من عجائب الفراسة عند العرب
9- وذكر النّويري في "نهاية الأرب في فنون الأدب" أنّ الفِراسةَ تعتمد على أمارات:
يقولون: عِظَمُ الجبين يدل على البَلَه، وعَرْضه يدل على قلة العقل، وصِغَره على لطف الحركة، والحاجبان إذا اتصلا على استقامة دلا على تخنيث واسترخاء، وإذا تزججا نحو الصدغين دلا على طنزٍ واستهزاء، والعين إذا كانت صغيرة الموق دلت على سوء دخلة، وخبث شمائل، وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد، والعين المتوسطة في حجمها دليل فطنة وحسن خلق ومروءة، والناتئة على اختلاط عقل، والطائرة على حدة، والتي يطول تحديقها على قحة وحمق، والتي تكسر طرفها على خفة وطيش، والشعر على الأذن يدل على جودة السمع، والأذن الكبيرة المنتصبة تدل على حمق وهذيان.
وهذه أقوالٌ لا تؤخذُ إلاّ بحذرٍ شديد حتى لا يقعَ المرء مطلقاً في سوء الظّنّ الذي نهى الله عزّ وجلّ منه
وقال النويري أيضاً: وقالت الحكماء في الفراسة: من كانت فزعته في رأسه، فذاك الذي يفر من أمه وأبيه، وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه.
ويقال: أسرَعُ الناسِ إلى الفتنة أقلُّهم حَياءً من الفرار. وقال هانيء الشيباني لقومه يوم ذي قار يحرضهم على القتال: يا بني بكر! هالك معذور، خيرٌ من ناجٍ فَرور، المَنية، ولا الدَّنِيّة، استقبالُ الموتِ خيرٌ منه استدبارِه، الثغر في ثغور النحور، خير من في الأعجاز والظهور، يا بني بكر! قاتلوا، فما من المنايا بدٌ، الجبان مبغض حتى لأمه، والشجاع محببٌ حتى لعدوه.
10- أمّا ما يُروى من حديث: «اتَّقوا فِراسةَ المؤمِنِ فإنّه ينظُرُ بنورِ الله» فقد ذكَرَ فيه صاحبُ كتابِ "الكامل في ضعفاءِ الرِّجالِ" كلاماً في بعض رواتِه، برغم أنّ الطّبراني رواه بإسنادٍ حسن، ولكنّ الشّيخين لم يورِداه في صحيحيْهِما
11- وقال ابنُ أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" (وهو معتزليّ) : قيل: الفراسةُ سواطعُ أنوارٍ لَمَعَت في القلوب حتى شَهِدت الأشياءُ من حيث أشْهَدَها الحقُّ إياها، وكلُّ مَن كان أقوى إيمانا كانَ أشدَّ فِراسةً . وكان يُقال: إذا صحت الفراسة ارتقى منها صاحبها الى المشاهدة
=============
لا نستطيع أن نجزم بأنّ الفراسة هي الحاسّة السّادسة؛ لأنّ الحاسّة السّادسة ضربٌ من الحدسِ الذي يقفز بصاحِبِه إلى النتائج من دون مقدّماتٍ ولا تسلسل منطقيّ، أمّا الفراسة فهي ضربٌ من التّفرُّسِ في الشّيء بوسائل معيّنة، وقد سبقت الإشارةُ إلى أنَّه علمٌ يعتمدُ على علاماتٍ وأماراتٍ، كإطالة النظر إلى الناس لمعرفة أحوالِهِم واستطلاع أخبارِهم بما فيهم من علاماتٍ تدلّ على ذلك، كالخِلْقة والأصوات، والشمائل...، والاستدلال بتركيب أعضاء الناس على أخلاقهم...
===========
هناك جَوانِبُ متداخلةٌ جدّاً في الموضوع، تتقاطع في بعض الخصائص دون أخرى.
ولا بدّ من إجراء دراسةٍ موازنةٍ بين الفِراسة، والتّوسّم، والحدس، والحاسّة السّادسة، لمعرفة الفروق الدّقيقة والوقوف على حقيقة كلّ مصطلحٍ بمنهجٍ علميّ دقيق.
وأمّا الثّقافة الغربية فالذي أعلم عنها أنّها تتداولُ مصطلَحاً مشهوراً هو ( Telepathy ) وهي كلمة مركّبةٌ من (Tele)
ومعناها باللاتينيّة: بعيد ، و(Pathos) ومعناها الشعور المبكِّر، أو الاستشعار عن بُعدٍ، إن صحّ التّعبير، ولكنّ المجموعة العلميّة في أوربّا لم تُسلِّم بعدُ بعلميّةِ الشعور عن بُعد، بلْ لم تُدرِجْه في صميمِ مباحث علم النّفس، وإنّما حظّه أنّه في شعبة من شعبِ علم النّفسِ، ولم يُعتَرَفْ بعلميّتِه بعدُ ، وتُدعى هذه الشّعبة بـ ( Parapsychology ) أي شبه علم النّفس أو علم النفس الماورائي، وهي شعبةٌ لم تستكملْ بعدُ صفتَها العلميّةَ المُعترََفَ بِها، كَما قلنا، وقد عُدّ هذا الاستشعارُ داخلاً في هذه الدّراسات الماورائيّة؛ لأنّ موضوع هذا الشّعور غيرُ خاضعٍ لقبضةِ الملاحظة
================
وأحب أن أضيف هنا هذه القصة عن الفراسة عند العرب القدماء أعجبتني .
قصة أبناء نزار بن معد بن عدنان
لما حضرت نزار الوفاة دعا اياداً وعنده جارية شمطاء، وقال: هذه الجارية الشمطاء وما أشببها لك0
ودعا أنماراً وهو في مجلس له وقال:هذه البدرة، والمجلس زما اشبههما لك،ودعا ربيعة وأعطاه حبالاً سوداً من شعر، وقال: هذه وما اشبهها لك، وأعطى مضر قبة حمراء، وقال: هذه وما اشبهها لك، ثم قال: وإن أشكل عليكم شئ ، فأتوا الأفعى بن الأفعى الجرهمي- وكان ملك نجران0
فلما مات نزار ركبوا رواحلهم قاصدين الأفعى تنفيذا لوصية والدهم، فلما كانوا من نجران على مسافة يوم، اذا هم بأثر بعير، فقال إياد: انه أعور! فقال أنمار وإنه لأبتر! فقال ربيعة: وإنه لأزْور! وقال مضر: وإنه لشارد00لايستقر!
فلم يلبثوا حتى جاءهم راكب، فلما وصلهم قال: هل رأيتم بعير ضال؟
فوصفوه له كما تقدم00فقال الراكب: إن هذه لصفته عينا، فأين بعيري؟ قالوا 00مارأينا! فقال:أنتم أصحاب بعيري، وما أخطئتم من نعته شيئا!
فلما أناخوا بباب الأفعى وأستأذنوه، واذن لهم، صاح الرجل بالباب، فدعا به الأفعى، وقال له ما تقول؟ قال: أيها الملك، ذهب هؤلاء ببعيري! فسألهم الفعى عن شأنه، فأخبروه،فقال لإياد :مايدريك انه أعور؟ قال: رأيته قد لحس الكلأ من شق والشق الآخر وافر!
وقال أنمار: رأيته يرمي بعره مجتمعا ولو كان أهلب لمصع به! فعلمت انه أبتر!
وقال ربيعة:أثرُ احدى يديه ثابت، أما الآخر فاسد، فعلمت أنه أزور!
وقال مضر:رأيته يرعى الشقة من الأرض ثم يتعداها فيمر بالكلأ الغض فلا ينهش منه شيئا، فعلمت انه شرود!
فقال الأفعى:صدقتم! وليسوا بأصحابك فالتمس بعيرك0
ثم سألهم الأفعى عن نسبهم فأخبروه، فرحب بهم وحيّاهم، ثم قصوا عليه قصة أبيهم، فقال لهم:كيف تحتاجون إليّ وأنتم على ما أرى؟ قالوا: أمرنا بذلك أبونا، فأمر خادم دار ضيافته أن يحسن ضيافتهم، ويكثر مثواهم، وأمر وصيفا له ان يلتزمهم ويحفظ كلامهم، فأتاهم القهرمان بشهد فأكلوه، فقالوا: ما رأينا شهدا أطيب ولا أعذب منه، فقال إياد: صدقتم لولا ان نحله في هامة جبّار! ثم جاءهم بشاة مشوية، فأكلوها واستطابوها ، فقال أنمار:صدقتم لولا انها غذيت بلبن كلبه! ثم جاءهم بالشراب فاستحسنوه، قفال ربيعة: لولا ان كرمته نبتت على قبر! ثم قالوا: ما رأينا منزلا أكرم قِرى ولا أخصب رَحْلاً من هذا الملك، فقال مضر: صدقتم لولا انه لغير أبيه!!!!!!!!!!
فذهب الغلام الى الأفعى فأخبره بكل ما سمع مما دار بينهم، فدخل الأفعى على أمه فقال: أقسمت عليك الا أن تخبرينني من أبي؟؟؟
قالت: أنت الأفعى ابن الملك الأكبر، قال حقا لتصدقينني! فلما ألح عليها قالت أي بني: إن الأفعى كان شيخا قد أُ ثقل، فخشيت ان يخرج هذا الأمر عن أهل هذا البيت، وكان عندنا شاب من أبناء الملوك اشتملت عليك منه، ثم بعث الى القهرمان فقال: أخبرني عن الشهد الذي قدمته الى هؤلاء النفر ما خطبه؟ قال: طلبت من صاحب المزرعة أن يأتيني بأطيب عسل عنده فدار جميع المناحل فلم يجد أطيب من هذا العسل الا أن النحل وضعه في جمجمة في كهف، فوجدته لم يُر مثله قط فقدمته لهم!
فقال: وما هذه الشاه؟ إني بعثت الى الراعي بأن يأتيني باسمن شاة عنده،فبعث بها وسألته عنها فقال:انها أول ما ولدت من غنمي فماتت أمها، وأنِست بجراء الكلبة ترضع معهم، فلم أجد في غنمي مثلها فبعثت بها!!
ثم بعث الى صاحب الشراب وسأله عن شأن الخمر فقال: هي كرمة غرستها على قبر أبيك، فليس في بلاد العرب مثل شرابها0
فعجب الأفعى من القوم وقال: ماهم الا شياطين! ثم أحضرهم وسألهم عن وصية أبيهم، فقال إياد: جعل لي خادمة شمطاء وما اشبهها، فقال الأفعى:انه ترك غنما برشاء فهي لك ورعاؤها من الخدم! وقال أنمار:جعل إليّ بدرة ومجلسه وما أشبهها،فقال: لك مارتك من الرقة، والأرض! وقال ربيعة:جعل لي حبالا سودا وما اشبهها،ترك أبوك خيلا دهما وسلاحا فهي لك وما معها من موالي! فقيل ربيعة الفرس، وقال مضر: جعل لي قبة حمراء وما اشبهها، قال ان أباك ترك ابلا حمراء فهي لك، فقيل مضر الحمراء0
===============
نقلاً عن
http://www.al-maqha.com./showthread.php?t=778
[/size]
كان عِلْمُ (الفراسةِ) وما يزال عِلْماً عجيباً مثيراً، لأنّه قائمٌ على تفرُّس صاحبه في الأشخاص والأحوال التي يراها وتأمُّله فيها بدقَّة لا تتوافر لغيره تؤهِّله لمعرفة ما يخفى على غيره من الناس من الطِّباع والأحوال، وهو قائم على النظر الثاقب، والذهن الوقَّاد الصافي من جهة، وعلى علمٍ ودرايةٍ بدلائل الأشكال والمظاهر على ما وراءها من الطباع والصفات، وعلم الفراسة قائمٌ على خلاصة تجارب البشر عبْر الأزمان والأجيال، وعلى نتائج المتابعات الدقيقة لحالات الأُمم والشعوب والمخلوقات.
وليس في علم الفراسةِ من ادِّعاء الغيب شيءٌ على الإطلاق لأنّه يقوم على مقارنات، وتقديرات تجريها العقول الذكيَّة لكثير من الحالات، فهي شبيهة بالمسائل الرياضية والمعادلات الكيميائية التي يختلف الناس في معرفتها والإلمام بها.
ولقد كان وما زال بعض الناس مشهورين بالفراسة، قادرين عليها، وفي طيَّات كُتب السِّيَر وتاريخ الأُمم آلافُ القصص والعجائب الدَّالة على ذلك، وفي الواقع المعاصر مواقف في علم الفراسة يعرفها الناس ويتناقلونها.
وقد نُقل عن الإمام الشافعي - رحمه الله - أنه تعلَّم علم الفراسة فترة من الزَمَنْ، وكان يتعرَّف على الناس من خلال ما تعلَّم أحياناً، وقد عُرف ذلك عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، واشتهر بالفراسة عددٌ من القضاة يأتي في مقدِّمتهم إياس بن معاوية، وشُريح وغيرهما.
وقد عُرف عن الخليفة العباسي (المعتضد بالله) أنّه كان قويَّ الفراسة ثاقب النظرة بصورة عجيبة مثيرة كانت تدهش الناس.
ومن طرائف فراسة (المعتضد بالله) ما رُوي عنه من أنّه أمر ذات يوم بأن يُعَدَّ له مجلسٌ يرى منه العُمَّال والصُنَّاع وهم يشتغلون، وجلس في ذلك المجلس يتأمَّل عمل العاملين، فرأى من بين العمَّال عاملاً أسود منكر الخلقه، قويّ الجسد، شديد المرح، وكان يعمل بجدٍّ ونشاط أضعاف ما يعمل غيره، وكان يقفز درجتين وهو ينقل ما يحمل، فأنكر المعتضد بالله أمره، وأمر بإحضاره وسأله عن حاله، فاضطرب العامل وتَلَجْلَجَ، فقال المعتضد بالله لجلسائه: هل وقع في نفوسكم من أمر هذا العامل ما وقع في نفسي، فقالوا، وَمَنْ هذا حتى تصرف نظرك إليه يا أمير المؤمنين، فقال: لقد وقع في نفسي منه شيءٌ، فإمّا أن يكون معه دنانير قد ظفر بها دفعة، وإمّا أنّه لصٌّ يتستّر بالعمل.
ثم دعا به وشدَّد عليه في المسألة، وهدَّده بالقتل إنْ لم يصدق، فقال: أصدق ولي الأمان، قال المعتضد بالله: نعم لك الأمان إلاّ فيما يجب عليك بشرع الله، فظنَّ العامل أنّ أمير المؤمنين قد أمَّنه ولم ينتبه إلى الاستثناء فقال: كنت أعمل أجيراً، فمرَّ بي رجلٌ في وسطه حزام، فجلس قريباً مني دون أن يراني، فحلَّ الحزام وأخرج منه الدنانير، وإذا بالحزام مليءٌ بالدنانير، فهجمت عليه وكتفته وشدَدْتُ على فمه، وأخذت الحزام، وحملت الرجل على كتفي وطرحته في حفرة، وطيَّنته بالطين، ثم عدت إليه بعد مدَّة من الزمن فأخرجت بقايا جسده، وألقيت بها في دجلة.
فأنفذ المعتضد من أحضر الدنانير من منزل العامل فإذا باسم صاحب الحزام مكتوب عليه، فأمر بالبحث عن أهل صاحب الاسم فعثروا على امرأة قالت: هذا زوجي، ولي منه هذا الطفل خرج وقت كذا وكذا ومعه ألف دينار فغاب إلى الآن.
فسلَّم الدنانير إلى امرأته وأمرها أن تعتدّ، وأمر بضرب عنق العامل ودَفْنِه في تلك الحفرة، فعجب جلساء المعتضد بالله أشدَّ العجب مما رأوا.
قصة من آلاف القصص من أراد الاستزادة منها فلْيرجع إلى بعض كتب الفراسة وفي مقدِّمتها كتاب (الفراسة) لابن القيم رحمه الله.
===========
موضوع رائع حقا، أيتها الأخت الكريمة، فالفراسة علم يعتمد على أماراتٍ وعلامات. وذوو الفراسةِ لهم خصائص معيّنة وأفعال يقومون بها:
1- من ذلك ما حكاه الطّبري في "تاريخ الملوك والأمم" عن أبي السمراء، قال: خرجنا مع الأمير عبد الله بن طاهر إلى مصر؛ حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق؛ إذا نحن بأعرابي قد اعترض؛ فإذا شيخ فيه بقيه على بعير له أورق، فسلم علينا فرددنا عليه السلام. قال أبو السمراء: وأنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي وإسحاق بن أبي ربعي، ونحن نساير الأمير، وكنا يومئذ أفره من الأمير دواب ، وأجود منه كساً. قال: فجعل الأعرابي ينظر في وجوهنا، قال " فقال: يا شيخ؛ قد ألححت في النظر، أعرفت شيئاً أم أنكرته؟ قال: لا والله ما عرفتكم قبل يومي هذا، ولا أنكرتكم لسوء أراه فيكم؛ ولكني رجل حسن الفراسة في الناس، جيد المعرفة بهم.
والشّاهد في القصة التي رواها الطّبري أنّ من خصائص المتفرِّسِ أو صاحبِ الفِراسة إطالة النّظر إللى النّاس لمعرفة أحوالهم واستطلاع أخبارِهم بما فيهم من علاماتٍ تدلّ على ذلك، كالخِلْقة والأصوات، والشمائل...
2- وذكر ابن العبري في "تاريخ مختصَر الدّول" أنّ من الحكماء المعاصرين للطبيب اليوناني أبقراط: فيليمون وكان عالماً في فن من فنون الطبيعة، اعني الفراسة، إذا رأى شخصاً استدل بتركيب أعضائه على أخلاقه...
3- وفسَّر ابنُ كثير في كتابِه "البداية والنّهاية" قولَه تعالى: (إنَّ في ذلكَ لآيةً للمؤمنين) [ الحجر: 73 - 77 ] بأنَّهُم الذين ينظرونَ بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها ؟ وكيف جعلها بعدما كانت آهلة عامرة.
4- وروى الذَّهبيّ في "تاريخ الإسلام" أنّ إياسَ بنَ معاويةَ المزني البصري قاضي البصرة وأحد الأعلام، الذي روى عن أبيه وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعِدَّة، ورَوى عنه خالد الحذاء وشعبة وحماد بن سلمة ومعاوية بن عبد الكريم الضال وآخرون... كان أحدَ مَن يُضْرَبُ به المثلُ في الذكاء والرأي والسؤدد والعقل، وقال إبراهيمُ بنُ مرزوقٍ: كنا نكتب عنه الفراسة كما نكتب من صاحب الحديثِ الحديثَ
5- وفي "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، أنّ رجلاً سألَ سمنونَ الحكيمَ عن الفراسة وحقيقتها فقال سمنون: « مَن تفرسَ في نفسه فَعَرَفَها صَحَّت له الفِراسةُ في غَيرِه وأحْكَمَها » .
6- وينبغي من الناحيةِ اللغوية التمييزُ بين الفِراسةِ، وهي موضوع هذه المشاركة، والفَراسة بفتحِ الفاء، وهي الفروسيّة (انظر في ذلك: تصحيح التّصحيف وتحرير التّحريف، للصَّفَديّ)
7- وعرَّفوا الفِراسةَ بأنّها الحَدْسُ والحَزرُ والرّميُ بالظّنّ، ولكن عن علم لا عن غيب (انظر أساس البلاغة للزمخشري)
8- وذكَر ابنُ قتيبَةَ في "عيون الأخبار" أنّه قرأ في كتاب الهند في الفراسة والتوسّم، أنه قيل في الفراسة والتّوسّم: إنه من صغرت عينه، ودامَ اختلاجه، وتتابع طرفه، ومال أنفه إلى أيمن شقّيه، وبَعُدَ ما بَينَ حاجبيْه، وكانت منابت شعره ثلاثا ثلاثا، وطال إكبابُه إذا مشى، وتلفّت تارة بعد أخرى.........
وهذا رأي الهند في المتفرِّس
وللحديث بقية إن شاء الله
========================
[size=9]وليس في علم الفراسةِ من ادِّعاء الغيب شيءٌ على الإطلاق لأنّه يقوم على مقارنات، وتقديرات تجريها العقول الذكيَّة لكثير من الحالات، فهي شبيهة بالمسائل الرياضية والمعادلات الكيميائية التي يختلف الناس في معرفتها والإلمام بها.
ولقد كان وما زال بعض الناس مشهورين بالفراسة، قادرين عليها، وفي طيَّات كُتب السِّيَر وتاريخ الأُمم آلافُ القصص والعجائب الدَّالة على ذلك، وفي الواقع المعاصر مواقف في علم الفراسة يعرفها الناس ويتناقلونها.
وقد نُقل عن الإمام الشافعي - رحمه الله - أنه تعلَّم علم الفراسة فترة من الزَمَنْ، وكان يتعرَّف على الناس من خلال ما تعلَّم أحياناً، وقد عُرف ذلك عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، واشتهر بالفراسة عددٌ من القضاة يأتي في مقدِّمتهم إياس بن معاوية، وشُريح وغيرهما.
وقد عُرف عن الخليفة العباسي (المعتضد بالله) أنّه كان قويَّ الفراسة ثاقب النظرة بصورة عجيبة مثيرة كانت تدهش الناس.
ومن طرائف فراسة (المعتضد بالله) ما رُوي عنه من أنّه أمر ذات يوم بأن يُعَدَّ له مجلسٌ يرى منه العُمَّال والصُنَّاع وهم يشتغلون، وجلس في ذلك المجلس يتأمَّل عمل العاملين، فرأى من بين العمَّال عاملاً أسود منكر الخلقه، قويّ الجسد، شديد المرح، وكان يعمل بجدٍّ ونشاط أضعاف ما يعمل غيره، وكان يقفز درجتين وهو ينقل ما يحمل، فأنكر المعتضد بالله أمره، وأمر بإحضاره وسأله عن حاله، فاضطرب العامل وتَلَجْلَجَ، فقال المعتضد بالله لجلسائه: هل وقع في نفوسكم من أمر هذا العامل ما وقع في نفسي، فقالوا، وَمَنْ هذا حتى تصرف نظرك إليه يا أمير المؤمنين، فقال: لقد وقع في نفسي منه شيءٌ، فإمّا أن يكون معه دنانير قد ظفر بها دفعة، وإمّا أنّه لصٌّ يتستّر بالعمل.
ثم دعا به وشدَّد عليه في المسألة، وهدَّده بالقتل إنْ لم يصدق، فقال: أصدق ولي الأمان، قال المعتضد بالله: نعم لك الأمان إلاّ فيما يجب عليك بشرع الله، فظنَّ العامل أنّ أمير المؤمنين قد أمَّنه ولم ينتبه إلى الاستثناء فقال: كنت أعمل أجيراً، فمرَّ بي رجلٌ في وسطه حزام، فجلس قريباً مني دون أن يراني، فحلَّ الحزام وأخرج منه الدنانير، وإذا بالحزام مليءٌ بالدنانير، فهجمت عليه وكتفته وشدَدْتُ على فمه، وأخذت الحزام، وحملت الرجل على كتفي وطرحته في حفرة، وطيَّنته بالطين، ثم عدت إليه بعد مدَّة من الزمن فأخرجت بقايا جسده، وألقيت بها في دجلة.
فأنفذ المعتضد من أحضر الدنانير من منزل العامل فإذا باسم صاحب الحزام مكتوب عليه، فأمر بالبحث عن أهل صاحب الاسم فعثروا على امرأة قالت: هذا زوجي، ولي منه هذا الطفل خرج وقت كذا وكذا ومعه ألف دينار فغاب إلى الآن.
فسلَّم الدنانير إلى امرأته وأمرها أن تعتدّ، وأمر بضرب عنق العامل ودَفْنِه في تلك الحفرة، فعجب جلساء المعتضد بالله أشدَّ العجب مما رأوا.
قصة من آلاف القصص من أراد الاستزادة منها فلْيرجع إلى بعض كتب الفراسة وفي مقدِّمتها كتاب (الفراسة) لابن القيم رحمه الله.
===========
موضوع رائع حقا، أيتها الأخت الكريمة، فالفراسة علم يعتمد على أماراتٍ وعلامات. وذوو الفراسةِ لهم خصائص معيّنة وأفعال يقومون بها:
1- من ذلك ما حكاه الطّبري في "تاريخ الملوك والأمم" عن أبي السمراء، قال: خرجنا مع الأمير عبد الله بن طاهر إلى مصر؛ حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق؛ إذا نحن بأعرابي قد اعترض؛ فإذا شيخ فيه بقيه على بعير له أورق، فسلم علينا فرددنا عليه السلام. قال أبو السمراء: وأنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي وإسحاق بن أبي ربعي، ونحن نساير الأمير، وكنا يومئذ أفره من الأمير دواب ، وأجود منه كساً. قال: فجعل الأعرابي ينظر في وجوهنا، قال " فقال: يا شيخ؛ قد ألححت في النظر، أعرفت شيئاً أم أنكرته؟ قال: لا والله ما عرفتكم قبل يومي هذا، ولا أنكرتكم لسوء أراه فيكم؛ ولكني رجل حسن الفراسة في الناس، جيد المعرفة بهم.
والشّاهد في القصة التي رواها الطّبري أنّ من خصائص المتفرِّسِ أو صاحبِ الفِراسة إطالة النّظر إللى النّاس لمعرفة أحوالهم واستطلاع أخبارِهم بما فيهم من علاماتٍ تدلّ على ذلك، كالخِلْقة والأصوات، والشمائل...
2- وذكر ابن العبري في "تاريخ مختصَر الدّول" أنّ من الحكماء المعاصرين للطبيب اليوناني أبقراط: فيليمون وكان عالماً في فن من فنون الطبيعة، اعني الفراسة، إذا رأى شخصاً استدل بتركيب أعضائه على أخلاقه...
3- وفسَّر ابنُ كثير في كتابِه "البداية والنّهاية" قولَه تعالى: (إنَّ في ذلكَ لآيةً للمؤمنين) [ الحجر: 73 - 77 ] بأنَّهُم الذين ينظرونَ بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها ؟ وكيف جعلها بعدما كانت آهلة عامرة.
4- وروى الذَّهبيّ في "تاريخ الإسلام" أنّ إياسَ بنَ معاويةَ المزني البصري قاضي البصرة وأحد الأعلام، الذي روى عن أبيه وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعِدَّة، ورَوى عنه خالد الحذاء وشعبة وحماد بن سلمة ومعاوية بن عبد الكريم الضال وآخرون... كان أحدَ مَن يُضْرَبُ به المثلُ في الذكاء والرأي والسؤدد والعقل، وقال إبراهيمُ بنُ مرزوقٍ: كنا نكتب عنه الفراسة كما نكتب من صاحب الحديثِ الحديثَ
5- وفي "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، أنّ رجلاً سألَ سمنونَ الحكيمَ عن الفراسة وحقيقتها فقال سمنون: « مَن تفرسَ في نفسه فَعَرَفَها صَحَّت له الفِراسةُ في غَيرِه وأحْكَمَها » .
6- وينبغي من الناحيةِ اللغوية التمييزُ بين الفِراسةِ، وهي موضوع هذه المشاركة، والفَراسة بفتحِ الفاء، وهي الفروسيّة (انظر في ذلك: تصحيح التّصحيف وتحرير التّحريف، للصَّفَديّ)
7- وعرَّفوا الفِراسةَ بأنّها الحَدْسُ والحَزرُ والرّميُ بالظّنّ، ولكن عن علم لا عن غيب (انظر أساس البلاغة للزمخشري)
8- وذكَر ابنُ قتيبَةَ في "عيون الأخبار" أنّه قرأ في كتاب الهند في الفراسة والتوسّم، أنه قيل في الفراسة والتّوسّم: إنه من صغرت عينه، ودامَ اختلاجه، وتتابع طرفه، ومال أنفه إلى أيمن شقّيه، وبَعُدَ ما بَينَ حاجبيْه، وكانت منابت شعره ثلاثا ثلاثا، وطال إكبابُه إذا مشى، وتلفّت تارة بعد أخرى.........
وهذا رأي الهند في المتفرِّس
وللحديث بقية إن شاء الله
========================
9- وذكر النّويري في "نهاية الأرب في فنون الأدب" أنّ الفِراسةَ تعتمد على أمارات:
يقولون: عِظَمُ الجبين يدل على البَلَه، وعَرْضه يدل على قلة العقل، وصِغَره على لطف الحركة، والحاجبان إذا اتصلا على استقامة دلا على تخنيث واسترخاء، وإذا تزججا نحو الصدغين دلا على طنزٍ واستهزاء، والعين إذا كانت صغيرة الموق دلت على سوء دخلة، وخبث شمائل، وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد، والعين المتوسطة في حجمها دليل فطنة وحسن خلق ومروءة، والناتئة على اختلاط عقل، والطائرة على حدة، والتي يطول تحديقها على قحة وحمق، والتي تكسر طرفها على خفة وطيش، والشعر على الأذن يدل على جودة السمع، والأذن الكبيرة المنتصبة تدل على حمق وهذيان.
وهذه أقوالٌ لا تؤخذُ إلاّ بحذرٍ شديد حتى لا يقعَ المرء مطلقاً في سوء الظّنّ الذي نهى الله عزّ وجلّ منه
وقال النويري أيضاً: وقالت الحكماء في الفراسة: من كانت فزعته في رأسه، فذاك الذي يفر من أمه وأبيه، وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه.
ويقال: أسرَعُ الناسِ إلى الفتنة أقلُّهم حَياءً من الفرار. وقال هانيء الشيباني لقومه يوم ذي قار يحرضهم على القتال: يا بني بكر! هالك معذور، خيرٌ من ناجٍ فَرور، المَنية، ولا الدَّنِيّة، استقبالُ الموتِ خيرٌ منه استدبارِه، الثغر في ثغور النحور، خير من في الأعجاز والظهور، يا بني بكر! قاتلوا، فما من المنايا بدٌ، الجبان مبغض حتى لأمه، والشجاع محببٌ حتى لعدوه.
10- أمّا ما يُروى من حديث: «اتَّقوا فِراسةَ المؤمِنِ فإنّه ينظُرُ بنورِ الله» فقد ذكَرَ فيه صاحبُ كتابِ "الكامل في ضعفاءِ الرِّجالِ" كلاماً في بعض رواتِه، برغم أنّ الطّبراني رواه بإسنادٍ حسن، ولكنّ الشّيخين لم يورِداه في صحيحيْهِما
11- وقال ابنُ أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" (وهو معتزليّ) : قيل: الفراسةُ سواطعُ أنوارٍ لَمَعَت في القلوب حتى شَهِدت الأشياءُ من حيث أشْهَدَها الحقُّ إياها، وكلُّ مَن كان أقوى إيمانا كانَ أشدَّ فِراسةً . وكان يُقال: إذا صحت الفراسة ارتقى منها صاحبها الى المشاهدة
=============
لا نستطيع أن نجزم بأنّ الفراسة هي الحاسّة السّادسة؛ لأنّ الحاسّة السّادسة ضربٌ من الحدسِ الذي يقفز بصاحِبِه إلى النتائج من دون مقدّماتٍ ولا تسلسل منطقيّ، أمّا الفراسة فهي ضربٌ من التّفرُّسِ في الشّيء بوسائل معيّنة، وقد سبقت الإشارةُ إلى أنَّه علمٌ يعتمدُ على علاماتٍ وأماراتٍ، كإطالة النظر إلى الناس لمعرفة أحوالِهِم واستطلاع أخبارِهم بما فيهم من علاماتٍ تدلّ على ذلك، كالخِلْقة والأصوات، والشمائل...، والاستدلال بتركيب أعضاء الناس على أخلاقهم...
===========
هناك جَوانِبُ متداخلةٌ جدّاً في الموضوع، تتقاطع في بعض الخصائص دون أخرى.
ولا بدّ من إجراء دراسةٍ موازنةٍ بين الفِراسة، والتّوسّم، والحدس، والحاسّة السّادسة، لمعرفة الفروق الدّقيقة والوقوف على حقيقة كلّ مصطلحٍ بمنهجٍ علميّ دقيق.
وأمّا الثّقافة الغربية فالذي أعلم عنها أنّها تتداولُ مصطلَحاً مشهوراً هو ( Telepathy ) وهي كلمة مركّبةٌ من (Tele)
ومعناها باللاتينيّة: بعيد ، و(Pathos) ومعناها الشعور المبكِّر، أو الاستشعار عن بُعدٍ، إن صحّ التّعبير، ولكنّ المجموعة العلميّة في أوربّا لم تُسلِّم بعدُ بعلميّةِ الشعور عن بُعد، بلْ لم تُدرِجْه في صميمِ مباحث علم النّفس، وإنّما حظّه أنّه في شعبة من شعبِ علم النّفسِ، ولم يُعتَرَفْ بعلميّتِه بعدُ ، وتُدعى هذه الشّعبة بـ ( Parapsychology ) أي شبه علم النّفس أو علم النفس الماورائي، وهي شعبةٌ لم تستكملْ بعدُ صفتَها العلميّةَ المُعترََفَ بِها، كَما قلنا، وقد عُدّ هذا الاستشعارُ داخلاً في هذه الدّراسات الماورائيّة؛ لأنّ موضوع هذا الشّعور غيرُ خاضعٍ لقبضةِ الملاحظة
================
وأحب أن أضيف هنا هذه القصة عن الفراسة عند العرب القدماء أعجبتني .
قصة أبناء نزار بن معد بن عدنان
لما حضرت نزار الوفاة دعا اياداً وعنده جارية شمطاء، وقال: هذه الجارية الشمطاء وما أشببها لك0
ودعا أنماراً وهو في مجلس له وقال:هذه البدرة، والمجلس زما اشبههما لك،ودعا ربيعة وأعطاه حبالاً سوداً من شعر، وقال: هذه وما اشبهها لك، وأعطى مضر قبة حمراء، وقال: هذه وما اشبهها لك، ثم قال: وإن أشكل عليكم شئ ، فأتوا الأفعى بن الأفعى الجرهمي- وكان ملك نجران0
فلما مات نزار ركبوا رواحلهم قاصدين الأفعى تنفيذا لوصية والدهم، فلما كانوا من نجران على مسافة يوم، اذا هم بأثر بعير، فقال إياد: انه أعور! فقال أنمار وإنه لأبتر! فقال ربيعة: وإنه لأزْور! وقال مضر: وإنه لشارد00لايستقر!
فلم يلبثوا حتى جاءهم راكب، فلما وصلهم قال: هل رأيتم بعير ضال؟
فوصفوه له كما تقدم00فقال الراكب: إن هذه لصفته عينا، فأين بعيري؟ قالوا 00مارأينا! فقال:أنتم أصحاب بعيري، وما أخطئتم من نعته شيئا!
فلما أناخوا بباب الأفعى وأستأذنوه، واذن لهم، صاح الرجل بالباب، فدعا به الأفعى، وقال له ما تقول؟ قال: أيها الملك، ذهب هؤلاء ببعيري! فسألهم الفعى عن شأنه، فأخبروه،فقال لإياد :مايدريك انه أعور؟ قال: رأيته قد لحس الكلأ من شق والشق الآخر وافر!
وقال أنمار: رأيته يرمي بعره مجتمعا ولو كان أهلب لمصع به! فعلمت انه أبتر!
وقال ربيعة:أثرُ احدى يديه ثابت، أما الآخر فاسد، فعلمت أنه أزور!
وقال مضر:رأيته يرعى الشقة من الأرض ثم يتعداها فيمر بالكلأ الغض فلا ينهش منه شيئا، فعلمت انه شرود!
فقال الأفعى:صدقتم! وليسوا بأصحابك فالتمس بعيرك0
ثم سألهم الأفعى عن نسبهم فأخبروه، فرحب بهم وحيّاهم، ثم قصوا عليه قصة أبيهم، فقال لهم:كيف تحتاجون إليّ وأنتم على ما أرى؟ قالوا: أمرنا بذلك أبونا، فأمر خادم دار ضيافته أن يحسن ضيافتهم، ويكثر مثواهم، وأمر وصيفا له ان يلتزمهم ويحفظ كلامهم، فأتاهم القهرمان بشهد فأكلوه، فقالوا: ما رأينا شهدا أطيب ولا أعذب منه، فقال إياد: صدقتم لولا ان نحله في هامة جبّار! ثم جاءهم بشاة مشوية، فأكلوها واستطابوها ، فقال أنمار:صدقتم لولا انها غذيت بلبن كلبه! ثم جاءهم بالشراب فاستحسنوه، قفال ربيعة: لولا ان كرمته نبتت على قبر! ثم قالوا: ما رأينا منزلا أكرم قِرى ولا أخصب رَحْلاً من هذا الملك، فقال مضر: صدقتم لولا انه لغير أبيه!!!!!!!!!!
فذهب الغلام الى الأفعى فأخبره بكل ما سمع مما دار بينهم، فدخل الأفعى على أمه فقال: أقسمت عليك الا أن تخبرينني من أبي؟؟؟
قالت: أنت الأفعى ابن الملك الأكبر، قال حقا لتصدقينني! فلما ألح عليها قالت أي بني: إن الأفعى كان شيخا قد أُ ثقل، فخشيت ان يخرج هذا الأمر عن أهل هذا البيت، وكان عندنا شاب من أبناء الملوك اشتملت عليك منه، ثم بعث الى القهرمان فقال: أخبرني عن الشهد الذي قدمته الى هؤلاء النفر ما خطبه؟ قال: طلبت من صاحب المزرعة أن يأتيني بأطيب عسل عنده فدار جميع المناحل فلم يجد أطيب من هذا العسل الا أن النحل وضعه في جمجمة في كهف، فوجدته لم يُر مثله قط فقدمته لهم!
فقال: وما هذه الشاه؟ إني بعثت الى الراعي بأن يأتيني باسمن شاة عنده،فبعث بها وسألته عنها فقال:انها أول ما ولدت من غنمي فماتت أمها، وأنِست بجراء الكلبة ترضع معهم، فلم أجد في غنمي مثلها فبعثت بها!!
ثم بعث الى صاحب الشراب وسأله عن شأن الخمر فقال: هي كرمة غرستها على قبر أبيك، فليس في بلاد العرب مثل شرابها0
فعجب الأفعى من القوم وقال: ماهم الا شياطين! ثم أحضرهم وسألهم عن وصية أبيهم، فقال إياد: جعل لي خادمة شمطاء وما اشبهها، فقال الأفعى:انه ترك غنما برشاء فهي لك ورعاؤها من الخدم! وقال أنمار:جعل إليّ بدرة ومجلسه وما أشبهها،فقال: لك مارتك من الرقة، والأرض! وقال ربيعة:جعل لي حبالا سودا وما اشبهها،ترك أبوك خيلا دهما وسلاحا فهي لك وما معها من موالي! فقيل ربيعة الفرس، وقال مضر: جعل لي قبة حمراء وما اشبهها، قال ان أباك ترك ابلا حمراء فهي لك، فقيل مضر الحمراء0
===============
نقلاً عن
http://www.al-maqha.com./showthread.php?t=778
[/size]