علامات الترقيم دخيلة على لغتنا ولكنها... مطلوبة
الالتزام بالقوانين التي تحكم الكتابة، تريح القارئ، وتجعله يفهم مراد الكاتب بكل يسر وسهولة، ولا شك أن الالتزام بالقواعد الإملائية عند الكتابة باللغة العربية مطلوب من كل كاتب.
ولكن في الآونة الأخيرة يلاحظ على كثير من الكتاب إهمالهم لعلامات الترقيم التي تعد من أهم القوانين الإملائية التي ينبغي أن يلتزم بها الكاتب، وربما يقول بعض من يهمل علامات الترقيم أنها ليست من أصول اللغة العربية، وأننا اقتبسناها من غيرنا، فكيف نعدها مهمة وكيف نعتبر فقدها دليل على ضعف كاتبها إملائيا !؟
ولكن يمكننا أن نقول أن اقتباس لغتنا العربية لعلامات الترقيم من اللغات الأوربية كان اقتباسا محمودا؛ لأن لغتنا قد استفادت منها كثيرا؛ لأن هذه العلامات تساعد على معرفة المواقع المناسبة للوقف والابتداء في الكلام، وربط الجمل بعضها ببعض، وبيان علاقتها الإعرابية والمعنوية، وتنويع نبرات الصوت التي تبرز الأغراض المقصودة من الكلام كالاستفهام، والتعجب، والاستنكار، والتحسر، والإغراء، والتحذير، وغير ذلك.
ولهذا فهي ضرورية في الكتابة العربية الحديثة، وخلو الكتابة منها يعد عيبا لا يقل عن عيوب الأخطاء الإملائية أو النحوية؛ لأن فقدها يسبب عناء للقارئ، ويؤدي إلى عدم فهم وتمييز الكلام المكتوب.
وإذا كانت علامات الترقيم دخيلة علينا، فلا يعني هذا عدم الالتزام بها، وعدم استخدامها أثناء الكتابة، وعلينا أن نتذكر أن لها أصلا في تراثنا يدل على مبدئها وأغراضها، ومن ذلك علامات الوقف والابتداء التي وضعها علماؤنا من أجل تحسين قراءة القرآن الكريم وبيان معاني آياته والإشارة إلى العلاقة الإعرابية والمعنوية التي تربط بعضها ببعض
ومن ذلك أيضا مباحث أهل اللغة في الفصل والوصل، والوقف والسكت، والعطف والاستئناف، ونصهم على تنويع النبرات الصوتية تبعا للمعنى المراد من ترغيب وترهيب وتحذير، وإنذار واستفهام، وتأثر، وغير ذلك .
وفي الحقيقة أن استخدام علامات الترقيم في الكتابة يساعد على تصوير الموقف، ويساعد على توضيح اللبس والغموض الذي ينتج من خلال استخدام الكاتب لبعض الأساليب والعبارات الموهمة، أو التي تحتمل عدة أوجه.
ولهذا فإن جودة الكاتب تتمثل في استخدام هذه العلامات وتوظيفها في أماكنها المناسبة حتى يوصل رسالته المكتوبة بكل وضوح.
د. محمد بن شديد البشري
============
أشكر لأخي الدكتور محمد بن شديد البشري هذا الالتِفاتَ إلى موضوع علامات الترقيم، لأنّه موضوع تتوقَّف عليه سلامةُ المعنى وتحديد مقاصد الكلام والمتكلِّم.
وأضيف إضافةً بسيطةً ، وهي أنّ هذا الموضوع كان معروفا لدى علمائنا القدماء رحمهم الله، وتنوّعت علامات التّرقيم واختلفت الرّموز عندهم، لكنّهم اتَّفقوا على ضرورةِ وجودِها في النص، ليسهُل تقسيم المعنى إلى مفاصل ومحطّات.
من المعلوم أن علماء القراءات و علماء التّجويد واللغة وعلوم القرآن اهتموا بموضوع الوقف والابتداء، وأفردَه بالتأليف جماعة من الأئمة منهم أبو جعفر النحاس وأبو بكر بن الأنباري والزجاجي وأبو عمرو الداني وشيخ القراء ابن الجزري وغيرهم. أطلقَ كثير من علماء القراءة والتجويد ثلاثةَ مصطلحاتٍ مختلفةٍ ولعلّهم أرادوا بها الوقف في الغالب، وهي الوقف والسكت والقطع ...
وعُرِفَ هذا الموضوع عند النّسّاخين وعند المصنّفين الذين كانوا ينسخون كتبَهم بأيديهم، واستعملوا رموزاً مشهورةً مثل (اهـ) للدلالة على انتهاء النص أو الاقتباس أو الاستشهاد، واستعملوا ألوانا مختلفة في الكتابة وسمّوها بأسمائها مثل "الاحمرار" لتمييز العبارات بعضِها من بعض كتمييز المُصطلحاتِ أو تمييز كلام المصنِّفِ من كلامِ الشّارح.
والموضوع طويل وشائق وممتع
وأشكر لأخي د. محمد بن شديد البشري إثارتَه لهذا الفائدة، وأشكر لأخي الدّكتور محمّد آل الشّيخ اقتِراحه المفيد، المتعلّق باتّخاذ رموز الكتابة قواعدَ معمولاً بها في الدّوائر الرّسميّة ...
==============
نقلاً عن
http://www.al-maqha.com./showthread.php?t=665