بالجهاد في سبيل الله عز وجل، وتآخى المسلمون على اختلاف ألوانهم ولغاتهم، تآخوا وصاروا إخواننا متحابين بدل أن كانوا متعادين متقاطعين، اجتمع الأوس والخزرج الذين كانوا في الجاهلية على حروب بينهم طاحنة، اجتمعوا وصاروا إخوة؛ وبينما هم كذلك حاول اليهود تفريقهم، فلما مر يهودي وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج مجتمعين في مكان متحابين متآخين ساءه ذلك، فجاء وجلس إليهم وذكّرهم بما كان بينهم في الجاهلية من الحروب والثارات والأشعار المهيجة، فحينئذ ثارت ثائرة الحيَّين وتواعدوا القتال، تأثُّرا بهذا اليهودي، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح بينهم وأنزل الله تعالى قوله: "وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"، فعند ذلك قام بعضهم إلى بعض يتعانقون ويسلم بعضهم على بعض، وأبطل الله مكيدة هذا اليهودي، ثم حاولوا مرة ثانية فقالوا -كما ذكر الله عنهم-: "وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، حاولوا أن يسلموا ثم يرتدوا في اليوم الواحد، حتى إذا رآهم الناس اقتدوا بهم وخرجوا من الدين وارتدوا عن دين محمد صلى الله عليه وسلم، لأنهم أهل كتاب، ويقولون: ما تركوا هذا الدين إلا لأنهم أهل كتاب ويعرفون أن هذا الدين لا يصلح، هذه مكيدة أبطلها الله جل وعلا، "وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، فبطلت هذه الحيلة للمرة الثانية، ثم إنهم حاولوا للمرة الثالثة فدسّوا على المسلمين رجلا يهوديا تظاهر بالإسلام من أهل اليمن، يقال له: ابن السَّودة من يهود اليمن عبد الله بن سبإ، فجاء الخبيث مظهرا للإسلام في خلافة عثمان رضي الله عنه، فصار يهيج الناس عليه، يحرضهم على الخليفة، فاتبعه من اتبعه من قاصري النظر وضعيفي العقول، فحصلت الفتنة بقتل عثمان رضي الله عنه، وظن اليهود أنهم بهذا يقضون على الإسلام، ولكن -والحمد لله- هو إن حصل فتنة وقُتل من قُتل من المسلمين، لكن الإسلام عزيز -ولله الحمد-، ولم يؤثروا ولن يؤثروا فيه، لم تؤثر فيه هذه الفتنة؛ والحاصل أن اليهود ما يزالون "وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا"، و"وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ"، "وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا"، "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ"، فهم لا يزالون على هذا الحقد لهذا الدين، " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"، والله جل وعلا قال لنا: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ"، قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"، حذّرنا من طاعة الكفار والمنافقين وطاعة اليهود والنصارى، مما يدل على أن كيدهم سيستمر ضد الإسلام، فنكون على حذر؛ ولا منجاة لنا إلا بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم عند ظهور الفرق والفتن، في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"، فأخبر صلى الله عليه وسلم عن حدوث الاختلاف من بعده، وأمر عند ذلك بثلاثة أمور:
أولا: تقوى الله سبحانه وتعالى بفعل أوامره وترك نواهيه والتمسك بدينه وبحبله، "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، تقوى الله؛
ثم الأمر الثاني: السمع والطاعة، السمع والطاعة لولي أمر المسلمين، واجتماع الكلمة، وعدم التفرق والاختلاف، لأن ولي أمر المسلمين يكون ترسا يتترس به المسلمون ضد ما يضرهم، فإمام المسلمين تجتمع عليه الكلمة، وهو الذي يقيم الحدود، وهو الذي ينصف المظلوم من الظالم، يرد الحقوق إلى مستحقيها، وهو الذي يقيم الجهاد في سبيل الله، وهو الذي يرجع المسلمون إليه عند الاختلاف، وولي أمر المسلمين له مكانة عظيمة في الإسلام، وله آثار عظيمة، ولا يصلح المسلمون بدون إمام، لا يصلح المسلمون بدون إمام ولا لحظة واحدة، ولهذا لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم لم يشتغلوا بجنازته عليه الصلاة والسلام حتى نصبوا إماما يخلفه، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، مما يدل على أن وجود الإمام ضرورة، لأنه هو الذي يقود الجماعة، والله أمرنا بالجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، فلذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "والسمع والطاعة"، يعني: لولي الأمر، وإن تأمر عليكم عبد، الله جل وعلا قال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ"، فهذا من جملة ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند الفتن، الاجتماع مع جماعة المسلمين وتحت راية إمام المسلمين؛
ثم الأمر الثالث: التمسك بالسنة، "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، عند الفتن لا منجاة منها إلا باتباع الكتاب والسنة، وهذا ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وفي غيره؛ فهذه الضوابط التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم عند حدوث الفتن وبها النجاة من الفتن تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، فلا بد من إمام ولا بد من منهج، والمنهج هو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين؛ امتثل المسلمون هذه الوصايا فقامت دولتهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين.
ثم حدثت الفتن التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهرت الفرق؛ فأول فرقت ظهرت فرقة الشيعة الذين يطعنون في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الخلفاء الراشدين، ويزعمون أنهم يتبعون أهل البيت، وأن الحق لأهل البيت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن عليا هو الوصي بعد رسول الله، وأن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان كلها ظلم واغتصاب للخلافة كما يقولون، فهؤلاء الشيعة الذي بذرتهم الأولى ابن سبإ اليهودي كما سمعتهم، ولا يزال كيدهم للإسلام والمسلمين؛ ثم ظهرت فرقة القدرية، الله جل وعلا جعل الإيمان بالقضاء والقدر من أصول الإيمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإيمان، قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، والقدر: هو ما يقدره الله سبحانه وتعالى على عباده، فالقدر بيد الله، ولا يجري شيء إلا بقضاء و قدر، قال تعالى: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"، وقال سبحانه: "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً"؛ فظهرت القدرية وهم على فريقين: غلاة ونفاة، فالغلاة: هم الجبرية الذين يغلون في إثبات القدر وينفون اختيار العبد ويقولون أن العبد مجبور على أفعاله، ليس له فيها اختيار، هؤلاء يغلون في إثبات القدر ويسلبون اختيار العبد وفعله؛ وعلى النقيض: النفاة الذين ينفون القدر، ويثبتون اختيار العبد وينفون القدر، ويقولون أن العبد يخلق فعل نفسه ولم يقدر الله عليه شيئا، وإنما هذا شيء هو الذي يحدثه مستقلا عن قضاء الله وقدره؛ وعلى هذا المعتزلة، ومن سار على نهجهم، هذا الافتراق في القدر؛
أما أهل السنة والجماعة، فيؤمنون بالقضاء والقدر كما جاء في الكتاب والسنة، ولكنهم يؤمنون أيضا بإثبات أفعال العبد، فيجمعون بين الأمرين: أن الله قدر، وأن العبد يفعل باختياره ومشيئته وله قدرة على الترك وعلى الفعل، فهذه فرقة القدرية؛