[size=24]مخالفات في التوحيد للشيخ عبد العزيز الريس
لفضيلة الشيخ
عبد العزيز الريس - حفظه الله تعالى .
لفضيلة الشيخ
عبد العزيز الريس - حفظه الله تعالى .
المشرف على موقع الإسلام العتيق
www.islamancient.net
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
فهذه وريقات تحمل سطورُها كلماتٍ متعلّقةً بأعظم ما أمر الله به ألا وهو توحيده ، و أعظم ما نهى الله عنه ألا وهو الإشراك به .
أخي القارئ الكريم .. إن من المعلوم عند أهل السنة والجماعة السائرين على منهج السلف ؛ أن الله ما أرسل الرسل وخلق الخلق إلا للقيام بالتوحيد ، وترك الشرك بالله ونبذه ، فلما علم ذلك عدوّنا الأكبر الشيطان الرّجيم صار يجلب بخيله وَرَجِله لصرف عباد الله على اختلاف مستوياتهم عن تعلّم التوحيد والقيام به دعاةً ومدعوين ، علماء وعامة إلا من رحم الله ، فزيّن للدعاة ترك الدعوة إلى التوحيد بحجة أن الدعوة إليه تفرّق الصف وتمزق الشمل ، أو بحجة أن الناس لا يتفاعلون معه ، أو أن الناس على دراية به .
فيا عجباً لا ينقضي كيف نترك دعوة الناس للتوحيد تمسكاً بهذه الحجج التي لم يُلقِ الأنبياء والرسل لها بالاً ؟ أتدري لماذا ؟
لأنهم علموا - بما علمهم الله - أن المقصد من دعوة الناس توحيد الله سبحانه ، ولا سبيل للنجاة إلا سبيلهم- وسبيلهم واحد - كما قال تعالى (وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (، وهل وظيفة الدعاة الصادقين إلا إحياء دعوة الرسل التي هي توحيد الله ؟
ومما لبس به الشيطان على العوام أن التوحيد معروف وأننا موحدون فلم الدّعوة إليه ؟
فيقال : يا سبحان الله ! كيف هذا والكثير من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية قد لفها ظلام الشرك الأكبر الصراح كما سيأتي .
ثمّ لو كان الشرك معروفاً فإننا لا نزال في حاجة إلى تذكره وإلى أن ندعو الله ليجنبناه . إذ لن نكون كالخليل إبراهيم عليه السلام ، ومع هذا قال داعيا ربه (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ(، قال إبراهيم التيمي رحمه الله: ومن يأمن البلاء - أي الشرك - بعد إبراهيم عليه السلام . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير الطبري .
ولن نكون كصحابة رسول الله صلى الله علية وسلم - خير القرون - الذين لا زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهدهم بالتوحيد حتى في مرض موته صلى الله عليه وسلم .
فيا أيها الناس جميعاً هلموا إلى تعلّم التوحيد والدعوة إليه ، فإن تعلمه والدعوّة إليه والقيام به سبب لإقامة دولة الإسلام في الدنيا وبلوغ الفردوس في الآخرة قال تعالى ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (.
فإليك - أيها القارئ المفضال- شيئاً من أخطاء بعض الناس في توحيد الرب سبحانه لنتجنبها أجمعين ولنفوز برضوان الرب الكريم.
1- من الأخطاء : ما نراه منتشراً في أكثر البلدان الإسلامية من صرف العبادة لغير الله سبحانه كدعاء الأموات الصالحين وغيرهم ، وسؤالهم غفران الذنوب ، وكشف الكروب ، وحصول المطلوب من ولد وشفاء مرض ٍ، وكالتقرب إليهم بالذبح والنذر والطواف والصلاة والسجود ، حتى إن قلوبهم لتخشع وعيونهم لتدمع عند قبور هؤلاء أكثر منها عند الصلاة لله والوقوف بين يديه ، بل وأكثر منها عند الطواف لله حول الكعبة المشرفة ، فيا لله العجب ! أما علم هؤلاء أنهم بفعلهم هذا قد أحبطوا أعمالهم إذ وقعوا في الشرك الأكبر ؟
والله تعالى يقول ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ( ويقول ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ( أي فلا تعبدوا مع الله أحداً ، إذ عبادة غير الله مع الله أياً كان هذا المعبود نبياً مرسلا أو ملكاً مقرباً إشراك مع الله في أمر خاص بالله الذي هو الشرك الأكبر الذي قال الله عنه( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ (، وقال ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ( ، وقال( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ( ، وقال ( وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ( ، نسأل الله السلامة والعافية .
2- من الأخطاء : تفسير كلمة التوحيد ( لا إله إلاّ الله ( بأنه لا خالق إلا الله ولا قادر على الاختراع إلا هو ، هذا التفسير قاصر ومخالف لما جاء في الكتاب والسنة ، يوضح ذلك أن الله أخبرنا بأن كفار فريش مقرّون بأنه هو الخالق الرازق المدبر كما قال تعالى ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) ، فلو كان هذا معنى كلمة التوحيد لكانوا مؤمنين ولما أبو نطقها ولما جعلوها شيئاً عجاباً كما قال تعالى عنهم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( ، فإذاً يكون معناها لا معبود حق إلا الله سبحانه وتعالى، وإفراد الله بالعبادة هو الذي أنكره كفار قريش وهو الشيء الذي جعلوه عجباً فيكون هو معناها .
3- من الأخطاء : الغلو في حق النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فإن لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم منزلةً عظيمةً ومكانةً رفيعةً لا يبلغها أحد ، لا ملك ولا إنس و لا جان ، فهو صاحب الشفاعة وأكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، وقد وصفه ربه بصفات عظمى منها قوله سبحانه ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ( ، ومن حرصه علينا أنه نهانا عن الغلو فيه كما روى البخاري عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله " فهو عبد ، لا يشارك الرب في شيء من خصائصه كعلم الغيب ونحو ذلك ، ورسول يبلغ دين الله كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون " أخرجه الشيخان من حديث ابن مسعود .
وإن من صور غلو بعض الجهال فيه صلى الله عليه وسلم ما يلي :
أ- ادعاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب و أن الدنيا خلقت لأجله كما قال أحدهم .
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضــلاً وإلا فـقـل يا زلــة القدم
فإن من جودك الدنيا و ضرَّتها ومن علومك علم اللوح و القلم
ب- طلب مغفرة الذنوب منه صلى الله عليه وسلم وأن يدخله الجنة ، وهذه الأمور خاصة بالله سبحانه لا يشركه فيها أحد، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرجو أن يدخله الله الجنة برحمته ، كما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ، قال: ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .
ج- السفر لقصد زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ، وهذا منهي عنه باتفاق الصحابة ؛ لما روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا " ، فكل بقعة يسافر إليها لقصد التعبد محرم بهذا الحديث إلا المساجد الثلاث .
واعلم – أخا الإسلام – أن ّكل حديث روي في فضيلة شد الرحال إلى قبره فهو ضعيف لا يصح عنه ، كما صّرح بذلك جمع من الأئمة . أما السفر لأجل الصلاة في المسجد فهذا أمر مستحب .
د- اعتقاد أن فضيلة الحرم المدني بسبب وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا خطأ فادح إذ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر فضل الصلاة فيه قبل أن يموت .
4- من الأخطاء: إتيان السحرة والكهان والعرافين ونحوهم وتصديقهم بما يقولون ، فإنّ هذا من الكفر بما أنزل على محمد صلى الله علية وسلم لما روى الأربعة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال:" من أتى عرافاً أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله علية وسلم" حديث صحيح ، وقال الله عز وجل ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرََ ( ثم قال (وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ( ، أي نصيب وحظ .
وعجباً لأولئك الذين أصابهم مرض في أنفسهم أو أزواجهم أو بنيهم سعوا طارقين أبواب السحرة والكهان والعرّافين ونحوهم طلباً للشفا !
أرضوا بالشفاء في دنيا عاجلة الانقضاء ثم عذاب وبلاء في آخرة لا نهاية لها ؟
أما علموا أن الله قد يبتلي العبد تمحيصاً لدينه وتكفيراً لذنوبه حتى يلقى الله لا ذنب له ، ثم يفوز برضوانه وجزيل فضله وعطائه إن كان من الصابرين ؟
فالله الله بالصبر والمصابرة واستخدام الطرق الشرعية للعلاج كالرقية المتضمنة كلام الرب سبحانه ودعاءه وسؤاله .
وأخيراً إن للساحر أمارات يعرف بها ، منها : أنه يتمتم بكلام لا يُدرى معناه ، أو أن يسأل أسئلة لا فائدة منها مثل قوله: ما اسم أمك ؟ أو يطلب منك ذبح ديكٍ أو غيره في أماكن الخلاء أو غيرها .
5- ومن الأخطاء أيضاً: ضعف عقيدة الولاء والبراء التي ملخصها حب أهل الإيمان بقدر طاعتهم للرحمن وبغض الكفار مطلقاً ، أما أهل البدع والعصيان فعلى قدر بدعهم و معصيتهم ، هذه هي العقيدة التي كثر تقرير الله لها في كتابه والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته القولية والفعلية فمن ذلكم :
قوله تعالى ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (
فانظر - يا رعاك الله- كيف أن إبراهيم عليه السلام تبرأ من قومه وعشيرته ومنهم أبوه ، ولم يقتصر على ذلك بل زاد وتبرأ من معبوداتهم ثم جعل الحد الذي تنتهي به هذه العداوة والبغضاء أن يؤمن قومه ومنهم أبوه بالله وحده فلا يشركون معه غيره سبحانه وتعالى .
ثم - أعد النظر- تجد أن الله جعل فعل إبراهيم هذا أسوة حسنه لمن بعده .
ومن الآيات الآمرة بعداوة الكفار قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين (
فقد حرمت الشريعة الغراء موالاتهم لأمور كثيرة منها:
- أن موالاتهم سبب لأن يصير المسلم منهم ، فحفظاً لدينه أمر بمعاداتهم وعدم توليهم .
- ومن أسباب تحريم موالاتهم أن الكفار حريصون على إضلالنا وجعلنا من أتباعهم على دينهم الباطل قال أصدق القائلين سبحانه (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء ( فلما كانت هذه حالهم أمر بمعاداتهم المستلزمة للبعد عنهم حتى لا يتمكنوا من إضلالنا بجعلنا من أتباعهم على دينهم الفاسد دنيا وأخرى ، وقد قام رسولنا بهذا الأمر أشد القيام قولاً وفعلاً ، ولعلي أكتفي بثلاثة أمور :
الأول : ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه " يعني لا تفسحوا لهم الطريق حتى يتجاوزوا فكيف إذاً بمن يصدّرهم في المجالس ويعزهم ويعظمهم ويهنئهم أيام أعيادهم .
الثاني : إطلاق الأخوة على الكافر المستأمن أو المعاهد، واعتقاد أن عداوة الكفار خاصة بالحربي وهذا خطأ ، بل الكافر لكونه كافراً أياً كان مستأمناً أو معاهداً أو حربياً فكلهم أعداء لأهل الإسلام ، والمسلم عدو لهم كما قال تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، وبهذا يتبين بجلاء بطلان الدعوة التي يدعيها بعضهم: من أن عداوتنا مع اليهود عداوة أرض ، فمتى أرجعوا أرضنا انتهت العداوة بيننا وبينهم ، بل عداوتنا معهم عداوة دين وملة ، فإذا اغتصبوا شيئاً من أرض المسلمين زادت عداوتنا لهم .
الثالث: ما ثبت عند الإمام أحمد وأبي داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من تشبه بقوم فهو منهم " وهذا التشبه المنهي عنه شامل للتشبه في كل ما هو خاص بهم من التكلم بلغتهم ، ولبس لباسهم وقص الشعر كقصهم ونحو ذلك مما هو منتشر بين المسلمين ، وقد قال عمر بن الخطاب: إياكم ورطانة الأعاجم ودخول كنائسهم أيام عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم . رواه البيهقي وصححه الإمام ابن تيمية - رحمه الله - ، ويا ليت الأمر على سوئه توقف عند هذا الحد ، بل ازداد وصار التشبه بهم في كلامهم وغير ذلك ممدحة يمتدح بها فإلى الله المشتكى ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وما أحسن ما قال أبو الوفاء ابن عقيل: إذا أردت أن تعرف الإسلام من أهل زمان فلا تنظر إلى ازدحامهم عند أبواب المساجد ولا ارتفاع أصواتهم بلبيك ولكن انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة .
وبعد هذا كله لعله أتضح لك جلياً فساد الدعوة الشائعة باسم ( تقريب الأديان أو وحدة الأديان ) التي حقيقتها هدم الإسلام ، لأن القرآن الكريم بيّن بوضوح أن الأديان الأخرى كاليهودية والنصرانية بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أديان منسوخة محرفة كفرية ، وذكر أن أهلها كفار كما قال أصدق القائلين (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء ( ، وقال( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ( وقال ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ( فبعد بيان القرآن أن الأديان الأخرى كفرية فليس بيننا وبينهم إلا العداوة والبغضاء مع دعوتهم إلى نبذ دينهم وتركه إلى الدين الإسلامي الحق .
ومع أهمية عقيدة الولاء والبراء إلا أنه لا يجوز الغلو فيها ومجاوزة الحد الذي حده الله ، ومن صور الغلو ما يلي:
1/ قتل المعاهد الكافر من المستأمن وأهل الهدنة والصلح لما ثبت في البخاري عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين سنة " وكل من دخل بلاداً من بلدان المسلمين دخولاً نظامياً يعتبر معاهداً .
2/ غدرهم وخيانتهم فإن الخيانة والغدر محرمان حتى مع الكفار ، عن حذيفة بن اليمان قال : ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل قال: فأخذنا كفار قريش قالوا: إنكم تريدون محمداً ؟ فقلنا: ما نريده ، ما نريد إلا المدينة . فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه . فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر . فقال:" انصرفا ، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم " وفي لفظ " تفيا لهم بعهدهم " ، فمن دخل بلادهم دخولاً نظامياً فقد عاهدهم فلا يجوز له غدرهم وخيانتهم ، وفرق بين الخداع والغدر فتنبه .
3/ اعتقاد أن دفع المال للكافر مطلقاً خارم لعقيدة الولاء والبراء ، وهذا خطأ ، بل هذا راجع للمصالح والمفاسد وفرق بين حالة القوة والضعف وحالة الاختيار والاضطرار، علماً أن من أصناف الزكاة الثمانية ( المؤلفة قلوبهم) وهم كفار .
4/ اعتقاد جواز ظلمهم وأخذ أموالهم ، وهذا خطأ ، بل إن الكافر المظلوم تستجاب دعوته في حق ظالمه ، ولو كان مسلماً ، كما روى الشيخان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
تنبيه
إن من أسرع الناس إسلاماً هؤلاء النصارى لا سيما العجم ، فلو ضاعفنا الجهود في دعوتهم لحظينا بأجر هدايتهم . والأنفع في دعوتهم البداءة ببيان خطأ عقيدتهم في التثليث ، فإنهم يدعون أنهم يعبدون إلهاً واحداً ، وفي الوقت نفسه يعترفون بعبادة ثلاثة: الأب والابن وروح القدس ، وبعضهم يثلث بمريم . فزعمهم التوحيد وعبادة ثلاثة من الجمع بين الضدين اللذين لا يجتمعان ، وهذا ما لا جواب عندهم عليه . فجرب تجد، فإن التجربة خير برهان .
[/b]